فيما تتصاعد الأزمة السياسية في السودان مع مواصلة فريقي المتظاهرين المحتجين على بقاء الحكومة المدنية. والمطالبين بحلها وتسليم السلطة للعسكريين من جانب. والمحتجين على سرقة الثورة من قبل العسكر والتأمر على الانتقال الديمقراطي السلمي وتعزيز الحكم المدني من جانب آخر. بالتواجد في الشوارع والميادين السودانية. نفت الحكومة السودانية الانتقالية بقيادة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في بيان رسمي صباح اليوم. ما تردد عن توافق رئيس الوزراء ورئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق عبد الفتاح البرهان على حل مجلس الوزراء.
وقال بيان مجلس الوزراء، إن رئيس الوزراء لا يحتكر حق التقرير في مصير مؤسسات الانتقال. وإنه متمسك بالنقاط التي أوردها في خطابه يوم الجمعة 15 أكتوبر. كمدخل لحل الأزمة بمخاطبة كل جوانبها عبر حوار يشارك فيه الجميع.
رغم إطلاق رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك دعوته للحوار المجتمعي لكافة الأطياف السياسية داخل السودان. للنظر في ألية العبور الأمن للمرحلة الانتقالية منذ أسبوعين. إلا أن الشارع السوداني لم يهدأ مع استمرار توافد المحتجين إلى الشارع دعماً للحكم المدني في مواجهة اعتصام القصر الموالي للحكم العسكري. والمطالب برحيل حمدوك وحكومته والذي يرى معظم التيارات المدنية أنه مؤامرة من المجلس العسكري لإفشال الثورة وفرض الحكم العسكري.
تفتت التيار المدني
كانت الأزمة السياسية المكتومة في السودان منذ توقيع الوثيقة الدستورية. وتنفيذ بنودها التي اتخذت من مبدأ المحاصصة أساساً لتشكيل الحكومة. بدأت في الانكشاف مع محاولة الانقلاب الفاشلة داخل القوات المسلحة في 21 سبتمبر. حيث عبرت التيارات المدنية المشاركة في الحكومة عن تخوفها من محاولات للعسكر للاستئثار بالسلطة. فيما رفض التيار العسكري ممثلاً في رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان ونائبة محمد حمدان دقلو هذه الاتهامات. واتهموا التيارات المدنية بالتنازع على المناصب الحكومية وإعلاء مصالحهم الشخصية. وسط تصاعد المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المواطنون السودانيون.
خلال الشهر الماضي انتشرت وتعززت الفتن بين قوى الحرية والتغيير الحاضنة السياسية الأساسية لحكومة عبد الله حمدوك. حيث أعلن فصيل كبير يضم 81 حزب وحركة سياسية الانشقاق عن قوى إعلان الحرية والتغيير. بعد اتهامات بسيطرة أربعة أحزاب عليه. وتشكيل فصيل سياسي جديد أطلق عليه تيار الإصلاح يتصدره قادة حركات مسلحة موقعة على اتفاق جوبا للسلام. الذي بات في مواجهة مع قوى إعلان الحرية والتغيير -المجلس المركزي-. الذي لا يزال الحاضنة السياسية لحكومة عبد الله حمدوك.
رغم الانقسام الكبير داخل المكون المدني والخلافات بين القوى السياسية في عبور المرحلة السودانية. إلا أن مئات الآلاف من السودانيين الذين خرجوا في تظاهرات حاشدة يوم الخميس الماضي كان تجمع المهنيين السودانيين قد دعا لها. أظهرت الدعم الشارع السوداني الواضح والقوي للحكم المدني بعد سنوات طويلة من سيطرة الإسلاميين الذين جاءوا لحكم السودان بواسطة الآلة العسكرية. ما يعزز أهمية التحول الديمقراطي الآمن وتسليم السلطة للمدنيين دون الالتفاف على الثورة السودانية.
