ليس هناك موضوع أكثر أهمية وإثارة، في العلوم الإنسانية، من موضوع التفكير والإبداع، وقد نشر في موضوع “حالة الإبداع” في مصر، الكثير من المقالات والكتب، إلا إنها لم تكن بالعمق والشمول الكافي، خاصةً في عصر العولمة.

لا يمكن دراسة إبداع مجتمع ما، خارج السياق التاريخي لهذا المجتمع!

على مسار الطبقة الحاكمة، صعودا وهبوطا، يسير إبداع الطبقات الاجتماعية التي تعبر عنها طبيعة هذه الطبقة الحاكمة، صعودا وهبوطا؛ هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى، يأتي موقف سلطة الطبقة الحاكمة من المجتمع المدني، كعامل حاسم في مسار المجتمع المدني وقواه الناعمة، في الإبداع، كما في كل القوى الناعمة الأخرى، “ثقافات، آداب، فنون، علوم، قيم، سلوكيات .. إلخ”، صعودا وهبوطا.

وهنا تناقض ملفت، فبالرغم من أن سلطة يوليو المفترض أنها تعبر عن الطبقة الوسطى المصرية، إلا أنها في نفس الوقت، ومن اليوم الأول لحكمها، حرصت على خنق المجتمع المدني وقواه الناعمة، لنفس الطبقة التي من المفترض أنها تعبر عنها، ذاتها!. إنه “كعب أخيل” سلطة يوليو.

تعتبر الطبقة الوسطى بمثابة الرافعة الأساسية، لقيام النهضة في المجتمع، كونها تعبر عن طموحات القاعدة العريضة من أبنائه، وهي موطن الاعتدال والإبداع في المجتمع، الطبقة الوسطى اجتماعيا، هي الطبقة التي تضطلع بحركة التنوير والحداثة، في العلوم والفنون والفكر.

الطبقة الوسطى في الحقبة الناصرية!

منذ منتصف القرن الماضي، اتسعت مساحة الطبقة الوسطى المصرية، نسبيا، بفعل السياسات التي تبنتها سلطة يوليو في نسختها الناصرية، مجانية التعليم، الإصلاح الزراعي، التوظيف الحكومي وفي القطاع العام، كان الانحياز لصالح الطبقة الوسطى، المدينية/الريفية، قبل غيرها، والسعي لتوسعتها لتكون قاعدته الاجتماعية الرئيسية؛ لكنه، كان توسعا كميا، لأن غياب الديمقراطية، الحريات الخاصة والعامة، بالإضافة لعدائها للمجتمع المدني من اللحظة الأولى، حال دون تحول هذا التوسع الكمي إلى توسع كيفي أيضا، إلا أنه بفعل قانون “الدفع الذاتي”، كانت ارتدادات الفترة شبه الليبرالية (1923 – 1952)، امدت عقدين، تقريبا، بعد 52، بمظاهر الثراء في قوته الناعمة الغاربة.

في الإطار ذاته قام عبد الناصر بتصفية الإقطاع الزراعي، فنشأت طبقة برجوازية في الريف، حيث أفضت قوانين الإصلاح الزراعي إلى نقل تركز الثروة الاقتصادية من كبار الملاك إلى أصحاب الملكيات الزراعية المتوسطة، الذين شكلوا طبقة وسطى جديدة في الريف؛ كما عادت هذه السياسات بالفائدة على شرائح واسعة من السكان تتجاوز الطبقة الوسطى، حيث استفاد أبناء الفلاحين من مجانية التعليم، ومن سياسات الإصلاح الزراعي، ومن فرص العمل في الحكومة والقطاع العام.

واكب ذلك، أيضا، أن أصبح التهجير سياسة شبه رسمية بعد 1952، خلال الحقبة الناصرية، فتم طرد أعضاء الجاليات أو إجبارهم على الهرب ومعهم أرباب الصناعات والبنوك وأكفأ الحرفيين والناشطين الاجتماعيين والمبدعين وأرقى المهارات الاجتماعية والفكرية والفنية، وهكذا رحل عن مصر قرابة 5،2 مليون من المتمصرين والمصريين من مختلف الجنسيات؛ وللأسف، كان مع بدء المشروع الرأسمالي قبل 52، أن تحولت الجاليات من المتمصرين إلى أول مكونات الطبقة الوسطى المصرية، وكان الانتماء الثقافي لمشروع الدولة الليبرالية هو ثقافة حوض البحر المتوسط، ثقافة الحداثة عبر دخول طور العقل الفلسفي ومن بعده العقل العلمي، وما نتج عن ذلك من التطور الرأسمالي وبزوغ روح القوانين والديموقراطية وولادة الفرد المواطن.

