تصاعدت حمى الخلافات والتوترات بين تركيا والهند، مؤخرا على خلفية تدخل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في النزاع القائم حول إقليم كشمير الذي كان يتمتع بالحكم الذاتي حتى أغسطس عام 2019> والمتنازع عليه بين الهند وباكستان.

العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين شهدت ملاسنات حادة وعلنية. في ظل تعمد الرئيس التركي استعمال القضية وظيفياً في أجندته السياسية المتخمة بالصراعات لحساب أغراضه الخارجية والإقليمية. 

وإثر التحولات الميدانية والسياسية السريعة والمباغتة في أفغانستان بعد وصول حركة طالبان للحكم. بعث أردوغان، مجدداً، في جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة، نهاية سبتمبر الماضي، أزمة ضم كشمير، كما هو الحال منذ ثلاثة أعوام، وبصورة تقليدية، ما تسبب في تفاقم الأزمات بين البلدين.

كما عرج أردوغان، في كلمته، أثناء تدشين العام التشريعي الخامس للدورة الـ 27 للبرلمان التركي. على الأوضاع التي اعتبرها تحتاج إلى مواصلة دعم أنقرة، ومن بينها مسلمو الروهنغيا، وكذا “المظلومين” و”المضطهدين” في كشمير، وفلسطين، فضلاً عن الذين يقعون تحت وطأة الفقر وغياب الأمن بإفريقيا. 

الطموح التركي في كابول

إذ تحاول أنقرة منذ الانسحاب الأمريكي من كابول أن تؤدي دوراً أمنياً، تحت ذرائع متفاوتة. الأمر الذي يكشف عن مناورة تكتيكية تتمثل في تنفيذ أدوار وظيفية محددة. لصالح تخفيف الضغط وتبادل المصالح.

ويهدف أردوغان من واشنطن وقف الدعم الكردي في شمال شرق سوريا، فضلاً عن مراجعة موقفها المتشدد حيال صفقة الصواريخ الروسية. ومع العلاقات المتينة بين إسلام آباد وطالبان يبقى الدور التركي خاضعاً لشروطها.

ومثلما هو الحال في قضايا مماثلة، كأزمة مسلمي الإيجور بالصين، يرتكز خطاب الرئيس التركي على الوضع الحقوقي للفئة ذاتها في الإقليم المتاخم لحدود الصين والهند وباكستان، والذي يمثل نقطة حيوية ووازنه عبر موقعه الاستراتيجي في جنوب القارة الآسيوية. كما أنه مركز نفوذ اقتصادي وأمني أمام بكين وإسلام آباد. وسبق لأردوغان في تصريحات هجومية أن وصف الهند بأنها “أصبحت الآن دولة تنتشر فيها المذابح التي تستهدف المسلمين على يد الهندوس”.

ووفقا لمركز دراسات المستقبل، فإن الرئيس التركي عمد إلى مهاجمة الهند بشأن قضية كشمير التي “تحتلها” نيودلهي، حسب تعبيره. وذلك في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، على مدار السنوات الثلاث الأخيرة، وقد أثار ذلك القرار غضب باكستان ودعاها إلى إدانة الخطوة الهندية.

واللافت أن هجوم أردوغان على الهند قد رافقه انتقاد حاد من جانب الإخوان لها. فقد أصدرت الجماعة بيانا، مطلع الشهر الحالي، تدين فيه بشدة الحملة الدموية التي يتعرض لها مسلمو ولاية “آسام” الهندية على يد قوات الأمن. حسبما يوضح مركز المستقبل، وذلك وسط تحريض إعلامي واحتفاء من المسؤولين والسياسيين الهندوس، بل ويلاحظ أن البيان عدّ هذه الانتهاكات سببا في انفصال باكستان عن الهند، منذ سبعة عقود، وما “يجري بحق شعب كشمير المسلمة المحتلة”. 

ما وراء السياسات التركية

وتتمثل أهداف أردوغان حيال في تبني هذا الموقف وتلك السياسة العدائية ضد الهند في “تطوير وتعميق علاقات تركيا العسكرية مع باكستان على حساب جارتها الهند، خاصة بعد وصول عمران خان لرئاسة الوزراء. حيث ازداد التقارب والتعاون بينهما. فقد عقدت تركيا مؤخرا صفقات عسكرية كبرى مع باكستان في مجال الصناعات الدفاعية، مما جعلها ثاني أكبر مورد للأسلحة بعد الصين، الأمر الذي أثار قلق الهند”.

وقبل عام، كشف الرئيس التركي أثناء زيارته لباكستان ومشاركته في منتدى الأعمال التركي الباكستاني. أن أنقرة تتطلع إلى زيادة التبادل التجاري مع باكستان، الذي يبلغ حالياً 804 ملايين دولار فقط، إلى مليار دولار كمرحلة أولى، ثم زيادته إلى 5 مليارات دولار. 

