تضع المباحثات السعودية الإيرانية الأخيرة العديد من التساؤلات، حول احتمالية تطور العلاقات بين الدولتين. وانعكاس ذلك على المنطقة، خاصة الأزمة اليمنية. والتي تضررت منها الرياض بشكلٍ كبير، إزاء هجمات الحوثيين المتعددة باليمن.

ورغم نفي المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة، اليوم الإثنين. زيارة وفد سعودي إلى طهران حتى الآن، لدعم المسار التفاوضي بين البلدين. إلا أن الحديث بين الخصمين، القابعين على ضفتي الخليج العربي، اتخذ مسارًا مُشرقًا، وفق المراقبين.

 

المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة

محادثات حذرة

رغم التصريحات السعودية حول المفاوضات مع إيران، لا تزال المملكة تُبدي قلقها من نفوذ إيران الإقليمي. وتتهمها بـالتدخل في دول عربية، مثل اليمن وسوريا والعراق ولبنان. كما تتوجس من برنامجها النووي وقدراتها الصاروخية.

وتعود القطيعة بين البلدين إلى عام 2016، إثر اقتحام السفارة السعودية في طهران، احتجاجًا على تنفيذ السلطات السعودية حكماً قضائياً بإعدام رجل الدين الشيعي “نمر النمر” وآخرين.

واستمرت الخلافات بشأن موقف البلدين من الحرب في اليمن. والاتهامات السعودية لإيران بدعم الإرهاب وتهديد الملاحة في الخليج.

وكانت السعودية قد دشنت حملة عسكرية تحت اسم “عاصفة الحزم”، في نهاية مارس 2015. للوقوف إلى جانب الشرعية الممثلة في حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي. في مواجهة انقلاب الحوثيين المدعومين من إيران، والذين سيطروا على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014.

وكشفت صحيفة فاينانشال تايمز، في تقرير لها نشرته أبريل الماضي. أن مسؤولين سعوديين وإيرانيين رفيعي المستوى، اجتمعوا في سياق محادثات مباشرة. في خطوة جريئة لكسر جدار عدم الثقة، وربما إصلاح العلاقات بين الغريمين الإقليميين.

 

تحسن تدريجي

بدا التحسن المتدرج في المباحثات واضحًا، بعد إعلان العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، لأول مرة، عن وجود محادثات من هذا النوع. خلال كلمة المملكة التي ألقاها عبر الفيديو كونفرانس أمام أعمال الدورة الـ 76 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.

وأضاف خادم الحرمين الشريفين إن بلاده “تأمل في نتائج ملموسة للمحادثات الأولية مع إيران لبناء الثقة”. ووصف إيران بـ”الدولة الجارة”.

ودعا الملك سلمان طهران إلى وقف جميع أشكال الدعم لمن وصفهم بـ”لجماعات الإرهابية والمليشيات الطائفية. التي لم تجلب إلا الحرب والدمار والمعاناة لجميع شعوب المنطقة”. في إشارة إلى هجمات الحوثيين على المناطق الحدودية.

 

مسافة جيدة

وأشاد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، الجمعة الماضية، بالحوار بين البلدين. خلال مؤتمر صحفي عقده في بيروت في ختام زيارته إلى لبنان. ولفت إلى أن بلاده “قطعت مسافة جيدة” في المباحثات الجارية مع المملكة.

وأضاف: “الحوار بين إيران والسعودية بناء ويسير في الاتجاه الصحيح. ويصب في مصلحة البلدين والمنطقة عمومًا”. وشدد على التوصل إلى اتفاقات معينة بشأن مواضيع محددة.

وأوضح الوزير الإيراني قناعة طهران بأن “معادلة الحوار والانفتاح من شأنها تأمين مستقبل مشرق للمنطقة”.

 

وساطة العراق

كان الاجتماع الأول احتضنته العاصمة العراقية بغداد، وضم وفدًا سعوديًا برئاسة رئيس جهاز المخابرات خالد بن علي الحميدان. وآخر إيرانيًا برئاسة مفوضين من قبل الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني. وشملت أحاديثه الوضع في اليمن، وهجمات الحوثي.

تعود هذه الانفراجة التفاوضية إلى المجهود الكبير الذي بذله العراق للجمع بين الخصمين اللدودين على مائدة واحدة. بعد أن وجد نفسه على الدوام بين المطرقة الشيعية في الشرق والسندان السني في الجنوب.

ورغم أن اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني بضربة أمريكية في بغداد، هدد بتحويل العراق إلى ساحة حرب غير مباشرة بين البلدين. لكن وجود حكومة جديدة في بغداد استطاع احتواء الأمر. فبعد استقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، الذي أدخل فصائل موالية لإيران في بنية الدولة العراقية، تولى مصطفى الكاظمي رئاسة الحكومة.

