هل كان عليّ أن أقول كل ذلك؟

إنها المبررات والتفاصيل التي نحكيها، ثم نندم على ذلك، فهل سبق لك أن قلت ما لا تُحب؟

حكيت أمور تخصك ثم حزنت وندمت على ما قُلت؟

شعرت بالحزن لأنك اضطررت قول شيء لا تُحب أن تقوله؟ 

كثيرة هي الحكايات عن العلاقات المسمومة، والعلاقات المنهكة، لكننا لا نخرج منها. نظل مأسورين بجذب خفي، ندور في تلك العلاقات دون أن نفلت، ومن ينجح في الهروب يخرج بجراح وخسائر روح، ربما تلازمه لزمن طويل، فلماذا نفعل ذلك؟

ثمة عاملان من شأنهما صنع حالة الجذب أولهما المحبة تلك التي تكونت عبر الزمن، وقيام الطرف الآخر بأفعال تجعل شريكه أسير الفضل، فدعم أو مساندة بأي صورة يبقى أثرها لدى المخلصين، خاصة تلك التي تحدث في الشدائد الكبرى. والأزمات التي يتخلى عنك فيها الكثيرون، فيُصبح هذا الشخص الذي كان بجوارك صاحب فضل لا تنساه، وتظل في درجة أدني في العلاقة.

التفاصيل الآثرة واللحظات التي يتم فيها اصطياد المرء في فخ الانسحاق تجاه الطرف الآخر. كلمة جميلة جاءت في توقيت مناسب، لهفة واهتمام صدر في لحظة احتياج، هي تفاصيل الفخ الذي يسقط فيه البعض، فيُصبح طرف أدني في علاقة لا يستطيع الخروج منها بسهولة.

العامل الثاني هو الإحساس بالذنب، إذا يعمل الطرف الأول في العلاقة على وضع شريكه في حالة من الذنب الدائمة والتقصير الذي لا ينتهي، فيجد نفسه مطالب طيلة الوقت بتبرير تصرفاته وسلوكه، حتى لا يتسبب في حزن شريكه.

وفى خندق الذنب يحكي المرء ما لا يقوله في الظروف العادية. فالأمر أشبه بالاتهام في قضية كبرى، بحيث يبدأ الشخص الذي يشعر بالاتهام الضمني محاولاته المستميتة لإثبات حُسن نواياه عن طريق سرد التفاصيل والخفايا التي تشفع له عند شريكه في العلاقة.

“العري المجاني”

السقوط في حفرة الذنب يؤهل الفرد للتجرد من خصوصيته، ويجعله عاريا أمام نفسه وشريكه، عري وقعه أسوأ من كسر خاطر الشريك، لكنه في لحظات التبرير ينزلق بقوى القصور الذاتي، يبدأ في الاعتذار ثم سرد بعض الأحداث، لكن الشريك النهم لا يقنع، ويستمرئ ضعف شريكه، فيتمادى في غضبه أو حزنه مما يدفع شريكه للاستمرار في الحكي وإيجاد مبررات أكثر حتى يرضى عنه الطرف الآخر، ويعلن قبوله الاعتذار.

تلك الحالة الانسحاقية هي بوابة واسعة لعلاقة مسمومة لا تؤدي إلى إلا خسارات، كثيرون ممن يمكثون في موضع الانسحاق والدرجة الأدنى لا يشعرون بذلك وإنما يُسمون وضعهم بأنها محبة، وأنه لا يرغب في كسر خاطر صديق/ شريكه/ حبيبه/ أيا كان مسمى العلاقة.

عندما تجد رفيقك يضعك دومًا أو غالبًا في خانة التقصير أعلم أنك مُقدم على علاقة خاسرة، وربما كنت بالفعل في دوامتها، فهؤلاء الأشخاص قادرون على تيسير طريق الهبوط والسقوط نحو الأدنى والأقل، لأن العلاقات السوية تمتاز بتبادلية المواقف، وندية في المسؤوليات والالتزامات، فأصعب ما يمكن أن يمر به شخص هو حالة الدفاع المستمر عن نفسه وتقديم أدلة عن الحب أو الصدق.

في العلاقات العاطفية سنجد أن هناك طرفًا يقدم أغلب الوقت أدلة ويقوم بالدفاع عن نفسه لتجاوز أزمة، وإن أكثر ما يؤذي الفرد أن يذكر عن نفسه ما يحزنه، حتى وإن لم يدرك ذلك في لحظتها، يكفي أن يشعر أحد طرفي العلاقة أنه متهم وعليه الدفاع عن نفسه.

العلاقات الأطول عمرًا هي تلك التي يتمتع الطرفان بقدر من التسامح وتفهم ظروف الطرف الآخر، وعدم ممارسة الضغوط على الشريك، فنحن بحاجة إلى مراجعة علاقاتنا من وقت لآخر، حتى نرى أنفسنا وموقعنا في كل علاقة، حتى يمكننا النجاة في اللحظة المناسبة.