ورغم خروج الآلاف للشارع السوداني دعماً للسلطة المدنية. إلا أن تجمع المهنيين الداعي الرئيسي لهذه التظاهرات. أكد أن السلطة القائمة في السودان لا تمثل الثورة السودانية. وتبحر عكس تطلعات السودانيين واصفاً ما حدث بأنها “شراكة الدم” بين المدنيين والعسكريين. رافضاَ الانقلاب على الثورة سواء بوجهة عسكرية أو مدنية.
كان تمثيل التيار المدني في السلطة السياسية الحالية في السودان. تم بموجب اتفاق لتقاسم السلطة بين القوات المسلحة وائتلاف قوى الحرية والتغيير في أغسطس 2019. خلال فترة انتقالية تستمر ثلاث سنوات تم تمديدها لعام آخر بعد توقيع اتفاق جوبا للسلام. على أن تنتهي الفترة الانتقالية بانتخابات حرة يجري على إثرها تسليم الحكم لسلطة مدنية منتخبة.
حلية أزمة
للخروج من نفق الخلافات بين المدنيين كان رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك دعا من خلال اجتماع لمجلس الوزراء الأسبوع الماضي. إلى تشكيل خلية أزمة للدفع بالحوار بين جميع أطراف الأزمة الحالية، سواء بين مكونات الحرية والتغيير. أو بين مكونات الحرية والتغيير والمكون العسكري بمجلس السيادة الانتقالي. مشدداً على الالتزام بالتوافق العاجل على حلول عملية تستهدف حماية التحول المدني الديمقراطي.
لكن مبادرة حمدوك لم تلق ترحيباً كاملاً من قبل التيارات المدنية. حيث طالب المجلس القيادي لقوى الحرية والتغيير بضرورة الفصل بين الخلافات الناشبة بين مستويات الحكم وتلك التي يعيشها الائتلاف الحاكم. بشرط أن يتم الاعداد للحوار بشكل منفصل حول كل من القضيتين وفق مبادرة رئيس الوزراء لضمان معالجة الأزمة السياسية.
كان مشاركين في اجتماع المجلس القيادي لقوى الحرية والتغيير المنعقد للنظر في مبادرة حمدوك وتشيكل خلية الأزمة. ألمحوا أن شرط فصل جلسات التفاوض هو ضرورة لعدم السماح بتشكيل أي تكتلات لصالح المكون العسكري.
حيث يتضمن شرط الفصل أن يكون التفاوض ثنائياً مع المكون العسكري وحده. ثم تتفاوض مع المجموعة المنشقة لوحدها، إصلاح مجلس السيادة وانتقال رئاسته للمكون المدني وفقاً للوثيقة الدستورية. كما أضافت بنود أخرى يجب أن يشملها التفاوض تشمل إصلاح الحكومة وفق تقييم بين رئيس مجلس الوزراء وقوى الحرية والتغيير، وإصلاح القطاع الأمني والعسكري وتنفيذ الترتيبات الأمنية وصولاً لجيش قومي واحد.
هل تمارس أمريكا ضغوطا من أجل الانتقال الديمقراطي
مع اتساع دائرة الاستقطاب والاستقطاب المضاد في الشارع السوداني. وخروج متظاهرين مواليين للمعسكرين المتنازعين للشوارع والميادين العامة في تظاهرات واسعة واعتصامات. تأتي زيارة المبعوث الأمريكي للقرن الإفريقي، جيفري فيلتمان للخرطوم أمس الأول الجمعة. بعد أقل من شهر لزيارة سابقة له لتضيف العديد من التساؤلات عن ألية التعاطي الأمريكي مع الأزمة في السودان بخاصة مع التقارب الذي أبدته حكومة واشنطن مع السلطة الحاكمة من أجل الدفع بعملية الانتقال الديمقراطي في السودان.
