في 2016-2019، أجرى اتحاد دولي من مؤسسات الفكر والرأي والجامعات من أوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا مشروعًا بحثيًا واسع النطاق بعنوان “الهندسة الإقليمية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا: رسم خرائط التحولات الجيوسياسية والنظام الإقليمي والتحولات المحلية”. كانت إحدى النتائج النهائية للمشروع هي تقرير “تخيل المستقبل (المستقبلات) للشرق الأوسط وشمال أفريقيا” كمحاولة لتحديد السيناريوهات المحتملة لتطور الأحداث في المنطقة على المدى القصير ٢٠٢٥، وكذلك طويل الأمد ٢٠٥٠.

تعتمد السيناريوهات على توليفة من بحث التنبؤ الذي أجراه المشاركون في المشروع وعلى مشاركة عدد كبير من الخبراء الخارجيين. يؤكد واضعو التقرير أنهم حاولوا مراعاة وجهات النظر المختلفة، بما في ذلك السياسيون الموالون للحكومة والمعارضة، والمسؤولون العموميون، والدبلوماسيون، وأفراد القوات الأمنية، والخبراء، ونشطاء المجتمع المدني، وأعضاء القطاع الخاص. بالإضافة إلى المشاركين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والمغتربين الأجانب، سعى المؤلفون إلى تضمين آراء خبراء من أوروبا وروسيا والصين والولايات المتحدة.

شمل المسح الاجتماعي استطلاعات رأي الخبراء، والمقابلات المتعمقة وجها لوجه، ومناقشات المجموعة المركزة، وجلسات العصف الذهني. يذكر المؤلفون أنهم استخدموا أيضًا مواد ثمانية وخمسين دراسة مستقبلية سابقة تم كتابتها حول الاتجاهات الكبرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ومن البرامج البحثية التي اهتمت بمستقبل المنطقة المشروع الذي أطلقه برنامج سيباد SEPAD يونيو الماضي ٢٠٢١ SEPAD › Discussions ولاتزال منتجاته مستمرة حتى الآن، وتأخذ شكل مقالات قصيرة مركزة (صدر منها عشرة) تطرح الأسئلة وتلتقط التوجهات التي يمكن أن ترسم ملامح المنطقة حتى ٢٠٥٠.

مشروع “الطائفية والوكلاء وإزالة الطائفية” -سيباد- ومقره جامعة لانكستر البريطانية مشروع تعاوني يهدف إلى تتبع ظهور وتطور العداء الطائفي في السياسة العالمية، بقيادة البروفيسور سيمون مابون، والدكتور إدوارد ويستنيدج،  وتسعى سيباد إلى التفكير النقدي في الظروف التي تؤدي إلى العنف الطائفي والعلاقات عبر الوطنية على طول الخطوط الدينية بهدف خلق مساحة لـ”نزع الطائفية” عن الحياة الاجتماعية والسياسية. وسعيًا إلى تحقيق ذلك، يجمع البرنامج بين 50 خبيرًا عالميًا مشهورا وباحثًا من 20 دولة للمشاركة في مناقشات نقدية، وإنتاج المعرفة، وأنشطة التأثير، والتوعية والمشاركة الإعلامية حول مسائل الطائفية، والسياسة الإقليمية.

ميزة المشروعين أنهما يعطيان قماشة واسعة من الموضوعات والقضايا التي تجمع بين مستويات ثلاثة: الجيوسياسي والدولة والمجتمع، والتي بدون تتبع ما بينها من تفاعلات وتقاطعات وتأثير وتأثر لا يمكن الحديث عن توجهات مستقبلية. أما الموضوعات والقضايا فقد تضمنت مراوحة واسعة من حديث عن الدولة، والثورة، وتطورات الهوية، والتفاوتات الاجتماعية والسياسية والتنموية، ودور الأبعاد الجيوسياسية والفواعل المتعددة سواء إقليمية كإيران أو ما دون الدولة كالسياسة المحلية، وعبرها، كما تمت الإشارة إلى أنواع جديدة من التهديدات- مثل المخدرات-التي انتشرت في منطقتنا تعاطيا وتجارة بما يجسد الخلل الاقتصادي/الاجتماعي الذي يواجه الدولة والمجتمع في المنطقة على السواء.

