تسابق إدارة قناة السويس الزمن. لتنفيذ التوسعة الجديدة لقطع الطريق أمام عدة مشروعات موازية. قد تسبب تراجعا في دورها كأهم معبر مائي لنقل التجارة عالميا.
من المقرر أن تنهي هيئة قناة السويس التوسعات الجديدة بحلول عام 2023. التي تعطي حركة السفن مروًرا أسرع. كما تتغلب على أية عوائق قد تصادفها على غرار أزمة سفينة إيفرجرين التي سدت المجرى الملاحي قبل شهور..
الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، قال في تصريحات تلفزيونية. إن العمل في التوسعات بدأ منذ منتصف مايو الماضي. بأربع كراكات في البحيرات المرة الصغرى. بجانب إدخال كراكتي مهاب مميش وحسين طنطاوي للمجرى الجنوبي لتوسعة وتعميق البحيرات المرة.
تمارس الهيئة حاليًا ضغطا للجدول الزمن للتنفيذ المشروع الجديد للقناة. التي يمر بها %12 من التجارة العالمية سنويًا. بتكلفة استثمارية قدرها 14 مليار دولار. لرفع عدد السفن العابرة للمجرى الملاحي للقناة. إلى 95 سفينة يوميًا، مع خفض زمن العبور أيضا.
التوسعات المصرية تتعارض مع النشاط الروسي للسيطرة على منطقة القطب الشمالي واستثماره في نقل الطاقة. فمع ذوبان الجليد، تسعى موسكو لإنشاء ممرات مائية جديدة إلى أوروبا مستعينة بكاسحات الجليد العملاقة التي تعمل بالطاقة النووية.
مشروع ضخم
تعمل شركة روسنفت الروسية على إقامة مشروعها الضخم للنفط “فوستوك” بتكلفة 150 مليار دولار لإنتاج مليون برميل من النفط يوميًا بحلول عام 2027 بالتوازي مع توفير طريق مائي أقصر للأسواق الآسيوية عن قناة السويس، وفقًا لتقرير “سيتي جروب” .
يضم المشروع مخاطر وعيوب قد تضر بجاذبيته رغم دعمه من قبل الحكومة الروسية، فزيادة حركة المرور ونشاط كسر الجليدي يسرع من تأثيرات تغير المناخ بمنطقة القطب الشمالي، خاصة مع تأكيد وكالة الأرصاد الجوية الروسية أن الغطاء الجليدي في الطريق البحري الجديد، وصل إلى مستوى قياسي منخفض.
حاولت موسكو تسويق المشروع بقوة خلال أزمة السفينة “إيفرجرين”. حينما قال نيكولاي كورتشونوف. المبعوث الروسي للتعاون الدولي في القطب الشمالي. إن انسداد قناة السويس يجب أن يضغط على العالم، للنظر إلى طريق NSR كبديل.
وNSR هي اختصار Northern Sea Route أو طريق البحر الشمالي. وتتصدره شركات عملاقة في النفط والغاز الحكومية مثل Rosneft وGazprom وRosato و Novatek، التي استفادت من مرسوم أصدره بوتين قبل ثلاثة أعوام. يقضي بزيادة حركة الشحن عبر الممر الشمالي لتبلغ 80 مليون طن بحلول عام 2024 مقابل 32 مليون طن العام الماضي، وفقًا لمؤسسة روساتوم النووية الحكومية.
طريق القطب الشمالي
لكن الفريق مهاب مميش، مستشار رئيس الجمهورية لمشروعات محور قناة السويس والموانئ البحرية. يؤكد، في تصريحات صحفية، أن طريق القطب الشمالي يظل متجمدا نصف العام. وأبان بدء تشغيله شهد عبور 47 سفينة خلال عام كامل. وهو رقم يعادل الحركة المرور المتوسطة ليوم واحد بقناة السويس.