عندما تسلحت الناصرية بالسلطة الدينية!

مارست سلطة يوليو دور “الجماعتين الوظيفيتين، العسكرية والدينية”، ومارست خصومتهما مع الدولة المدنية، ومؤسسات المجتمع المدني، والفكر العلمي والديموقراطي، ومشروع الطبقة الوسطى، كما أن تنامي دور الجماعتين الوظيفيتين “العسكرية والدينية”، كان يعني تبديد النخب المدنية وقواها الناعمة؛ لقد قال عبد الناصر يوما: “كل مسلم يجب أن يكون رجل دين ورجل دنيا في وقت واحد معا”، وقد وردت العبارة بحرفيتها في مقدمة القانون 103 لسنة 1961 لتنظيم الازهر: ثم حدد انتماء مصر في ثلاث دوائر: العربية والإفريقية والإسلامية (فلسفة الثورة – ص 102-105 )، وهو ما يعني قطع علاقة مصر مع حوض الحضارات أي حوض المتوسط، وبالتالي مع الحضارة المعاصرة .

وشارك الإخوان في أول حكومة بعد يوليو 52، واستثنى الإخوان من قرار حل الأحزاب، وتم إشراكهم في لجنة إعداد الدستور في يناير 1953؛ (وهو ما يذكرنا بشكل مماثل بإشراكهم، بل بقيادتهم، للجنة إعداد دستور 2012)، وفي الوقت نفسه، كانت عمليات التطهير تدور على قدم وساق، للخلاص من أنصار الديموقراطية في كل أجهزة الدولة، وفي يوم واحد باسم التطهير طرد 440 أستاذا جامعيا من خريجي أرقى جامعات العالم وحائزين على أعلى درجاتها العلمية، وجلس مكان معلم الأمة “طه حسين” ضابط صغير، وزيرا للمعارف، وفي يوم واحد أيضا، قبض على 30 ألف فنان شعبي بتهمة التسول كانوا ينشرون الفرح والبهجة في شوارع مصر، وأصبحت الثقافة المتداولة في مصر ثقافة شمولية معادية للحياة والحرية وللفرد والإبداع؛ وأصبح من المألوف وجود الشيوخ في لجان الرقابة على السينما والفنون والإذاعة والتلفزيون.

كانت كل الإجراءات السابقة تساعد على ازدياد قوة “الجماعة الوظيفية الدينية”، وهكذا شرعت في إقامة مؤسسات منفصلة عن المؤسسات الرسمية، مثل “جبهة علماء الأزهر”، وهي المجموعة التي وجهت تهمة الارتداد إلى أغلب مفكري مصر وما ترتب على ذلك من قضايا من كل نوع، ومصادرة الأفلام والكتب وخلافه، وأصدروا فتاوى إباحة سفك الدماء على صفحات الجرائد وفي المحاكم .

إن خدمة وتعميق المعتقد الإيماني هو عمل إيجابي ولكن تأسيس عقل ديني عليه معاد للحرية والتقدم لخدمة أهداف سياسية فاشية هو ما أدى إلى ما نحن فيه، وعندما ارتفعت شعارات اشتراكية وقومية، كان ذلك هو ظاهر الأمور، فقد تم تفسير الاشتراكية على أنها اشتراكية إسلامية، وكانت القومية مؤسسة على اللغة والدين، وهكذا شمل العقل الديني كل شيء؛ وهكذا يمكن معرفة لماذا خرج من مصر ثلث جماعات الإرهاب باسم الإسلام على المستوى العالمي .

الطبقة الوسطى المصرية ولدت بـ”عيب خلقي”!

