في تحرك غير مفاجئ. أنهت قوات الأمن والجيش في السودان الشراكة مع المكون المدني في إدارة المرحلة الانتقالية. بعد أسابيع من التوتر وتبادل الاتهامات. باتخاذ مجموعة من الإجراءات أعلن عنها الفريق عبد الفتاح البرهان، قائد القوات المسلحة السودانية. في مقدمتها إعلان حالة الطوارئ في جميع الولايات السودانية. وحل مجلسي السيادة الانتقالي والوزراء.

9 إجراءات

وحمل خطاب البرهان 9 إجراءات رئيسية. تمثلت إجمالا في إقصاء المكون المدني عن المشهد السياسي. وتشمل إعلان حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد. و التمسك الكامل والالتزام بما ورد في الوثيقة الدستورية،  مع تعليق العمل بالمواد الـ 11 و12 و15 و16 و24-3 و71 و72 منها، والالتزام باتفاق السلام. وحل مجلس السيادة الانتقالي وإعفاء أعضائه، و حل مجلس الوزراء. وإنهاء تكليف ولاة الولايات، وإعفاء وكلاء الوزارات، وتكليف المدراء العاميين بتيسير دولاب العمل.  وتجميد عمل لجنة إزالة التمكين حتى تتم مراجعة أعمالها.

تحركات أمنية

وتأتي الاجراءات التي أعلن عنها البرهان بعد 8 ساعات من تحركات أمنية مشددة في أنحاء العاصمة السودانية الخرطوم. شملت اعتقالات واسعة لسياسيين ووزراء من الشق المدني للمجلس الانتقالي وقطع الإنترنت والاتصالات. فيما بدأت حشود من المواطنين النزول للشارع في محيط القيادة العامة للجيش.

قرارات البرهان
قرارات البرهان

وقالت وزارة الإعلام في تدوينه على موقع الفيسبوك. إن قوات عسكرية. تطلق الرصاص الحي على المتظاهرين الرافضين للانقلاب العسكري أمام القيادة العامة للجيش.

حمدوك قيد الإقامة الجبرية

وشملت التحركات العسكرية التحفظ على رئيس الوزراء عبد الله حمدوك واقتياده إلى مكان غير معلن ووضعه قيد الإقامة الجبرية. حيث دعا بيان لمكتب رئيس الوزراء الشعب للتظاهر بسلمية واستعادة ثورته من أي مختطف. وتحميل القيادة العسكرية مسؤولية سلامة حمدوك وأسرته، مؤكداً أن ما حدث تمزيق للوثيقة الدستورية وانقلاب مكتمل على مكتسبات الثورة.

حمدوك
حمدوك

قبيل إعلان البرهان رسمياً عن الإجراءات العسكرية.  كانت قوى سياسية بدأت في الإعلان عن الإضراب العام والعصيان المدني منها اتحاد الطيارين السودانيين. ونقابة الأطباء التي أعلنت الإضراب السياسي العام والانسحاب من المستشفيات العسكرية. كما أكد تجمع المهنيين السودانيين أن ما حدث هو انقلاب عسكري كامل الأركان.

تخوفات من استخدام الطوارئ كحجة لتقييد الحريات

لم يذكر بيان البرهان آليات تطبيق حالة الطوارئ. ما أثار تخوفات عن استخدامها ذريعة لتقويض مكتسبات الثورة وتقييد الحريات والنيل من النشطاء السياسيين والأحزاب المدنية.

إلا أن التوقعات الأولية تتجه إلى محاولة الجيش السوداني احتواء الموقف المنتظر أن يتصاعد في الشارع والميادين السودانية. خاصة مع الدعوات التي طالبت الشعب بالاعتصام والعصيان المدني العام. خاصة وأن مجموعات من المحتجين اعتادت على أسلوب غلق الشوارع والشرايين الرئيسية لشل حركة الدولة. وهو التصعيد الذي يستخدمه المحتجون في شرق السودان منذ أسابيع.

مظاهرات ذكرى الثورة في السودان
مظاهرات ذكرى الثورة في السودان

وتعزز هذه التوقعات محاولة الجيش وقوات الأمن في السودان بما فيها قوات الدعم السريع السيطرة على مفاصل الدولة الرئيسية. منذ بداية التحركات الانقلابية على المكون المدني.

نهاية الشراكة مع المكون المدني

أبرز شواهد الانقلاب الذي أعلنه البرهان هو إنهاء الشراكة بشكل كامل مع المكون المدني المتمثل في قوى إعلان الحرية والتغيير. حيث كانت المواد التي أعلن البرهان إلغاءها في الوثيقة الدستورية تتحدث عن آليات العلاقة بين المكون المدني والعسكري في المرحلة الانتقالي. وبذلك يعد المجلس العسكري هو من يدير وحده الدولة لحين إجراء الانتخابات.

وفقاً لبيان البرهان فإن مجلس السيادة. سيكون محل استئثار للقوات الأمنية والعسكرية فقط دون أي ملامح لإمكانية إشراك أي مكون مدني في تشكيله الجديد.

ولم يحدد البيان كيفية وآليات اختيار الحكومة الجديدة خاصة. وأنه لم يعلن عن مصير رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك الذي لا يزال قيد الإقامة الجبرية.

ولا يزال مصير القوى السياسية التي خرجت من معادلة السلطة السياسية مجهولا. إلا أن مراقبين يرون إمكانية إطلاق سراح المعتقلين لحين تحقيق استقرار نسبي للأمور والسيطرة على الموقف.

