أعلنت وزارت الزراعة المتعاقبة عن استراتيجيات لرفع إنتاج القمح المحلي. وإخراج مصر من المرتبة الأولى عالميًا في الاستيراد التي تجعلها دائمًا عرضة التقلبات العالمية. لكن لم تنجح على مدار عقود في تحقيق مستهدفاتها الرامية لتحقيق الاكتفاء الذاتي بنسبة تفوق 80%.

تستحدث مراكز البحوث سنويا أصنافًا جديدة عالية الإنتاجية تحمل أسماء متكررة عرفها الفلاحون “سخا، جميزة، جيزة، سُدس، وغيرها”. تختلف في أرقامها التي يرتبط كل منها بوحدة بحوث زراعية بعينها تمت فيه التجربة للزراعة سواء الدلتا أو مصر الوسطى أو العليا. لكن المشكلة ليست في الأصناف الجديدة ولكن في نمط الزراعة ذاتها.

منذ عقود، تدور المساحة المزروعة من القمح بين 3 و3.5 مليون فدان. ما جعل العرف السائد لدى القائمين عليها هو تحسين الانتاجية ذاتها بأصناف جيدة. لكنها فشلت في تغيير قناعات ثلث المزارعين في مصر في الإقبال على تلك الأصناف من الأساس بدرجاتها وأرقامها.

الفلاحون يرفضون التقاوي الجديدة
الفلاحون يرفضون التقاوي الجديدة

تتضمن خريطة أصناف التقاوي المعتمدة للقمح في مراكز البحوث الزراعية أصنافًا مثل: “جيزة 171، وسخا 95، ومصر 3، وسُدس 14، وجميزة 12، وسخا 94، ومصر 1، ومصر 2، وجيزة 168، لمحافظات الوجه البحري والقناة، ومصر 1، ومصر 2، وسخا 94، وسدس 14، وجيزة 171 في محافظة الجيزة والفيوم، بينما يفضل للصعيد بني سويف 1، 5 و6 و7، وسوهاج 4 و5.

أخطاء زراعية

تنبع مشكلة القمح في مصر في إخلال المزارعين بغالبية شروط الإنتاج من التقاوي. حتى موعد الزراعة وطريقتها. فقرابة 2.5 مليون فدان يتم زراعتها بتقاوي قديمة من المحصول السابق، وبنسبة كسر عالية وإصابة بالحشرات (الحبوب المكسورة لا تنبت). ما يضيع على مصر نحو مليون طن سنويًا تقترب من 15% من إجمالي الإنتاج المحلي من الأقماح الذي يتراوح بين 7 و8 ملايين طن.

توفر وزارة الزراعة تقاوي لنحو 1.4 مليون فدان عبر 14 محطة غربلة على مستوى الجمهورية. بداخلهم 19 خط غربلة لكل المحاصيل المختلفة. ولا تزيد الكميات عن ذلك المستوي خوفًا من توفير الكمية كاملة فلا يشتريها المزارعون. خاصة أنه لا يمكن استخدامها في أي أغراض أخرى أو تخزينها للعام المقبل، لتغليفها بمادة حافظة سامة تمنع التهامها من قبل الحشرات أثناء مرحلة الإنبات.

حصاد القمح
حصاد القمح

يبرر حسين أبو صدام، نقيب الفلاحين. استخدام التقاوي غير المعتمدة من قبل المزارعين رغم مشاكلها المعروفة جيدا لديهم. باعتبارها أرخص سعرًا. إذ تباع العبوة المعتمدة من الزراعة التي تزن 30 كيلو جرام بنحو 260 جنيهًا بسعر 8.5 جنيهات للكيلو الواحد. بينما يباع أردب القمح (150 كيلو) لأعلى درجة بـ 725 جنيهًا بما يعادل 4.5 للكيلو الواحد تقريبًا.

يخل المزارعون أيضًا بالمواعيد المقررة لزراعة المحاصيل بتبكيرها لأكتوبر أو تأخيرها ليناير رغبة في تحقيق عائد أكبر عبر زيادة محاصيل وسيطة سريعة النمو. وجني عائد منها خاصة الخضروات الورقية أو الذرة الرفيعة لأغراض العلف. دون مراعاة للموعد الطبيعي للزراعة من 10 نوفمبر وحتى اليوم ذاته من الشهر التالي.

تأثير التغيرات المناخية 

تؤدي التغيرات المناخية وجور فصل الصيف على الخريف باستمرار الحرارة في الارتفاع حتى نهاية أكتوبر. في تلقي النبات حرارة أعلى من المعدلات الطبيعية ما يسبب اختلال في مواعيد نضج النبات، وضعف في حجم الحبة، ونسبة الرطوبة داخلها، وعدم تحقيقها معدل نقاوة جيد عند ٢٣.٥ قيراط. وهو المعدل الذي تعطيه الوزارة السعر الأفضل في التوريد وتقل بعض المحاصيل عن 22.5 قيراط، فلا تقبلها الوزارة من الأساس.

