توقع تقرير لشركة غارتنر للتقنية زيادة الإنفاق العالمي على الأمن السيبراني وخدمات إدارة المخاطر التقنية إلى نحو 150 مليار دولار خلال 2021. بزيادة قدرها 12% عن الماضي. خاصة بعد انتقال وسائل السيطرة والتحكم في أغلب العمليات الحيوية إلى شبكات الإنترنت. وأصبح العالم الافتراضي ساحة للمعارك والحروب. عبر التجسس والابتزاز وتدمير الممتلكات، التي بلغت ذروتها بشن هجمات على مصادر الحياة وتعطيل شبكات المياه والكهرباء والاتصالات.
وأصبح الأمن السيبراني وحماية الشبكات أولوية قصوى للحفاظ على الأمن القومي للدول. ومعيار نجاح الحكومات في تأمين مواطنيها والحفاظ على خصوصيتهم وحدودهم.
التحول الرقمي والاستقرار السيبراني في أفريقيا
طرحت دراسة قدمها مركز لاهاي للدراسات الاستراتيجية، آفاق التحول الرقمي في أفريقيا، كإمكانية لتخطي القارة مرحلة التطور الصناعي الكلاسيكي. التي لم تنجزها حتى الأن لتصبح الرقمنة قاطرة النمو الاقتصادي في أفريقيا.
وكان “توماس فريدمان الكاتب الشهير في نيويورك تايمز أول من أشار إلى إمكانية تحول أفريقيا إلى قاطرة الرقمنة الاقتصادية، والذي شرح كيف استفادت الهند من شبكات الألياف الضوئية والعمالة الوفيرة والرخيصة لديها لخلق فرص عمل ضخمة لمواطنيها في وظائف الخدمات التجارية للشركات والذي أصبح عدد كبير منها يوظف الهنود عن بعد.
وأشار فريدمان إلى إمكانية أن تفعل أفريقيا الشيء نفسه، وأن البنية الرقمية من شأنها تغيير مصادر الثروة الاقتصادية للقارة.
أفريقيا تقود العالم في الخدمات المالية الإلكترونية
كشفت دراسة للبنك الدولي صدرت في عام 2012 أن قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات هو المحرك الاقتصادي الرئيسي في أفريقيا جنوب الصحراء في الألفية الجديدة. وأعلن صندوق النقد الدولي أن أفريقيا أصبحت في طليعة العالم في مجال التكنولوجيا المالية وخدمات تحويل الأموال عبر الهاتف المحمول.
لكن هذه الرقمنة المتزايدة صاحبها أيضا ارتفاع كبير في جرائم الإنترنت والهجمات الإلكترونية. مما يستلزم اهتماما أكبر بالأمن السيبراني، للحفاظ على معدلات الازدهار في القارة.
الإنترنت وزيادة الناتج الإجمالي المحلي لأفريقيا
تبلغ تغطية الجيل الرابع لتكنولوجيا الهاتف المحمول في القارة حوالي 50٪ من السكان لديهم اشتراكات في الهواتف المحمولة. و45٪ على الأقل يستخدمون الهواتف الذكية، وتعد نيجيريا وجنوب أفريقيا وكينيا أكبر ثلاثة أسواق للهواتف الذكية. مع رقمنة واسعة في القطاعين العام والخاص.
أظهرت دراسة حديثة أجرتها مؤسسة التمويل الدولية (IFC) أن معدل انتشار الإنترنت إلى 40٪ من السكان. وأن زيادة تلك النسبة بمقدار 10% سيؤدي إلي زيادة الناتج المحلي الإجمالي للقارة بنسبة 2.5%. وتخلق 44 مليون فرصة عمل.
وشهدت القارة تطورا على مستوى المؤشرات البشرية، فقد انخفضت نسبة الأمية من 42% إلى 33% فقط بين عامي 2010 و2019. وارتفع معدل الالتحاق بالمدارس الثانوية من 25 عام 2000 إلى 43% في 2018. كما أطلقت نصف بلدان القارة برامج لمحو الأمية الرقمية لتمكين الأفراد من التفاعل مع برامج التعليم وتطوير المهارات الالكترونية.
التكنولوجيا الرقمية.. الأربعة الكبار في أفريقيا
شهدت مصر والجزائر وغانا ونيجيريا وجنوب أفريقيا وتنزانيا، على عوائد عمليات رقمنة الخدمات التي انعكست في تحفيز النمو الاقتصادي. وخلق فرص العمل في قطاعات الزراعة والصحة والتعليم والخدمات المالية، وظهر تأثير ذلك جليا في استعداد تلك البلدان بشكل أفضل لاستيعاب تأثير جائحة كورونا عن غيرها من البلدان.
الابتكار أحد أهم نتائج الرقمنة في أفريقيا ويتضح التأثير الكبير له بالنظر إلى الشركات الناشئة في القارة والتي زاد عددها من 55 عام 2015 إلى 375 عام 2020. وارتفع حجم تمويلها السنوي من 400 مليون دولار إلى 2 مليار دولار خلال نفس الفترة. وحتى خلال عام الجائحة 2020 تمكنت من جذب استثمارات بلغت 1.43 مليار دولار.