كانت الرسائل الأمريكية المعلنة للشركاء السياسيين في السودان. تقتصر على النصح وحث وتشجيع الأطراف على الحوار لإدارة المرحلة الانتقالية وضمان العبور الأمن حتى انتخاب حكومة وطنية مدنية. إلا أن الاجتماع الرباعي الذي عقد أمس بحضور حمدوك والبرهان وحميدتي مع المبعوث الأمريكي لم يصدر عنه أي توضيحات. إذا ما كانت أمريكا طرحت مقترح جديد لتسوية الأزمة الداخلية برعاية دولية تحت قيادتها. خاصة مع تصريحات للمبعوث الأمريكي. هدد فيها بأن محاولات أي من أطراف السلطة في السودان لعرقلة الانتقال الديمقراطي قد تؤثر على دعم أمريكا للسودان بما في ذلك الاعفاء من الديون، وهو ما قد يمثل قدر من الضغوط التي يمكن أن تمارس على الأطراف المتنازعة من أجل تسوية سريعة للخلافات تضمن استمرار الشراكة المدنية والعسكرية.
تتجه المؤشرات الأولية لنتائج زيارة المبعوث الأمريكي بقوة إلى تمسك الموقف الأمريكي باستمرار الشراكة بين العسكر والمدنيين. من أجل تكوين المجلس التشريعي والمحكمة الدستورية ومفوضية الانتخابات وهياكل العدالة الانتقالية ومجلس القضاء العالي. كشرط أساسي لتحقيق الانتقال الأمن، حيث كان فيلتمان قد صرح قبل زيارته للخرطوم بأنه “للمدنيين اختيار شركائهم من العسكريين في العملية الانتقالية وكذلك الأمر بالنسبة للعسكر فهم لا يمكنهم ان يختاروا شركائهم من المدنيين”.
لكن البيان الصادر من السفارة الأميركية في الخرطوم عقب زيارة فليتمان والذي أكد أنه شدد على دعم الولايات المتحدة لانتقال ديمقراطي مدني وحث جميع الأطراف على تجديد الالتزام بالعمل معًا لتنفيذ الإعلان الدستوري واتفاقية جوبا للسلام. لم يأت بصيغة جديدة أو ضغوط واضحة تلزم أطراف الأزمة بالحوار لحل المشاكل العالقة أو توفير أي ضمانات لإنجاح مبادرة رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك ودعوة لتشكيل خلية أزمة لحل المشاكل العالقة.
استمرار الأزمة في شرق السودان ووضع اقتصادي متردي
على جانب آخر لا تزال أزمة شرق السودان المشعلة منذ 17 سبتمبر الماضي في تصاعد. حيث هدد مجلس نظارات البجا في شرق السودان من جديد. بالذهاب إلى الحكم الذاتي والانفصال إذا رفضت حكومة الخرطوم مطالبه بوقف مسار الشرق في اتفاق السلام والذي لا يضمن تمثيلاً عادلاً لقبائل شرق السودان.
وتسبب استمرار الاحتجاجات في شرق السودان في خسائر اقتصادية فادحة خاصة بعد إغلاق الميناء الرئيسي ببورتسودان وإغلاق طرق شريانية من خلال وضع متاريس في العديد من المدن والنقاط الواقعة على الطريق الرئيسي الذي تمر به صادرات وواردات السودان. فيما لم تنفذ الحكومة أي من مطالب قبائل البجا رغم الاستغاثة التي أطلقتها الحكومة. بعد نفاذ الأدوية والوقود والقمح وإغلاق بعض المخابز بسبب شح دقيق الخبز، فيما لم تفلح الدعوات الدولية لإنهاء الحصار المستمر لميناء بورتسودان ومرافق النقل في شرق السودان، وحل مظالم السكان المحليين.
وتبقى الأزمة في السودان دون حلول ناجزة مع تشدد الأطراف السياسية على مواقفها، محل قلق وتخوف من انفجار وشيك قد يزيد الأمور تعقيداً إذا ما استمر الحشد والحشد المضاد في الشارع السوداني. بل وتحميل البلاد المزيد من الأعباء الاقتصادية. في ظل المعاناة اليومية من نقص السلع الرئيسية والدواء وترقب دولي وإقليمي دون تدخل صريح في لحسم الصراع لصالح أي من أطراف الحكم.