وفي مطلع العام الحالي، قال وزير التجارة الباكستاني إن محادثات تدشين اتفاقية تجارة حرة بين البلدين حققت نتائج متقدمة. ووقعت البلدان عدة مذكرات تفاهم بشأن تعزيز التجارة الثنائية والمشاركة الاقتصادية والعلاقات الثقافية والاتصالية.

إقليم كشمير

تحرك هندي

وفي المقابل، قام رئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي باستغلال تناقضات تركيا التي خلفتها صراعاتها الإقليمية ومغامراتها الخارجية. فاجتمع ورئيس قبرص اليونانية ورئيسي وزراء أرمينيا واليونان. على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الاخيرة، قبل نحو شهر. وهي الدول أو بالأحرى المناطق التي شهدت خلافات جمة وصراعات عنيفة مع أردوغان. بعضها وصل لدرجة التدخل الخشن، والبعض الآخر كان بمثابة تحرش عسكري محدود.

كما ناقش وزير خارجية الهند ونظيره القبرصي في اجتماع خاص بينهما، قرار مجلس الأمن بخصوص المنطقة المتنازع عليها في شمال قبرص، بينما تخضع لسيطرة تركيا، بغية إعادة توحيد الجزيرة، الأمر الذي قد يؤدي إلى فقدان الوجود التركي أي شرعية هناك؟

ويلفت مركز المستقبل إلى أن الهند عقد في وقت سابق صفقة عسكرية مع أرمينيا بقيمة 40 مليون دولار، زودت من خلالها نيودلهي يريفان بأربعة رادارات لتحديد مواقع الأسلحة من طراز “سواثي” (SWATHI)، وذلك في تهديد صريح لتركيا التي تدخلت في صراع مع أرمينيا لصالح أذربيجان عبر ناجورنو كاراباخ.

دعم تركي للإسلاميين في الهند

وإلى ذلك، ألمحت صحيفة “هندوستان تايمز” إلى أن المنظمات الإسلامية المتشددة في عدة مناطق بالهند، بما في ذلك كيرالا وكشمير، تحصل على الدعم والتمويل من الجماعات التركية المدعومة من حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم في أنقرة. كما صرح مسؤول حكومي هندي بوجود محاولة منسقة من تركيا لتحويل المسلمين الهنود إلى متطرفين وتجنيد الأصوليين.

ويقول الدكتور أماليندو ميسرا، أستاذ السياسة الدولية بجامعة لانكستر بالمملكة المتحدة، في تقرير نشرته مجلة “ناشونال انتريست “الأمريكية، إنه “من المرجح أيضاً أن تؤثر التوترات المتزايدة بين الهند وتركيا على الدول المجاورة لهما”.

ويوضح أستاذ السياسة الدولية بجامعة لانكستر بالمملكة المتحدة أن وضع المسلمين ووضع كشمير يعتبران دائماً من “القضايا الحساسة” في السياسة الهندية. وأي شخص يتحدث عن هذه القضايا أو يثير المخاوف بشأنها، سواء داخل الهند أو خارجها، ينظر إليه بشك عميق ويعامل بدرجة معينة من العداء.

ويضيف: “من السابق لأوانه الآن معرفة من الذي سيخسر أكثر نتيجة هذا الخلاف بين الدولتين، ومع ذلك، فإن الدلائل الأولية تشير إلى أن اتجاهات السياسة الخارجية لأردوغان بالنسبة للهند قد تصبح باهظة التكاليف بالنسبة لتركيا”.

وأضاف أن “دعوات اردوغان المتكررة بأن يتم تسوية نزاع كشمير في الأمم المتحدة، رغم الموقف الدولي المعلن بأن الأمر قضية ثنائية ويتعين حسمها بين الهند وباكستان، أدت إلى موجة من ردود الفعل المتبادلة بين الهند وتركيا”.

وأوضح أن “الدلائل على الأرض تشير إلى أنه على الرغم من الخلافات الشديدة بين الهند وتركيا على مختلف المستويات، ليس من المرجح أن تظل الدولتان في كنف أي نوع من حالة الحرب الباردة منخفضة الحدة، إذ إن هناك روابط حضارية عميقة بين الدولتين، مع ضرورة تذكر أن أنقرة ونيودلهي خاضعتان لحكومتين يمينيتين – إحداهما إسلامية والأخرى هندوسية، وكثير من الانتقادات المتبادلة بين الحكومتين يرجع لخطاب كل منهما على أساس من قوميتهما الدينية”.

كما أن “المستوى الوسط من المؤسسة الحاكمة والجمهور العام في الدولتين يدركان تماماً حقيقة أن ما تشهده علاقاتهما الثنائية من تدهور هو، إلى حد كبير، نتيجة مغامرات السياسة الخارجية المثيرة للشكوك من جانب أردوغان، والحقيقة أن الأمل في كل من أنقرة ونيودلهي هو أن يستطيعا العودة إلى علاقاتهما الودية العادية”، ولذا، يتساءل ميسرا: “هل ينصت أردوغان لذلك؟”.