أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي مساء أمس قرارًا جمهوريًا بإلغاء تمديد حالة الطوارئ على جميع أنحاء البلاد. وهي خطوة تمثل نقطة البداية نحو السعي على طريق الحقوق والحريات. وتعيد المواطن المصري إلى مساره الطبيعي دونما حواجز أو قيود، أقلها ما يضع الحقوق والحريات الشخصية في مهب الريح أمام قدرة السلطات على الاحتجاز والاعتقال الإداري لمجرد الاشتباه المؤسس على الصلاحيات الاستثنائية، التي تقرها قوانين الطوارئ وتمنحها للسلطات، تحت مسمى تلك الحالة. أو في أقل مراتب التقدير في التضييقات على الحقوق المصاحبة لقرارات فرض أو تمديد حالة طوارئ، كانت متمثلة في فرض حظر التجوال في مناطق محددة، وفقًا لتوقيتات يشملها القرار الصادر بها.

حالة الطوارئ الأخيرة في البلاد تم تمديدها بموجب القرار الجمهوري رقم 290 لسنة 2021. ووافق عليها مجلس النواب لتصبح سارية منذ صباح يوم السبت الموافق الرابع والعشرين من يوليو 2021.

من الزاوية التاريخية، تم فرض الأحكام العرفية في مصر لأول مرة عام 1914، وعينت بريطانيا حاكمًا عسكريًا خلال الحرب العالمية الأولى. وقد تضمن دستور 1923 أول نص ينظم إعلان الأحكام العرفية. وهي المادة 45 من ذلك الدستور، والتي نصت على أن الملك يعلن الأحكام العرفية. ويجب أن يعرض إعلان الأحكام العرفية فورًا على البرلمان ليقرر استمرارها أو إلغاءها.

منذ ذلك التاريخ كانت أحكام الطوارئ في مصر مطبقة معظم الأوقات، إلى أن تصور العديد من المنادين بالحقوق والحريات أنها باتت سمة مميزة للوضع العام في مصر. وقد غالبت صفة الاستثنائية التي يجب أن تتمتع بها طوال الوقت. وبات معها أمر الحقوق والحريات رهين تلك الحالة.

وإذ إن قانون الطوارئ الذي يصاحب سريانه قرار فرض أو تمديد حالة الطوارئ به العديد من القيود التي تمس سير الحياة العامة والحريات الشخصية والعامة معًا، نجد أن فرض الطوارئ يمنح السلطة التنفيذية سلطات واسعة مثل الأمر بمراقبة الرسائل أيًا كان نوعها. ذلك بالإضافة إلى مراقبة الصحف والنشرات والمطبوعات والمحررات والرسوم وكافة وسائل التعبير والدعاية والإعلان قبل نشرها. مع حق ضبطها ومصادرتها وتعطيلها وإغلاق أماكن طبعها. على أن تكون الرقابة على الصحف والمطبوعات ووسائل الإعلام مقصورة على الأمور التي تتصل بالسلامة العامة أو أغراض الأمن القومي.

أيضًا يمنح قانون الطوارئ السلطات حق تعطيل الدراسة بالمدارس والجامعات والمعاهد وغيرها من المؤسسات التعليمية. بالإضافة إلى الحق في حظر الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات والاحتفالات وغيرها من أشكال التجمعات. إلى جانب تقييد الاجتماعات الخاصة، علاوة على العديد من أوجه التقييد أو الحظر الواردة بنصوص قانون الطوارئ ذاته.

من هنا، فإننا وانطلاقًا من ذلك القرار الجمهوري، لنا أن نستطرد الاستزادة من ذات المعين. ونأمل في وقف محاكمات الطوارئ السارية على القضايا التي كانت خاضعة لأحكام قانون الطوارئ. أو لما كان يقرره رئيس مجلس الوزراء بحسب التفويض المصاحب لفرض أو تمديد حالة الطوارئ. والذي يمنحه سلطة تحديد الجرائم المحالة لمحاكم أمن الدولة طوارئ خلال مدة فرض الحالة. إذ أنه منذ سنوات ما بعد ثورة يناير فقد طالت حالة الطوارئ العديد من أصحاب الأقلام وأصحاب الرأي.

