مع إعلان المؤشرات الأولية لنتائج الانتخابات العراقية، والتي لم تكن مباغتة، بأي حال من الأحوال. بينما كشفت عن تراجع المجموعات السياسية والحزبية الولائية، في مقابل تقدم تيار مقتدى الصدر. حشدت “تنسيقية المقاومة العراقية“، التي تضم الكتل والقوائم الشيعية المقربة من إيران، عناصرها. وأعلنت التصعيد من خلال الخروج في مظاهرات واحتجاجات، وكذا الطعن على نتائج الانتخابات. بل واتهام أطراف محلية وخارجية بالتواطؤ لتزوير الاستحقاق الانتخابي.
لا تبدو النتائج التي حققها تحالف الفتح والحشد الشعبي، الحليف القوي والمؤثر لطهران، في أول انتخابات خاضها عام 2018. وقد حاز القوة الثانية بالبرلمان بنحو 48 مقعداً، لها ثمة أثر في الاستحقاق الأخير. فلم تعد الانتصارات التي حققها على تنظيم “داعش” الإرهابي في الموصل، بعد فتوى المرجع الشيعي السيد آية الله علي السيستاني. المعروفة بـ”الجهاد الكفائي”، والتي تشكلت على إثرها “وحدات الحشد”، تحظى بأي رصيد لدى الناخب العراقي. حتى من بين حواضنهم الاجتماعية. خسر التحالف الشيعي ثلث المقاعد في ظل احتجاجات ممتدة. منذ نهاية العام 2019، تنبذ السلاح المتفلت، والفساد السياسي، وتنامي القمع من قبل الميلشيات.
واللافت أن مركز تمكين السلام في العراق، قام بقياس اتجاهات الرأي العام، مؤخراً. وظهر من العينة المشاركة في استطلاع الرأي مساندة 70 في المائة للحركة الاحتجاجية العراقية. وشدد نحو 80 في المائة من المستطلعين على أن “الفساد” يعد أخطر المشاكل التي تواجه بلادهم. وتراجعت نسبة الذين وضعوا تهديدات داعش في قمة أولوياتهم، وجاءت نسبتهم (8.8 في المائة).
مشاركات محدودة بالانتخابات
ورغم محاولات رفع الثقة بالعملية الانتخابية، وتحفيز الناخبين على المشاركة، ومن بينها دعاوى المرجع الشيعي السيستاني. إلا أن نسبة المشاركة، كانت الأدنى في تاريخ الانتخابات العراقية. منذ عام 2003، بحسب ما أعلنت المفوضية العليا للانتحابات العراقية. ولم تتخط المشاركة، بحسب النتائج الأولية، نسبة 41 بالمئة.
مطلع الأسبوع، قالت المفوضية العراقية، إن نسبة المشاركة بلغت 43 بالمئة، وذلك في زيادة طفيفة عن النتائج الأولية السابقة. لكنها تظل الأقل مقارنة بالانتخابات التي أجريت قبل عامين. وكانت نسبة التصويت في انتخابات قد بلغت، عام 2018، نحو 44.5 بالمئة. بينما نسبة المشاركة في أول انتخابات شهدها العراق بعد سقوط نظام البعث، عام 2005 نحو 62.4 بالمئة.
وحصلت الكتلة الصدرية على 73 مقعداً في البرلمان، وبذلك تكون قد تخطت كتلة “تقدم”. بفارق هائل، وهي المنافس الاكبر لها، فالأخيرة حازت 37 مقعداً، فقط. وقال زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر: “تبين لنا أن (الكتلة الصدرية) هي (الكتلة الأكبر) انتخابياً وشعبياً”. وأضاف في بيان: “سنسعى إلى تحالفات وطنية لا طائفية ولا عرقية وتحت خيمة الإصلاح، ووفقا لتطلعات الشعب لتكوين حكومة خدمية”.
وتابع: “لا فرق بين شيعي أو سني أو مسيحي أو صائبي أو كردي أو تركماني أو فيلي أو شبكي أو إيزيدي.. إلا بالصلاح والعطاء والتفاني وحب الوطن”.
بيد أن ما يعرف بـ”الإطار التنسيقي”، والذي يندرج فيه مجموعة الكتل والأحزاب الشيعية الرئيسية بالعراق. باستثناء التيار الصدري، أعلن رفضه للنتائج الأولية. كما هددت “تنسيقية المقاومة العراقية” بتنظيم مظاهرات احتجاجية. وقالت في بيانها إن “الهدف من المظاهرات هو مطالبة الحكومة بإلغاء نتائج الانتخابات”.
مخططات لإقصاء الشيعة
وذكر عضو الهيئة العامة لتيار الحكمة فهد الجبوري، أن “الكتل المنضوية ضمن الإطار التنسيقي. الذي تشكل بعد إعلان النتائج الأولية للانتخابات ناقشت خلال اجتماع لها جملة من القضايا التي تخص الشأن الانتخابي. ومسألة الطعن بالنتائج الأولية التي أعلنتها مفوضية الانتخابات”.
وأردف الجبوري: “لدينا الأدلة الكافية التي ستقدَّم إلى الجهات المعنية التي تثبت وقوف جهات خارجية بتواطؤ أطراف داخلية. لتسقيط وإقصاء أطراف شيعية مهمة لها ثقلها السياسي والجماهيري في البلاد فضلاً عن وجود تسجيلات تكشف تلك المخططات. بانتظار ما ستقرره الجهات العليا المعنية بالبت بالطعون الرسمية المقدمة إليها”.
