منذ عام 2004، تسود العام مخاوف مع أي حديث عن الفقاعة العقارية. لم تنس الشركات من يومها كيف ضربت الأزمة الأمريكية العالم كله. فبعدما انتعشت صناعة العقار وزادت القوى الشرائية واستجاب المطورون بالبناء بكميات خيالية والبنوك بالتوسع في الإقراض دون ضمانات كافية. حتى تبين أن محرك السوق مجرد بالونة هواء انفجرت.
مشكلة الفقاعة تنبع من اسمها في قدرتها الذاتية على التوسع. فتبدأ في البداية بزيادة الطلب مع قلة المعروض. فيدخل المضاربون ليزيدون الطلب. لترتفع الأسعار بطريقة غير عقلانية. فيتم إغراء الشركات بالبناء والاقتراض من أجل التوسع. وحينما يزيد المعروض ويتراجع الطلب تعاود الأسعار الهبوط فتنفجر الفقاعة.
تتجدد المخاوف مع استمرار عجز عملاق البناء الصيني “إيفر جراند“. عن الوفاء بديونها البالغة 305 مليارات دولار. وهي الشركة التي تم تصنيفها قبل عامين على أنها أكثر الأسهم العقارية قيمة في العالم. بعدما توسعت في البناء ثم البناء حتى باتت تعمل في نحو 778 مشروعًا دفعة واحدة. من أصل 1300 مشروع تمتلكها بأكثر من 280 مدينة بجميع أنحاء الصين.
تهدد الأزمة حتى الآن قطاع العقارات الصيني الذي يسهم 29% من الناتج المحلي الإجمالي للصين ويثير المخاوف من تكرار أزمة 2004. حينما انهار بنك الاستثمار الأمريكي نتيجة لضمان عشرات المليارات من الدولارات من الأوراق المالية المدعومة برهون عقارية محفوفة بالمخاطر. خلال فقاعة الإسكان الأمريكية. وكذلك الحال مع إفلاس بنك “ليمان”.
توقعت وكالة “بلومبرج إيكونومكس، أخيرًا. حدوث فقاعة بسبب أسعار العقارات المضطربة حول العالم. واستخدمت خمسة مؤشرات رئيسية لتقدير مستوى الفقاعة. لكل دولة تشمل نسبة السعر إلى الإيجار والسعر إلى الدخل. وجاءت السويد ونيوزيلندا وكندا أكثر أسواق الإسكان التي واجهت التحذيرات في العالم.
يعتبر تحديد الفقاعات العقارية والتنبؤ بها عملاً صعب. فلا يوجد دليل ملموس على وجودها حتى تنفجر بالفعل. لكن نشاط البناء المفرط والإقراض وانفصال الأسعار عن الدخل المحلي. تنذر بوجود فقاعة في طور التكوين.
ووضع بنك “يو بي إس” السويسري خريطة لمؤشر فقاعة العقارات للعام الحالي. خلت منطقة الشرق الأوسط من المناطق الحمراء التي يتوقع حدوث فقاعة بها. وكانت دبي الوحيدة المدرجة بالمؤشر على أنها “مقومة بأقل من قيمتها”. وهي المدينة الوحيدة في المؤشر التي حصلت على درجة سلبية بعدما اتجهت أسعار المساكن إلى الانخفاض على مدى السنوات الست الماضية. لتصبح حاليا أقل بنسبة 40 ٪ تقريبًا عن مستويات 2014.
أسباب متعددة
لم ترد أي مدينة مصرية في تقييم البنك للأماكن المرشحة للفقاعة بالعالم. لكن تعيش السوق العقارية المحلية رغم ذلك جدلاً منذ شهور طويلة حول إمكانية نشوب واحدة محلية. فالسوق مُتخم بالمشروعات. والشركات رفعت عروض التقسيط، حتى ١٥ عاما من أجل جذب العملاء. كما يوجد توسع بسوق إقراض القطاع العقاري بعدما قرر البنك المركزي مضاعفة الحد الأقصى المسموح للبنوك أن تخصصه لصالح التمويل العقاري. إلى ما يعادل 10% من إجمالي محفظة القروض لدى البنك، بدلًا من 5%.
ويعتبر القوى الشرائية في السوق المصرية أمرًا محيرًا. فمشروعات كاملة بمليارات الجنيهات تباع مراحل كاملة منها في أيام. كمشروع “نور” لهشام طلعت مصطفى الذي باع وحدات بنحو 15 مليار جنيه في 21 يومًا فقط. ويعتبر البعض أن شريحة كبيرة من المستثمرين في مصر يقومون بنشاط مضاربي بشراء وحدات وإعادة بيعها للاستفادة من فارق السعر.
