“يا بائعَ الفجلِ بالمِلِّيـمِ واحدةً.. كم للعيالِ وكم للمجلسِ البلدي”.. منذ أكثر من مائة عام عرفت مصر بيرم التونسي كشاعر بإطلاق هذه القصيدة التي كتبها عقب وصول خطاب بربط العوائد على المنزل الذي يسكنه في الإسكندرية، ووجده بيرم مبالغ فيه فكتب هذه القصيدة التي كانت جواز مروره كأب لشعر العامية المصرية بعد عبدالله النديم. وكصرخة في مواجهة الإتاوات والجباية التي تفرضها الدولة على المواطنين.

الإتاوات هي جمع إِتاوة وهي جِزْية، دفعة تُعطى لحاكم أو سلطة كدليل على الخضوع أو كثمن للأمن وكانت حقّ للسَّيّد الإقطاعيّ يفرضه على أتباعه وسكَّان إقطاعه وتستخدم الكلمة أحياناً بمعني الرَّشْوَةَ. وفي فترة انتشار البلطجية (الفتوات) في العديد من أحياء القاهرة والإسكندرية فرضوا الاتاوات على الرعية مقابل حمايتهم من هجمات واعتداءات اللصوص. العجيب أنه بعد مرور أكثر من مائة عام على اختفاء البلطجة والاتاوات لا تزال وزارة المالية المصرية تصر على تسمية بعض الضرائب بالإتاوات مثل إتاوة القمار والإتاوة على قناة السويس والإتاوة على استخدام الطريق النهري.

يعاني النظام الضريبي المصري من غياب العدالة الضريبية، وبجانب تهرب كبار رجال الأعمال والمستثمرين من الضرائب وتسجيل شركاتهم في بلاد تسمي الملاذات الضريبة يتم نزح الأرباح إليها سنوياً دون أن يسدد عنها جنيه واحد للخزانة المصرية، بينما العامل والموظف يتم خصم الضريبة من المنبع ومن أصل أجره. تنقسم الضرائب إلى نوعين ضرائب مباشرة على الدخل وقد بلغت 370.3 مليار جنيه في موازنة العام الحالي 2021/2022 وهي تمثل 37.7% من الإيرادات الضريبية المصرية، بينما تمثل الضرائب غير المباشرة 62.3% من الإيرادات الضريبية. ومعروف ان الضرائب غير المباشرة هي أكثر ظلم للفقراء ومحدودي الدخل لأنها تحصل من كل السكان على أساس استهلاكهم بينما غالبية دول العالم تعتمد على ضرائب الدخل كمصدر رئيسي لتمويل الموازنة ولأنها أكثر عدالة لاعتمادها على الدخل المتحقق، والنسبة الأقل على ضرائب الاستهلاك او الضرائب غير المباشرة. وقد تعرضنا في مقالات سابقة لمشاكل ضرائب الدخل وغياب ضريبة الثروة التي تطبق في العديد من دول العالم.

أنواع الضرائب غير المباشرة

توجد في الموازنة عدة أنواع من الضرائب غير المباشرة منها:

