على مدار 3 سنوات مضت، تعهدت الدولة بتوفير حياة آدمية للأشخاص ذوي الإعاقة. ومراعاة حقوقهم. وتشريع مزيد من القوانين تضمن دمجهم داخل المجتمع، بعد سنوات طوال عانوا خلالها من التهميش وعدم توافر الفرص العادلة. إلا أن الواقع يبدو أنه يحتاح إلى الكثير من العمل، أو بالأحرى في حاجة إلى أن يسير على خط السير التشريعي، وهو ما نرصده في تقريرنا عن رحلة إنصاف ذوي الإعاقة تشريعيا، والإشارات الحمراء التي مازالت تعترضهم.
يمثل الأشخاص من ذوي الإعاقة في مصر نسبة 10.7% من تعداد السكان الوارد عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في العام 2017. ويجرى تعداد الإعاقة كل عشر سنوات، بينما تسجل أعلى نسبة إعاقة بين المواطنين في محافظات المنيا ثم القاهرة. فيما أقل نسبة توجد بجنوب وشمال سيناء.
يمكن القول إن مجتمع ذوي الإعاقة في مصر دخل دائرة الاهتمام التشريعي بطريقة غير مسبوقة منذ 3 ديسمبر 2017، حين وافق مجلس النواب على إقرار قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، الذي عُرف بعد ذلك بقانون رقم 10 لسنة 2018، والذي نصت مواده علي حماية وخدمة كل شخص من ذوي الإعاقة أيًا كان نوعها.
وعلى إثر مادته الـ 214 أنشئ المجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 11 لسنة 2019 ليحل محل المجلس القومي لشؤون الإعاقة الصادر بقرار رئيس الوزراء رقم 410 لسنة 2012، لتكون مهمته تعزيز وتنمية وحماية حقوق وكرامة الأشخاص ذوي الاعاقة المقررة دستوريًا ونشر الوعي بها، مرورًا بتخصيص رئيس الجمهورية 2018 عاما لذوي الإعاقة. إلى أن بلغت محطة التغيير باستصدار مادة بالقانون ترسخ مبدأ العقوبة المشددة بالحبس والغرامة لفعل التنمر على أيّ شخص من الأشخاص ذوي الإعاقة.
البرلمان يتصدى للتنمر ضد ذوي الإعاقة
آخر مكاسب هذه الفئة هو موافقة أغلبية مجلس النواب في جلسته العامة، الثلاثاء الماضي، على مشروع قانون على مشروع القانون المقدم من النائب محمد مصطفى السلاب، بتعديل قانون الأشخاص ذوي الإعاقة لتغليظ عقوبة التنمر ضد الأشخاص ذوي الإعاقة.
وتضمن مشروع تعديل القانون على مادة واحدة بخلاف مادة النشر، تُضاف إلى قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة الصادر بالقانون رقم 10 لسنة 2018، حيث جاء نص المادة التي تم تحديدها برقم “50 مكرر” كالآتي: “يعاقب المتنمر على الشخص ذي الإعاقة بالحبس مدة لا تقل عن سنتين وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تزيد عن 100 ألف جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين”.
من الفاعل؟
شددت المادة “50 مكرر” من ذات القانون على عقوبة الحبس بألا تقل عن 3 سنوات ولا تزيد على 5 سنوات وغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تزيد على 200 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا وقعت الجريمة من شخصين أو أكثر أو كان الفاعل من أصول المجني عليه أو من المتولين تربيته أو ملاحظته أو ممن لهم سلطة عليه أو كان المجني عليها مسلمًا إليه بمقتضى القانون أو بمقتضى بحكم قضائي أو كان خادمًا له.
تحرك السلاب لإقرار هذا القانون بدأ بعد انتشار مقاطع مصورة تظهر شباب يعتدون على شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة. كما ظهر بمقطع فيديو آخر شاب يستخدم “كلب” لإخافة وترهيب شخص آخر من ذوي الاحتياجات، مما عرضه للإصابة بأحد قدميه جراء عضه من الكلب، وسط تهكم من الشباب.
وكان العام الماضي حافلا بحوادث كهذه، من بينها واقعة اعتداء 6 أشخاص على شاب ذي إعاقة ذهنية بمحل حلاقة بمحافظة الشرقية متناوبين على ضربه والسخرية منه، ثم يظهر الشباب يبكي جراء ما حدث له.
النائب محمد السلاب، مُقدم مشروع القانون، قال أثناء مناقشة تقرير اللجنة التشريعية بشأن تعديل مشروع قانون تعديل قانون الأشخاص ذوي الإعاقة لتغليظ عقوبة التنمر، إن وسائل التواصل الاجتماعي أًصبحت مليئة بمئات من المشاهد القاسية التي تكشف تنمرًا صريحًا على ذوي الإعاقة والتي تسيب مشاكل نفسية تصل أحيانا للانتحار، وتغليظ العقوبة بالقانون يُعد خطوة أولى نحو القضاء على هذه الظاهرة، وحماية تلك الفئة التي لم تقترف ذنبًا يجعلها تعاني من التنمر.
