“حرصًا على مصلحة الطلاب يمنع التصوير داخل المنشآت التعليمية“، هكذا ردت وزارة التربية والتعليم على طوفان السوشيال ميديا. بعد تداول صور لطلاب يفترشون الأرض، وآخرين تكتظ الفصول الدراسية بأعدادهم، بينما تبدو البنية التحتية للأبنية التعليمية متهالكة.
وزارة التعليم، هي أحدث الملاحقين لتأثير الصورة، بعد وزارة الصحة التي عانت من تبعاتها خلال الفترة الماضية. فضلاً عن منه تصوير المحاكمات. والتي أثارت جدلاً حول أحقية نقل الجلسات أو تصوير حالة المتهمين في قفص الاتهام بعد شهور أو سنوات من السجن، حيث جسدهم النحيف ووضعهم الصحي الذي يستجلب تعاطفًا. جميع الجهات واجهت تأثير الصورة بمنع التصوير.
في الحالة التعليمية، وبواقع إدراكها تأثير الصورة، كانت الوزارة حريصة على إغراق صفحتها على موقع “فيسبوك” بصورٍ مبهجة لطلاب متراصين في فناء مدرسة. يحيطهم الزهور من كل جانب، ويفصل بين كل طالب مسافة مترين. لكن الصورة السلبية لواقع المدارس التي يبدو أنها التقطت خارج حدود القاهرة الكبرى، حيث المحافظات الإقليمية قليلة الرعاية مقارنة بمدارس المناطق الراقية بأطراف العاصمة. كانت هي الأكثر تأثيرًا وتداولاً وجرَّت معها أسئلة حول واقع التعليم وآليات معالجته.
وزير التعليم، باعتباره صاحب رؤية تصحيحية لواقع التجربة المصرية، نال قسطا كبيرًا من التهكم والهجوم. رغم تفكيره في قرارات أخرى، من بينها تقسيم اليوم الدراسي إلى 3 فترات لتقليل اكتظاظ الفصول. لكن الاستجابة الفورية للمنشآت التعليمية فور تداول الصور، كتوفير مقاعد بالمدرسة التي ظهر طلابها وهم يفترشون الأرض. ذلك دفع البعض لاتهام الوزارة بالتقصير في أداء مهامها وليس ضعف الإمكانيات كما تروّج.
بخلاف التفاعل الجاري بين الإهمال والجدارة المالية، يبقى السؤال المطروح، هل يكون للصورة تأثيرًا في تصحيح المسار التعليمي. وما مدى فاعلية قرار منع التصوير في وقت أصبحت فيه السوشيال ميديا أكبر من القدرة على الرقابة. بدفع أن الوزارة لم تستطع السيطرة على تسريب امتحانات الثانوية العامة على مواقع التواصل، فهل تسيطر على تصوير فصول دراسية؟
تأثير الصورة.. البحث عن حلول
عقب تداول صور تظهر طلاب مدرسة “المثلث” الابتدائية بالخانكة يفترشون الأرض. أصدر وكيل وزارة التربية والتعليم بالقليوبية ياسر محمود قرارا بإحالة مدير مدرسة للتحقيق، وعزله من منصبه. تأثير الصورة امتد لتحول الفصل الخالي من المقاعد بعد ساعات إلى آخر يجلس تلاميذه على مقاعد خشبية جديدة.
وبعدما أظهرت صور أخرى حجم الكثافة الطلابية للفصل الواحد. من بينها صورة لفصل يضم بين جدرانه أكثر من 60 تلميذًا، في مساحته 20 مترا. وهو ما دفع وزير التربية والتعليم لإصدار قرارات للحد من تلك الكثافة, من بينها السماح للمدارس بزيادة عدد الفترات الدراسية.
ورغم أن الوقائع السابقة أبرزت حجم تأثير الصورة، إلا أن قرارات الوزير بمنع التصوير أثارت غضب مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي. الذين اعتبروا هدف تلك القرارات حجب الحقيقة والتستر على التقصير الذي يلاحق الوزارة والمدارس.