  • الضرائب على الممتلكات كالأراضي والمباني والسيارات وتقدر بنحو 88.3 مليار جنيه في آخر موازنة بينما ضرائب الأجور والمرتبات فقط تبلغ 93.1 مليار جنيه!!!!!
  • الضرائب على السلع والخدمات وهي أخطر أنواع الضرائب وأكثرها افتقاداً للعدالة وتبلغ 449.6 مليار جنيه، منها 207.2 ضريبة قيمة مضافة،61.1 مليار ضريبة قيمة مضافة على الخدمات مثل خدمات الاتصالات وخدمات المطاعم والفنادق.
  • ضرائب على سلع جدول (1) محلية وقيمتها 122.3 مليار جنيه منها 78.8 مليار ضرائب على التبغ والدخان و25.8 مليار جنيه ضرائب على منتجات النفط.
  • 3 مليار ضرائب على الخدمات الخاصة مثل الضرائب على تذاكر السفر للخارج وضريبة الملاهي والأتاوة على القمار والتأخير في سداد مستحقات الضرائب.
  • ضرائب الدمغة عدا ضريبة دمغة الماهيات وتبلغ 23.7 مليار جنيه منها دمغة على عقود اشتراكات المياه والنور والغاز والتليفون 2 مليار جنيه ودمغة على استهلاك الغاز والكهرباء والبوتاجاز 1.9 مليار جنيه.
  • ومن طرائف النظام الضريبي المصري ان الدمغة على أعمال البورصة لا تتجاوز قيمتها 1.7 مليار جنيه بينما ضريبة دمغة الأجور والمرتبات تبلغ 2.7 مليار جنيه بخلاف الضريبة على الأجور التي تبلغ 90.4 مليار جنيه. فمن الذي يدفع الضرائب في مصر؟!
  • 9 مليار رسوم تنمية الموارد وتشمل جوازات السفر ورسوم المغادرة وتراخيص السلاح ورسوم تنمية على الحفلات التي تقام في الفنادق وتنمية المحاجر وخدمات المحمول.
  • رغم ادعاء وجود دعم للمنتجات البترولية يقدر بحوالي 18.4 مليار جنيه فإن المستهلك يدفع 25.8 مليار ضريبة على استهلاك المنتجات البترولية و3.8 مليار تنمية موارد على استهلاك منتجات البنزين والسولار (29.6 مليار). عن أي دعم تتحدث المالية؟!!!
  • 16 مليار ضرائب على استخدام السلع والتراخيص وتأدية الأنشطة منها 4.8 مليار أتاوة على قناة السويس و2.6 مليار رسوم الموانئ والمنائر و4.5 مليار على الإجراءات التي تتم في القنصليات المصرية في الخارج.
  • ضرائب على الصادرات والواردات بلغت 42.4 مليار جنيه و32.4 مليار ضرائب أخري منها 27.4 مليار ضرائب على إيرادات رؤوس الأموال المنقولة من البنك المركزي.

هكذا يتحمل المواطن أكثر من 612.7 مليار جنيه ضرائب غير مباشرة لا تراعي الفوارق الاجتماعية وتحمل الفقراء بأعباء إضافية. لكن هل الرسوم والاتاوات والضرائب غير المباشرة الظاهرة في الموازنة العامة للدولة هي كل الرسوم والاتاوات التي يتحملها المواطن؟! الحقيقة ان مصر عامرة بعشرات أن لم يكن المئات من الرسوم والاتاوات التي يتم تحصيلها لصالح جهات مختلفة.

الرسوم غير الظاهرة في الموازنة

عام 1946 ولمواجهة مخاطر الفيضان والسيول صدر قرار بإنشاء هيئة معونة الشتاء في ظل حكومة إسماعيل باشا صدقي، بهدف إنشاء مساكن للفقراء، وفى عام 1961 تم توسيع مفهومها، ووضع صندوق خاص لها في جميع وزارات وهيئات القطاع العام، وفرضت على كل الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطن، واستمر جمع الأموال في هذه الصناديق شتاء وصيفاً حتى عام 2002، عندما تغير اسم الهيئة العامة لمعونة الشتاء إلى “المؤسسة العامة للتكافل الاجتماعي”، التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي. بلغت حصيلة معونة الشتاء عام 2015 أكثر من سبعة مليار جنيه يتم منها شراء بطاطين وتقديم إعانات اجتماعية للمحتاجين. وعند حجز تذاكر القطارات وطلب الخدمات الحكومية يتحمل المواطن رسوم “معونة الشتاء” لكن هل حصلت يوماً على إيصال او طوابع تفيد بسداد هذا المبلغ؟! وكيف تتم متابعة التحصيل والرقابة عليه؟!ولا توجد أي جهة رقابية تتابع حجم الإيرادات المحققة سنوياً وأساليب إنفاقها.