بحسب تقرير لشركة الاستشارات العقارية “سافيلز”. فإن قطاع العقارات في مصر سيشهد بحلول العام 2025 المزيد من المشاريع ذات الدخل المرتفع والمتعددة الاستخدامات. التي تتضمن قطاعات التجزئة في شرق القاهرة. معتبرا أن سوق الوحدات السكنية في القاهرة الكبرى قد تواجه على الأرجح فائضا في المعروض، على الرغم من زيادة الطلب.
طلب كبير
لكن إيهاب منصور وكيل لجنة الإسكان بمجلس النواب. يقول إن الفقاعة العقارية العالمية تحدث في الدول التي يمثل أساس الاستثماري العقاري لديها هو البنوك والقروض. كما تحدث مع زيادة الطلب على السوق وهو ما يؤدي إلى رفع الأسعار، وعند بلوغه مستوى معينًا يتخوف ويحجم المستثمر عن الاستثمار في الأسعار المرتفعة، ما ينجم عنه هبوط للأسعار مرة أخرى، وقد تصل لما دون المستوى الطبيعي.
ترتبط الفقاعات بتساهل البنوك في إجراءات الإقراض وهذا ليس موجودا بالسوق المحلية. فالبنك يتشدد في الأوراق المطلوبة للإقراض ويطلب ضمانات أخرى للشقة محل التمويل. وفي حال الحرفيين أو المهن التي ليس لديها دخل شهري يطلب أصولا أخرى يتم رهنها بدلاً من الوحدة كوديعة بنكية أو سيارة أو قطعة أرض.
في مبادرة لـ ٣٪ الأخيرة. رفضت البنوك غالبية أوراق العملاء التي وردت إليها بسبب عدم اتساقها مع الاشتراطات وغالبيتها مولت الوحدات المرتبطة بمشروعات الدولة. وهي الأكثر أمانا بالنسبة لها ولأموال المودعين.
أشار منصور إلى أن العالم أجمع يعمل بالرهن العقاري، لكن يجب التفريق بين المستثمر العقاري والمضارب، فالأول هو الذي يعيش في الدولة والاستثمار العقاري يمثله شغل الشاغل، بينما المضارب فدورة حياته في الاستثمار الخاص به تتراوح بين ستة أشهر وسنة يستفيد فيها من فارق الأسعار فقط.
ارتفاع الأسعار
وتوقع محمد خالد العسال، الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب لشركة مصر ايطاليا العقارية. ارتفاع أسعار العقارات خلال الفترة المقبلة بنسبة تتراوح بين 15% لـ20%. لعدة أسباب بسبب ارتفاع أسعار مواد البناء وزيادة القدرة الشرائية خلال النصف الثاني من 2021. كما سيعمل تراجع الفوائد البنكية وشهادات الاستثمار، على زيادة الاستثمار في العقارات، وبالتالي زيادة الطلب على الشراء ما يجعل الأسعار ترتفع.
وكان المركز المصري للدراسات الاقتصادية. حذر من أزمة في سوق العقارات، بسبب الزيادة الضخمة في الوحدات العقارية المعروضة. مع تراجع القدرة الشرائية، وتباطؤ البيع في السوق الثانوية حيث تقتصر عمليات البيع بشكل أكبر على السوق الأولية، فضلًا عن عدم استعلام الشركات عن قدرة المشتري على السداد.
العقارات.. الملاذ الآمن للمصريين في الخارج
يقول خبراء إن الطلب على العقار في مصر مختلف عن العالم كله بوجود شريحة المصريين بالخارج التي يصل عددها لعشرة ملايين شخص. ويعتبرون العقار الملاذ الآمن لمدخراتهم وترفع تلك الشريحة العقارات في كل موسم صيف حينما تبدأ أجازاتهم السنوية.
يؤكدون أن أقصى ما يمكن أن تصل له السوق المحلية هو الركود. مثلما حدث في أعقاب الأزمات المالية العالمية التي أصابت قطاع واحد فقط من العقار بمصر يتمثل في العقارات الفاخرة. لكن الطلب لا يزال موجودا على قطاعات أخرى، فالفقاعة تحدث عند تضرر بنوك ضخمة من الرهن العقاري بأمريكا عام 2008 ودبي عام 2009.
