في تطور غريب لأزمة شركة “سيد للأدوية”، قررت إدارة الشركة تجميد العمل بها لأجل غير مسمى، ردًا على إضراب عمالها الذي استمر لمدة 9 أيام، اعتراضًا على تخفيض نسبة العمال في الأرباح السنوية. ويشمل قرار التجميد المركز الرئيسي للشركة وفروعها، مع استمرار العمل في مصنع الشركة في أسيوط.
عللت وزارة قطاع الأعمال، القرار الذي اتخذه العضو المنتدب لـ”سيد للأدوية” محمود عمرو جاد، صباح السبت الماضي، بعد مشاورات مع الوزير وإدارة القابضة للأدوية، بإنه جاء حفاظا على أصول الشركة بعد امتناع العاملين عن العمل وتجمهرهم أمام الشركة. وذلك عقب تخفيض إدارة الشركة لحصة العاملين في الأرباح السنوية بنسبة 10 إلى 12% على الأجر الأساسي. حيث سيتقاضون ما يعادل راتب شهرين فقط بانخفاض يصل إلى الثلثين مقارنة بالعام الماضي والذي تقاضوا عنه ما يعادل راتب 6 أشهر.
أزمة “صرف مستحقات الأرباح“
بدأت الأزمة حين تفاجأ العاملون بتقليص أرباحهم، على الرغم من أن الشركة حققت أرباحًا عالية هذا العام مقارنة بالأعوام السابقة. بسبب زيادة الإنتاج ومبيعات الأدوية التي يُعتمد عليها في بروتوكول علاج فيروس كورونا.
أحد العاملين بالشركة، يروي لـ “مصر360″، عن إضرابهم السلمي الذي استمر 9 أيام وانتهى الخميس الماضي، بعد محاولاتهم التفاوض مع رئيس الشركة والمطالبة بحقهم في الأرباح دون وقوع أية أعمال شغب.
يستكمل العامل: “على مدار يومين كان التجاهل لمطالب العمال من قبل الإدارة هو سيد الموقف، وفي اليوم الثالث خرج رئيس الشركة ليبلغهم بخسارة ما يعادل 3 مليون جنيه يوميًا”. وصلت الخسارة حتى الخميس الماضي 20 مليون جنيه، وفقا لتصريحات أحد العمال.
يضيف العامل: تلقينا وعودً بصرف الشركة شهرين كـ”مكمل أرباح”. ولكن بعد تحقيق إنتاج شهري أكتوبر ونوفمبر. على أن تصرف 15 يومًا عن كل شهر. ما اعترض عليه العمال لرغبتهم في الحصول على الشهرين أولًا مع الالتزام بتحقيق الإنتاج والعمل في الإجازات الرسمية و”السهر”.
وعود لم تتحقق
يتابع عامل آخر: جاء الخميس وخرج رئيس الشركة على العمال ليبلغهم باستمرار المفاوضات مع وزير قطاع الأعمال من أجل البحث عن حل. وعن عقد اجتماع الثلاثاء في الشركة القابضة. ولكن لم يكن في حسبان أي عامل أنه سيتم تجميد العمل أو غلق الشركة، حيث حضر العمال صباح السبت لاستعدادهم للعمل، وانتظار تنفيذ وعود الإدارة بحل الأزمة. ولكن وجدوا قرار التجميد معلقًا على أبواب الشركة. مضيفًا أنه تم صرف العمال من محيط المصنع بقوة الأمن المركزي.
ويلفت العامل، إلى أن شركة سيد للأدوية حققت العام الماضي 51 مليون جنيه أرباح وتم صرف أرباح تعادل 7 أشهر. وبعد تحقيق 65 مليون جنيه تقلصت الأرباح إلى شهرين. بجانب عدم صرف الحوافز أو بدلات السهر.
يذكر أن شركة “سيد للأدوية” نجحت في مضاعفة إنتاجها من فيتامين “سي”. ليصل إلى 1.25 مليون عبوة شهريا. لتلبية احتياجات السوق المحلية باعتباره أحد أهم العناصر الأساسية لدعم جهاز المناعة وتقويته لمواجهة فيروس كورونا المستجد.
وكان الدكتور عمرو جاد رئيس مجلس إدارة “سيد للأدوية”. أكد في تصريحات صحفية في وقت سابق. أن مصانع الشركة تعمل بكامل طاقتها لتوفير المستحضرات الدوائية في السوق المصري في ظل تداعيات فيروس كورنا. ولفت إلى أنه تم توفير مليون شريط “باراسيتامول” لصالح هيئة الدواء في شهر واحد فقط. إذ يعمل المستحضر على خفض درجة الحرارة والتي تعد أحد أعراض الإصابة بفيروس كورونا.