لقد أسست الدولة في مصر الطبقة الوسطى، بشكل فوقى، على حساب حركة المجتمع، على حساب فرصة “النمو الطبيعي” للطبقة الوسطى، ومنذ نشأتها وطوال تاريخها، تمثّلت نقطة الضعف التاريخية للطبقة الوسطى في تبعيتها الكاملة للدولة، وهو ما أورثها نزعة استسلامية تجاهها، ولذلك لم يكن غريبًا أن نلاحظ اتخاذ أغلبية المنتمين إليها عادًة، مواقف انتهازية سلوكيًا وفكريًا يغلب عليها مظهر النفاق، وثقافة الانحناء ومقاومة الحداثة والفردية والإبداع؛ وهو ما جعلها في الأخير طبقة مهادنة وغير ثورية تابعة للدولة دومًا، لا يعول عليها في إحداث تغيير سياسي حقيقي، لقد ولدت بـ”عيب خلقي”، بعكس نظيرتها الأوروبية، التي حفرت طريقها بنفسها، ودافعت عن مصالحها بيدها، فسارت علاقتها بالدولة في الاتجاهين، ضغطا من الطبقة الوسطى بهدف الدفاع عن مصالحها وحقوقها، مقابل استجابة من الدولة بإصدار تشريعات تلبّي مطالب الطبقة الوسطى.

إشكالیة الطبقة الوسطى المصرية، الأساسیة، أنها تبادل الاستقرار في مقابل الحریة، والحراك الطبقي إلى أسفل يمثل أهم مخاوف أبنائها، وأدى انشغال أبناء الطبقة الوسطى بتدبير احتياجات الحياة إلى ضعف اهتمامها بالمشاركة السياسية، كما قلص من طلبها على المنتجات الثقافية والفنية، ومن قدرتها على الإنتاج الثقافي والفني المستقل عن الدولة والطبقة العليا المسيطرة، الوطنية/الأجنبية خاصة الخليجية؛ ما يقود إلى هيمنة ثقافية حيث تسود معايير وقيم هذه الطبقات، ولغتها وذائقتها الفنية.

التحول في دور الدولة المصرية!

بدأ التحول في دور الدولة المصرية، منذ منتصف السبعینیات من القرن الماضي، بتبني نموذج تنموي قائم على اقتصاد السوق، فقد شهدت مصر بدءا من حقبة السادات، تحولا هائلا في التوجهات السياسية لسلطة يوليو، جزئيا، بفعل ضغط التركة التي استلمها السادات من عبد الناصر، تركة شملت احتلال جزء من الأراضي المصرية، وأساسيا، بفعل السياسات المفروضة من حكام العالم بقيادة أمريكية، سياسات “العولمة”، النيوليبرالية الاقتصادية، والتي عرفت في مصر باسم “الانفتاح الاقتصادي”، 1974، (لاحظ إنه في أعقاب حرب 73؟!)، لينقلب معها الهرم القيمي، وتظهر طبقة جديدة من “الرأسماليين الجدد”، التي حققت ثروات شخصية، معتمدة بنسبة كبيرة على الوظيفة والموقع داخل مؤسسات الدولة، والذين كونوا جل ثرواتهم من عمليات السمسرة في كل المجلات، وغالبا بطرق غير مشروعة، ومع ظهور هذه الطبقة الجديدة، بدأ موقع الطبقة الوسطى في الهرم القيمي في الانحدار، ومعها بدأت تنحدر قوى المجتمع المدني الناعمة، في الإبداع، كما في كافة المجالات، وفي نفس الوقت تعمَّق الانقسام الثقافي والسياسي بين أصحاب المشروعات الإسلاموية مقابل أصحاب المشروعات المدنية، بعد أن استعان السادات باليمين الديني لمواجهة نفوذ اليسار.

كما تم تصعيد حدة الانقسام الاجتماعي من أجل تحقيق السيطرة، بهدف إضعاف المجتمع المدني وضبطه داخل إطار يناسب نوع السلطة “الشمولية”، وكان من أهم النتائج، تلاشى الوكلاء السياسيين ثم تأكل قاعدتهم الحقيقية وهم الوكلاء الاجتماعيين ليحل محلهم وسطاء تقليديون، رجال دين وعملاء أمن وفئات مرتبكة اجتماعيا، ما هدد التماسك الوطني، وحول مصر إلى كيان طارد لقيم الحرية والإبداع والمهارات الاجتماعية والمعارف العلمية والحرة، وقيم الأمانة والمسئولية، وانتشرت مفاهيم محاكم التفتيش في النوايا وتقسيم الأوطان وكراهية كل آخر، وثقافة وأخلاق الجسد، ليهرب الضمير والأخلاق المدنية والضمير المهني والمهارات الاجتماعية والنقدية العقلانية والحريات.