في هذا المقال الذي هو جزء من سلسلة تبحث في قضايا مستقبل المنطقة من مداخل عدة -برغم صعوبة التفكير لثلاثة عقود قادمة في بيئة تتسم بالتغير الشديد وعدم اليقين -نشير إلى تهديدات الأمن القومي المستجدة والتي يصعب التعامل معها إن لم نبدأ من الآن في رسم السياسات وتحديد التوجهات، وبيان الفرص والمخاطر، ناهيك عن التنبه لها.

مهددات الأمن القومي باتت من طبيعة مختلفة مما اعتادت عليه دول المنطقة ومجتمعاتها؛ فالإرهاب على سبيل المثال لم يعد من أولويات الأمن القومي في المستقبل- كما انتهت إليه عديد الدراسات، في وقت لاتزال أنظمة الحكم في المنطقة تعتبره عدوها الأول، كما يلاحظ أن التعامل مع مخاطرها بفاعلية يتطلب منهج نظر لم تعتده استجابات السلطة في المنطقة من ضرورة إشراك جميع الفاعلين في المجتمع وأصحاب المصلحة؛ فقد يكون الكفاح ضد تغيير المناخ أحد العوامل النادرة للتضامن المجتمعي والاتحاد بين مكوناته. وثالثا، فإن التعامل المبكر مع المخاطر والفرص يتطلب ترتيبات إقليمية ودولية يحسن أن تبدأ من الآن؛ فالنتائج المتعاقبة لتغيير المناخ -على سبيل المثال- تستدعي اتفاقيات دولية جديدة بين دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بعضها البعض، وبين الاتحاد الأوروبي ودول عديدة أخرى، وقد تصبح البيئة هي الأرضية الخصبة لبناء الثقة والتعاون الإقليمي والدولي. وأخيرا، فإن مهددات الأمن القومي تعمل في مساحات التقاطع بين بعضها البعض وفي تفاعل بين مستوياتها المختلفة مما يمثل صعوبة لمتخذ وصانع القرار، فالزيادة السكانية خاصة في المدن والحواضر مع التغير المناخي يتقاطعان مع نمط الاقتصاد المعتمد على الزراعة والسياحة، كما يتأثر الأخير بتصاعد الرقمنة والأتمتة في مجالاته المتعددة.

في هذا المقال نتناول ثلاثة من مهددات الأمن القومي المستجدة كما أشار إليها تقرير “صور المستقبل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” مع إدراكنا أنها ستتفاعل مع عدد من المحددات الأخرى التي تستند إلى

1ـ طبيعة الدولة التي ستبقي الوحدة المركزية للتفاعلات الإقليمية، والشكل السائد للتنظيم السياسي في جميع أنحاء المنطقة.

٢- والأوضاع الجيواستراتيجية التي تحكمها تطورات أربعة: نهاية القطبية الأحادية، والنشاط المتزايد للقوى الإقليمية فيما كان يُنظر إليه على أنه فراغ بعد التراجع الأمريكي، والدول الفاشلة، والجهات الفاعلة غير الحكومية.

٣- وأخيرا يأتي سؤال التغيير الذي لايزال مطروحا منذ عقد في المنطقة، وأظنه سيظل مطروحا لأنه يرتبط بقضايا لم تحسم حتى الآن ولم نستطع أن نصل لصياغات توافقية حولها مثل طبيعة العقد الاجتماعي بما يتضمنه من هيكل توزيع السلطة والثروة، ومسائل الهوية في ظل تشطي المجتمعات، وكذا التفاوتات.. إلخ

أولا: تغير مناخي غير قابل للتوقف

بحلول عام 2050، سيكون تغيير المناخ حقيقة عالمية حاسمة، ولكن يختلف تأثيرها من منطقة لأخرى. وستكون دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من بين الدول الأكثر تأثرا: ستكون التأثيرات محسوسة عبر المنطقة على شكل ظواهر جوية قاسية، وموجات من الحرارة والقحط، والتصحر والنقص الحاد في المياه وارتفاع في مستوى البحر. ومن أكثر المناطق عرضة للمخاطر: دلتا النيل، حيث يتوقع أن ارتفاع مستوى سطح البحر حوالي 50 سم قد يجبر 4 ملايين مصري لاستيطان مناطق أخرى.

