يُظهر تسريب أخير للوثائق كشفت عنه منظمة السلام الأخضر المعنية بالبيئة. كيف تحاول بلدان العالم تغيير تقرير علمي مهم حول كيفية معالجة تغير المناخ ومن خلال ممارسة بعض الضغوط. كما ترفض تمويل الدول النامية في هذا الشأن، في حين تظهر نفس الدول اهتماما بالقضية الخضراء في العلن في تناقض واضح.
ويكشف التسريب أن المملكة العربية السعودية واليابان وأستراليا من بين الدول التي تطلب من الأمم المتحدة. التقليل من الحاجة للتحرك بسرعة لإيجاد بدائل للوقود الأحفوري.
كما تظهر الوثائق أن بعض الدول الغنية ترفض دفع المزيد للدول الفقيرة للانتقال إلى تقنيات أكثر اخضرارًا. وذلك على مقربة من قمة المناخ المقرر عقدها في نوفمبر المقبل.
يكشف التسريب تراجع الدول عن توصيات الأمم المتحدة للعمل، ويأتي قبل أيام فقط من مطالبتهم في القمة. بتقديم التزامات مهمة لإبطاء تغير المناخ والحفاظ على الاحترار العالمي عند 1.5 درجة.
تتكون الوثائق المسربة من أكثر من 32000 تقرير مقدم من الحكومات والشركات والأطراف الأخرى المهتمة. إلى فريق العلماء الذين يجمعون تقريرًا للأمم المتحدة مصممًا لجمع أفضل الأدلة العلمية حول كيفية معالجة تغير المناخ.
تصدر “تقارير التقييم” هذه كل ست إلى سبع سنوات من قبل الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) . وهي هيئة تابعة للأمم المتحدة مكلفة بتقييم علم تغير المناخ.
وعادة يتم استخدام هذه التقارير من قبل الحكومات لتحديد الإجراء المطلوب للتصدي لتغير المناخ. وسيكون أحدثها مساهمة حاسمة في المفاوضات في مؤتمر جلاسكو المقرر.
قضية المناخ ونظرية المؤامرة
عادة كان يشار إلى حماة البيئة بأصحاب نظرية المؤامرة، وأن القضية المناخية محض خرافات شيوعية. هدفها تقويض نمو الاقتصاد العالمي.
وتشير النظرية العلمية إلى أن انتشار المؤامرات يكون في مجتمعات غير شفافة وأقل ديمقراطية. حيث لا يمكن لا يمكن الوثوق بالحكومات.
ولكن المثير في نظرية المؤامرة هذه المرة أن قادتها كانوا من المعسكر الغربي. فلسنوات أنكر رئيس الولايات المتحدة الأمريكيّة شخصيا دونالد ترامب المشكلة المناخية. لدرجة أنه غرّد منكرًا الأمر حوالي 117 مرة منذ عام 2011، كما أنه تبرأ من اتفاقية باريس للمناخ.
ومن قبل ظلت شخصيات بارزة مثل اللورد الإنجليزي نايجل لوسون بطلب دليل على حقيقة تلك المشكلة. وحاليا يعتقد وزير الخارجية البرازيلي الجديد أرنستون أراوجو، حسب ردود الفعل. بأن تغيرات المناخ ليست سوى «مؤامرة ماركسية» تهدف لإعاقة النمو الاقتصادي في الدول الغربية.
الوقود الحفري في مقابل المبادرات الخضراء
تظهر الوثائق الأخيرة لاسيما في ظل انتهاك الشركات الكبرى للسياسات البيئية أن مؤامرة ما تحاك. ولكن من الفريق المقابل الذي يهدف إلى حماية مصالحه الاقتصادية على حساب مستقبل الكرة الأرضية.
على سبيل المثال يُظهر التسريب عددًا من البلدان والمنظمات التي تجادل. بأن العالم لا يحتاج إلى تقليل استخدام الوقود الأحفوري بالسرعة التي توصي بها المسودة الحالية للتقرير.
ويطالب مستشار وزارة النفط السعودية “بحذف عبارات مثل” الحاجة إلى إجراءات تخفيف عاجلة ومعجلة على جميع المستويات”.
وتطلب المملكة العربية السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، من علماء الأمم المتحدة حذف استنتاجهم. بأن “تركيز جهود إزالة الكربون في قطاع أنظمة الطاقة يجب أن يكون على التحول السريع إلى مصادر خالية من الكربون والتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري”.
وبالتزامن مع التسريبات أعلن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن مبادرتين تحملان اسم “مبادرة السعودية الخضراء” و”الشرق الأوسط الأخضر”. تهدفان إلى زراعة 50 مليار شجرة، وهي أكبر مشروع من نوعه في تاريخ المعمورة.
وفيما توجه المبادرة الأولى إلى السعودية، فإن الثانية تتوجه إلى بلدان عربية أخرى. إذ تخطط السعودية لزراعة 10 مليارات شجرة على ترابها، بينما تحتضن دول عربية أخرى في المنطقة الـ40 ملياراً المتبقية.
والهدف حسب ما نشرته وكالة الأنباء السعودية هو “خفض انبعاثات الكربون ومكافحة التلوث وتدهور الأراضي، وكذلك خفض اعتماد المملكة على عائدات النفط وتحسين جودة الحياة بالبلاد”. فضلا عن إعلان الملك سلمان بن عبد العزيز، أن بلاده ستستضيف قمة لمبادرة الشرق الأوسط الأخضر لهذا العام.