وهكذا اغتيل فرج فوده وجرت محاولة ذبح نجيب محفوظ وصدر حكم من أعلى محكمة في مصر بتفريق نصر حامد أبوزيد عن زوجته كما حاولوا تفريق نوال السعداوي عن زوجها وصودرت كتب طه حسين ولويس عوض ومكسيم رودنسون وجبران خليل جبران ونجيب محفوظ وعبد الله النديم ومحمد شكري وسعيد العشماوي وأهداف سويف وأبكار السقاف ومحيي الدين ابن عربي؛ وحذفت كتب طه حسين والحكيم والعقاد ونجيب محفوظ من التعليم وحلت محلها كتب شيوخ التطرف، وأصبحت الخطوط الحمراء تشمل مواضيع البحوث العلمية، وأرسلت الرسائل العلمية من الجامعات إلى الأزهر وإدارة الفتوى لإبداء الرأي، وأصبحت لدينا قوائم سوداء للأفكار والإبداع والكتاب.

الطبقة الوسطى وثورة يناير!

إن مسار ضمور الطبقة الوسطى بدأ منذ 52، إلا ان نتائجه ظهرت جلية في ینایر 2011، كانت ثورة ینایر تشیر إلى أن أزمة الطبقة الوسطى وصلت إلى ذروتھا، وأن العقد الاجتماعي السابق انتھى، وأن الدولة لم تعد تقدم أي شيء للطبقة الوسطى، خاصة شرائحھا التي لم تستطع أن تتواكب، مع غیاب دور الدولة  وتراجع حزم الخدمات التي كانت تتمتع بھا ھذه الطبقة، والذى تجلى في شعارات ثورة ینایر، والتي جمعت بین المطالبة بالعدالة الاجتماعیة والحریة السیاسیة، ھذه الطبقة التي لم یكن لھا أیام سریان العقد الاجتماعى، “الناصرى”، مطالب سیاسیة واضحة، فالعقد الاجتماعي الذى قام على تقدیم حزمة من الخدمات والمزایا للطبقة الوسطى، مقابل الولاء السیاسي في عھد عبد الناصر، لم یعد قائما.

العولمة في مواجهة الهوية الوطنية!

– إذا صح القول-، امتداد لنمط الاستعمار الفرنسي، الاستعمار الذى لا يكتفي بنزح ثروات الشعوب، بل أيضا والأخطر، محاولة طمس الهوية الوطنية للشعوب المستعمرة، وفرض الهوية الفرنسية، اللغة والثقافة ونمط الحياة .. إلخ، لذا لا يصبح مدهشا أن عددا كبيرا من أعضاء تنظيم “داعش” هم من أبناء المستعمرات الفرنسية، الذي جرى تشويه هويتهم الوطنية، ومن ثم التشويه واختلال التوازن النفسي، أساس استقرار الإنسان الذهنى والنفسى والعاطفي.

بعد تبنى السياسة المصرية لسياسات العولمة، “النيوليبرالية الاقتصادية”، والتي أحد أعمق أهدافها، التي تفرض بالأساس بسلاح القروض، هو إزالة الأفكار والقناعات السابقة عليها، لذا تفرض التطهير للأفكار الوطنية، بإزالة الأفكار والثقافات والتقاليد والقناعات السابقة عليها؛ وعندما تقاوم الدولة الوطنية، يتم إعادة تأهيل الدولة المستهدفة، بممارسة ضغط هائل عليها، أساسا بواسطة القروض، لإحداث التحويل القسري لهذه الدولة، من دولة وطنية إلى شركة مستحوذ عليها من قبل الشركات الكبرى العابرة للجنسيات، أيا كانت وسيلة الضغط، يتم الأمر، وتتحول إلى سوق مفتوح، تتحول من دولة وطنية إلى شركة، إنه الدخول القسري للعولمة، وتسود الثقافة الاستهلاكية “ثقافة ماكدونالز”، محل الثقافات الوطنية.