وسيتعين على حكومات ومجتمعات المنطقة أن تتعامل مع ندرة الموارد الطبيعية، بما في ذلك الغذاء وتقلب الأسعار والمخاطر المرتبطة بالأوبئة الجديدة. التدهور البيئي سيضخم التحديات الاقتصادية والاجتماعية، وخصوصا أن هذا يتزامن مع زيادة ملحوظة في عدد السكان. ستكون القدرة على استباق هذه التحديات والتعامل معها هي المفتاح إلى اغتنام الفرص ومواجهة المخاطر.

الفرص: – قد يدفع الوعي المبكر السلطات القومية والمحلية للتعامل بحسم وضم الجهود عبر المنطقة. وقد تنتج هذه الخطوة أساسا من إدراك أن سوء إدارة التحديات البيئية يزيد من تعرض الأنظمة للهجوم. – قد تؤدي النتائج المتعاقبة لتغيير المناخ إلى اتفاقيات دولية جديدة بين دول المنطقة وبين الاتحاد الأوروبي. قد تصبح البيئة هي الأرضية الخصبة لبناء الثقة والتعاون. – يمكن أن تكون الحركات المعنية بالبيئة هي الحافز لأشكال جديدة من النشاط والابتكار الاجتماعي. في المجتمعات المفتتة، قد يكون الكفاح ضد تغير المناخ أحد العوامل النادرة للاتحاد. – عند مواجهة ارتفاع مستوى البحر والتصحر، يمكن أن تؤدي التحالفات الجديدة بين المهندسين وخبراء الأرصاد الجوية وخبراء المحيطات ومخططي المدن والسياسيين إلى توليد حلول تصميمية للتقليل من الآثار والتكييف، وهو ما يمكن تصديره بدوره لأي مكان، علاوة على هذا، يمكن أن تخلق المشروعات البيئية وظائف جديدة وأن تعزز الابتكار في المنطقة.

البلدان الأكثر تأثرا بتغيير البيئة هي تلك التي تعتمد على السياحة والزراعة
البلدان الأكثر تأثرا بتغيير البيئة هي تلك التي تعتمد على السياحة والزراعة

المخاطر: – البلدان الأكثر تأثرا بتغيير البيئة هي تلك التي تعتمد على السياحة والزراعة، وتلك المكتظة بالسكان وتعاني من قلة الموارد المالية الكافية للاستثمار في تدابير التقليل والتكييف. – بحلول عام 2050،  سيكون تغيير المناخ مسئولا عن ارتفاع مستوى البحر بمقدار 1 متر،  مما يؤثر مباشرة على 41500 كيلومتر مربع من الأراضي الساحلية. وأكثر المناطق عرضة للمخاطر هي تلك المناطق المكتظة بالسكان على امتداد السواحل في مصر وتونس والمغرب والجزائر والخليج. ويمكن أن يتحقق النزوح الداخلي والدولي القسري. – قد تلوم قطاعات واسعة من السكان السلطات بسبب سوء إدارتها لهذه التحديات. يمكن أن يؤدي نقص إمدادات المياه والخسائر الزراعية وانقطاعات الطاقة والكوارث الطبيعية المتكررة إلى تغذية الاضطرابات الاجتماعية كما أنه قد يقود إلى نشوب صراعات عنيفة. – قد يؤدي افتتاح طرق جديدة عبر المناطق المحيطة بالقطب الشمالي إلى تشتيت التجارة البحرية عن حوض البحر المتوسط. – قد تصبح المنطقة هامشية وقد تعاني مدن الموانئ التي كانت جذابة سابقا من التراجع، حتى إذا كانت مبادرة الحزام والطريق الصينية ترى ضوء الأمل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. – قد يؤدي تغيير المناخ إلى تعريض النظم البيئية للخطر، علاوة على ذلك، قد تتأثر الصحة العامة سلبا بزيادة درجات الحرارة، وهو ما سيجلب تغييرا في التوزيع الجغرافي لناقلات الأمراض مثل البعوض ومسببات الأمراض التي تنقلها المياه. قد تتدهور جودة المياه والهواء وقد تكثر الأمراض المعدية مثل المالاريا، وخصوصا في مصر والمغرب وموريتانيا والسودان.

ثانيا: تضخم المدن والتوسع الحضري

تتميز المنطقة بالتوسع العمراني الهائل. كان 60 في المائة من السكان يقطنون فعليا في المناطق الحضرية ولا يتوقع أن ينعكس هذا التوجه عام 2050. ستستضيف المدن في هذه المنطقة 130 مليون شخصا إضافيا وستكون بالتالي مزدحمة للغاية. ستكون التحديات الحضرية حادة خصوصا بسبب سرعة هذه العملية وكذلك بسبب تناقص المساحات والموارد. قد يسارع

التدهور البيئي من عمليات النزوح من الريف،  ولكن يتعين على المدن أيضا أن تتعامل مع التحديات المرتبطة بالبيئة.

