اعترفت مصر مرتين -في اجتماعات مؤتمر «سيداو» أمس واليوم- بأن الطريق لا يزال طويلاً أمام جهود مكافحة مجالات التمييز والعنف ضد المرأة في البلاد. وهو أمر أكدته منظمات المجتمع المدني في تقارير ظل قدمتها إلى اللجنة الأممية لمناهضة التمييز ضد المرأة، كشفت بها أن المبادرات الحكومية المصرية في هذا الشأن لا تزال تعاني من عدم التطبيق الفعلي للقانون وغياب للعدالة المطلوبة. ما يفرض ضرورة اتخاذ تدابير أكثر فاعلية تضمن حماية النساء وتحقق لهن المساواة.
مصر تعترف بتحديات مواجهة العنف والتمييز ضد المرأة
وفي كلمتها على هامش ترأسها الوفد المصري بأعمال اللجنة الأممية لمناهضة التمييز ضد المرأة، قالت مايا مرسي أمس إن «السقف الزجاجي» في مصر قد تحطم، وتقلصت مجالات التمييز والعنف ضد المرأة أكثر من أي وقت مضى. لكنها اعترفت بأن الطريق لا يزال طويلاً. وطالبت بالنظر إلى ما تحقق باعتباره فرصة يسهل البناء عليها.
اقرأ أيضًا: التمييز ونزع الأهلية عن المرأة.. اتهامات تواجه مشروع قانون الأحوال الشخصية
لكن هذه الفرصة التي تحدثت عنها رئيسة «القومي للمرأة» حملت أزمات حقوقية. وبحسب تقارير منظمات المجتمع المدني على هامش مناقشة تقرير مصر الدوري أمام «سيداو» بشأن جهود الدولة في هذا الشأن. فإن المرأة في مصر لا تزال تعاني من غياب العدالة في سوق العمل. فضلاً عن قضايا التحرش، والعنف القائم على النوع، لا سيما العنف الأسري. إلى جانب عمليات التضييق الأمني والاستهداف عبر الإنترنت.
العدالة الغائبة عن المرأة في سوق العمل
أشارت التقارير إلى أن القانون المصري لا يزال يفتقر إلى بنود تضمن مجموعة من الحقوق الأساسية للمرأة. إذ لم ينص القانون على حقوق العاملين بشكل عام والنساء بشكل خاص في القطاع غير الرسمي. وخاصةً القطاع الزراعي والعاملات في المنازل والأعمال بناءً على الطلب. ما يضعف من الأمن الوظيفي ويجعل النساء عُرضة للطرد من العمل في أي وقت. خاصةً النساء الحوامل والمُرضعات اللاتي يتعرضن للفصل من العمل أثناء إجازات الوضع دون الحصول على أي مستحقات أو حق التقاضي. وقد تتعرض النساء في القطاعات غير الرسمية إلى أعمال لا تناسب طبيعتها دون وجود أدنى حق لها في المطالبة بحقوقها.. ومنها على سبيل المثال حقها في نقل جنسيتها إلى أطفالها.
غياب قانون شامل لمواجهة العنف ضد المرأة
وقد لفتت التقارير كذلك إلى غياب قانون شامل لمواجهة العنف ضد المرأة. وطالبت الحكومة ببذل مزيد من الجهود لتجريم هذه الممارسات.. وذّكر المشاركون بإعداد هذه التقارير بأن أكثر من «4.2 مليون امرأة تعرضن للتحرش الجنسي في الأماكن العامة والمؤسسات المصرية». وقد اعترفت الحكومة بالمشكلة. لكنها لم تفرض تدابيرًا كافية لحماية المرأة، وفق ما ألمحت إليه التقارير. خاصة في ظل عدم وجود نظام شامل يستجيب لاحتياجات الناجيات من العنف سواء على مستوى جودة الخدمات المقدمة إلى الناجيات (البيوت الآمنة، الطب الشرعي، إلخ) أو غياب الإحالة والربط بين هذه الخدمات. وكذلك الإشكاليات القانونية في تعريف العنف. إذ تعاني التشريعات المصرية من نواقص واضحة في تعريفها للعنف على النحو المبين في المواثيق الدولية. وتغيب آليات المتابعة والمراقبة على استراتيجيات الدولة، والتي طالما طالبت بها منظمات المجتمع المدني. مع التعديلات الأخيرة على قانون المجلس القومي للمرأة.