وما تزال تلك الحالة سارية في محاكمات عديدة حتى تاريخ اليوم. وذلك الأمر محل خلاف فقهي دستوري وقضائي حول هل تستمر محاكمات الطوارئ سارية بعد قرار رئيس الجمهورية بإلغاء التمديد؟ أم أنه ستتم إحالة تلك القضايا إلى المحاكم الجنائية العادية «جنح – جنايات» حتى يتمتع المتهم بحقه في الطعن على تلك الأحكام الصادرة. ذلك في ظل غياب هذا الحق أمام محاكم الطوارئ. حيث لم يكن للمتهم أي حق في الطعن اللهم إلا التظلم من الحكم، ويبقى الأمر رهن أمر مكتب التظلمات في تأييد الحكم أو إلغائه أو إعادة المحاكمة؟

طال أمر الخلاف حول معنى القانون الأصلح للمتهم. وعلى الرغم من أن الأمر برمته يقف عند حدود كون المحكمة المختصة وقت الجريمة. وهو أمر تحكمه القواعد الإجرائية. إلا أنه يطال المتهم في أمور عديدة من حيث شدة العقوبات الموقعة من محاكم الطوارئ، حرصًا منها على الحالة الطارئة ذاتها.

لكننا وبعيدًا عن أي خلاف فقهي، وعلى الرغم من أن كون قانون الطوارئ ذاته قد حسم ذلك الخلاف في المادة 19 منه بقولها: «عند انتهاء حالة الطوارئ تظل محاكم أمن الدولة مختصة بنظر القضايا التي تكون محالة عليها وتتابع نظرها وفقًا للإجراءات المتبعة أمامها. أما الجرائم التي لا يكون المتهمون فيها قد قُدموا إلى المحاكم فتحال إلى المحاكم العادية المختصة وتتبع في شأنها الإجراءات المعمول بها أمامها».

ويبيت الأمر على المحك في أن تتقدم السلطة التنفيذية بخطوات تالية ومتتابعة ولازمة في مسيرة الحقوق والحريات، خصوصا القضائية منها. وأن تأمر بإحالة كافة القضايا المنظورة حاليًا أمام محاكم الطوارئ إلى المحاكم العادية. وأن يشتمل القرار على إعادة محاكمة كل من لم يتم التصديق على الحكم الصادر في أي قضية. فهذا الأمر يفسح المجال العام وأبواب الحريات على مصراعيها أمام كل المتشككين في سعي السلطة التنفيذية نحو التزيد من الحقوق وحماية الحريات.

هذا الأمر على الرغم من حساسيته المفرطة إلا أنه سيكون بلا أدنى شك ما تسعى السلطة للترويج له تحت مسميات مختلفة منها: الجمهورية الجديدة، وعام المجتمع المدني. كما أنه يكون كاشفًا لمدى رغبة السلطة في إزاحة كاملة لفصل زمني طويل المدى مر بالمجتمع المصري. وقد رسخ في أذهان غالبيته سيطرة فكرة المحاكمات الاستثنائية. وطول يد السلطة التنفيذية وقدرتها الخارقة في وضع سقف أو حد للتمتع بالحقوق والحريات.

ولا يغيب عن البال أن نذكر بأن تلك القوانين الاستثنائية المصاحبة لحالة الطوارئ طالت الحياة الاقتصادية في مستوى جلب الاستثمارات الأجنبية. إذ كانت رؤوس الأموال تخشى الحيز الضيق للحقوق والحريات، وتخشى السُبل الضيقة التي كانت تفرضها جبرًا حالة الطوارئ. وذلك لكون نصوص قانون الطوارئ ذات تأثير مباشر عليها. فمثلاً تجد نص المادة الثالثة يبيح لرئيس الجمهورية سلطة تحديد سعر بعض الخدمات أو السلع أو المنتجات. فضلاً عن فرض الرقابة على أعمال المختبرات العلمية والبحثية والمعملية فيما يتعلق بالتعامل مع المواد البيولوجية. هذا فضلاً عن تشديد الإجراءات على حيازتها واستخدامها ونقلها. وكذا على الأجهزة المعملية التي تستخدم في ذلك، وتحديد ضوابط التخلص من المخلفات والنفايات البيولوجية.

كما أنها تمنح السلطة التنفيذية الحق في تحديد مواعيد فتح المحال العامة وإغلاقها. وكذلك الأمر بإغلاق هذه المحال كلها أو بعضها. وهذه من الأمور التي تؤثر على حركة السوق الاقتصادي، علاوة على مقدرة السلطة وقت الطوارئ في نوع الملكيات الخاصة.

وبصفة عامة، فإن وقف تمديد حالة الطوارئ أو إلغاءها لن يكون ذا مدى مؤثر فعليًا وماسًا بالحياة العامة للمواطنين إن لم تصحبه مجموعة من القرارات التغييرية. وذلك يجب أن يكون على كافة أصعدة الحياة «اجتماعية واقتصادية وسياسية. بما يسمح بفتح قنوات كانت موصدة في أوجه العديد من الحريات التي يستحقها المصريون.