وتابع: “ننتظر ما ستقرره المفوضية إزاء الطعون وبخلافه سنسلك الطرق القانونية الرسمية في ذلك”. لافتاً إلى أن “جمهور الكتل والقوائم المنضوية ضمن الإطار التنسيقي ستخرج الأسبوع القادم بمظاهرات كبيرة للمطالبة بحقوقها. إذ صودرت استحقاقاتها الانتخابية من خلال مصادرة أصواتها وإقصاء من يمثلها انتخابياً”.
الجبوري حاول تبرير الاتهامات الصادرة بحق “الإطار التنسيقي” بخصوص تهديد السلم الأهلي وخروجهم في احتجاجات. حيث قال: “ما أشرنا إليه حقوق ناخبينا وتجنب سخطهم وحفظ حقوقهم وعدم زعزعة الناخب برموزه السياسية وربما تسفر عن احتجاجات سلمية من قواعدنا الشعبية”.
تنسيقية الفصائل المسلحة
غير أن “تنسيقية الفصائل المسلحة” هددت، على نحو مباشر، بالاستعانة بـ”السلاح” في حال تم التعرض للمحتجين أو المظاهرات التي ترفض النتائج الانتخابية. وقالت: “المقاومة العراقية كانت وستبقى سداً منيعاً بوجه كل المشاريع الخبيثة التي تستهدف أبناء شعبنا الأبي، وتؤكد أن من حق العراقيين الخروج احتجاجاً على كل من ظلمهم، ورفض الإذعان إلى مطالبهم، وصادر حقهم”.
وأضاف البيان: “نحذر تحذيراً شديداً من أي محاولة اعتداء أو مساس بكرامة أبناء شعبنا في الدفاع عن حقوقهم وحفظ حشدهم المقدس فضلاً عن إخراج القوات الأجنبية من بلدهم”.
وتابع: “كنا نأمل من مفوضية الانتخابات تصحيح المخالفات الكبيرة التي ارتكبتها في أثناء وبعد عد الأصوات وإعلان النتائج.. وبعد إصرارها على نتائج مطعون بصحتها نعلن رفضنا الكامل لهذه النتائج.. ونحمل المفوضية المسؤولية الكاملة عن فشل الاستحقاق الانتخابي وسوء إدارته مما سينعكس سلباً على المسار الديمقراطي والوفاق المجتمعي”.
وإلى ذلك، قال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إن السياسة أصبحت تعني لدى البعض الابتزاز والكذب والصراع وخداع الناس. وأضاف في كلمة ألقاها في الاحتفالية التي أقيمت بجامع الإمام أبي حنيفة النعمان بمناسبة المولد النبوي الشريف: “اليوم نفي بعهدنا أمام شعبنا بإجراء انتخابات نزيهة مبكرة والناس اختارت من يمثلها وهؤلاء النواب الجدد سيمارسون دورهم في مجلس النواب الجديد.
وتابع: “النواب الجدد عليهم واجبات أخلاقية ووطنية تجاه شعبهم، بل عليهم واجب إعادة ثقة الناس بالعمل السياسي. وإعادة الثقة بالديمقراطية”.
الانتخابات.. مساومات بين الفصائل
من المرجح أن تؤدي الانتخابات إلى قيام مجلس نواب مجزأ آخر، تعقبه مساومات فاسدة ومبهمة بين الفصائل لتشكيل الحكومة المقبلة. وفقاً لمعهد واشنطن، ويضيف: “يستعد “تحالف الفتح”، وهو الكتلة التي تمثل العديد من الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران. للاحتفاظ بمعظم مقاعده البالغ عددها 48 مقعداً في مجلس النواب المؤلف من 329 مقعداً. وفي انتهاك صارخ للمادة 9 من الدستور، التي تحظر على العناصر المسلحة الترشح للانتخابات. أدرجت “كتائب حزب الله”، المصنفة جماعة إرهابية من قبل الولايات المتحدة. مرشحيها ضمن قائمة “حركة حقوق”. وكانت الميليشيتان الوكيلتان لإيران “عصائب أهل الحق” و”منظمة بدر” قد قامتا بالخطوة نفسها. ويعتبر صعود الميليشيات ذات الأذرع السياسية بمثابة تراجع حاد في السياسة الديمقراطية في العراق”.
المعهد الأمريكي يلفت إلى أن مقتدى الصدر، الذي يعتبر عادة مركز ثقل الكتلة الشيعية في العراق. فقد تفوز قائمته الانتخابية بمقاعد في مجلس النواب أيضاً، لكن من غير المرجح أن تحصل على عدد كاف من هذه المقاعد لكي تهيمن على المشهد السياسي الشيعي. وإذا اختلف مع “تحالف الفتح” على أي أصوات برلمانية مستقبلية، فإن النخب السياسية الراسخة التي ورثت السيطرة على الأحزاب التقليدية في العراق ستكسر التعادل على الأرجح. ومن بينها رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي ومحافظ النجف السابق عدنان الزرفي والرئيس السابق لـ “المجلس الأعلى الإسلامي” العراقي عمار الحكيم.
ويختتم: “تجاهلت معظم منصات الحملات الانتخابية التي استخدمتها الفصائل المهيمنة المطالب الشعبية. مما جعل الكثير من العراقيين يتوقعون تكرار سيناريو عام 2018. وفي انعكاس واضح لسياسات المحسوبية المجربة والمظمونة. وعدت “قوات الحشد الشعبي” بإعادة تجنيد 30 ألف مقاتل ضمن صفوفها قبل أسابيع من يوم الاقتراع”.