الدكتور أشرف سالمان، رئيس مجلس إدارة شركة سيتي إيدج العقارية ووزير الاستثمار الأسبق، من أنصار ذلك الاتجاه. ويؤكد في تصريحات صحفية. أن وضع القطاع العقاري بمصر مطمئن للغاية ولا يوجد أي تخوف من حدوث فقاعة عقارية، فحجم التمويل العقاري حاليا بمصر، لا يتجاوز 1% من حجم السوق.
يطالب كثيرون بعدم تجاهل اللاجئين الأجانب من حسبة العقارات في مصر فالمواطنون العرب سواء من اليمن أو سوريا أو ليبيا أو العراق أنعشوا الطلب في أحياء كثيرة خاصة أن قطاعا منهم جاء ومعه مدخرات دولارية تعطي حال تحويلها بالجنيه لصاحبها القدرة على شراء وحدات في فئة الإسكان المتوسط وفوق المتوسط، وبوجد أحياء كبيرة يتركز فيها العرب خاصة غرب وشرق القاهرة.
يقول المحلل المالي محمد كمال، إن معظم الأموال التي تتحرك في القطاع العقاري تخص المشترين. فالشركة تعلن عن المشروع وتجمع أكثر من قسط منهم قبل البناء، وبالتالي المنظومة بعيدة عن البنوك سواء بالنسبة للشركة أو العميل ذاته، وغالبية الشركات العقارية في السوق المصرية تعلن أن تمويلها ذاتي أي من أموال المشتري أنفسهم.
البورصة
تهيمن أسهم القطاع العقاري على النسبة الأكبر من قيم تداولات البورصة المصرية باستمرار في ظل ضم القطاع عدد من الشركات الضخمة التي تمتاز بتحقيق ربحية مرتفعة، وتتوقع كبرى بنوك استثمار أن تسجل 5 من شركات القطاع (طلعت مصطفى، وإعمار مصر، وسوديك، وبالم هيلز، وأوراسكوم للتنمية)، أداءً جيدا العام الحالي، مدعومة بعدة عوامل، أبرزها ارتفاع قيم التحصيلات، والمشروعات الجديدة، واتجاه أرقام مبيعات العام الحالي لمستويات ما قبل كورونا مع انحسار تداعيات الفيروس على القطاع، والتي تسببت في إلغاء عدد كبير من المتعاقدين التعاقدات العام الماضى.
سجلت أرباح شركة “بالم هيلز” نموًا بواقع %156.8 خلال الربع الأول من العام الحالى، ليصل صافى أرباحها إلى 217.29 مليون، و”إعمار مصر” للتنمية بواقع %14 لتصل إلى 529.12 مليون جنيه، و”سوديك” بنسبة %235، لتصل إلى 100.46 مليون جنيه و”أوراسكوم للتنمية” مصر بنسبة 377 %، على أساس سنوي، ليصل إلى 438.46 مليون جنيه، خلال الفترة الزمنية ذاتها.
يضيف كمال أن السوق المصرية لا تزال حتى الآن تعتمد على المشتري المصري وليس المستثمر الأجنبي مثل دبي التي يصل ملكية الأجانب في بعض أحيائها إلى 90%، كما أن المنافسة العنيفة بين الشركات العقارية حاليا قربت الأسعار، ولا تفتح مجالا للتهويل أو المبالغة الشديدة.
يشدد المطورون في المؤتمرات الصحفية باستمرار على أن سعر البيع يتناسب تمامًا مع تكلفة الأرض والتنفيذ. موضحين أن تركيزهم منصب على شريحة مرتفعي الدخل التي تقدر نسبتها بنحو 15-14% من حجم الطلب، بما يعادل 100 ألف مخصصة لتلك الشريحة يتم تنفيذ 20 و30 ألف وحدة فقط سنويًا لتلك الشريحة، بما يعنى وجود نقص بالمعروض بنحو 70 ألف وحدة.
تعاني السوق من مشكلة مزمنة تتعلق بالفجوة بين سعر الوحدات والقدرة الشرائية للعميل وهو ما دفعها لزيادة آجال السداد لـ 15 سنة بعدما كانت لا تزيد على 5 سنوات. حتى وإن كانت تسبب مشكلة للشركات في غياب السيولة لديها اللازمة لبناء مشروعات جديدة، لكنها تضمن على الأقل استدامة التوريد دون أعباء الفائدة.