مشروع القانون لاقى ترحيبا من المهتمين بهذا الملف، إذ قالت أميرة شوقي، مؤسسة فريق الشكمجية لذوي الاحتياجات الخاصة، باعتبارها والدة لأحد الأبناء من ذوي الهمم، إنها تشجع على تغليظ عقوبة التنمر على الشخص ذوي الإعاقة باعتبارها الأداة التي ستجبر المجتمع والأشخاص للتوقف عن التهكم والسخرية من الغير: ”أولادنا عرضه لكل حاجة التنمر موجود في كل مكان في المكتب والشارع والعائلة”.
وتروي مؤسسة الشكمجية أن أصحاب الإعاقات الذهنية لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم، بينما الحركية من الممكن أن يقاموا الاعتداء والتنمر الواقع عليهم، ولكن ذلك سيجعلهم أشخاص فاقدين للثقة بالنفس.
حقوق كفلتها القوانين
بخلاف التصدي لمروعي ذوي الإعافة، اقتنصت هذه الفئة الكثير من الحقوق خلال السنوات القليلة الماضية، على أصعدة مختلفة:
التعليم
نص قانون رقم 10 لسنة 2018 على معاقبة كل من شارك في حرمان أي طفل ذي إعاقة من التعليم، بغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تجاوز عشرة آلاف جنيه.
ووفقًا للقانون ذاته، يكون المسئول عن الإدارة الفعلية للشخص الاعتباري مسئولاً بالتضامن عن الوفاء بما يحكم به من عقوبات مالية وتعويضات طبقاً لأحكام هذا القانون إذا كانت الجريمة قد ارتكبت من أحد العاملين به باسمه ولصالحه، وثبت علمه بالجريمة وكان إخلاله بالواجبات التي تفرضها عليه تلك الإدارة قد أسهم في وقوع الجريمة.
استحقاق في الوظائف
وأجاز القانون الحكم بإلزام صاحب العمل أو المسئول عن الجهة الملزمة بتشغيل الأشخاص ذوي إعاقة بأن يدفع شهريًا للشخص ذي الإعاقة الذي رشح للعمل لديه، وامتنع عن توظيفه مبلغاً يساوي الأجر أو المرتب المقرر أو التقديري للعمل أو للوظيفة التي رشح لها، وذلك اعتباراً من تاريخ إثبات الجريمة ولمدة لا تجاوز سنة.
ووفقًا للقانون؛ يوقف هذا الالتزام إذا التحق الشخص ذي الإعاقة بعمل مناسب في ذات الجهة أو في غيرها، ويعاقب كل من يخالف هذا الحكم بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز سنتين وبالغرامة التي لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تجاوز ثلاثين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، وتتعدد الغرامات بتعدد الحالات التي وقعت فى شأنها الجريمة.
ملف التشغيل من الملفات التي استطاعت الحكومة أن تقرب الواقع العملي من التشريعي، إذ تكشف أرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن معدل التشغيل لذوي الصعوبات الوظيفية بلغ 21.3% مقابل 40.2% لغير ذوي الصعوبات عام 2018.
ويشير وزير القوى العاملة محمد سعفان إلى أن عدد المعينين في منشآت القطاع الخاص من ذوي الهمم 5 ألاف و213 شخصا خلال عام 2019 فقط.
حماية البيانات والخصوصية
قانون 2018 الذي تم تعديله بمشروع القانون الجديد، نص أيضًا على المعاقبة بالحبس مدة لا تقل عن 3 أشهر وبغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من أخفى بيانات أو معلومات عن وجود شخص ذي إعاقة للجهات المعنية بالإحصاء والتعديد وتضاعف العقوبة بتكرار المخالفة.
كما عاقب بغرامة لا تقل عن 10 ألاف جنيه ولا تتجاوز مائتي ألف جنيه كل من عرض أو نشر أو أذاع بأية وسيلة من وسائل النشر أي من البيانات أو المعلومات أو الصور أو الرسوم أو الأفلام لأعمال مخلة من شأنها الإساءة للأشخاص ذوى الإعاقة والتعريض بهم أو الترويج لمفاهيم غير صحيحة تسيئ إليهم، وتلتزم جهة النشر أو العرض بإعمال حق الرد والتصحيح من الشخص المعتدى عليه أو من يمثله فى نفس المساحة الزمنية والمكانية بذات الوسيلة.
الحماية من الخطر
عاقب قانون الأشخاص ذوي الإعاقة بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن 5 آلاف جنيه ولا تجاوز 50 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من يُعرض، كل من عرَّض شخصًا معاقًا لإحدى حالات الخطر الواردة بالمادة 44 من ذات القانون، والتي تتضمن تعريض أمنه وصحته وحياته للخطر، أو حبس الشخص ذو الإعاقة وعزله عن المجتمع، بدون سند قانوني أو الامتناع عن تقديم الرعاية الطبية والتأهيلية والمجتمعية والقانونية، وكذا الاعتداء بالضرب أو بأية وسيلة أخرى على الأطفال ذوي الإعاقة في دور الإيداع، والتأهيل، والحضانات، ومؤسسات التعليم، والاعتداء الجنسي أو الإيذاء، أو التهديد أو الاستغلال، كما حرمت استخدام وسائل علاجية أو تجارب طبية تضر بالشخص أو الطفل دون سند من القانون.