وبينما كنا بالفعل معتادين على “المدن المهولة” مثل القاهرة وإسطنبول، فإن هناك مدن أخرى سيتجاوز تعدادها مؤشر الـ 10 مليون شخص. ستكون بغداد والخرطوم، وكل منهما يصل تعداد سكانها 15 مليون شخص، من أكبر المدن سريعة النمو في المنطقة. ويليهما طهران، 11 مليون شخص، ثم الرياض وجدة (8 مليون و7 مليون على التوالي) والجزائر والدار البيضاء 5 مليون شخص. سوف تعتمد قدرات المناطق الحضرية على التكيف مع هذه الحقيقة الجديدة على معدل النمو وأيضا على الموارد التي تنشرها السلطات المحلية والقومية لتحديث البنيات التحتية مثل النقل العام والصرف الصحي والسكان.

الفرص: – قد تجتذب المدن الكبرى والتكتلات الحضرية، وخصوصا “المدن المهولة” رأس المال والاستثمار الأجنبي بسبب ما تتميز به من كثافة وتنوع شديد في اليد العاملة وبنية تحتية كافية وفرص سوق جذابة. وقد تصبح بعض هذه المدن مراكز نشاط إقليمية للنقل والثقافة والتجارة. – قد يصبح التوسع الحضري حافزا لتوفير فرص اقتصادية جديدة للنساء والشباب، خصوصا عندما تكون المدن مراكز نشاط تكنولوجية. -يمكن أن تؤدي المدن الكبرى وظيفة المعامل للحلول الحضرية لمواجهة التحديات البيئية والاجتماعية، وخصوصا إذا كانت للحكومات المحلية استقلالية مالية وإدارية. – قد تكون المناطق الحضرية منصة إطلاق جيل جديد من السياسيين يستمدون جاذبيتهم من القدرة على التعامل مع وتلبية احتياجات المواطنين وللعثور على أفضل حلول لمعالجة التحديات التي تواجه المدن. ويمكن أن ينتج عن ذلك درجة معقولة من “التنافس الصحي” بين السياسيين.

المخاطر: – قد تتعرض المساحات الحضرية إلى مزيد من التفتت. فمن ناحية، يمكن أن تنتقل النخب السياسية والأمنية والاقتصادية بالتدريج إلى تجمعات محاطة بالأسوار أو حتى إلى مدن جديدة بأسماء شهيرة. ومن ناحية أخرى، يكون معظم السكان- بما فيهم المهاجرون واللاجئون- مرغمين على العيش في أحياء مكتظة بالسكان ومناطق شعبية تعاني من نقص الخدمات العامة. وهذا قد يسبب مخاوف تتعلق بالصحة العامة والقابلية للإصابة بالأوبئة، كما أنه يمثل أرضية خصبة للاضطرابات الاجتماعية. – يمكن أن يحدث شكل آخر من أشكال التفتيت بين المدن العواصم وبين مدن الصف الثاني. إذا شعر سكان مدن الصف الثاني أنهم يعاملون على أنهم مواطنين من الدرجة الثانية، فيمكن أن تشتعل الاحتجاجات في مناطق طرفية. – في مناطق الصراع ومناطق ما بعد الصراع، ويرجح أن يكون الفصل الحضري من القضايا المثيرة للنزاع. قد يمنع عدم الاستقرار السياسي المتواصل وقابلية النظام للهجوم أي خطوة نحو تفكيك المركزية من ناحية، وزيادة التعاون بين دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من ناحية أخرى.

ثالثا: الرقمنة والأتمتة

التوسع في استخدام التكنولوجيا سيكون من الاتجاهات العظمى العالمية عام 2050. ستغير الرقمنة النماذج الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بشكل كبير، وسيكون الابتكار هو المفتاح الأساسي للمنافسة الناجحة في السوق العالمي. ستحول الأتمتة والذكاء الاصطناعي أسواق العمل بصورة جذرية في معظم البلاد. ستتأثر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خصوصا عن طريق تلك الاتجاهات بفضل البطالة العالية بالفعل (والمتواصلة فيما يبدو) ومعدلات العمالة الزائدة، وخصوصا بين الشباب.