الكاتب عمار علي حسن رأى أن حل المشكلة لا يكون بإخفائها، أو الهروب من مواجهتها، أو الزعم أنها ليست موجودة. ومعاقبة كل من يتحدث عنها أو من ينتقد الحلول المطروحة، معتبرًا ذلك إنكارا لا يليق بسياسي، يوضع في موقع المسؤولية.
لا تصوير بدون إذن.. الوزير يدفع بـ”الحماية الشخصية”
“لإعادة الانضباط والقضاء على الفوضى داخل المدارس”، بتلك الكلمات برر وزير التعليم طارق شوقي، قراره بمنع التصوير. وأضاف في مداخلة هاتفية لـ برنامج رأي عام، إلى أن القرار موجود مسبقًا، لكنه غير مطبق. وأشار إلى أن القرار يحمي المدرسة “لازم نحمي هيئة التدريس والطلاب وموضوع التصوير صعب ومحدش يقبله، محدش يقبل يصور حد دون إذن خصوصًا أن الصور دي هتنزل سوشيال ميديا”.
وهنا يعتقد الوزير أن التطوير يحتاج هدوءًا وعدم التشتيت. قائلاً: “المدرسة مكان له قدسيته، حتى يتم تأهيل مكان مناسب للتعليم بعيدًا عن أي تشتت”. وشدد على أنه “غير مقبول دخول أولياء الأمور المدرسة في أي وقت وتعطيل سير العملية التعليمية أو الاحتكاك بالمدرسين”.
حرية النقد
عبد الحفيظ طايل مدير مركز الحق في التعليم، يقول إن الصور التي جرى تداولها أحرجت الوزارة. ويضيف: “الوزير يعلم حجم العجز لديه في المدرسين والمباني والفصول، وكان من المفترض أن يقوم بحل تلك المشكلات قبل بداية العام الدراسي”.
وانتقد طايل قرار منع التصوير وإدلاء المدرسين بتصريحات فيما يتعلق بعملهم. وأشار في هذا الصدد إلى أن أحد المدرسين بدمياط تم خصم 60 يومًا من راتبه بسبب كتابة منشور على “فيسبوك”. وآخر ألقي القبض عليه في القاهرة ووضعه في الحبس الاحتياطي لمدة عام، بعد انتقاده وضع التعليم والوزير.
وأكد طايل “حق المجتمع في انتقاد وضع التعليم، وليس التعامل معها باعتبارها ملكية خاصة للوزير، في حين أن الأخير موظف عام عند المجتمع الذي يريد أن يسلب حقه. فالتعليم مشكلة تتعلق بكل بيت في مصر”. وتابع: “إنه إذا استطاع الوزير منع المدرسين من التصوير فأولياء الأمور لن يكفوا عن التصوير والكتابة”.
قرارات المنع تلاحق كل تأثير
الملاحظ في تأثير الصور المتداولة عبر مواقع التواصل، أن المواطن خلق من نفسه البديل عن الصحافة فهو شاهد العيان الأول. وذلك بعد غياب المصورين الصحفيين عن الشارع، مع اشتراط الحصول على تصريح مسبق قبل التصوير.
وقائع التعليم ليست الأخيرة، فالقطاع الطبي هو الآخر كان حاضرًا في قلب التأثير الفعال للصورة. والتي كان أبرزها تصوير من داخل مستشفى الحسينية المركزي بمحافظة الشرقية، في يناير الماضي. عندما نشر فيديو يظهر حدوث وفيات لمرضى بالرعاية المركزة لمصابي كورونا نتيجة انقطاع الأكسجين. وهو الفيديو الذي أثار الرأي العام وقتها، وتقدم عدد من المحامين بشكوى للنائب العام ضد وزيرة الصحة ومسؤولين بالمحافظة، للمطالبة بفتح تحقيق موسع ومحاسبة المسؤولين.
تكرر الأمر بمستشفى زفتى العام بالغربية. وجرى التعرف على الواقعة بعد تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي معلومات عن وفاة حالات من مرضى كورونا داخل المستشفى. وذلك بسبب الإهمال الناتج عن قطع الأكسجين.