اقرأ أيضًا: محاولات السيطرة على أجساد النساء.. حكايات التمييز ضد غير المحجبات
العنف الأسري تجاه المرأة
وقد شملت الملاحظات أيضًا الحديث عن المادة 60 من قانون العقوبات. وتؤكد على عدم سريان العقوبات التي نص عليها القانون في الجرائم الواردة به في حالة ارتكاب فعل بنية سليمة عملاً بحق مقرر بمقتضى الشريعة. ما يبرر العديد من ممارسات العنف ويضفي عليها طابعًا «دينيًا». خاصةً فيما يتعلق بالعنف الأسري والذي قد يغذيه عقيدة بعض المجتمعات في مصر والتي توصف بالأبوية.
ولفت المجلس القومي للمرأة -في دراسة ميدانية سابقة- إلى وجود نحو 1.5 مليون امرأة مصرية تتعرض للعنف الأسري سنويًا. وأن حوالي 70% من حالات الاعتداء على الزوجات سببها أزواجهن، بينما 20% من الآباء تجاه بناتهم، و10% من الإخوة.
التضييق على الحريات
وتطرقت الملاحظات إلى عدم تمكين النساء من المشاركة من خلال منظمات المجتمع المدني الخاصة بهن للتأثير على عمليات صنع القرار المتعلقة بالاستجابة لـ COVID-19. هذا فضلاً عن عمليات الاختفاء القسري والاحتجاز التعسفي والتضييق على ممارسة حرية التجمع والتعبير وتكوين الجمعيات. إلى جانب إساءة استخدام تدابير مكافحة الإرهاب والقوانين التقييدية لمنع المدافعات عن حقوق الإنسان.
وتضمنت الملاحظات كذلك الإشارة إلى حملة التضييق ضد المؤثرات على وسائل التواصل الاجتماعي، والعاملات بمجال حقوق الإنسان. وقد شددت المنظمات المشاركة على ضرورة تنظيم استخدام القوة والأسلحة النارية من قبل قوات الأمن أثناء التجمعات.
الوفد المصري بـ«سيداو»: المرأة عانت في عهد الإخوان و30 يونيو أنقذتها
وفي ردها على هذه الملاحظات باستعراض اليوم أمام مؤتمر «سيداو»، قالت مايا مرسي إن مكتسبات المرأة تعرضت لردة كبيرة خلال عام مظلم من حكم جماعة الإخوان. بينما جاءت ثورة 30 يونيو 2013 وأثبتت أنها خط الدفاع الأساسي والأول عن حقوقها. مشيرةً إلى دستور 2014 والذي تضمن أكثر من 20 مادة تنظم موضوعات المواطنة والمساواة وتجريم العنف وعدم التمييز.
وأضافت أن حقوق المرأة الدستورية تمت ترجمتها إلى قوانين واستراتيجيات وبرامج تنفيذية وكوتة دستورية ضمنت وجود 25% من السيدات في البرلمان و25% منهن في المجالس المحلية، و10% في مجلس الشيوخ. إلى جانب التمثيل الملموس في مجالس إدارات الشركات المالية والقطاع المصرفي.
كما أشارت إلى الحملات التي أطلقتها الحكومة لتمكين المرأة وحمايتها من جميع أشكال العنف، ومكافحة جرائم تقنية المعلومات، والتنقل الآمن لها و توعيتها بحقوقها وبالخدمات التي تقدمها لها الدولة. من بينها حملة «التاء المربوطة سر قوتك» والتي نجحت فى تحقيق 135 مليون اتصال، وحملات لطرق الأبواب حققت 42 مليون زيارة، و«الكود الأخلاقي للمرأة في وسائل الإعلام»، وإنشاء مرصد إعلامى لمتابعة تنفيذه.