ويعتبر المراقبون ان تلك المبادرات هي بمثابة محاولات لتبييض صورة ولي العهد الشاب الذي يحضر نفسه لحكم المملكة الخليجية. وأنها بمثابة اعلان للعلاقات العامة لا أكثر حيث تواجه تلك المبادرات تحديات كبيرة أولها ندرة المياه في المنطقة الصحراوية بالأساس. والتي تعاني من التصحر، ومعدل تلوث نتيجة الوقود الاحفوري التي تعد الأعلى في انتاجه.
كذلك مسألة التمويل التي تقف عائقا أمام إقامة المشروع خصوصا في ظل استمرار تراجع عائدات النفط في المملكة. والتأثير الاقتصادي الكبير الذي خلفه وباء كورونا على اقتصاد المنطقة. وفي بلد يبلغ الدين العام فيه 34% من إجمالي الإنتاج المحلي مما يشكك في جدوى تلك المبادرات وجديتها.
الشركات وقضية المناخ
وجد تقرير متخصص أن 25 شركة فقط مسؤولة عن نصف الانبعاثات الحرارية في العالم منذ العام 1988، وأن ما لا يتجاوز مئة شركة مسؤولين عن 70% من الازمة المناخية. ومع ضغط الجماعات البيئية والتقارير البالغة السوء عن احوال الكوكب. تحاول الشركات مجاراة الواقع عبر إعلانها اتباع سياسات نظيفة، ولكنه قول غير مقرون بالفعل بحسب جريدة الجارديان.
منذ سنوات قليلة مولت منظمة السلام الأخضر إعلانا يقوم فيه الموظف بفتح غلاف شوكولاتة كيت كات. ولكن بدلاً من أصابع الشوكولاتة، وجد إصبع إنسان الغاب محاطا بخصلات شعر برتقالية.
يشاهده زملاء العمل في رعب وهو يسحق إصبعه ويقطر الدم على لوحة مفاتيحه. مرفق بذلك رسالة تحث العالم على “منح إنسان الغاب فترة راحة” و”منع شركة نستله من شراء زيت النخيل من الشركات التي تدمر الغابات المطيرة”.
فاجأ الهجوم شركة نستله التي اعتقدت الشركة أنها كانت تعالج المشكلة بالفعل. حيث تبنت سياسة “عدم إزالة الغابات” عند الحصول على زيت النخيل بشكل مباشر. والتزمت بأن زيت النخيل الخاص بها “لن يأتي من مناطق تم تطهيرها من الغابات الطبيعية بعد نوفمبر 2005”. لم تنتج نستله زيت النخيل ولا تمتلك أي مزارع بالقرب من موائل إنسان الغاب، ولم تأمر قط بإزالة الغابات المطيرة لزيادة إنتاج زيت النخيل. لكن أحد مورديها فعل ذلك.
وعلى الرغم من أن تأثيرات الحملة على مبيعات كيت كات غير معروفة علنًا. يمكننا أن نستنتج أنها كانت كبيرة، فقد استغرق الأمر ثمانية أسابيع فقط حتى توافق الشركة على مطالب جرين بيس التخلص من هذا المورد.
حماية مستقبل الكوكب
وفي الحقيقة قد يؤدي الوصم العام إلى التغيير في بعض الحالات البارزة، لكن قصص النجاح مثل هذه قليلة ومتباعدة. فالموازنة هنا تكون بين أرباح الشركة، وحماية مستقبل الكوكب كهدف عام. فعلى الأغلب يستجيب هؤلاء إلى المبادرات التي تهدف إلى خفض التكلفة، وتطلعات مساهميهم.
ومع مجيء بايدن وتعهده بإيلاء مسالة المناخ أهمية كبرى، تواجه الشركات الأخرى. التي تعهدت بخفض الانبعاثات تحديات مختلفة، بما في ذلك التنسيق مع الموردين والشركاء.
على سبيل صناعة الملابس يأتي جزء كبير من مساهمتها في تغير المناخ من سلسلة التوريد الخاصة بها. فغالبًا ما تُصنع الملابس التي يضعها ليفي شتراوس وآخرون كأهم الشركات بالعالم. في مصانع في أماكن مثل الصين وباكستان والهند التي لا تزال تعتمد على محطات الطاقة التي تعمل بالفحم. حيث يتم نقل الملابس على متن السفن والطائرات التي تحرق وقود الديزل ووقود الطائرات.
وبالعودة إلى التسريبات فإن أحد الوثائق كشفت عن رفض أحد كبار المسؤولين الحكوميين الأستراليين. الاستنتاج القائل بأن إغلاق محطات الطاقة التي تعمل بالفحم أمر ضروري. على الرغم من أن إنهاء استخدام الفحم هو أحد الأهداف المعلنة بالأساس، وذلك للحفاظ على جزء من اقتصاد شركاتها القائم على استخراج الفحم.
وبالتوازي فإن بلد كالهند تواجه تحديات جمة في استبدال الفحم بالكهرباء. مما يجعلها ثاني أكبر مستهلك للفحم في العالم.
تضرب “الجارديان” المثال على تلك المفارقة بتعهد شركة Walmart لعام 2011 بشراء المزيد من المأكولات البحرية غير المخلة بالنظام البيئي. ولكن منظمة السلام الأخضر أشارت إلى أن Walmart لم تفعل ما يكفي، في حين اشتكى الصيادون في ألاسكا ومسؤولو الدولة. من أن Walmart كان يطلب الكثير منهم، فالصراع الحقيقي أصبح هنا هو إثبات أن الاستدامة تعود بالفائدة على الجميع. وإلا ستظل تلك السياسات والتقارير حبرا على ورق.