يشار إلى أن إنتاج مصنع أسيوط يمثل نحو 20% من إنتاج شركة “سيد” من المستحضرات الصيدلية الهامة في سوق الدواء المصري. كما أن معظم الإنتاج لخدمة مناقصات وزارة الصحة وهيئة الشراء الموحد ومنها مستحضرات تستخدم في بروتوكول علاج فيروس كورونا، بالإضافة إلى إنتاج “البودرات” لعلاج الجفاف عند الأطفال.
طلب إحاطة
وخلال إضراب العاملين بالشركة، تقدم النائب أحمد عاشور، عضو مجلس النواب، بطلب إحاطة للمستشار حنفي جبالي رئيس مجلس النواب. مُوجهًا للدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، ووزير قطاع الأعمال بشأن عدم تدخل الإدارة أو الشركة القابضة أو الوزارة لمناقشة العاملين في مطالبهم.
وطالب عاشور، بإحالة الطلب إلى لجنة القوى العاملة بالمجلس، ودعوة وزارة قطاع الأعمال والشركة القابضة للأدوية وشركة سيد، لحل الأزمة.
واعتبر عاشور أن هذا التجاهل، يمثل تهديدًا لشركة قومية تقدم صناعة استراتيجية بسبب نسب توزيع الأرباح على العاملين بالشركة. مشيرًا في طلب إحاطته إلى أن مبنى “الأمبولات” بالشركة تكلف أكثر من 70 مليون جنيه لتشغيله. وتم افتتاحه رسميا وبالرغم من ذلك تم تعليق العمل به دون معرفة الأسباب.
وضع سائد
الأزمة التي يعيشها عمال شركة سيد للأدوية لا تخصهم فقط لكنها تخص قطاع الأعمال بأكمله خاصة قطاع الدواء، بحسب مصدر من العاملين في أحد شركات الدواء، مشيرًا إلى أن تقليص الأرباح هو أمر فوجئت به 6 شركات أخرى للأدوية.
وأضاف، أن شركة سيد للأدوية حققت أرباحا أعلى من العام الماضي، ولكن وفقا لقانون رقم 185 لسنة 2020. فإن نسبة الأرباح تتراوح من 10 إلى 12 %، ما أكد عليه وزير قطاع الأعمال.
وكانت النقابة العامة للكيماويات وجهت خطابًا في 30 سبتمبر الماضي إلى وزير قطاع الأعمال. بشأن تطبيق نسبة 10% و12% من الأرباح على نصيب العاملين في الأرباح. بالمطالبة احتساب الأرباح كعدد أيام.
ما رد عليه وزير قطاع الأعمال في 4 أكتوبر الماضي، بأن حصة العمال من الأرباح يجب أن يكون على أساس نسبة الأرباح. وأن نسبة 10 إلى 12% هي النسبة المنصوص عليها في القانون وقد تم تطبيق الحد الأقصى لها في كل الشركات التابعة للشركة القابضة الأدوية.
ويكمل المصدر، أن حصة العمال في التوزيع جاءت ظالمة، فقد كان هناك اتفاق ضمني بالتعويض شهرين أو ثلاثة “مكمل أرباح”، حسب حالة الشركة ومركزها المالي، وهو ما لم يتحقق، بعد إصدار الوزير لتعليمات جديدة بعدم صرف أية مبالغ أخرى للعمال.
إنتاج الشركة
يذهب انتاج شركة سيد للأدوية لحساب وزارة الصحة. ما وضع قيودا على الشركة بعدم تحديد السعر أو الشراء إلا من هيئة الشراء الموحد، مع حصول وزارة الصحة على الإنتاج بأسعار أقل من أسعار السوق، أمام المطالبة بتحقيق أرباح. في حين أنه أقل بدلات وكادر وحوافز لقطاع الدواء، وفقا للمصدر.
ويرى المصدر: أن قرار تجميد العمل بالشركة، قرارا أمنيا، وسوف يتسبب في ضرر كبير للعمال والشركة القابضة ووزارة الصحة.
بخلاف تطبيق اللائحة الموحدة التي يوجد عليها الكثير من الملاحظات. منها عدم ثبات الأجور وتوزيع الحوافز بنسبة 12% للإدارة العليا و 4% للإداري. وسحب أسطول السيارات، وإلغاء التأمين الصحي التابع للشركات لإتباع منظومة التأمين الصحي الشامل. وتحديد منحة نهاية الخدمة بشهر ونصف من الأساسي عن كل سنة.