للاطلاع على كلمة مايا مرسي أمام مؤتمر «سيداو»..اضغط هنا
جهود الحكومة المصرية للحد من العنف ضد المرأة
وأشارت رئيسة الوفد المصري إلى عدد من الملفات التي حققت فيها الدولة المصرية جهودًا في صالح المرأة، فذكرت أن مصر أول دولة عربية تطلق مسح «التكلفة الاقتصادية للعنف ضد المرأة في مصر». وأضافت أنه خلال جائحة كورونا تم إطلاق عدة استطلاعات رأي للمصريات حول فيروس كورونا المستجد ونتائجه على الأسرة. وقد بدأت هذه الاستطلاعات في أبريل 2020، وأظهرت النتائج 19% زيادة بمعدلات العنف بين أفراد الأسرة، و7% معدل تعرض الزوجات لعنف من قبل الزوج.
كما لفتت إلى أن مصر تبنت مؤخرًا مجموعة إجراءات وسياسات تنفيذية مهمة في مجال حماية المرأة. ومن بينها قرار رئيس مجلس الوزراء باستحداث أول وحدة مجمعة للحماية من العنف ضد المرأة. ولفتت إلى اختيار مصر ضمن أول عشر دول في منطقة الدول العربية لتطبيق نموذج حزمة الخدمات الأساسية لصندوق الأمم المتحدة للسكان وهيئة الأمم المتحدة للمرأة. وذلك لجهودها بشأن السياسات المتعلقة بتمكين المرأة وحمايتها من كافة أشكال العنف. وكذلك والمساواة بين الجنسين، وسن التشريعات التي تتصدى لأشكال العنف المختلفة.
وذكّرت بجهود الدولة في محاربة ختان الإناث بتشكيل اللجنة الوطنية الأولى للقضاء على تشويه الأعضاء التناسلية للإناث في مايو عام 2019. والتي نجحت بتعاون جميع الشركاء فى تحقيق 81 مليون تدخل واتصال توعوي حتى سبتمبر 2021.
وكذلك أشارت إلى ارتفاع نسبة تمثيل المرأة في البرلمان المصري وبمجلس الشيوخ ومجلس الوزراء إوفي السلك الدبلوماسي، والمجلس القومى لحقوق الإنسان. وكذلك تعيين مستشارة لرئيس الجمهورية للأمن القومي عام (2014) لتكون أول امرأة تتولى هذا المنصب الرفيع.
اعتراف ثان.. التحديات كبيرة في سبيل إنهاء التمييز ضد المرأة
لكنها على الرغم مما أفردت له بالشرح من إنجازات حكومية في مجال مكافحة التمييز ضد المرأة، عادت لتؤكد للمرة الثانية على أنه ما تزال هناك تحديات تعمل الحكومة على مواجهتها بالشراكة مع الجهات والوزارات المعنية والمجتمع المدني، ومنها: استمرار بعض الموروثات الثقافية السلبية التي ترسخ التمييز ضد المرأة، وضعف نسبة الإناث في قوة العمل. وهو ما وصفته بالتحدي الأساسي أمام المرأة المصرية الآن.
واختتمت بالتأكيد على التزام مصر دستوريًا وقانونيًا بمبادئ المساواة وتكافؤ الفرص وعدم التمييز،والتشديد على أن حقوق الإنسان وحرياته بموجب الدستور هي قيمة عليا تتضمن حقوقًا لا يجوز التنازل عنها أو تجزئتها أو التصرف فيها. وأضافت أن هذه المبادئ نصوص دستورية يلتزم المشرع بها، ولا يستطيع الخروج عنها أو مخالفتها أو الانتقاص منها أو تعطيلها إلا بالقواعد والإجراءات المنصوص عليها في الدستور وتحت رقابة القضاء.