اعتاد الذعر أن يجوب شوارع بيروت مُطمئنًا. يتمثل في الخائفين والثكالى والباحثين عن الأمان المفقود، ويخطو على دماء لا تكاد تجف حتى تعود لتملأ الشوارع. يتغذى على أطماع أمراء الحرب، وصرخات الشعب الحالم بلحظات من الأمان.

صباح اليوم، بثت القنوات المحلية اللبنانية مقاطع لأشخاص يهربون مذعورين في شوارع العاصمة خوفا على حياتهم. بعد مقتل 6 أشخاص، وإصابة نحو 20 آخرين. بسبب مظاهرة لأنصار حزب الله وحركة أمل، احتجاجا على حكم صدر برفض الشكوى التي تطالب بتغيير القاضي المكلف بقضية انفجار ميناء بيروت.

وقال الصليب الأحمر، في بيان اليوم الخميس، إنه دفع بأربع فرق إلى منطقة الطيونة، لتعمل على إسعاف المصابين ونقل المصابين الى المستشفيات. بينما أعلن بيان لحركة أمل وحزب الله أن مسلحون أطلقوا النار من فوق الأسطح على المحتجين.

 

تغريدة الجيش اللبناني على موقع تويتر

قذائف صاروخية

كانت مديرة الطوارئ في مستشفى الساحل مريم حسن صرحت في مطلع الأحداث لوكالة الأنباء الفرنسية أنه “وصل قتيل أصيب بطلق ناري في رأسه إلى المستشفى، كما هناك ثمانية مصابين، بينهم ثلاثة في حالات خطرة”.

في الوقت نفسه، طلب الجيش اللبناني من المدنيين إخلاء الشوارع في المناطق التي ينتشر فيها. وأعلن أنه سيطلق النار على أي مسلح أو أي شخص يطلق النار في هذه المناطق.

وقبل ساعات، نشر الجيش اللبناني، على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي تويتر. تغريدة جاء فيها: “وحدات الجيش المنتشرة سوف تقوم بإطلاق النار باتجاه أي مسلح يتواجد على الطرقات. وباتجاه أي شخص يقدم على إطلاق النار من اي مكان آخر. وتطلب من المدنيين إخلاء الشوارع”.

وفي تغريدة منفصلة، تناول الجيش الضحايا قائلًا: “خلال توجه محتجين إلى منطقة العدلية تعرضوا لرشقات نارية في منطقة الطيونة- بدارو. وقد سارع الجيش الى تطويق المنطقة والانتشار في أحيائها وعلى مداخلها. وبدأ تسيير دوريات، كما باشر البحث عن مطلقي النار لتوقيفهم”.

وأفاد شهود بسماع دوي قذائف صاروخية من طراز RPG7 في العاصمة بعد انتشار الجيش في الشوارع لمنع أي اشتباكات ومطاردة مطلقي النار.

 

قضية المرفأ

خرج أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت، في نهاية سبتمبر الماضي، في احتجاجات على تعليق السلطات اللبنانية التحقيق في الكارثة. زاعمين أن السياسيين ذوي النفوذ “يعرقلون العدالة ويخيفون القاضي”.

وتجمع المئات، للمطالبة بالسماح للقاضي طارق بيطار باستئناف عمله. بعد أن اضطر للتوقف، في أعقاب تقديم وزير الداخلية السابق نهاد المشنوق، بشكوى تتهم القاضي بالتحيز.

كان بيطار قد طالب البرلمان اللبناني برفع الحصانة عن ثلاثة وزراء سابقين، حتى يتمكن من متابعة التحقيقات. لكن النواب طلبوا المزيد من الأدلة قبل اتخاذ قرار بشأن رفع الحصانة.  لكن القاضي رفض طلب البرلمان.

كذلك لم يسمح وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال، باستجواب المدير العام للأمن العام، عباس إبراهيم، بشأن الانفجار.

 

مرفأ بيروت بعد الانفجار

اتهامات لكبار المسؤولين

تُعّد هذه هي المرة الثانية التي توقف فيها التحقيقات استجابة لشكاوى من مسؤولين بارزين استُدعوا للتحقيق. فقبيل تولي بيطار القضية، قرر قاضي التحقيق فادي صوان، توجيه تهمة الإهمال إلى رئيس الوزراء وقت الحادث، حسن دياب.  وأيضًا وزير المالية السابق، علي حسن خليل، ووزيري الأشغال العامة السابقين، يوسف فنيانوس، وغازي زعيتر.