لعب الكاظمي دورًا رئيسيًا في الجمع بين المنافسين الإقليميين. فرغم اعتباره رجل واشنطن في العراق، حافظ على علاقة جيدة مع إيران. كما أنه حافظ على صداقة شخصية مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. هذه المزايا أعطت رئيس الوزراء العراقي مصداقية للعب دور الوسيط بين الطرفين.

كذلك ساهمت مغادرة ترامب للبيت الأبيض وتسلم جو بايدن زمام الحكم في واشنطن، في جعل الجميع يتنفس الصعداء، خاصة على خلفية العودة إلى الاتفاق النووي بين إيران والقوى الدولية.

 

الملك سلمان والمرشد الأعلى لإيران

نحو إنهاء الصراع

لا تتوقف التصريحات المتبادلة بين الجانبين عن لقاءات وعقد مباحثات، كان آخرها في 3 أكتوبر 2021، حين كشفت السعودية عن أنها عقدت جولة رابعة من المفاوضات المباشرة مع إيران، في 21 سبتمبر الماضي. دون تحديد مكان إقامتها.

وتصر السعودية أن المفاوضات لا تزال في مرحلتها “الاستكشافية”، على أمل أن تضع أساساً لمعالجة المواضيع العالقة بين الطرفين. وفق وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان.

ويؤكد الباحث في الشأن الإيراني عمر رأفت أن هناك مؤشرات تتزايد على وجود بوادر في تحسن العلاقات بين السعودية وإيران والمقطوعة منذ أكثر من 5 سنوات.

وأضاف رأفت لـ”مصر 360” أن هذا التحسن يحتاج للاستمرار في العمل على هذا الأمر “رغم أن هناك شبه اتفاق بين الرياض وطهران في آخر جولة محادثات في بغداد على تهدئة التوتر بينهما، والحرب بالوكالة الدائرة في المنطقة”، لافتًا إلى أنه ما يزال الطرفان يضعان اللمسات الأخيرة، والتي سيتم الإعلان عنها خلال أيام.

وأوضح الباحث في الشأن الإيراني أن الطرفان توصلا لاتفاق بشأن إعادة فتح القنصليات “وسيكون قرار تطبيع العلاقات بين البلدين ساريًا ومعلنًا خلال أيام”.

وأشار إلى أن المملكة تريد إنهاء الصراع في اليمن، وإنهاء الصدامات بينها وبين إيران.

وتابع: “أما طهران، وفي ظل الاقتصاد المتردي لها، فتريد أن تحظى باستثمارات اقتصادية ومشروعات بين البلدين. وفي الوقت ذاته، فإن إيران تحتاج لاتخاذ خطوات جادة. فالحديث الجيد والناعم عن السعودية لا يفيد، بل يجب عليها أن تنفذ ما تقوله على أرض الواقع”.

 

عقبة الحوثي

ورغم اعتقاد كثيرون أن المحادثات المباشرة بين السعودية وإيران وإذابة الجليد بينهما تبشر بعودة الهدوء إلى الخليج. لكن الهجمات الحوثية تشير إلى عكس ذلك. حيث شهد سبتمبر الماضي تصعيد مليشيا الحوثي، المدعومة إيرانيًا، من هجماتها ضد المنشآت الهامة في السعودية والمدن السكنية.

وجاءت آخر الهجمات بالتزامن مع تصريحات الوزير السعودي، بعدما أعلن التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، في 3 أكتوبر، اعتراض وتدمير طائرة مسيرة مفخخة أطلقتها مليشيا الحوثي تجاه المملكة، هي الثالثة خلال يومين.

وفي أبريل الماضي، اعتبر خبير شؤون الشرق الأوسط في مركز أبحاث “كاربو”، سيباستيان سونز. أنه رغم المفاوضات، فإن السعودية لن تتخلى عن هدفها الأكبر وهو الحد من نفوذ إيران في المنطقة، وخاصة في اليمن. حيث يهدد الحوثيون أمن واستقرار المملكة بهجماتهم الصاروخية والطائرات بدون طيار.

وأوضح سونز لصحيفة تاجس شبيجل الألمانية أن التحالف العسكري الذي تقوده السعودية منذ 2015 فشل في كسر شوكة الحوثيين.

وتابع “هي تعلم أن مفاتيح الحل في طهران. ثم إن السعوديين لا يجرؤون على معارضة المفاوضات النووية علانية. لقد قبلوا الآن التفاوض أو على الاتفاق الأصلي مع طهران بمفرده.