“سافر ولا جاش اللي كواني.. ما يكونشي لاقى له حبيب تاني.. إذا كان في غيابه يطمني علشان أصبر لما يجيني.. خايفة ليكون زعلان مني.. وما صدق سافر ونسيني.. أو  كان يبعد لي جواب.. ويقول علشان إيه غاب.. لا بعتلي جواب.. ولا شيء جاني.. ما يكونشي لاقى له حبيب تاني.. سافر ولا جاش اللي كواني”

كـ”سنيدة” لزوجها المطرب الشعبي محمد الصغير، بدأت نعيمة عبد المجيد. رحلتها الفنية وهي لا تزال ابنة السابعة عشر. قبل أن يشجعها هو نفسه على الغناء بشكل منفصل. لتؤدي عشرات المنولوجات والأغاني التي لاقت نجاحا كبيرا في كازينوهات روض الفرج التي كان يعمل بها الزوج أيضًا. بعد أن تركوا الإسكندرية وجاءوا للعمل في القاهرة.

“طب وانا مالي”.. بوابة السينما

جذبت حلاوة صوتها المخرج الكبير حسن الإمام ليعرض عليها الظهور في فيلم “اليتيمتين” عام 1948. لتأدية أغنية “بس طُل عليا.. طب وأنا مالي”. وهو الفيلم الذي استخدمت فيه لأول مرة لقب زوجها مصاحبًا لاسمها.  ليكون “نعيمة الصغير” اسمًا فنيًا ظل مصاحبًا لها طوال مشوارها الفني.

رغم أداء نعيمة الصغير الجميل للأغنية. لم يستطع الدور أنا يفتح أمامها أبواب السينما كمطربة. لكنها التحقت بعد ذلك بصحبة زوجها بفرقة إبراهيم حمودة.

بعد 17 عامًا يعود حسن الإمام ليعرض عليها دور زوجة المأمور في فيلم “هي والرجال” عام 1965. أمام محمد رضا، بطولة لبنى عبد العزيز وصلاح قابيل، وهو دور صغير لامرأة قاسية تضرب خادمتها وتقوم بإذلالها، وهو ما أدته نعيمة بإتقان كبير.

رغم أنها لم تستطع تحقيق حلمها بأن تصبح مطربة تغني في السينما إلا أننا يمكننا أن نعتبر دورها في فيلم “اليتيمتين” كان البوابة التي عرفتها على السينما لتصبح بعد كفاح كبير واحدة من أهم كوميديانات السينما المصرية، وأخفهم ظلًا.

“امتثال”.. عندما أثبتت موهبتها وسط الكبار

دورها في “هي والرجال” لفت إليها نظر المخرج الكبير صلاح أبو سيف ليمنحها دور هام في فيلم “القاهرة 30” عام 1966. المأخوذ عن أحد روائع نجيب محفوظ. تلعب نعيمة في الفيلم دور “امتثال” أم “إحسان” بطلة العمل. التي أدت دورها سعاد حسني.

شخصية “امتثال” دور مركب لأمِ يدفعها بؤس الفقر لمشاركة زوجها في بيع جسد ابنتها لـ”الباشا الوزير”. الذي يزوجها زواجًا صوريًا من أحد موظفيه “محجوب عبد الدايم” الفنان حمدي أحمد. ليستطيع العيش معها. وهو دور رغم دراميته الشديدة كان  ممزوجًا بمسحة كوميدية سوداء.

ما زاد من صعوبة الدور على نعيمة الصغير هو أداء أغلب مشاهدها أمام الفنان القدير توفيق الدقن “شحاتة تركي”. حيث كانت تؤدي دور زوجته. لكن نعيمة أدت الدور بشكل مبهر، لتنتزع مكانها وسط الكبار.

بعد “القاهرة 30”. وخلال عقدي الستينيات والسبعينيات. مثلت نعيمة الصغير عشرات الأدوار التي رغم صغر مساحتها فقد أدتها ببراعة شديدة منها دور “نظيمة الداية” في فيلم “الزوجة التانية”. و”قدرية” في فيلم “مولد يا دنيا”.

كما اختارها المخرج يوسف شاهين، في عام 1978 للمشاركة في فيلم “إسكندرية ليه” لأداء دور “منولوجست” تعمل في “كازينوهات” الإسكندرية. خلال فترة الحرب العالمية الثانية، وغنت في الفيلم أغنية “سلامات سلامات للكابتن”. وهو الدور الذي كان قريب من شخصيتها الحقيقية. حيث عملت كـ”مونولوجست” ومطربة في مقاهي وكازينوهات إسكندرية قبل أن تنتقل للقاهرة.

الثمانينيات.. تفجر طاقتها الكوميدية

لكن فترة الثمانينيات كانت بداية نعيمة الصغير الحقيقية. حيث كشفت الأدوار التي أدتها عن موهبة كوميدية عظيمة. لما تكن قد تفجرت بعد، رغم مرور سنوات طويلة من عملها في السينما.

في عام 1984 تؤدي نعيمة دور “أم إمام الخاطبة” التي تخدع “الست بهية” الفنانة كريمة مختار وتزويجها من النصاب “سيد المغربي” الفنان فريد شوقي”. وعلى الرغم من أن الفيلم كان يضم عدد كبير من الفنانين الكوميديين. مثل أحمد بدير ونادية فهمي والفنان القدير محمد شوقي. فضلًا عن أبطال العمل، إلا أن دور “أم إمام الخاطبة” بأداء نعيمة الصغير حقق نجاح كبير لدرجة جذب الكاميرا أحيانًا من أبطال العمل، وهو ما يمكن أن نلحظه حتى الآن عند مشاهدة الفيلم. في نفس العام شاركت في أفلام شوارع من نار وبيت القاصرات.