ستزيد القدرة المتغيرة على التكّيف مع الاتجاهات الاقتصادية والتكنولوجية من الفروق بين الدول وداخل كل دولة. بينما قد يسهل تكيف منطقة الخليج مع هذه التغييرات، إلا أن الدول الأخرى ذات الأعداد الكبيرة من الأيدي العاملة وأسواق العمل المتوترة والحكومات غير الكفؤ قد تواجه مشكلات اجتماعية كبرى. سيحدد الاستثمار في البنية التحتية وثقافة العمل والتعليم والانضباط القدرة على التكيف مع هذه الاتجاهات العظمى.

الفرص:  يمكن للرقمنة والأتمتة الناجحة أن تدمج المنطقة في سلاسل التوريد العالمية، وخصوصا إذا تصادف هذا مع الديناميات الواسعة للاقتصاد الأفريقي، وإتمام تنفيذ مبادرة الحزام والطريق بقيادة الصين وانتقال التكنولوجيا والخبرة الفنية. -يمكن خلق وظائف جديدة ومجزية، وفي نفس الوقت تقليل عدد ساعات العمل وهو ما يتحقق من خلال نماذج مختلفة. قد تتبنى قطاعات الأعمال غير الرسمية تكنولوجيا جديدة لتسهيل إضفاء الصفة الرسمية على هذه القطاعات وتحسين الصحة المالية للدول. – قد يمنح تحدي الأدوار التقليدية في مكان العمل وفي المجتمع فرصا جديدة لتمكين المرأة. قد تزيد الرقمنة من مشاركة المرأة في سوق العمل وتحفز ريادة الأعمال. – إذا وضعت البنيات التحتية الرقمية المناسبة في مكانها الصحيح، فقد تقل الفجوة بين الريف والمدن. يمكن أن تتحسن ظروف المعيشة في المناطق الريفية بشكل كبير، ويمكن أن يخلق انتشار التكنولوجيا بيئة مساعدة لإنجاز الأعمال خارج المدن الكبرى. – قد تمنح الرقمنة فرصا جديدة لتجاوز احتكار الدولة ورأسمالية المحاسيب. قد يصبح الاقتصاد أكثر حداثة وقد تزيد الإنتاجية.

المخاطر: – قد تفاقم الأتمتة من نقص وضياع الوظائف وتزيد من فجوات الدخول بين دول المنطقة، خصوصا فيما يتعلق بالانقسام بين الريف والمدن والضواحي المحيطة. – في غياب آليات مناسبة لتعويض الخاسرين في مثل هذه التغييرات التكنولوجية، يمكن أن يشترك المنسيون في حلقات منتظمة من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية، وقد تلجأ الحكومات الاستبدادية بدورها إلى زيادة الرقابة واستخدام التكنولوجيا الجديدة للسيطرة على شعوبها وقمعها. – استخدام الرقمنة هو سلاح ذو حدين: يمكن أن يستخدم لمزيد من التواصل والرقمنة والتعليم والتمكين، ولكن يمكن أن يستخدم أيضا لمزيد من التحكم والرقابة والمناورة والقمع. تشهد الاتجاهات الحالية في المنطقة أنه على الرغم من بعض الاستثناءات القليلة، فإن الأخيرة هي التي ستسود. – يمكن أن تصبح المنطقة هامشية بشكل متزايد على المستوى العالمي إذا لم تتبن استراتيجيات التعامل مع هذه التطورات التكنولوجية.

 

الرقمنة والأتمتة
الرقمنة والأتمتة

تجتمع هذه التحولات الثلاثة التي قدمناها (وغيرها كثير) كمثال على ما يمكن أن نواجهه في المستقبل، ويتوقف تعظيم فرصها وتقليل مخاطرها في القدرة على صياغة نهج بديل عما تم التعامل معه منذ بداية الألفية الجديدة.

يشير النهج البديل إلى ضرورة إصلاح العقود الاجتماعية في محاولة لخلق مزيد من الاستثمار والمشاركة المجتمعية مع الدولة، وبدعم من التحركات نحو الديمقراطية والحكم الرشيد واحترام حقوق الإنسان، ومع ذلك، فإن هذا سيتطلب تغيير العلاقات بين الحكام والمحكومين، والشروع في تنازلات قد لا يكون الأولين مستعدين لتقديمها.