دائمًا ما يثير مصطلح “الجباية” حساسية مع المسؤولين عن الضرائب، ويعتبرونها تهمة يسعون للتطهر منها. رغم أنها المكون الأساسي لإيرادات الموازنة العامة للدولة في غالبية دول العالم.

استنكر الدكتور محمد معيط، وزير المالية، أكثر من مرة، وصف البعض لوزارته أو بأنها “جبائية”. موضحًا أن أي وزارة في العالم تحصل على مواردها إما من الضرائب أو الثروات الطبيعية.

يؤكد معيط أن نسبة الضرائب تصل إلى 14.2% من الناتج المحلي الإجمالي، وحتى تكون متسقة مع حجم مصر لابد أن تصل إلى 20%. إلا أن هذا لا يعني زيادة سعر الضرائب ولكن في إخضاع الاقتصاد غير الرسمي.

يشمل مصطلح “الجباية” مفهوم أوسع وأشمل من الضريبة والرسوم. باعتبارها تعني جميع الموارد والاقتطاعات التي تمول ميزانيات الدولة، بما يعني أن الضريبة والرسم والإتاوة وغيرها جزء من الجباية.

وزارة المالية المصرية
وزارة المالية المصرية

الجباية التي تعني ببساطة “الجمع والتحصيل” لكن مشكلتها في ارتباطها التاريخي بالأموال التي فرضها المحتلون لمصر. على المصريين أو حكامها الأجانب على الفلاحين والمزارعين تحديدًا، حتى باتت كلمة سيئة السمعة يرفض الجميع التصاقها به.

لا تزال بعض الدول حتى الآن تصف النظام الضريبي لديها بـ”النظام الجبائي” الذي يحدد الملامح وطريق عمل الهيكل الضريبي ويحدد أهدافه. ومعظم الدول الأوروبية تستخدم ترجمتها الحرفية عند الحديث جميع الضرائب عكس مصر التي يستخدم مسئولو الضرائب فيها لفطة “استيداء حقوق الدولة”.

المنفعة والإلزام

الضريبة -في الأعراف الاقتصادية- أداء مالي واجب على أفراد معينين ويتم ذلك عن طريق القوة وبشكل نهائي ودون مقابل. بهدف تغطية الأعباء العامة أو اقتطاع مالي إجباري مخصص لتغطية الأعباء والمصاريف العامة.

يشير المصطلح السابق إلى أن الضريبة تتسم بأنها تدفع جبرًا دون خيار من الممول ودون مقابل مباشر أو دون الحصول على خدمة شخصية. فمنفعتها عامة في صورة الخدمات التي تقدمها الدولة لجميع المواطنين.

تتشابه الرسوم والضرائب في كونهما وسائل ماليّة حكوميّة تُستخدم في زيادة نسبة الإيرادات العامة وفي صفة “الجبرية” والإلزام. لكنهما يختلفان في الهدف والطبيعة، فالرسم يرتبط بوجود خدمة مباشرة يحصل عليها الشخص من الدولة لا يشاركها فيه أحد على عكس الضرائب ذات المنفعة العمومية.

كما تختلف الرسوم عن الضرائب في كون الأخيرة تفرض بنسبة معينة أما الرسم فيكون بمبلغ نقدي وليس نسبة. ومن أشهر أمثلة الرسوم المفروضة على الأنشطة المدنية كالبناء ورسوم الحياة اليومية مثل دخول الحدائق العامة والرسوم القضائيّة وغيرها.

يتضمن فرض الضرائب عدة مبادئ أساسية يتم مراعاتها قبل فرضها أولا العدالة بمعنى توزيع الأعباء المالية للضرائب بعدالة بين أفراد المجتمع. أي مساهمة الأفراد في النفقات العامة، دون تمييز أو تكون مساهماتهم متناسبة مع دخلهم باستئناء أصحاب الدخول الضعيفة.

والضريبة على الدخل -على سبيل المثال- تقوم على أساس تصاعدي كمبدأ لتجسيد العدالة. بمعنى أنه كلما ارتفع الأجر والدخل كلما زادت الضريببة، غير أن هذا المبدأ يتراجع في حالات استثناءات كالإعفاءات الضريبية التي يستند منها بعض الأطراف.

الأغنياء أم الفقراء

رغم أن الضرائب المباشرة تعتبر أكثر قربًا من تحقيق العدالة بالمقارنة بالضرائب غير المباشرة. لكن في الدول النامية تختل تلك المقاييس فأصحاب الدخول الثابتة من العمال والموظفين. لا تكون لديهم القدرة على تجنبها باستقطاعها منهم من المنبع، واعتمادها على تقديم الإقرارات من الغير (جهة العمل) وليس الممول ذاته.