ليس لدى البنوك والمؤسسات المالية العالمية من وظيفة، سوى إقراض القروض، أي خلق الديون، التي بها يتمكن ملاك الشركات متعددة الجنسيات، وهم أنفسهم المسيطرون على هذه المؤسسات المالية، ومن خلال سياسة “الإغراق بالديون”، ليس فقط يتمكنوا من نزح الثروات الطبيعية وناتج الطاقات البشرية المحلية وحسب، بل هي تسعى أيضا إلى تدمير إرث المجتمع الثقافي والحضاري، من آثار وتراث ثقافي لا مادي، ومحو كل ثقافة وطنية من أجل إحلال ثقافة جديدة، ثقافة السوق المفتوح، ثقافة العولمة، ثقافة شرق أوسط جديد؛ إلا إنه عند ظهور المقاومة، ورفض الشعب التخلي عن ثرواته الطبيعية وعن ماضيه الثقافي والحضاري، عندها يتحول الشعار من بناء “دولة مدنية ديمقراطية حديثة”، إلى شعار “الحرب العالمية على الإرهاب”.

الإنترنت وعودة الروح للمجتمع المدني وقواه الناعمة!

بعد سبعة عقود من تغييب المجتمع المدني المصري وقواه الناعمة، ضمرت خلالها الطبقة الوسطى المصرية، وضمر إبداعها، بعد أن كانت الحركة الثقافية والفنية والعلمية المصرية، قامت على أكتاف أبناء الطبقة الوسطى، منذ نهاية القرن التاسع عشر، وأثرت الحياة المصرية والعربية، بقواها الناعمة، وأصبحت قواه الناعمة تلفظ أنفاسها الأخيرة، ولأن أي فراغ لابد له أن يُملأ، صعدت لملء الفراغ، “إبداعات” أخرى، فمثلا، “فنون الأغنية” لأصحاب الياقات البيضاء، تدور حول نفسها، في دائرة من السطحية والتفاهة والابتذال، ليصعد مقاوما، “فنون الأغنية” أبناء العشوائيات (عشرات الملايين)، مستنقع الفقر والحاجة وفقدان الأمل في أي مستقبل، جنبا إلى جنب، مع فنون الأغنية المبدعة من أبناء الطبقة الوسطى الجدد، أبناء الإنترنت، الذين أمكنهم رؤية ما لم يكن من الممكن رؤيته من قبل، من فنون وحراك العالم الكبير، وهو مجال مفتوح على إمكانية مستقبلية هائلة نتيجة تطور تطبيقات الإنترنت شبه اليومي.

ان شبكة الإنترنت وضعت الشباب لأول مرة مع العوالم الأخرى والمجتمعات الحرة، وتقدم مقارنة معرفية مستمرة في كل المجالات الفنية والاجتماعية، والجنسية والاعتقادية والعلمية، هكذا أصبح العقل والوعي في فضاء البشرية كلها وفي زمنها الراهن وعلى نحو متعدد لا متناه.. لقد نجحت الوسائط الإلكترونية في ما لم تنجح فيه الأيديولوجيات في تقريب بل وتوحيد النشر، إن التطور العالمي تجاه حرية المعلومات وموت الأيديولوجيا وبروز دور مؤسسات المجتمع المدني العالمي، والتحول إلى الدولة المدنية، تطرح سؤالا مصيريا:

ھل يمكن للطبقة الوسطى المفككة ومتضاربة المصالح أن تتوحد للدفاع عن مصالحھا، وھى التي تربت على تغلیب المصلحة الفردیة على المصلحة الجمعیة طوال تاریخھا إلا في لحظات استثنائیة؟!

یظل الأمل في أن تتشكل طبقة وسطى جدیدة تلعب دورا في التحول الدیمقراطي في مصر في المستقبل، وھي لن تكون طبقة صنیعة الدولة، ولكنھا ستتشكل من شباب تعلم تعلیما جیدا، واكتسب مھارات حدیثة، وتواصل عبر الإنترنت مع عوالم مختلفة، نحن بحاجة ماسة إلى طبقة وسطى بمعناها الحضاري والاجتماعي، للعب دورها التنويري ودفع المجتمع إلى الأمام.