الخدمات المتكاملة
عقب إصدار قانون صندوق دعم ذوي الإعاقة رقم 200 لسنة 2020 كلف الرئيس السيسي بسرعة تفعيل منظومة بطاقة الخدمات المتكاملة، والتي تُعد من أبرز ثمار قانون ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث أنها تسهل الكثير من الإجراءات والمعاملات الحكومية للتيسير عليهم وسرعة الاستفادة من الخدمات المختلفة، وللحصول على بطاقة الخدمات المتكاملة لابد من إجراء الفحوصات الطبية اللازمة، وعمل تقرير طبي صادر من أحد مستشفيات وزارة الصحة والهيئات التابعة لها أو المستشفيات الجامعية أو المستشفيات التابعة للقوات المسلحة والشرطة، يوضح نسبة الإعاقة ونوعها، وتتكفل وزارة التضامن الاجتماعي باستقبال طلبات المتقدمين لإصدار البطاقة، عبر موقعها الالكتروني والتعامل مع إجراءاتها.
القوانين تخدم 14 مليون مواطن
من جهتها، قالت الدكتورة هبة هجرس، عضو المجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة، إن القوانين التي تحمي حقوق ذوي الإعاقة، تخدم حوالي 14 مليون مواطن، وهم عدد الأشخاص ذوي الإعاقة في مصر، بخلاف أسرهم التي تتقاسم معهم المُعاناة، موضحة أن السنوات القليلة الماضية شهدت اهتماما غير مسبوق في اهتمام الدولة بحقوق هذه الفئة، لافتة إلى أن تغليظ عقوبة التنمر يحتاج لتفعيله بالطريقة الصحيحة الاهتمام بالصحة النفسية للشخص ذي الإعاقة، ولا سيما السيدات اللاتي يعتبرن الفئة الأكثر تعرض للتنمر.
“أرض الواقع لا ترى القطار التشريعي”
عمليا، لا تبدو الصورة وردية تماما كما هو الحال تشريعيا، فلا تزال بعض الهيئات الحكومية لا تفعل أحكام قانون رقم 10 بسنة 2018 بشأن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وهو ما تكشفه تصريحات وبيانات لنواب حاليين وسابقين.
حيث طالبت النائبة هالة أبو السعد، في بيان رسمي لها، بسرعة تفعيل تعديلات قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم 10 لسنة 2018، والتي من بينها تفعيل نسبة الـ5% في تعيين الأشخاص ذوي الإعاقة ومعاقبة من يخالف هذا القرار بالحبس، موضحة أن تطبيق نص القانون الذي يلزم الجهات الحكومية وغير الحكومية أن يعين نسبة 5% من ذوي الإعاقة، وبناء عليه أصبح هذا الأمر من الحقوق المكتسبة ولكن حتى الآن لم يتم تفعيل هذه المادة بالشكل المنصوص عليه في الفلسفة التشريعية للقانون.
وشددت أبو السعد على ضرورة تأهيل وتدريب ذوي الاحتياجات الخاصة تمهيدًا لدمجهم في منظومة العمل بكافة مؤسسات وهيئات الدولة المختلفة ترجمة لاهتمام الدولة بتمكين الشباب ودمج ذوي القدرات الخاصة في المجتمع.
وسبق أن تقدم النائب البرلماني السابق محمد فؤاد، في فبراير 2020، بطلب إحاطة موجه لرئيس مجلس الوزراء، ووزيرة الصحة، بشأن استمرار تراخي وزارة الصحة في اعتماد نموذج الكشف الطبي لذوي الإعاقة، وفتح باب الكشوفات.
اللافت أن فؤاد تقدم بالطلب نفسه في أغسطس 2019، بشأن ذات الأمر، وأشار في خطابه إلى وزارة التضامن الاجتماعي حول تفعيل القانون، ليكتشف برد رسمي من الأخيرة أن الصحة لم تنته بعد من نموذج الكشف الطبي، ما دفعه للتقدم بطلب إحاطة نتيجة تراخي الصحة في القيام بدور المنوط حيال تفعيل القانون.
ليس فؤاد وحده، فالدورة الحالية لمجلس النواب شهدت خروج أصوات تطالب بتفعيل نسبة الـ5%، وإلزام وزارة الإسكان بتخصيص 5% من وحدات الإسكان الاجتماعي التي تتيحها لمحدودي ومتوسطي الدخل، لذوي الإعاقة، بعد ملاحظة تراخي الوزارات المعنية في الالتزام بالنصوص الدستورية والحقوق التي اكتسبها ذوو الإعاقة في السنوات الأخيرة.