أما أصحاب الدخول المرتفعة عادة ما يكونون من أصحاب الدخول المتغيرة وأصحاب المهن التجارية. ولديهم قدرة عبر تقديم الإقرارات المقدمة من الممول ذاته، ومن مزايا الضرائب غير المباشرة. أنها تندمج في قيمة السلع والخدمات مما يجعل المستهلكين لا يشعرون بعبئها، وبالتالي لا تحمل أثرًا سلبيًا كبيرًا عليهم.

تتضمن إيرادات الدولة أيضًا “الإتاوة” التي ترتبط بمبالغ يتم دفعها مقابل. استعمال معدات صناعية أو تجارية أو معلومات متعلقة بالخبرة الصناعية أو التجارية أو العلمية؟

كما تتضمن مبالغ تفرضها الدولة باعتبارها صاحبة السيادة على أراضيها ومياهها داخل حدودها الإقليمية. كحقوق الامتياز لإحدى الشركات لفترة معينة مقابل ما يحصل عليه من منافع عامة. مثل حقوق امتياز شركات التنقيب عن البترول أو استغلال المنافع أو المحاجر.

تفرض الإتاوة أيضًا على أشخاص طبيعيين مثل إتاوات العقارات التي يتم فها دفع نسبة من مقدار المنافع الخاصة التي يحصلون عليها. نتيجة مشروعات عامة مثل الطرق والكهرباء والمياه. ويشترط في فرض الإتاوة أن يؤدي المشروع العام لتحقيق النفع العام مع منفعة خاصة إضافية يحصل عليها اصحاب العقارات المجاورة.

عالم من الضرائب

تمثل الضرائب في الاقتصاد المصري ما بين 72 و75% من إيرادات الموازنة العامة للدولة. وتستهدف وزارة المالية حصيلة ضريبية بقيمة 983 مليار جنيه خلال العام المالي الحالي. بنسبة 12.3% مقارنة بما كانت عليه في عام 2019-2020.

وتستهدف وزارة المالية زيادة نسبة الضرائب للناتج المحلي بنسبة ٢.٥٪ خلال ٥ سنوات من ١٤ إلى ١٦.٥٪ بنمو سنوي ٥. ٪ من الناتج المحلي. مع الحفاظ على استقرار السياسات الضريبية، وزيادة كفاءة التحصيل وإخضاع القطاع غير الرسمي ونشر الرقمنة.

تعتبر مصر بتلك النسبة من أقل الدول في المنطقة في نسبة الضرائب للناتج المحلي التي تبلغ في تركيا (24.4%) من الناتج المحلي. والمغرب (27.8%)، وتونس (32.6%)، كما تقل عن الدول النامية في أمريكا اللاتينية التي تفرض ضريبة في المتوسط عند 23%.

ظلت دول الخليج المصدرة للنفط تركز في إيراداتها على الرسوم الحكومية والمصادر النفطية فالعائدات البترولية مصلت ما بين 50 و90% من موارد تلك الدول بسحب صندوق النقد الدولي حتى عام 2015.

بدأ الخليج في فرض الضرائب بداية من ضريبة الانتقائية للحد من استهلاك السلع التي تُعدّ ضارّة بصحة الإنسان أو البيئة ما بين 50 و100%. بجانب ضريبة للقيمة المضافة، مع عدم فرض بعضها ضريبة على الدخل أو المرتبات مثل الإمارات.

وفي السعودية يتم دفع ضريبة دخل على جميع المستثمرين الأجانب المتواجدين فيها بنسبة تصل لـ 20%.. بجانب الزكاة التي تفرض على الشركات المحلية بنسبة إلى 2.5%.، وكذلك ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5%.

يسود العالم كله حاليا توجهًا لفرض ضريبة الثروة بعدما استخدمته أيرلندا وأيسلندا لتجاوز أزمة كورونا. وتسعى بريطانيا حاليا لفرضه على الأشخاص الذين لا يتجاوز دخلهم 250 ألف جنيه إسترليني. كما تفكر فيه عدة ولايات أمريكية رغم أنه سياسة تخلت عنها دول العالم قبل عقد ولم يعمل به قبل كورونا سوى ثلاثة دول فقط هي النرويج وإسبانيا وسويسرا.

وخلال الخمس سنوات الأخيرة، فرضت الكثير من الدول العربية ضرائب لسد لعجز المالي. بداية من الأردن الذي فرض في 2017 زيادة جديدة في الضرائب والرسوم المفروضة على السلع والخدمات بنسب متفاوتة من أجل تقليص عجز الموازنة.

في العام ذاته، واجهت الجزائر تراجع أسعار النفط بضرائب ورسوم جديدة تجاوزت لأول مرة الجباية النفطية. التي ظلت لعقود المساهم الرئيسي في الموازنة العامة للدولة، والجزائر تستخدم لفظ جباية كبديل للتحصيل.