عقب تداول صور تتحدث عن الإهمال بمستشفتي الحسينية وزفتي، تحرك المسؤولون بوزارة الصحة للبحث عن سبب نقص الأكسجين. والتأكد من مخازن المستشفيات، منعًا لتكرار حالات الوفيات.
ولكن كان لوزارة الصحة رأي آخر لعدم استمرار الأمر. فقد أصدر مكتب زيروة الصحة تعميما لجميع المستشفيات، بمنع التصوير داخل المنشآت الطبية والمعامل والإسعاف وغيرها من الهيئات التابعة للوزارة.
كما أصدرت الهيئة العامة للتأمين الصحي قرارا بحظر التصوير تمامًا داخل المستشفيات سواء كان فوتوغرافيا أو فيديو. كما وجهت الوزارة بمنع حمل أجهزة المحمول مع المرضى في أقسام الرعاية المركزة لأي سبب.
وشددت الهيئة على أن من يخالف ذلك يعرض نفسه للمساءلة القانونية، سواء من العاملين أو الزائرين. وبررت ذلك “حفاظا على خصوصية المريض وراحته وحقه في الأمان. والعاملين بالقطاع الصحي والأطقم الطبية حتى يمكنهم تقديم أفضل خدمة ورعاية صحية متكاملة”.
من السوشيال ميديا إلى الإعلام والمحاكم
وخلال السنوات الأخيرة، سيطرت وسائل التواصل الاجتماعي على الصورة بشكل يجبر الصحف أحيانًا على ترتيب أولوياتها. فلم تعد تلك الصور تتوقف عن مواقع التواصل الاجتماعي، ولكنها باتت تعطى لنفسها الأهمية والأولية عند وسائل الإعلام. وذلك نظرًا لكون ملتقطتها هو الشاهد الأول.
وبعد قرارات المنع من التصوير الصادرة من جهات حكومية، وصل الأمر إلى تحديد عقوبات لتصوير المحاكمات. والعام الماضي وافق مجلس الوزراء على إضافة مادة جديدة إلى قانون العقوبات. تنص على أنه “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه. ولا تزيد على مائتي ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من صور أو سجل أو بث أو نشر أو عرض، كلمات أو صور لوقائع جلسة مخصصة لنظر دعوى جنائية أثناء انعقادها بأي وسيلة كانت”. ويحكم بمصادرة الأجهزة أو غيرها مما يكون قد استخدم في التصوير، أو ما نتج عنها، أو محوه، أو إعدامها.
“جلسات المحاكم علنية، إلا إذا قررت المحكمة سريتها مراعاة للنظام العام، أو الآداب. وفى جميع الأحوال يكون النطق بالحكم في جلسة علنية”. (المادة 187 من الدستور)
وبررت الحكومة قرارها بأن الأصل في الإنسان البراءة. وهذا الأصل يتمتع به كل متهم حتى يصدر ضده حكم بات على نحو يجعل له الحق في ألا تلتقط له أية صورة في وضع يجعله محل ازدراء الآخرين أو شكوكهم.
مخالفة دستورية
وعن القانون، يرى محمد سعد عبد الحفيظ، عضو مجلس نقابة الصحفيين أن مشروع القانون المقيد للنشر يصطدم بالدستور والمبادئ العامة. التي أقرتها نصوص الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي وقعت عليها الدولة المصرية.
وبرأي عبد الحفيظ، فإن توفير مبدأ العلانية للجمهور على هذا النحو يجعل الرأي العام رقيباً على إجراءات المحاكمة. وهو ما يدعم الثقة في القضاء والاطمئنان إلى عدالته، ويدفع القضاة إلى الحياد والتطبيق السليم للقانون.
ويوضح المحامي ياسر سعد أن العلانية، بما فيها التصوير خلال الجلسات، مبدأ عام واجب التطبيق على القضاء بكافة أنواعه. وذلك في القضايا المدنية والجنائية والإدارية وغيرها. وأكد أن سرية الجلسات هي الاستثناء، ولا يتم العمل بها إلا بطلب من الخصوم، يقدم إلى القاضي مباشرة للبت فيه.