منذ الإعلان عن النتائج الأولية للانتخابات التشريعية المبكرة في العراق، والتي شهدت تراجعاً للكتل السياسية والحزبية الولائية. ممثلة في تحالف الفتح والحشد الشعبي، بينما تقدم تيار مقتدى الصدر، تعددت التأويلات السياسية بخصوص سيناريوهات وفرص تشكل الحكومة. وكذا الأزمات التي قد تعيق ذلك، لا سيما أن التيار المهزوم انتخابياً عمد إلى التصعيد ميدانياً، من خلال حشد وتعبئة أنصاره للاحتجاج والاعتصام. كما اتهم الحكومة و”أطراف أجنبية” بالتزوير.
وفي ظل تواصل الاعتصامات والاحتجاجات بعدة مناطق بالعراق، من بينها العاصمة بغداد والبصرة وذي قار، بواسطة القوى الحزبية الطائفية المدعومة من طهران. ثمة محاولات أخرى تجري سياسياً للتفاوض على إحداث تغيير في ميزان القوى الذي فرضته الانتخابات بعد تراجع تحالف الفتح. الذي حصل على 16 مقعداً بعد أن احتل نحو 48 مقعداً في انتخابات 2018.
وقد تم الإعلان عن اجتماع في منزل رئيس الحكومة السابق ورئيس تحالف دولة القانون نوري المالكي، مؤخراً. لجهة ترتيب الأوضاع الجديدة وبناء تفاهمات تضمن الحصول على حصص جيدة ومضمونة في عملية تشكيل الحكومة، دون أن تنفرد كتلة الصدر وحدها بذلك.
وأشار المالكي إلى أن “الاجتماع ستحضره كافة القوى الوطنية من أجل بحث أزمة نتائج الانتخابات، والاعتراضات المثارة بشأنها”. غير أن هناك ثلاث قوى سياسية امتنعت عن الحضور، وهم التيار الصدري، وتيار الحكمة بقيادة عمار الحكيم، وتحالف “تقدم”.
ووفقا للمالكي فإن “الاجتماع سيناقش منح المتضررين حقهم بموجب الدستور والقانون حتى لا تخرج المطالبات عن إطارها الشرعي. كما سيبحث الآليات والأفكار المعالجة واحتواء الأزمة ومنع تداعياتها”.
اعتصامات شعبية
وميدانياً، توضح وكالة الأنباء الألمانية أن حركة الاعتصامات الشعبية دخلت يومها السابع عند أحد مداخل المنطقة الخضراء الحكومية، وسط بغداد. بعد أن تم نصب عشرات الخيم والسرادق لإقامة الاعتصام المفتوح الذي دعت إليه الكيانات والأحزاب الشيعية، التي أخفقت في الحصول على أصوات تؤهلها للفوز بمقاعد كبيرة في البرلمان العراقي. ومن بين أبرز هذه الكيانات هي “منظمة بدر وعصائب أهل الحق وكتائب حزب الله العراقي وحركة سند وحركة نهج تيار الحكمة الوطنى وتحالف النصر وائتلاف دولة القانون”.
وتشير الوكالة إلى أن هذه الكيانات وجماهيرها شككت في نتائج الانتخابات، وتطالب بإعادة عمليات العد والفرز يدويا، وإلغاء عملية العد والفرز الإلكتروني. التي اعتمدت بعد انتهاء عملية التصويت. وتضيف: “عززت السلطات العراقية من انتشار القوات الأمنية فى محيط المنطقة الخضراء. كما أغلقت جميع المداخل المؤدية إليها. وطوقت مكان الاعتصامات تحسبا لأي طارئ”.
بدورها، كشفت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق عن استلامها قرابة 1400 طعن وشكوى من المعترضين على النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية. بينما ستقوم بفتح 297 محطة انتخابية في 13 محافظة عراقية، بهدف إجراء عمليات العد والفرز يدويا لمراجعة طعون الكيانات المعترضة أو بالأحرى المتشككة في النتائج المعلنة.
الإعلان الرسمي للنتائج
ومن المتوقع أن تنتهي المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، نهاية الشهر الجاري، من كافة إجراءاتها. ثم تشرع في الإعلان، رسميا. عن النتائج النهائية للانتخابات والمصادقة عليها من قبل المحكمة الاتحادية العليا في العراق. وعليه، تبدأ بعد ذلك في إجراءات أخرى تتصل بتبني العملية السياسية للسنوات الأربع المقبلة.
إذاً، فالنتائج التي حصل عليها تحالف الفتح تعد “صدمة كبيرة” للقوى المنخرطة في التحالف، خاصة وأنها قلصت حضوره البرلماني، وفقا للأكاديمي العراقي الدكتور محمد نعناع. في حديثه لـ”مصر 360″. أن من بين عوامل خسارته الانتخابية “تساهل تحالف الفتح كثيراً مع طامح آخر في بيئته الجماهيرية. وفد أفسح التحالف المجال واسعاً لدولة القانون بزعامة نوري المالكي. والأخير نجح في اختراق قواعدهم. بينما لم يحدوا من نشاطاته حيث تم التركز على مواجهة الخصم الشيعي الآخر وهو التيار الصدري”.
ويضيف نعناع: “لم يعط قادة تحالف الفتح أي أهمية بشأن تقديم الخدمات للمواطنين. بل على العكس غلبوا التبريرات عن فشلهم بقضايا طائفية وغيبية. وخصوصاً من خلال خطاب هادي العامري الذي قال فيه إنهم لم يستطيعوا تقديم الخدمات بسبب محاربة الأطراف الأخرى. بالاضافة إلى تكرار مسألة إخراج قوات الاحتلال من العراق (وهي مسألة وطنية مهمة). ولكنها ليست أولوية للناس البسطاء الذين سيصوتون في الانتخابات. بل أولويتهم الحصول على خدمات تحفظ كرامتهم وتقلل معاناتهم”.