وتركزت تلك الشركات بنسبة 77% في البلدان الأربعة الكبار مصر وكينيا ونيجيريا وجنوب أفريقيا. وتلقت 89.2 من إجمالي الاستثمارات في الشركات الناشئة عام 2020. وتملك تلك الدول الأربعة ما يقارب 700 ألف مطور تقني محترف وتتميز ببنية تحتية معقولة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والأمن السيبراني المؤسسي.
معوقات التطور الرقمي الأفريقي
توجد عدد من العوائق في طريق التطور الرقمي أمام القارة الأفريقية منها ضعف الأنظمة التعليمية. وعدم التسامح السياسي مع حرية الإعلام، والتوزيع غير المتكافئ للاستثمار في البنية التحتية بين المراكز الحضرية والريفية.
كما تواجه القارة أيضا زيادة في معدل الهجمات الالكترونية وجرائم الإنترنت. بحسب دراسة أجرتها مجموعة Kaspersky المتخصصة في برامج الأمن السيبراني، سجلت القارة زيادة كبيرة في الجرائم الإلكترونية المالية/المصرفية خلال الربع الثاني من العام الجاري. بلغت الزيادة 59% في كينيا و32% في نيجيريا.
لكن ما يزال المزيد من العمل ضروريا للحفاظ على وتيرة التقدم الذي أحرزته أفريقيا خلال العقد الأخير. منها دعم البنية التحتية الداعمة للوصول إلى نطاقات أوسع من الشبكات والطاقة، وتيسير الحصول على أجهزة الاتصال من هواتف ذكية وحواسب. مع خلق بيئة تنظيمية مواتية، وتطوير مؤسسات حماية الأمن السيبراني. حتى تتمكن أفريقيا من حصد عائد أكبر لاستثماراتها الرقمية.
شبكات الـ 5G ساحة جديدة للحرب الباردة
اشتعلت “الحرب الباردة الجديدة” بين الولايات المتحدة والصين حول شبكات الجيل الخامس 5G بعد تقرير لجنة المخابرات بمجلس النواب الأمريكي بعنوان “تقرير استقصائي حول المواطن الأمريكي”. والذي أثار مخاوف بشأن قدرات شركتا الاتصالات الصينيتان Huawei وZTE” على تهديد الأمن القومي الأمريكي.
وتكمن نقاط القوة في تقنية 5G الصينية في الجودة العالية وتكلفتها المنخفضة مقارنة بالتقنية التي يقدمها منافسوها الأوروبيين. لكن الخشية من التجسس عبر تعاون تلك الشركات الإجباري مع الحكومة الصينية يلقي بظلاله ليس فقط العالم الرقمي. بل أيضا على صناعة الرقائق الالكترونية والتي فرضت أمريكا قيودا على معدات تصنيعها مسببة خسائر تصل إلى مليارات الدولارات للشركات في مختلف القطاعات.
السيطرة على التكنولوجيا لحماية الأمن القومي
تواجه دول العالم بما فيها الأوروبية محاولات الولايات المتحدة والصين لمنع انتقال التقنيات المتطورة والحساسة. وهو ما يدفع دول كثيرة لمراجعة سياساتها بشأن توطين التكنولوجيا ورفع نسبة مساهمة المحلية. لكن تطوير هذه التقنيات يستغرق سنوات طويلة من البحث العلمي والاستثمار بكثافة في عمليات الإنشاء والتطبيق.
وتجري مناقشات واسعة بين دول الاتحاد الأوروبي بشأن الحاجة إلى الاستقلال الاستراتيجي. بما يشمل أيضا العمليات العسكرية، والقدرة على اتخاذ القرارات بدون قيود الارتباط بجهات خارجية.
الازدهار الاقتصادي وحماية الأمن القومي
وتم تعريف التقنيات الحساسة لتشمل 12 مجالا تكنولوجيا في طليعتها تقنيات الذكاء الاصطناعي (AI) والحوسبة الكمومية وعلم الجينات الحديث. واعتبرت ذات تأثير كبير على الازدهار الاقتصادي والتطور المستقبلي للقدرات العسكرية.
وشملت القائمة أيضا التقنيات الكيميائية وعلم الضوئيات، والروبوتات الذكية وأشباه الموصلات. وتقنيات الفضاء خاصة العسكرية منها، واسلحة الطاقة الموجهة، والطباعة ثلاثية الأبعاد.
وتشير دراسة لمركز لاهاي للدراسات الاستراتيجية التي طورت هذا التوجه الأوروبي إلي أن الدول الكبرى سبقت الاتحاد الأوروبي في هذا التوجه. حيث تبنت الولايات المتحدة وروسيا والصين والهند سياسات تهدف إلى توسيع السيطرة الوطنية على التقنيات الحساسة لحماية أمنها القومي.