في نوفمبر المقبل سوف ينعقد مؤتمر القمة الخاص بشأن الاتفاقية الإطارية لتغير المناخ في مدينة جلاسكو” باسكتلندا. على الأرجح، ستعيد الدول المشارِكة التأكيد على تعهداتها بخفض الانبعاثات وفاء لأهداف اتفاقية باريس للمناخ، لكن في ظل استمرار عمليات قطع الأشجار وإزالة الغابات، خصوصا الغابات الاستوائية المطيرة، وفي غياب خطة طموحة وجدول زمني وتنسيق دولي واسع، لا نتوقع الكثير من النتائج المرضية.
تلعب الأشجار والغابات دورا أساسيا في النظام البيئي وفي ضمان كل صور الحياة على كوكب الأرض. وتغطي الغابات حوالي 30 % من مساحة اليابسة في العالم، لكنها تختفي بمعدل ينذر بالخطر، فمنذ بدأ البشر في قطع الأشجار وإزالة الغابات، تم قطع 46 % من الأشجار، وتتزايد خسارة الغابات والأشجار منذ بداية القرن الحالي، وكان عامي 2016 و 2017 قد شهدا أعلى معدل لفقدان الغابات منذ نصف قرن. ووفقا لتقديرات البنك الدولي، فقد العالم حوالي 1.3 مليون كيلومترا مربعا من الغابات خلال الفترة بين عامي 1990 و 2016، وهي مساحة أكبر من مساحة مصر.
تسهم الغابات الاستوائية في امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، لكن دراسة أجريت عام 2015 ونشرت في دورية نيتشر (Nature) كشفت أنه تم تدمير حوالي 17 % من غابات الأمازون المطيرة على مدار الخمسين عامًا الماضية. وأظهرت القياسات التي أجريت على مدار عقود في قارتَي أفريقيا وأمريكا الجنوبية، أن الأشجار الاستوائية امتصت سنويًّا ما يصل إلى 4.4 مليار طن من غاز ثاني أكسيد الكربون خلال الفترة من أوائل تسعينيات القرن الماضي حتى الآن، وهي معدلات امتصاص، تفوق ما يكفي لمعادلة انبعاثات الكربون الصادرة من دول الاتحاد الأوروبي خلال نفس الفترة.
وعلى الرغم من أن معدل فقدان الغابات في العام الماضي، كان أقل مقارنة بالسنوات القياسية، إلا أنه شهد ثالث أعلى معدل لفقدان الغابات منذ مطلع القرن. زادت معدلات فقدان الأشجار في استراليا ستة أضعاف بعد الحرائق التي ضربت الغابات هناك في عام 2019. ووفقا لبيانات من جامعة ميريلاند الأمريكية، نشرت على موقع مرصد الغابات العالمي وموقع معهد الموارد العالمي، فقدت المناطق الاستوائية في عام 2019 حوالي 12 مليون هكتار من الغطاء الشجري. https://www.wri.org/insights/we-lost-football-pitch-primary-rainforest-every-6-seconds-2019
الغطاء الشجري مفهوم واسع يتضمن الغابات الطبيعية والصناعية وكذلك الأشجار في المزارع وفي المدن. وفقا للدراسة، زادت الخسارة الكلية من الغطاء الشجري بحوالي 3% عما كانت عليه في العام السابق. هذه الخسائر، تعادل خسارة مساحة ملعب كرة قدم من الغابات والأشجار كل 6 ثوان طوال العام، وهي مساحة تكفي لامتصاص حوالي 1.8 مليار طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وهي تعادل الانبعاثات السنوية لحوالي 400 مليون سيارة. ثلث هذه الخسائر، حدثت في الغابات الاستوائية المطيرة، الضرورية للتنوع البيولوجي ولتخزين الكربون. يمكن أن يوفر الغطاء الشجري المداري وحده، حوالي 23 % من عوامل تخفيف تغير المناخ المطلوب تنفيذها خلال العقد المقبل لتحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ، وفقا لأحد التقديرات.