لم يرجح المصدر إمكانية غلق الشركة لفترة طويلة، فيقول :”قوة المصنع مؤثرة في الشركة القابضة والوزارة وتحقق أرباح، وتستوعب أكثر 2000 عامل”.
تضامن واسع
وأعقب قرار الغلق أو كما تم وصفه بالتجميد، حملات تضامن مع عمال الشركة ومطالبهم، فقد قال الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي إنه يتضامن مع عمال شركة سيد للأدوية وعمال الشركة القابضة للصناعات الكيماوية بسبب عدم صرف الأرباح السنوية لهم بنفس النسب المقررة خلال العام الماضي. رغم أن إجمالي الأرباح هذا العام أكبر من إجمالي أرباح العام الماضي.
وأكد الحزب أنه يدين قرار العضو المنتدب بتجميد عمل الشركة، كما طالب وزير قطاع الأعمال العام ببحث مطالب العمال بشكل عاجل وعادل، وإعادة النظر في نسب توزيع الأرباح السنوية.
التجمع يطالب بإقالة الوزير
كما طالب سيد عبدا لعال، رئيس حزب التجمع، وعضو مجلس الشيوخ، رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي بمحاسبة وزير قطاع الأعمال هشام توفيق، على البيان الذي أصدره في أعقاب قرار تجميد شركة تنمية الصناعات الكيماوية “سيد”.
وقال عبدا لعال، في بيان له، إن البيان الصادر عن وزارة قطاع الأعمال العام. يكشف عن عقلية عدائية للعمال لمجرد أنهم عمال، فالبيان يتحدث عن الحرص على مصالح العمال، وأن الإضراب يقلل الإنتاج مما ينعكس على أرباح الشركة. وهذا الكلام يتعارض تماماً مع قرار غلق الشركة، بحجة غريبة. وهى الخوف على أصولها التي يحرسها العمال ويعملون على تنميتها، ليس في هذه الشركة فقط، بل هو سلوك أصيل لدى عمال مصر بالقطاعين العام والخاص.
وأضاف رئيس التجمع، أنه لم يسجل التاريخ النضالي لعمال مصر. سابقة تخريب واحده للماكينات أو المباني، ولذا وجب على رئيس الوزراء مصطفى مدبولي. وقف وزير قطاع الأعمال لمحاسبته على هذا البيان الذي يشبه بلاغات الوشاية الأمنية. بل وإقالته إذا لم يعتذر عن توجيه هذا الاتهام للعمال المضربين سلميًا، وعلى الحكومة ورئيسها احترام حق العمال في الإضراب باعتباره حق مشروع، والتفاوض معهم على مطالبهم، وليس بغلق الشركة والتبليغ بالكذب عنهم باعتبارهم أصحاب نوايا تخريبية.
وتابع عبد العال أن استمرار الوزير الدكتور هشام توفيق على رأس وزارة قطاع الأعمال. والتعامل مع العمال باعتبارهم المسؤولون عن ضعف الإنتاج والإنتاجية، والخسائر المالية للشركات، هو تعبير صارخ عن توجهه لتصفية دور الدولة في التنمية الاقتصادية، يستوجب من رئيس الوزراء إجراء تعديل وزاري لاستبعاد هذا الوزير.
تاريخ الشركة
تأسست شركة تنمية الصناعات الكيماوية “سيد” للأدوية. منذ أكثر من 70 عامًا. تحديدًا في عام 1947، لتواصل توسعاتها حيث أنشأت أولى مصانع الأدوية في الوجه القبلى فأقامت مصنع أسيوط للدواء في ديسمبر 1962 على مساحة 14 فدانًا، لسد احتياجات الصعيد من الأدوية وتدريب طلبة كليات الصيدلة في جامعات الجنوب على البحوث العلمية التطبيقية.
ساهمت الشركة في توفير احتياجات مشروعات وزارة الصحة القومية. مثل تنظيم الأسرة، ومشروع معالجة الجفاف. وبها مصنع متطور لإنتاج الأقراص الفوارة. ومنطقة خاصة بإنتاج الأمبولات المائية والزيتية لهرمونات الذكورة والأنوثة التعويضية، و خط متكامل للأشربة السائلة والمعلقة، والعديد من المنتجات الدوائية.
وفرت الشركة ولا زالت بأيادي عمالها الكثير من الاحتياجات الدوائية والعلاجية للمصريين خلال عقود وأسهمت في العديد من الأزمات الصحية. وفي ظل الأزمات العديدة التي مرت بها مصر وآخرها أزمة وباء كورونا، كما تصدر منتجاتها إلى نحو 40 دولة عربية وأفريقية وآسيوية.