يتلقي المشروع القطبي دعما كبيرا من موانئ دبي العالمية التي تشغل 78 ميناء بحريًا عالميا. تتحالف مع روساتوم الروسية لتشغيل موانئ يفترض إقامتها على الممر البحري الشمالي لاختصار زمن الشحن بين الشرق والغرب. وتستهدف الخطوط بين جنوب شرق آسيا وشمال غرب أوروبا، لكنه يصادف مشكلات في الاتصالات لم يتم حلها منذ سنوات.
طالب مميش إدارة هيئة قناة السويس بتدشين لجنة تتابع تلك المشروعات، والجديد بالنسبة للقنوات البديلة والممرات البحرية حتى تكون قناة السويس، جاهزة للتعامل بكل الإجراءات في أي وقت ومع مختلف التطورات.
يستهدف المشروع الروسي في المقام الأول النفط مثله مثل مشروع آخر تلعب فيه الشركات الإماراتية دورا عبر شركتي خطوط الأنابيب الأوروبية الآسيوية المملوكة للإمارات و”ميد ريد لاند بريدج” ومقرها الإمارات أيضا، لاستخدام خط أنابيب “إيلات ــ عسقلان” لنقل النفط الإماراتي إلى أوروبا.
تخطط الشركتان لتدشين طريق بري لنقل النفط بتكلفة 0.8 مليار دولار وبطول 254 كيلومترًا، وتتحدثان عن توفير الوقت والوقود والتكاليف الخاصة بنقل النفط ذهابًا وإيابًا بين الدول الأخرى.
تنافس قوي
تستحوذ قناة السويس على 1.74 مليون برميل يوميًا تعادل 4.4٪ من الإجمالي العالمي للنفط، لكن تلك الأرقام ربما تتغير مع استهداف الروس شحن النفط عام 2024 عبر طريق بحر الشمال، وكذلك خط “إيلات ــ عسقلان” الذي ينقل كميات غير معروف حجمها حتى الآن.
يعلق أسامة ربيع على خط عسقلان بأن المشروع يستغرق 5 سنوات للانتهاء منه، وتفكر مصر في بدائله وتاثيره على سفن البترول المارة بقناة السويس، ويمكنها المواجهة عبر تقديم حوافز ومشاريع وخدمات جديدة، حتى تكون الأفضل من أي طرق أخرى.
يمثل دخول مصر في شراكة مع الصين في النقل البحري في طريق الحرير، الذي يتكون من ثلاثة خطوط بري، وجوي، وبحري، أحد االتطورات الإيجابية التي اتخذتها الهيئة وفقا لرئيسها، فالسفن المارة في طريق الحرير ستعبر قناة السويس.
ونقل موقع المونيتور الأمريكي عن مجلة فورين بوليسي أن ميزة خط الأنابيب على قناة السويس هي قدرة المحطات في عسقلان وإيلات على استيعاب الناقلات العملاقة التي تهيمن على شحن النفط حاليا لكنها أكبر من أن تناسبها قناة السويس.
وتقابل قناة السويس تلك التقارير حاليًا بالعمل على زيادة عمق القناة الجديدة والقديمة من 66 قدمًا “17 مترًا”إلى 72 قدمًا بما يتجاوز غاطس جميع السفن الجديدة ذات الأعماق الكبيرة.
يسجل أعلى رقم تم تسجيله للقطب الشمالي حتى الآن 33 مليون طن خلال 2020، وهو محدود حال مقارنته بقناة السويس التي سجلت عبور 19311 سفينة بحمولات 1.21 مليار طن خلال العام المالي 2019/ 2020، واحتلت المركز الثاني ضمن قائمة أكبر 10 مؤسسات لوجيستية بمنطقة الشرق الأوسط لعام 2021، وفقا لتصنيف فوربس.
يقول خبراء إن بعض الدول حاليًا تعمل عضوا مراقبا في مجلس القطب الشمالى لمتابعة كافة تطوراته مثل الصين وسنغافورة، وعلى مصر أن تتقدم بطلب عضو مراقب أيضًا، خاصة في ظل الاستثمارات التي تم ضخها بذلك المشروع التي تصل لـ 9 مليارات جنيه.
