يومًا تلو الآخر، تنكشف المزيد من الأسرار التي تختبئ خلف الألوان الزرقاء الهادئة لواجهة فيسبوك. تُفتح صفحات الكتاب الأزرق ليظهر وجه آخر سوداوي للموقع الأكثر شهرة في العالم. والذي تحول من مجرد منصة طلابية، إلى أحد القوى التي تحرك الشعوب، وقد تُسقِط الأنظمة. بينما يتبع مشغلوه أجندة خاصة لم نكن -نحن المستخدمين- نعلم عنها شيئًا.

بعد عاصفة التصريحات التي أطلقتها مطلع أكتوبر الجاري، مديرة المنتجات السابقة في الموقع، فرانسيس هوجين. حول جعل الأرباح أولوية فوق المستخدمين، وسياسات الاستخدام والحظر. انفجرت قبلة جديدة عبر موقع The Intercept. بعدما كشف الصحفي سام بيدل عن “قائمة سوداء” تقارب 4 آلاف اسم، اعتبرتهم “خطرين على أمن الموقع”.

 

مارك زوكربرج مؤسس فيسبوك

قوة غير محددة

تنامت قوة فيسبوك في الأعوام الأخيرة بشكل جعل القائمين عليه يستطيعون التحكم في عدة بلدان عبر جمهوره. ساعد في ذلك هيمنته على تطبيقات أخرى، مثل واتساب، وإنستجرام. ما جعل الموقع الأزرق وكأنه “قوة سرية غير محددة المعالم سوى في ملفات مُجهّلة” استطاعت الاستيلاء بشكل كامل على الشبكة الاجتماعية. وفق بيدل.

وفي الفترة الأخيرة، دعت مجموعة من الباحثين القانونيين والمدافعين عن الحريات المدنية شركة فيسبوك إلى نشر القائمة. بدعوى تعريف المستخدمين متى يواجهون خطر حذف منشور أو تعليق حسابهم.

لكن، رفضت الشركة بشكل مستمر القيام بذلك، مدعية أنها “ستعرض الموظفين للخطر وتسمح للكيانات المحظورة بالتحايل على السياسة”. رغم توصية القائمين على الرقابة في الشركة بنشرها في مناسبات متعددة، آخرها في أغسطس الماضي، لأن المعلومات “تصب في المصلحة العامة”.

ولم تقم الشركة بتقديم أي معلومات حول تحديد ما وصفته بأنه “تهديدات” لموظفيها.

 

سياسة التمييز

تهدف قائمة فيسبوك للأشخاص والمنظمات الخطرة DIO (Facebook Dangerous Individuals and Organizations List). إلى حماية جميع مستخدمي الموقع. وتنطبق على المقيمين خارج الولايات المتحدة، وهم الغالبية العظمى. حيث يُعتبر كل شخص وكل شيء في القائمة تقريبًا عدوًا أو تهديدًا من قبل أمريكا أو حلفائها.

ووفق أنجيل دياز، المحاضر في كلية الحقوق بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، والذي أجرى أبحاثًا وألف كتبًا عن تأثير سياسات الاعتدال في فيسبوك على المجتمعات المهمشة، فإن سياسات الموقع تقدم “قبضة من حديد لبعض المجتمعات وأخرى حريرية لغيرها”.

وفي السنوات الأخيرة، تم استخدام “سياسة طمأنة الجمهور”، التي قضت بالمنع والحظر، بشكل كبير أثار استياء العديد من المستخدمين. هذه السياسة طالت الجميع. حتى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

مؤخرًا، أثبتت صحيفة وول ستريت جورنال أن فيسبوك كانت تعلم بأنها سهلت حدوث أضرار عدة. من الإبادة الجماعية في ميانمار، إلى اقتحام مبنى الكابيتول في واشنطن.

وفي وثيقة نشرتها نيويورك تايمز عن نائب رئيس فيسبوك، اتضح أن هذه السياسة صارت نظامًا غير خاضع للمساءلة. بل وتتسم بالتمييز ضد مجتمعات معينة. وتتم معاقبة انتهاكات المعايير عبر سياسة انتقائية غير متناسبة، بحيث يمكن وضع قائمة بالضحايا من الأكثر اضطهادا.

 

جزء من القائمة السوداء الخاصة بالمنظمات المشتبه في كونها إرهابية

الأولوية للأمن

تفرض سياسة طمأنة الجمهور والقائمة السوداء قيودًا أكثر مرونة على التعليقات حول الجماعات البيضاء المناهضة للحكومة مقارنةً بالجماعات والأفراد المدرجين في قائمة الإرهابيين. والذين ينتمون في الغالب إلى الشرق الأوسط وجنوب آسيا، أو المسلمين. هناك كذلك من يُزعَم أنهم مرتبطون بجماعات إجرامية أو عنيفة، وهم في الغالب من السود واللاتينيين.

