في مقال نشرته “الإيكونوميست” البريطانية صباح اليوم  تحت عنوان “الحريات الأكاديمية في الجامعات البريطانية في خطر”. تناولت المجلة واقع حريات العاملين بالقطاع الأكاديمي والطلاب في الجامعات. على خلفية واقعة فصل أستاذة من العاملين بجامعة ساسكس. نظرا لآرائها في مسألة التحول الجنسي.

قرار الفصل آثار هجوما واسعا ضدها من قبل العابرين جنسيا. إلى نص المقال:

تناقض بيَن

في القرن الـ 21. بعد جهود طويلة بذلها الفلاسفة من أجل تأصيل مبدأ الحريات. وحق الإنسان في اعتقاد ما يروق له وفقا لمداركه سواء بخصوص الدين أو الانتماءات الاقتصادية. أو حتى حريته في تحديد وتعديل هويته الجنسية. حيث لُقب الفيلسوف “جون لوك” بمفكر عصر التنوير لإسهاماته في الفلسفة والمنطق. وإرساء مبادئ الحريات الخاصة بالأفراد. إذ إنه دوما ما يؤكد عدم أخلاقية إجبار الناس بالسيف والنار على معتقدات بعينها. وأن العقل هو البوصلة الرئيسية لأي فرد نحو معتقداته وممارساته.

وعلى الرغم من التراكم المعرفي الذي قدمه الفلاسفة. ودراسة الأفراد والطلاب لهذه المناهج. إلا أن الحوادث المرصودة تكشف أن الأفراد لا يسمحون للآخرين في ممارسة حرياتهم في أحيان عدة. ويحاولون خنق أي مساحة أو متنفس لمن يخالفونهم في الرأي.

كاثلين ستوك
كاثلين ستوك

حيث تعرضت الأستاذة في قسم الفلسفة “كاثلين ستوك”. إلى هجوم بشع من قبل الطلاب والموظفين إلى حد تهديدات بالقتل على خلفية مقال كتبته يسلط الضوء على أسبقية الجنس البيولوجي على الهوية الجنسية. وبالتالي فإن الفرد لا يمكنه تغيير جنسه، الذكر ذكر، والأنثى انثى. ما لم يتقبله الكثيرون ما فتح النار على ستوك!.

تصعيد خطير

ومنذ عام 2019. تعرضت ستوك لحملة عنف ممنهجة. حتى بداية العام الدراسي الحالي. ونظمت مظاهرات تتهمها برهاب المتحولين جنسيا. وأضرموا النيران في  لافتات بعنوان “Stock Out”. وصلت إلى تهديدات بالقتل، وعلى ذلك، نصحتها الشرطة بتركيب كاميرات مراقبة في المنزل. إلى جانب ضرورة الاستعانة بحراس أمن.

ونظرا لتصاعد الاحتجاجات. قامت جامعة ساسكس في يناير، بإجراء تحقيق على مستوى الجامعة في “رهاب التحول الجنسي في المؤسسات التعليمية”. ولكن رضخت أمام المظاهرات، ورأت الحل في تهدئة المتذمرين بإنهاء مسيرة الأستاذة ستوك في الجامعة. بجانب غلق شبكة البحث النقدي للأبحاث الجنسانية التي أنشأتها. دون فحص عمل أو تحريات، فقط بدعوى إشاعات وهتافات.

تساؤلات منطقية

طرحت هذه الحادثة العديد من الأسئلة. أهمها حدود حرية الأفراد في الاختلاف في الرأي وإمكانية التعبير عن ذلك. إلى جانب مدى تقبل الأفراد للآراء المغايرة. خاصة في قضايا تحمل قدرا من الحساسية مثل قضية الهوية الجنسية. إذ انها ليست الواقعة الأولى. فقد تعرضت أستاذة علم الاجتماع بجامعة إدنبرة “شيرين بنيامين”. لعديد من المضايقات بسبب وجهات نظر مماثلة في عام 2019.

فضلا عن ذلك. ما مدى قانونية دعوى فصل أكاديمي على أساس تهمة رهاب العابرين جنسيا.. هل أصبح رهاب التحول الجنسي مدرجا على قائمة الموانع المشروعة أكاديميا؟!

إشكالية الحريات داخل الجامعات البريطانية

تشمل الحرية الأكاديمية حرية جميع أعضاء الجامعات – أعضاء هيئة التدريس والطلاب على حد سواء -. في البحث والمناقشة والتعبير العلمي دون رهبة أو تمييز. وتصنف بريطانيا بأنها من أكثر الدول الأوروبية تراجعا من حيث مؤشر الحرية الأكاديمية. حيث وقعت في المرتبة 27 من إجمالي 28 دولة في الاتحاد الأوروبي من حيث الحماية القانونية للحرية الأكاديمية وفقا لتقرير صادر عن اتحاد الجامعات والكليات في عام 2017.

وعلى الرغم من وجود عدد من المرجعيات بخصوص الحرية الأكاديمية منذ الستينيات. خاصة في ظل عدد من المشكلات التي عانى منها أعضاء السلك الأكاديمي منها. وعلى وجه الخصوص النقدية الجنسية والحدود المناسبة للاحتجاج. إلى أنه لا يزال الواقع يكشف أن الجامعات البريطانية تحتاج مزيد من الجهد وإصلاح جذري لمعالجة ثغور تطبيق الحرية الأكاديمية.

وفي 12 أكتوبر الجاري. صدرت مدونة قواعد السلوك لتضع الإرشادات والتعليمات حول تزويد الأفراد بمعنى وقيمة الحرية الأكاديمية. كي تكون نموذجًا لقطاع التعليم العالي في المملكة المتحدة، مستندة على مبادئ حددتها منظمة اليونسكو، وقانون إصلاح التعليم لعام 1988 وقانون التعليم العالي والبحث لعام 2017.