تحديث مستمر
منذ عقود، تتحدث إسرائيل عن مشرع لربط البحر الأحمر بالبحر الميت. بمد خط أنابيب يصل ميناء العقبة المُطِل على البحر الأحمر إلى منطقةٍ تقع على الساحل الجنوبي الشرقي للبحر الميت. بما يوفر مياه للأردن وفلسطين على حد سواء. لكن المشروع لم يرى النور بسبب التكلفة والجدوى الاقتصادية والمخاوف من إثارة مشكلات بيئية.
المشروع الذي ظل حديثا مستمرا لوسائل إعلام الاحتلال. لم يتوقف حتى بعد التأكيد على صعوبة تنفيذه. خاصة بعد أن قررت الأردن الانسحاب منه قبل أربعة شهور.
يقول الخبير الاقتصادي وليد جاب الله. إن قناة السويس ممر لا غنى عنه للتجارة العالمية بتسييرها أكثر من مليار طن بضائع سنويا. بما يمثل أكثر من 12% من التجارة العالمية، كما أنها الممر الأقل كلفة والأسهل مروراً. والأكثر ثقة في كل أوقات العام.
يقول جاب الله أن مصر تعمل حالياً على تطوير محور قناة السويس. ليُقدم خدمات ملاحية أكثر للسفن العابرة. ومناطق لوجستية تُعزز من أهمية القناة، فضلاً عن التوسع في المناطق الصناعية وتطوير الموانئ بأفضل الآليات العالمية.
القطار المكهرب
لم تتوقف الخطة الحكومية على قناة السويس. ولكن عززت من أسهمها أيضًا بمشروع القطار المكهرب الذي يربط البحرين الأحمر والمتوسط، الذي يبدأ تشغليه تجريبيًا بعد عامين بطول 660 كيلومتر.
يخلق القطار تكاملا مع دور قناة السويس في نقل البضائع وانسيابها من ميناء العين السخنة إلى الإسكندرية وغيرها من المواني على البحر المتوسط.
يؤكد جاب الله. أن مصر تملك خطط مُتجددة لتطوير المجرى الملاحي للقناة بما فيها زيادة الغاطس. وامتلاك أحدث الأجهزة والمعدات لتقديم خدمة مُتطورة تصعب منافستها طوال العام. الأمر الذي لا يتوافر في القطب الشمالي الذي لا يُمكن الإبحار فيه سوى شهرين فقط في العام. وطريق الحرير البري الذي يمر بخط سكك حديدية. مهما ارتفعت سعته فإنه يظل بديل محدود في ظل تنامي حجم التجارة العالمية.
تنافس محدود
يؤكد جاب الله أن قناة السويس هي الممر الذي يُمثل عصب التجارة الدولية. وما دونها هي مشروعات تتنافس في نسب نقل محدودة التأثير سواء على حجم المرور بالقناة، أو بالنسبة لحجم التجارة العالمية.
يعزز القطار الكهربائي من قدرات الموانئ المصرية في مرور البضائع الوافدة من أوروبا لشرق آسيا عبر مينائي الإسكندرية والعين السخنة. التي لا تحمل أعدادًا كبيرة من الحاويات. وكانت تتعطل حتى تنتظر سفن الفيدر (سفن تتولي النقل الساحلي بين الموانئ المصرية).
أما عن المشروع الخاص بطريق إيلات عسقلان. فيقول جاب الله إنه لا يحمل جدوى حقيقية في ظل تنفيذ مصر لخطة ربط بري بين موانئ العين السخنة، والسويس وموانئ البحر المتوسط عبر محور 26 يوليو. فضلاً عن تنفيذ ربط البحرين بأحدث خط سكة حديد سريع من العين السخنة للعلمين والذي لا يوفر الربط بين البحرين فقط. وإنما يوفر اختصار ا المسافة الملاحية، لأقرب نقطة لأوروبا بالبحر المتوسط.
من بين التحركات، أيضا مشروع القاهرة “كيب تاون” الذي يجعل مصر. نافذة بحرية للدول الحبيسة بأفريقيا، الذي يعطي نقل البضائع بين السخنة والإسكندرية أيضا قيم مضافة كبيرة.