وقال مدير سياسة مكافحة الإرهاب والمنظمات الخطيرة في فيسبوك، برايان فيشمان، في بيان مكتوب. إن الشركة تحتفظ بالقائمة سرية لأن “فضاءه يتسم بالخصومة، لذلك نحاول أن نكون شفافين قدر الإمكان، مع إعطاء الأولوية للأمن أيضًا، الحد من المخاطر القانونية ومنع الفرص للمجموعات للالتفاف على قواعدنا”.

وأضاف: “لا نريد إرهابيين أو مجموعات كراهية أو منظمات إجرامية على منصتنا. ولهذا نحظرهم ونزيل المحتوى الذي يمدحهم أو يمثلهم أو يدعمهم”.

ولفت إلى أن هناك فريق مكون من أكثر من 350 متخصصًا يعمل على إيقاف هذه المنظمات وتقييم التهديدات الناشئة “نحظر حاليًا الآلاف من المنظمات، بما في ذلك أكثر من 250 مجموعة من جماعات التفوق الأبيض في أعلى مستويات سياساتنا “.

 

تنقسم القائمة إلى ثلاث مستويات تشمل الإرهاب والكراهية وعصابات الشوارع

3 مستويات

وتنقسم القائمة إلى ثلاث مستويات، الأول هو الأكثر تقييدًا، شمل الإرهاب والكراهية والجماعات الإجرامية المزعومة والأعضاء المزعومين، وعصابات الشوارع الأمريكية، وعصابات المخدرات في أمريكا اللاتينية.

ويشمل الإرهاب، الذي يشكل 70 % من المستوى. منظمات وأفراد من الشرق الأوسط وجنوب آسيا. حيث يتم تصنيف ما يقرب من 80 % من الأفراد المدرجين على أنهم إرهابيون. هذه الفئة تم تصنيفها من خلال قائمة “SDGT”، وهي قائمة عقوبات تحتفظ بها وزارة الخزانة وأنشأها الرئيس جورج دبليو بوش في أعقاب هجمات 11 سبتمبر.

وفي كثير من الحالات، تتضمن الأسماء الموجودة في القائمة جواز السفر وأرقام الهواتف الموجودة في القائمة الرسمية، مما يشير إلى نسخ البيانات مباشرة.

ويشمل المستوى الثاني مجموعات مثل المتمردين المسلحين، والعديد من الفصائل السورية. ويمكن للمستخدمين إبداء الإعجاب بهؤلاء، لكن لا يجوز لهم التعبير عن أي دعم جوهري.

أما المستوى الأخير، فيشمل من هم بعيدين عن العنف، لكنهم يحملون خطابات كراهية. مثل الميليشيات الأمريكية اليمينية المناهضة للحكومة، وهي من البيض بالكامل تقريبًا.

 

أغلب الموضوعين في القائمة ينتمون إلى الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية

تضم الموتى

وتتنوع القائمة التي نشرها الموقع في مائة صفحة، بين أشخاص طبيعيين، ومؤسسات، وفرق غنائية، وجماعات سياسية. يعود الكثير منها إلى منطقة الشرق الأوسط، والذين صنّفهم الموقع إلى فئات، منها الكراهية والجريمة والإرهاب والحركات الاجتماعية العسكرية أو العنيفة.

وتم تنظيم هذه الفئات في نظام من ثلاثة مستويات بموجب القواعد التي طرحها الموقع في أواخر يونيو الماضي. ومع كل مستوى تتضاعف قيود الحديث.

وقال بيدل: “ينتمي المحظورون إلى اتجاهات سياسية أو اجتماعية أو أيدلوجية متناقضة، ويبدو أن كلمة السر هي العداء للاستعمار والصهيونية وأدوات الامبريالية والعرق”.

وتابع: “يشمل ذلك أشخاصا ماتوا منذ زمن بعيد، كالزعيمين الفلسطينيين جورج حبش وفتحي الشقاقي، أو الشهيد المهندس يحيى عياش وغيرهم. كما شملت سياسيين وكتاب وجمعيات خيرية بل مستشفيات وأعمال موسيقية وشخصيات تاريخية”.

ونشر الموقع أيضًا وثيقة مرتبطة بالقائمة. قال فيسبوك إن الهدف منها “مساعدة الموظفين على تحديد المنشورات التي سيتم حذفها ومن يجب معاقبته من المستخدمين”.

ومن المحظورين كذلك المناضلة الفلسطينية ليلى خالد، عضو الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي شاركت في اختطاف طائرة شركة العال عام 1969. رغم اقتراب عمرها من الثمانين. كذلك بعد ضغوط، تم إلغاء قرار حذف منشور يشكك في سجن الثوري الكردي اليساري عبد الله أوجلان. أحد المصنفين بالقائمة، الذي ساعدت الولايات المتحدة المخابرات التركية على اختطافه عام 1999.