ووفق مركز معلومات المناخ بوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي. فإن الزراعة المبكرة تتسبب في إصابة النبات بالأمراض الفطرية التي تزيد من تكاليف الإنتاج باستهلاك المبيدات خاصة الصدأ الأصفر. أو التعرض لأمطار الربيع كما حدث في العام الماضي. التي تضرب المحصول في وقت الحصاد. فتسبب في ضياع كميات كبيرة منه، بجانب إخراج مبكر للسُنبلة في درجة حرارة منخفضة فتتقزم الحبوب وطول النبات ذاته وتقل إنتاجيته على مستوى الدقيق والأعلاف على حد سواء.

يقول نقيب الفلاحين إن التقاوي المعتمدة تزيد إنتاجية الفدان المنزرع بنحو 3 إردب ما يعادل 450 كيلو عن إنتاجية التقاوي التقليدية. كما أنها مقاومة للأمراض وتتحمل التغيرات المناخية أكثر من التقاوي التقليدية.

يؤكد نقيب الفلاحين. أن فدان القمح يكفيه من 60 إلى 70 كيلو من الحبوب لزراعته. حسب طريقة الزراعة ونوع الأرض. إلا أن المزارعين يكثرون من التقاوي التقليدية خوفا من عدم إنبات بعضها فيسببون مشكلة “رُقاد القمح” (ضعف ساق النبات وسقوطها على الأرض). وهي تؤثر بشكل كبير على الإنتاجية للحبوب والعلف.

أساليب تقليدية

لا يزال القطاع العريض من المزارعين ينتهجون الأسلوب التقليدي في الزراعة بإلقاء الحبوب على الأرض وتغطيتها بواسطة قطعة خشبية ضخمة يتم جرها بالماشية. وهي طريقة شبيهة بطريقة الفراعنة الذين كانوا يلقونها ثم يدفعون بقطعان من الحيوانات للسير عليها لغرسها في التربة بأقدامها. رغم أن الزراعات الحديثة تتبع أسلوب المصاطب التي تساهم في انتظام توزيع التقاوي بالحقل دون تركزها بمناطق دون أخرى، وضمان تغطية الحبوب بالطين، وعدم استهلاكها من قبل الطيور.

تعمل المصاطب على زيادة محاصيل من الحبوب بنحو 10% عن الزراعة التقليدية. وتقلل من استهلاك الأسمدة والمياه، وتسهيل الحصاد وتقليل حجم العمالة المطلوبة في مراحل الإنتاج، كما توفر استهلاك التقاوي بمعدل 50%، مع زيادة الإنتاج بنحو 25%، بجانب التغلب على مشكلة الملوحة بتقليل تشبع التربة بالمياه. وهي استراتيجية مهمة خاصة في ظل ارتفاع نسبة الملوحة بدلتا مصر.

تتسبب أخطاء عمليات الحصاد في ضياع نحو 25% من المحصول لدى بعض المزارعين بترك أعواد النباتات على الأرض فترة طويلة أو عدم تجميعها قرب ماكينات الحصاد ما يسبب في زيادة نسبة الإفراط.

منافس قوي

تسبب مشكلة استيراد الأعلاف من الخارج وتقلبات أسعارها في زيادة الضغط على محصول القمح عبر زيادة المساحات المزروعة بمنافسه في الموسم الشتوي “البرسيم” الذي تبلغ المساحة المنزرعة به 2.5 مليون فدان، وهو محصول علفي يلجأ إليه الفلاحون، لمواجهة تكاليف تربية الماشية، بعدما سجل الطن ما بين 8100 و8150 جنيهًا.

يتم زراعة البرسيم في التوقيت ذاته في النصف الأول من شهر أكتوبر من كل عام. باستثناء بعض أنواعه غليظة العيدان التي تزرع في سبتمبر من كل عام، وتتسم بأنها يتم حصادها مرة واحدة وليس مرات متكررة مثل الأصناف الأخرى.

مثل القمح أيضًا يعتمد المزارعون على محصول العام السابق في تقاوي البرسيم مع ارتفاع أسعار المعتمد منها للعبوة زنة 10 كيلو بـ225 و250 جنيهًا. وتعني زيادة الكميات المنزرعة منه ارتفاع استهلاك المياه، ففدان البرسيم الحجازي يلتهم نحو 5 آلاف متر مكعب من المياه.

ويمثل التوسع في محصول “البونيكام” الإسباني أحد الوسائل التي يمكن عبرها مواجهة مزاحمة البرسيم للقمح فهو نبات علفي معمر يعيش حتى عقد كامل ويتحمل الملوحة والجفاف، ويبلغ إتاج الفدان الواحد منه 10 أطنان سنويًا، كما يحتوي على بروتين 16‎% وتزيد قيمته عند تجفيفه، ولا يستهلك مياه سوى 3200 متر مكعب مياه في العام فقط,

تراهن وزارة الزراعة على مشروعات الاستصلاح الجديدة. في رفع نسبة الامتفاء الذاتي من القمح التي  مصر منه 8 ملايين طن. بشكل مباشر عبر تخصيص مساحات جديدة لزراعته وبشكل غير مباشر عبر حل مشكلة العلف بزيادة إنتاج الذرة الصفراء والحبوب وفول الصويا لإنتاج الأعلاف. ما يساهم في تقليل المساحات المزروعة من المحاصيل المنافسة له.