وذكرت وزارة الخارجية الأمريكية، في بيان اليوم الثلاثاء، أن واشنطن “ترحب بالبيان الصحفي لمجلس الأمن الدولي بشأن انتخابات العاشر من أكتوبر في العراق”. وأضاف البيان أن الخارجية الأمريكية “تهنئ شعب وحكومة العراق على العملية الانتخابات الآمنة والناجحة من الناحية الفنية والسلمية إلى حد كبير”.
تهديدات لبعثة الأمم المتحدة ومفوضية الانتخابات العراقية
وأدانت الخارجية الأمريكية “التهديدات” التي تتعرض لها بعثة الأمم المتحدة ومفوضية الانتخابات العراقية. وطالبت جميع الأطراف بضرورة “احترام سيادة القانون ونزاهة الانتخابات”. وتابعت: “الانتخابات شكلت فرصة للناخبين العراقيين لتقرير مستقبلهم من خلال حكومة تعكس إرادتهم”.
مطلع الأسبوع الحالي، حث زعيم التيار الصدري في العراق، مجلس الأمن على مساهمته في “إذعان الأطراف الرافضة لنتائجها”. وقال في تغريدة على حسابه في “تويتر”، إن “تأييد مجلس الأمن لنتائج الانتخابات العراقية وتبني نزاهتها بل القول بأنها فاقت سابقاتها فنيا. يعكس صورة جميلة عن الديمقراطية العراقية من جهة، ويعطي الأمل لإذعان الأطراف التي تدعي التزوير في تلك العملية الديمقراطية من جهة أخرى”.
وأضاف الصدر أن “جر البلد إلى الفوضى وزعزعة السلم الأهلي بسبب عدم قناعتهم بنتائجهم الانتخابية. لهو أمر معيب يزيد من تعقيد المشهد السياسي والوضع الأمني بل يعطي تصورا سلبيا عنهم وهذا ما لا ينبغي تزايده وتكراره”.
وتابع: “ومن هنا فإنه لا ينبغي الضغط على مفوضية الانتخابات المستقلة أو بعمل القضاء والمحكمة الاتحادية أو التدخل بعملها. بل لابد من خلق أجواء هادئة لتتم المفوضية إجراءاتها بما يخص الطعون أو ما شاكل ذلك”.
وختم تغريدته: “وليعلم الجميع أن القناعة بالنتائج الإلكترونية سيفيء على العراق وشعبه بالأمن والاستقرار وهو أهل لذلك”.
سياسة حماية سيادة العراق
ويشير تحليل سابق لمعهد واشنطن، إلى أن نظرة مقتدى الصدر السياسية “معقدة وتفتقر إلى السياسة المتماسكة. لذلك، يصعب توقع سياسة واضحة خاصة بـ”التيار الصدري” بعد الانتخابات. وتميل سياسات التيار الصدري إلى التركيز على حماية سيادة العراق، وإنهاء تدخل الدول الإقليمية في الشؤون المحلية العراقية. وإخراج القوات الأمريكية من العراق، وتطبيع العلاقات العراقية مع العالم العربي. ويتمتع الصدر بعلاقات طيبة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي يقوده مسعود بارزاني، ومع بعض الأحزاب السنية أيضا”.
وبخصوص التحالف الشيعي الرئيسي الثاني، وهو تحالف الفتح، والذي يشكل الذراع السياسي للمجموعات الولائية والميلشيات المسلحة المدعومة من طهران. توقع المعهد الأمريكي أنه في حال “أجرى العراق انتخابات عادلة وشفافة وحرة، لن يحتفظ “تحالف الفتح” بالموقع الذي فاز به في خلال انتخابات عام 2018. فأصبح موقع هذا التحالف أضعف بكثير اليوم– لا سيما منذ اندلاع التظاهرات في تشرين الأول/أكتوبر 2019 في المناطق التي يهيمن عليها الشيعة. إذ تصدت هذه التظاهرات لقوة مجموعات الميليشيات. وكانت المجموعات المسلحة الشيعية مسؤولة عن قتل الناشطين السياسيين. وهي خطوة أدت إلى تراجع شعبيتها”.
غير أن “هذه المجموعات من الميليشيات الشيعية تحظى بالسلطة من خلال توجيه خفايا السياسات العراقية والعمل عن طريق السلطات العراقية. وعلى هذا النحو، لا شك في أن الدعم الإيراني وواقع تمتع إيران بموارد عسكرية وسياسية ومالية ملحوظة سيساعدها على شراء الأصوات والتأثير في نتائج الانتخابات”.
ويختتم: “من المستبعد كثيرا (ولو أنه من غير المستحيل) أن تبدّل الانتخابات المبكرة العراقية الخريطة السياسية في البلاد. أو أن تؤدي إلى حدوث أي تغييرات كبيرة، مثل تقويض سلطة الأحزاب الحاكمة الحالية. فالأحزاب الأقوى في هذه الانتخابات هي الأحزاب نفسها التي هيمنت على الشؤون السياسية العراقية منذ عام 2003. كما لم تتغير الخريطة السياسية والديمغرافية للتحالفات، وما زالت قائمة على الانقسامات الإثنية والطائفية القديمة. وفي هذا الصدد، ما من تحالفات قوية عابرة للإثنيات والطوائف تضم كافة الفصائل العراقية– الكردية والسنية والشيعية. وأي تحالفات بين الطوائف هي تكتيكية وليست مصممة للعمل من أجل تحقيق أهداف جماعية”.