تمثل الزراعة والرعي والتعدين -مجتمعة- أكثر من نصف أسباب عمليات إزالة الغابات، بينما تمثل الحرائق، ومشروعات التنمية الحضرية، وأعمال التحريج، باقي الأسباب. ففي ماليزيا وإندونيسيا، يتم إزالة الغابات لإفساح المجال لإنتاج زيت النخيل، الذي يدخل في إنتاج كثير من السلع من الشامبو إلى الأغذية المعلبة. وفي منطقة الأمازون، تعتبر تربية المواشي ومزراع فول الصويا التي توفر الأعلاف لصناعة اللحوم والأغذية المصنعة، الجناة الرئيسيين. وفي مصر، ودول أخرى، يتم قطع الأشجار وتدمير الحدائق العامة، لتوسيع الطرق وتنفيذ مخططات بناء المنازل والتوسع الحضري.
كانت دورية نيتشر قد نشرت في تقرير سابق أن غابات الأمازون الاستوائية، التي تبلغ مساحتها 5 ملايين كيلومترا مربعا، تبدو الآن مهدَّدة أكثر من أي وقتٍ مضى (انظر: 578, 505–507; 2020 Nature)؛ إذ ارتفع متوسط درجات الحرارة في هذه الغابات المطيرة، التي تمتد عبر تسعة بلدان، بمقدار 1 إلى 1.5 درجة مئوية على مدار القرن الماضي. كما تعرَّضت لثلاث موجات جفاف شديدة منذ عام 2005. فقدت البرازيل حوالي 10 آلاف كيلومترا مربعا من الغابات في عام 2019، وهي أكبر خسارة حدثت منذ عقد كامل من الزمن. وفي العام الماضي، أُلغي حظر العشر سنوات الذي كان مفروضا على زراعة قصب السكر في الأمازون. وأقر البرلمان البرازيلي حزمة قوانين لتنظيم التنقيب عن النفط ومشروعات التعدين، الأمر الذي يهدد بفقدان مساحات أكبر من الغابات.
وكشفت دراسة نشرت في دورية “نيتشر” في العام الماضي أن الفوائد التي تعود على العالم من مصارف الكربون الاستوائية هذه ربما تختفي عمّا قريب (W. Hubau et al. Nature579, 80–87; 2020)؛ وأفاد فريق دولي يقوده متخصصون في الجغرافيا من جامعة ليدز بالمملكة المتحدة، بأنّ النسبة التي تمتصها غابات الأمازون من كربون الغلاف الجوّي تقل كل عام منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي، كما أنّ معدلات امتصاص الغابات الأفريقية لكربون الغلاف الجوي آخِذة في الانخفاض منذ عام 2015 على وجه التقريب.
تؤدي الغابات الاستوائية دورًا جليلًا للإنسانية ولعدد لا يحصى من الكائنات الحية الأخرى، ويؤثر قطع الأشجار وإزالة الغابات على النباتات والحيوانات والمناخ والبشر. حيث يعيش في مناطق الغابات حوالي 250 مليون إنسان، معظمهم من الفقراء، ويعتمدون عليها في معاشهم ودخولهم. ويعيش حوالي 80% من أنواع النباتات والحيوانات في الغابات. تهدد إزالة الغابات بنقص التنوع البيولوجي، وانقراض بعض أنواع الطيور والحيوانات، بما في ذلك إنسان الغاب، ونمر سومطرة.
كما تؤدي إزالة الأشجار إلى حرمان الغابة من أجزاء من مظلاتها التي تحجب أشعة الشمس في النهار، وتحتفظ بالحرارة في الليل، ويؤدي هذا الاضطراب إلى تقلبات شديدة في درجات الحرارة يمكن أن تكون ضارة بالنباتات والحيوانات. وفيما يتعلق بتغير المناخ، يؤدي قطع الأشجار وإزالة الغابات إلى نقص الغطاء الشجري، وبالتالي، نقص قدرة هذا الغطاء على امتصاص ثاني أكسيد الكربون الموجود بالفعل، ما يؤدي إلى زيادة تركيز ثاني أكسيد الكربون في الهواء.وتشير دراسة نشرها موقع العلوم للعموم- بوبيولار ساينس- أنه حتى الأشجار قد تواجه خطر الانقراض بسبب التغير في المناخ.