الحماة المتسلطة.. وريثة ماري منيب

في عام 1985، يمنحها عمر عبد العزيز أحد أهم أدوارها السينمائية وأكبرها مساحة. وهو دور “نظلة” الحماة المتسلطة، في فيلم “الشقة من حق الزوجة” بطولة محمود عبد العزيز ومعالي زايد، وجورج سيدهم والكوميديان الكبير عبد الله فرغلي.

مرة أخرى تكشف نعيمة الصغير في “الشقة من حق الزوجة”. عن قدراتها التمثيلية والكوميدية الكبيرة، في وسط وجود هذا العدد من نجوم الكوميديا الكبار. حتى أن مشاهدها أمام الفنان محمود عبد العزيز التي لا تنسى. تُثبت كم استطاعت نعيمة بروعة أدائها وخفة دمها أن تمنع محمود عبد العزيز من أن يستأثر وحده بالكاميرا فلقد أوجدت لنفسها في هذه المشاهد مساحة مساوية له.

 

هكذا كانت تفعل دائمًا أمام عمالقة الكوميديا، مثل عادل إمام في أفلام المشبوه، وكراكون في الشارع، ورمضان فوق البركان، وهو الفيلم الذي أدت فيه أيضًا دور الحماة الجشعة المتسلطة.

نستطيع أن نقول أن نعيمة الصغير ورثت الفنانة الكوميدية القديرة ماري منيب في أداء هذا النوع من الأدوار، فلم نشهد ممثلة أخرى بعد “ماري” استطاعت تشخيص دور الحماة المتسلطة بخفة الدم ذاتها والطبيعية مثلما فعلت نعيمة.

الشريرة اللطيفة

لعبت نعيمة دور “القوادة” في فيلم شوارع من نار. مع نور الشريف ومديحة  كامل، ومن إخراج سمير سيف. وهو دور طغى فيه أيضًا الأداء الكوميدي على الشخصية، وأدته نعيمة بخفة دم يصعب مقاومتها.

كما أدت دور السيدة سيئة السمعة التي تدير بيت أو شبكة دعارة في عدة أفلام. منها “بيت القاصرات”، “مدام شلاطة” وجميعها أدت فيها الأدوار بشكل كوميدي جميل.

أما دورها في فيلم “العفاريت” 1990، للمخرج حسام الدين مصطفى، وبطولة مديحة كامل وعمرو دياب، فقد ترك بصمة كبيرة، رغم سذاجة الفيلم ورداءة السيناريو والإخراج، حتى أننا لا نتخيل أن يبقى شيئًا من العمل إذا انتزعنا منه شخصية “الكاتعة” بأداء نعيمة الصغير الكوميدي اللطيف، إضافة بالطبع لأداء الطفلة هديل” والتي قامت بدور “بلية”.

الشرير اللطيف خفيف الظل هي شخصية ابتدعها وأداها المخرج والممثل الكبير استيفان روستي، وربما استطاع بعض الممثلين الرجال أداءها، لكن “نعيمة الصغيرة” هي الممثلة الوحيدة من النساء التي استطاعت لعب هذه الشخصية.

الهروب من التنميط

التنميط هو أهم المشكلات التي قد تواجه الممثل. يمكننا أن نضرب عشرات الأمثلة بممثلين وممثلات خاصة من قاموا بأداء الدور الثاني والأدوار الثانوية، خنقهم المخرجون بالاستسهال وحصروهم في دور واحد، فهل استطاعت نعيمة الصغير من الهروب من الـ”الكاركتر” الواحد؟

لا نستطيع أن نقول أن نعيمة الصغيرة فلتت من فخ التنميط، لكننا نستطيع أن نقول أنها أحدثت تنوعًا بأدائها في ظل تشابه الشخصيات، فليس شكل “الحماة المتسلطة” في رمضان فوق البركان هو نفس شكلها في الشقة من حق الزوجة، ولا أداء “القوادة” في شوارع من نار هو نفس أداءها في “بيت القاصرات.

كما أنها حاولت تقديم أدوار مختلفة عن “كاركتر” الشريرة أو الحماة المتسلطة أو العجوز المتصابية، عندما أتاح صناع الأفلام، أو نجوميتها آنذاك أن تختار أدوارًا مختلفة، نستطيع أن نرى ذلك في دورها في فيلم الأم الطيبة المكافحة في فيلم “كراكون في الشارع” مع النجم عادل إمام، ودورها  الجارة الوفية التي تقف في وجه الظلم في فيلم “ليلة القبض على فاطمة”  مع الفنانة فاتن حمامة.

تركت نعيمة الصغير والتي تحل ذكرى رحيلها الثلاثين اليوم 20 أكتوبر، رصيدًا كبير من الأعمال السينمائية، إضافة لعدد من الأدوار المميزة في التلفزيون مثل دورها في مسلسل أهلًا بالسكان. هذه الأدوار تظل تنبأنا بكفاح طويل لفنانة استطاعت أنا توجد مكانًا خالدًا لها وسط عمالقة فن الكوميديا في مصر.