مواد الوثيقة الدستورية

تضمنت قرارات البرهان أيضاً تعليق العمل ببعض مواد الوثيقة الدستورية. التي كانت محل جدل في المرحلة الأخيرة. حيث باتت المواد المتبقية مجرد مواد عامة وشاملة تتحدث عن مفوضية الانتخابات وتحقيق السلام ومكافحة الشغب والمشاكل الأمنية وتنفيذ اتفاق جوبا. وهي ما يعتبرها مراقبون أنها تأتي في مصلحة المكون العسكري لإضفاء الشرعية على الفترة الانتقالية الحالية.

مواد الوثيقة الدستورية التي عطلها البرهان
مواد الوثيقة الدستورية التي عطلها البرهان

وتركز مواد الوثيقة الدستورية المتبقية على إدارة الدولة من خلال المكون العسكري. دون أي اشارة من جديد لإمكانية الشراكة مع مدنيين. إلا من خلال حكومة تكنوقراط وكفاءات ليس لها انتماءات سياسية كما أعلن البرهان في خطابه.

وفقاً للإجراءات المعلنة. حالياً ستكون إدارة الدولة حتى الانتخابات المنتظرة. تركز فقط على الأمور التنفيذية من خلال معالجة قضايا الاقتصاد والتعامل مع الأوضاع الأمنية المتردية وتحقيق الأمن الاجتماعي والإعداد للانتخابات، فضلاً عن إدارة العلاقات الخارجية، وتعليق أي حوارات سياسية.

مواقف دولية تدين الانقلاب وصمت عربي

جاءت ردود الفعل الدولية في مجملها رافضة للانقلاب على المكون المدني في المرحلة الانتقالية. حيث رفضت بعثة الأمم المتحدة في السودان: “الانقلاب المستمر ومحاولات تقويض التحول الديمقراطي الهش”.

فيما أعلن المبعوث الأميركي الخاص، جيفري فيلتمان عن قلق بلاده من سيطرة الجيش على مقاليد الأمور في البلاد. وأكد أن الاعتقالات التي وقعت وطالت عددا من الوزراء والمسؤولين صباح اليوم تخالف الوثيقة الدستورية التي ترعى الحكم الانتقالي في البلاد، والشراكة بين المكون العسكري والمدني، فيما هدد بأن أي تغيير في الحكومة الانتقالية بالقوة يهدد الدعم الأميركي للسودان.

جيفري فليتمان
جيفري فليتمان

ودعا رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي محمد في بيان. إلى إطلاق سراح القادة السياسيين في السودان. وأضاف أنه يجب استئناف المحادثات بين الجيش والجناح المدني للحكومة الانتقالية.

وأعرب الاتحاد الأوروبي عن قلقه للتطورات في البلاد، ودعا مسؤول السياسة الخارجية، جوزيف بوريل بتغريدة على حسابه على تويتر الأطراف المعنية في السودان والشركاء الإقليميين إلى استعادة المسار الانتقالي. كما أعرب المبعوث البريطاني الخاص للسودان وجنوب السودان عن قلق بلاده البالغ من اعتقال عسكريين لأعضاء مدنيين في الحكومة.  معتبرا أن مثل هذه الخطوة من شأنها أن تمثل “خيانة للثورة والانتقال والشعب السوداني، وهو نفس الموقف الذي عبر عنه وزير الخارجية الألماني هايكو ماس في بيان دعا فيه إلى مواصلة الانتقال إلى الديمقراطية واحترام إرادة الشعب.

رفض دولي 

ومع الرفض الدولي لخطوات المجلس العسكري ومبرراته بأن استمرار الخلافات يهدد مستقبل البلاد، لم تصدر أي من الدول العربية أي ردود فعل حتى الآن عن الموقف من التحول الجاري في السودان.

ورغم تصاعد التوتر بين الشركاء المدنيين والعسكريين خلال الشهريين الماضيين والتوقعات بانفجار المشهد في السودان. بعد تعذر الحوار وفشل مبادرة حمدوك لإدارة الأزمة. يرى مراقبون أن الخطوة الانقلابية التي قام بها البرهان بعزل وإقصاء الشريك المدني في إدارة المرحلة الانتقالية خاصة مع الإجراءات الأمنية باعتقال سيأسين ووزراء في الحكومة بطريقة غير آدمية. خاصة مع تعرض له وزير شئون مجلس الوزراء، خالد عمر يوسف من إيذاء خلال القبض عليه، لن تكون في صالح المكون العسكري نفسه.

وتعزز الانتقادات الموجهة لقرارات البرهان الانقلابية. أنها جاءت في توقيت غير متوقع. خاصة بعد التظاهرات الحاشدة في 21 أكتوبر الجاري. التي أعلن فيها قطاعات واسعة من الشعب السوداني دعمه للحكم المدني ورفضه التام للحكم الشمولي واستيلاء الجانب العسكري على إدارة الدولة والتمسك بمسار الدولة.

مع الشواهد الأولية لرد فعل الشارع السوداني فإن قرارات البرهان يمكن قراءتها في إطار مزيد من التعقيد للمشهد السياسي في السودان وتضاعف الأزمة السياسية بل وانتقالها من الأروقة المغلقة إلى الشارع الذي أصبح منقسم إلى فريقين مؤيد ومعارض للحكم العسكري، وبذلك يبقى السودان في حالة من اللاسلم واللا توافق.