ولا تقتصر عواقب قطع الأشجار و إزالة الغابات الاستوائية على ما سبق، بل تمتد إلى أبعد من ذلك بكثير. على سبيل المثال، يوفر نهر الأمازون في أمريكا الجنوبية المياه للملايين من السكان، وكذلك لمزارعي فول الصويا ومربي الماشية، الذين يقومون بقطع الأشجار وإزالة الغابات خصوصا الغابات المطيرة، التي تؤثر على دورة المياه في المنطقة، وربما، في العالم. اضطراب دورة المياه ونقص التنوع البيولوجي الذي يترتب على إزالة الغابات يمكن أن يؤدي إلى نتائج أخرى لا يمكن توقعها.
الأرقام لا تدعو للتفاؤل، وتتوقع الدراسة أنه بعد عقد من الآن، سوف يتقلص حجم مصرف الكربون في أفريقيا بنسبة 14%، مقارنةً بالفترة ما بين عامي 2010، و2015. أما مصرف الكربون في غابات الأمازون، فهو في طريقه إلى الاختفاء تمامًا بحلول عام 2035. ويرجع ذلك -في جزء كبير منه- إلى ارتفاع معدل موت الأشجار، ويعزي الباحثون أسباب موت الأشجار إلى ارتفاع درجات الحرارة، واشتداد موجات الجفاف، وهو إتجاه من المرجح استمراره في السنوات القليلة القادمة.
بعض أنصار البيئة يعتقدون أن هناك أسبابًا للأمل، وتتمثل هذه الأسباب في وجود حركة متنامية للحفاظ على النظم الإيكولوجية للغابات واستعادة الغطاء الشجري المفقود، وفي المنظمات غير الحكومية والنشطاء الذين يواجهون قطع الأشجار ومشروعات التعدين غير القانونية في أكثر من مكان في العالم، وفي مشروعات إعادة تأهيل الغابات وحملات التشجير في المدن. في تنزانيا مثلا، وبهدف إصلاح الأضرار السابقة، زرع سكان “كوكوتا” على مدى عقد من الزمن أكثر من مليوني شجرة في جزيرتهم الصغيرة. وفي البرازيل، يواجه النشطاء السياسيون من أحزاب اليسار وأنصار البيئة والسكان المحليون والشعوب الأصلية خطط الحكومة للتراجع عن إجراءات حماية الغابات.
وينصح هؤلاء المتفائلون المستهلكين بفحص وتتبع سلاسل إنتاج السلع واللحوم التي يشترونها، والبحث عن مصادر بديلة منتجة بطريقة مستدامة، متى كان ذلك ممكنا. وتوفر عدد من المنظمات غير الحكومية، مثل “تحالف رعاية الغابات” و”الصندوق العالمي للحياة البرية”، قوائم بعدد من السلع والمنتجات التي تعتبرها مستدامة وتوصي بشراءها. هكذا، ببساطة، وفي خطوة واحدة، تتحول بعض المنظمات غير الحكومية إلى منصات للدعاية والإعلان عن السلع التي تنتجها الشركات، صحيح أنه ليس هناك أدلة حتى الآن على تورط بعض هذه المنظمات في السمسرة، لكنها جميعا تمارس التضليل، عندما لا تضع في اعتبارها أسعار هذه المنتجات، وعندما تتجاهل القدرات الشرائية لملايين الفقراء في العالم.
لم تأخذ الدراسات المذكورة في متن المقال في اعتبارها مشروعات إعادة تأهيل الغابات القديمة، أو زراعة غابات جديدة، أو مشروعات استعادة الأشجار، أو حملات التشجير في العالم، وبالتالي، فهي لا تقدم مؤشرا دقيقا على صافي -أو محصلة- التغيير في الغطاء الشجري في العالم. لكن، هل تنجح مشروعات إعادة التأهيل وحملات التشجير في وقف تدهور الغطاء الشجري وخفض الإنبعاثات ومواجهة تغير المناخ؟
هذا هو السؤال الذي سنحاول الإجابة عنه في مقال قادم.