أبعد صوان عن القضية بقرار من محكمة الاستئناف، في فبراير الماضي، بناء على شكوى من خليل وزعيتر. واستند القرار على قرينة أن بيت القاضي تضرر في الانفجار. وقالت المحكمة إن ذلك “يُثير مسألة عدم الحياد”. بينما أسرع رئيس الوزراء السابق بالسفر إلى الولايات المتحدة. حيث لا يمكن استدعاؤه للشهادة إلا إذا وافق البرلمان.

لكن بيطار أيضًا استدعى المسؤولين الأربعة للتحقيق، إضافة إلى وزير الداخلية السابق، وعدد من المسؤولين السابقين في الجيش والأمن. كما أصدر أمرًا بالقبض على فنيانوس بعدما رفض الامتثال للاستدعاء. ما دفع الوزير السابق إلى طلب إبعاد القاضي من محكمة الاستئناف.

 

https://www.youtube.com/watch?v=30F8-w52Nsg

تورط حزب الله

حذّر حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، في مطلع أغسطس الماضي. مما وصفه بـ “تسييس” التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، الذي وقع العام الماضي، رافضًا اتهامات حول تورط حزب الله في جلب مواد متفجرة إلى المرفأ.

وانتقد نصر الله، في خطاب تلفزيوني، القاضي بيطار الذي يحقق في الانفجار، مطالبًا إياه بتقديم دليل يدعم قراره باستدعاء المسؤولين الحاليين والسابقين للاستجواب في القضية.

وقال: “التحقيق مُسيّس. إما أن يعمل بطريقة واضحة، أو يجب على القضاء إيجاد قاضٍ آخر”. واصفًا اتهامات منتقديه بأنه متورط في جلب هذه المواد إلى المرفأ، حتى يتمكن من إيصالها إلى حكومة بشار الأسد في دمشق بأنها “مفبركة” و”سخيفة”.

كان منتقدو حزب الله قد زعموا في الأسابيع الأخيرة أن حزب الله، المتحالف مع النظام السوري، سعى لتوصيل هذه المواد بغية استخدامها في البراميل المتفجرة خلال الحرب الأهلية.

وتابع نصر الله: “وكأن حزب الله، الذي يملك أسلحة وصواريخ، يحتاج إلى إدخال النترات. وكأن مستودعاته التي تتسع لعشرات الآلاف من الصواريخ، لم تكن بها مستودعات لوضع النترات فيها”.

واتهم آخرون من الجماعات اللبنانية بجلب هذه المواد “المسلحين الذين قاتلونا في الجرود هم من احتاجوا نترات الأمونيوم لتصنيع المتفجرات”.

بلا عدالة

رغم إلقاء القبض على 20 شخصا أغلبهم من الميناء والجمارك في إطار التحقيق. لكن حتى الآن، لم يُحاسب أحد عن على انفجار مئات الأطنان من نترات الأمونيوم في مستودع في مرفأ بيروت. الذي حدث في أغسطس من العام الماضي.

أسفر الانفجار، وهو من أكبر الانفجارات غير النووية المسجلة على مستوى العالم، عن مقتل 219 شخصا وإصابة 7000 آخرين. وتدمير مساحات شاسعة من المدينة. كما ضاعف الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تُعاني منها البلاد، ودفعت ثلثي السكان إلى الفقر.

وكان الانفجار قد نتج عن حريق شب في مستودع يحوي 2750 طنًا من نترات الأمونيوم كانت مخزنة بشكل غير آمن لنحو ست سنوات. حيث وصلت الشحنة إلى الميناء في عام 2013 على متن سفينة تحمل علم مولدوفا. ومنعت بعدها من المغادرة بسبب خلاف حول مصاريف غير مدفوعة وخلل في السفينة.

وفي عام 2014 تقرر أن السفينة غير صالحة للملاحة، وصدر حكم قضائي بتفريغ حمولتها في الميناء. بينما قال المسؤولون عن الميناء والجمارك إن تحذيراتهم من الخطر الذي تشكله نترات الأمونيوم، ومطالبتهم بإخراجها من الميناء “لم تجد آذانًا مصغية”، حسب قولهم.