لم يكد السودان يكمل تعافيه المؤقت من حكم عمر البشير بإعلان تقاسم السلطة بين العسكريين والمدنيين في 2019. إلا وسقط في هاوية الانقلاب العسكري مجددًا، بإزاحة الجيش حكومة عبدالله حمدوك، وتولي زمام الأمور مع إعلان حالة الطوارئ وإنهاء اتفاق تقاسم السلطة.
كيف وصل السودان إلى الانقلاب العسكري مجددًا؟
في نهاية العام 2018، اندلعت الاحتجاجات الشعبية في السودان للمطالبة برحيل النظام الحاكم والرئيس عمر البشير. هذه الاحتجاجات استمرت إلى أبريل من العام 2019، بمشاركة «تجمع المهنيين السودانيين»، وقد طالبت بعزل البشير. وهو الأمر الذي استجاب له الجيش بعد مواجهات دامية اندلعت أمام مقر قيادة الجيش.
وفي 11 من الشهر نفسه، اجتمع قادة الجيش السوداني دون حضور البشير. ثم أعلنوا بعدها بساعات، إطاحة الرئيس واعتقاله، وتشكيل مجلس عسكري انتقالي يتولى حكم البلاد لعامين كمرحلة انتقالية.
اقرأ أيضًا: انقلاب مكتمل الأركان.. الجيش ينهي الشراكة مع المكون المدني في السودان
هذه الخطوة العسكرية لاقت رفضًا شديدًا من الحركة المدنية ممثلة في «تجمع المهنيين» و«قوى إعلان الحرية والتغيير». وانتهى الأمر بتنازل الفريق أول أحمد عوض بن عوف عن رئاسة المجلس العسكري الانتقالي. ومن ثم تعيين المفتش العام للقوات المسلحة آنذاك، الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيسًا للمجلس.
اتفاق تقاسم السلطة.. السودان تحت حكم (6+5)
بعد 4 أشهر، وبالتحديد في أغسطس من العام 2019، توافق المجلس العسكري الحاكم وتحالف قوى إعلان الحرية والتغيير المعارض في السودان على تقاسم السلطة، وتشكيل مجلس «سيادي» يقوده عبدالفتاح البرهان وآخر للوزراء يقوده عبدالله حمدوك، يقودان معًا المرحلة الانتقالية الممهدة لتشكيل سلطة مدنية تُفرزها انتخابات كان مقررًا لها العام 2022.
تم التوافق -حينها- على أن يُشكل المجلس السيادي من 11 عضوًا؛ ستة مدنيين وخمسة عسكريين. على أن يرأس المجلس لمدة 21 شهرًا في البداية عسكري. ثم يخلفه مدني للفترة المتبقية من 18 شهرًا.
إنهاء الحرب مع المتمردين.. اتفاق سلام السودان
وفي أغسطس من العام 2020، تمكنت الحكومة السودانية الجديدة من توقيع اتفاق سلام مع الجبهة الثورية وحركة تحرير السودان المتمردتين، والذي كان من أبرز بنوده وقف الحرب في ولايات دارفور الخمس وولايتا جنوب كردفان والنيل الأزرق.
أزمات قادت السودان إلى الانقلاب العسكري الجديد
لم يخلو العام الأول لتقاسم السلطة بين العسكريين والمدنيين في السودان من الخلافات. بل سريعًا برزت على سطح الأحداث في البلاد أزمة ثقة بين مجلسي السيادة والوزراء.
ملامح هذه الأزمة بدت جلية مع المطالبة بنشر نتائج التحقيقات في قتل متظاهرين في 3 يونيو 2019، في واقعة أشير فيها بأصابع الاتهام لقوات عسكرية، وكذلك تأخر تسليم مشتبه بهم في حرب دارفور التي اندلعت في العام 2003.
وقد احتدمت الأزمة بين المجلسين مع دعوة رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان لتشكيل مجلس شركاء الفترة الانتقالية. وهو الاقتراح الذي رفضه رئيس مجلس الوزراء عبدالله حمدوك في نهاية 2020. وقال البرهان إنه لا يلغي دور المجلسين وإنما يساعدهما في تجاوز أزمات البلاد الاقتصادية والصحية.
اقرأ أيضًا: تصاعد التوتر في السودان.. انفجار وشيك وتخوف من نفاد فرص الحوار
تفاقم الوضع سريعًا في ملفات عدة. ودخلت البلاد في أزمة حادة مع كورونا، وتردي اقتصادها، مع بلوغ معدل التضخم إلى 230%، وفق إحصاءات رسمية. وذلك عقب إصلاحات قاسية وسريعة نفذتها تحت إشراف صندوق النقد الدولي، في محاولة نجحت في جذب التمويل الأجنبي وتخفيف الديون.
وقد زاد الوضع سوءًا احتجاجات اندلعت في شرق السودان، وصلت إلى قمة حدتها في سبتمبر الماضي، مع إعلان مجموعة تنتسب لمحمد الأمين ترك زعيم قبيلة البجا إغلاق خط أنابيب وارد المنتجات البترولية الرابط بين ميناء بورتسودان الرئيسي ومدن السودان الأخرى.
انقلاب سبتمبر.. هل عاد أنصار البشير؟
وفي 21 سبتمبر الماضي، أعلنت الحكومة السودانية إحباط ما أسمته «محاولة انقلاب فاشلة»، قالت إن ضباطًا ومدنيين مرتبطين بنظام الرئيس المخلوع، حاولوا تدبيرها، وإنها «كانت تستهدف الثورة وما حققه الشعب السوداني من إنجازات».
وقال رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، في كلمة باجتماع طارئ لمجلس الوزراء، إن من سماهم بـ«الانقلابيين»، كانوا يسعون إلى «تقويض النظام الديمقراطي»، وإن هذا الأمر مستحيل في ظل ما وصفه بـ«يقظة الشعب السوداني». بينما أشار إلى ثمة علاقة بين محاولة الانقلاب والانفلات الأمني في بعض مناطق البلاد، والاحتجاجات ذات الطابع القبلي في شرق البلاد.
بقوة الجيش.. البرهان يطيح باتفاق 2019
واستمرت الأزمة إلى أن أعلنت المؤسسة العسكرية فجر اليوم الإثنين، وفي تحرك غير مفاجئ، إنهاء اتفاق الشراكة على تقاسم السلطة مع المكون المدني ممثلاً في مجلس الوزراء. بعد أسابيع من التوتر وتبادل الاتهامات.
وأعلن الفريق عبد الفتاح البرهان، قائد القوات المسلحة السودانية مجموعة من الإجراءات، في مقدمتها إعلان حالة الطوارئ في جميع الولايات السودانية. وحل مجلسي السيادة الانتقالي والوزراء.