كذلك يوجد في كل محافظة “صندوق للتنمية المحلية” يقوم بتحصيل الرسوم لصالح المحافظة فالمخصص بالموازنة للديوان العام لا يغطي احتياجات المحافظة التي تتحول كل الضرائب التي تحصلها لصالح الخزانة العامة ولا يتبقى لها سوي إيرادات صندوق التنمية المحلية مثل كارتة النقل الداخلي وكارتة الطرق داخل نطاق المحافظة وغيرها.

ولمواجهة بعض بنود المصروفات غير الممولة في المستشفيات العامة استحدث “صندوق تحسين الخدمة” الذي يقوم بتحصيل الرسوم علي العيادات الخارجية وعلي زيارة المرضي في المستشفيات العامة ويتم الانفاق منها علي بعض الاحتياجات التي لا تتوفر بنود لتغطيتها في الموازنة كما يتم منها صرف بعض الحوافز للعاملين ونفس الوضع ينطبق علي المدارس كما اتضح من تصريحات وزير التعليم الأخيرة والتي أكد خلالها علي أهمية سداد المصروفات المدرسية لأنها مصدر الانفاق علي نظافة المدارس وصرف أجور عمال النظافة وشراء المستلزمات التي لا توفرها موازنة التعليم، وبحيث اصبح أولياء الأمور هم من يمولون التعليم كما اصبح المرضي يمولون الصحة!!!!

لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد فهناك مئات او الالاف من الرسوم التي نقوم بسدادها لصالح جهات مختلفة مثل تحسين الصحة وطوابع الشرطة والعدل التي يتحملها كل من يطلب خدمات من هذه الجهات. وانتشرت منذ الثمانينات من القرن الماضي الصناديق الخاصة التي تفرض رسوم على أداء الخدمات الحكومية او من خلال حسابات خاصة خارج الموازنة العامة للدولة. وإذا تأملنا عينة من الرسوم والاتاوات التي ندفعها طول الوقت سنجد ان جزء مهم من دخولنا يذهب لهذه الجهات التي تمول مميزات العاملين بها يدفعها طالبي الخدمة.

رسوم تنمية موارد الدولة

تشمل العديد من الخدمات منها:

  • استخراج جوازات السفر كان 20 جنيه ارتفع الي 43 جنيه وبلغت 200 جنيه في آخر تعديل بالقانون 153 لسنة 2018 أي ارتفعت من 43 جنيه إلى 200 جنيه مرة واحدة.
  • نشرت الوقائع المصرية يوم 24/11/2019 قرار وزيرة التضامن الاجتماعي رقم 414 لسنة 2019، بفرض رسوم إضافية للأعمال الخيرية، والمنصوص عليها بالمادة 2 من القانون رقم 63 لسنة 1943.وينص القرار على فرض رسوم إضافية على دخول دور السينما والملاهي، وتذاكر قطارات الدرجتين الأولى والثانية، ورسائل البرقيات أو التليفون “ترانك”، والرسائل البريدية.
  • رخص السلاح كانت 25 جنيه على استخراج رخصة السلاح عن كل قطعة أو تجديدها وتم استبدالها بالقانون 153 لسنة 2018 لتصبح 2500 جنيه على استخراج رخصة السلاح عن كل قطعة، 1000 جنيه عند تجديد رخصة السلاح عن كل قطعة.
  • رخصة تسيير السيارات الخاصة كانت خاضعة للقانون رقم 5 لسنة 1986 ثم تم رفعها بالقانون رقم القانون رقم 114 لسنة 2008 ومنها:
  • 16 جنيهاً للسيارات التي لا تزيد سعة محركها على 1000سم3 ارتفعت الي 116 جنيه.
  • 23 جنيهاً للسيارات التي تزيد سعة محركها على 1000سم3 ولا تزيد على 1300سم3 وارتفعت إلى 143 جنيه.
  • 25 جنيهاً للسيارات التي تزيد سعة محركها على 1300سم3 ولا تزيد على 1600سم3 ارتفعت الي 175 جنيه.
  • 120 جنيهاً للسيارات التي تزيد سعة محركها على 1600سم3 ولا تزيد على 2000سم3 وارتفعت إلى 1000 جنيه، على أن يخفض هذا الرسم بواقع 5% عن كل سنة تالية لسنة الموديل.
  • خطوط المحمول مضاف بالقانون 153 لسنة 2018 (50) جنيهاً عند شراء خط محمول جديد تدفع مرة واحدة، (10) جنيهات رسماً شهرياً يدفع عند سداد الفاتورة لخطوط المحمول، وتلتزم الجهات التي تقدم هذه الخدمات بتحصيل هذا الرسم مع قيمة الخدمة وتوريده إلى وزارة المالية.
  • بدأت وزارة العدل منذ أيام تفعيل قرارات فرض رسوم خدمات الشهر العقاري الجديدة والتوثيق، والتي يتم تحصيلها لصالح صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية للعاملين بمصلحة الشهر العقاري والتوثيق. وبحسب قرار صادر عن وزارة العدل، يتم تحصيل مبلغ 1000 جنيه عن ترجمة محررات مكتب توثيق الأحوال الشخصية للأجانب لكل حالة، وتسليمها لذوي الشأن فور توثيقها وذلك مقابل مصاريف إدارية عن ترجمة تلك المحررات لمن يشاء، كما يحصل مبلغ 1000 جنيه عن خدمة المترجم الفوري للأجانب طالبي الزواج بالمكتب المشار إليه أثناء توثيق العقود، وذلك مقابل مصاريف إدارية لمن يشاء.
  • كما رفعت وزارة العدل قيمة خدمات التوثيق المتنقلة للمواطنين بالحجز لذوي الإعاقة والمرضي وكبار السن من 20 جنيه إلى 1000، و1500 جنيه مصاريف إدارية قيمة خدمات فروع التوثيق المتنقلة للأشخاص الاعتبارية بالحجز لمن يشاء، بالإضافة إلى تحصيل مبلغ 20 جنيه عن كل نموذج من النماذج المستخدمة في مصلحة الشهر العقاري والتوثيق، وذلك مقابل مصاريف إدارية عن استخدام تلك النماذج لمن يشاء.
  • قرار رقم ٩٢٠ لسنة ٢٠٢١ الخاص بوزير الداخلية، بشأن تعديل القرار رقم ١٤٨٢ لسنة ٢٠٠٩ بشأن إعادة تنظيم طباعة صحيفة الحالة الجنائية لتبلغ 29 جنيه للصحيفة العادية و34 جنيه للعاجلة و49 جنيه للمميكنة.
  • القانون رقم 171 لسنة 2020 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 1 لسنة 2019، بإنشاء صندوق رعاية المبتكرين والنوابغ، ويفرض رسم سنوي مقداره عشرة جنيهات على الطلاب المقيدين بالجامعات التي يسرى عليها قانون تنظيم الجامعات الصادر بالقانون رقم 49 لسنة 1972 والمعاهد الخاضعة لإشراف الوزارة المختصة بالتعليم العالي اعتبارا من العام الجامعي 2020/2021.
  • ذلك بالإضافة لرسوم تنمية الموارد المفروضة علي استهلاك البنزين والسولار.

إذن نحن أمام ترسانة تشريعية قائمة على الجباية بمسيات متعددة منها الإتاوات والرسوم ومنها ضريبة لصالح فئات خاصة من العاملين مثل الشرطة والقضاء وغيرهم. كما أن الملاحظ أن الزيادات التي تمت خلال الأعوام الماضية من 2018- 2021 كانت قفزات فاحشة وليست زيادات طبيعية لمواكبة التضخم. فزيادة رسم خدمة من 20 أو 50 جنيه إلى 1000 جنيه مرة واحدة هو كارثة كبري لا تجد سوي جيوب الفقراء لتحصيل رسوم على خدمات لا يمكن الاستغناء عنها ولتقديم المزايا لفئات محددة بما يزايد من التفاوت الاجتماعي ويفاقم من معدلات الفقر المتعدد الطبقات. وتبقي صرخة بيرم التونسي تتردد بعد مائة عام من إطلاقها.