يقول وزير التجارة الفرنسي “الماركات” هي أكبر كذبة تسويقية صنعها “الأذكياء” لسرقة “الأثرياء” فصدقها “الفقراء“. ولا عجب من أن يصرف المعلنين المليارات على تسويق منتجاتهم. وترسيخ قيم تخص علاماتهم التجارية بحيث يصبح الحصول على تلك السلعة أو ذاك نوعا من الترقي الاجتماعي.

للمفارقة فإن شخصيات مثل الملياردير ومؤسس موقع فيس بوك مارك زوكربيرج وستيفن جوبز مؤسس أبل. أو بيل جيتس صاحب مايكروسوفت، وغيرهم لا يظهرون سوى بتي شيرت واحد أو ملابس بسيطة، حيث لا يعنيهم سوى الوقت الذي يعني الكثير. في حين تجد فتاة من الطبقة المتوسطة كل ما تسعى إليه حقيبة من ماركة باريسية وتفضل نسخة مزيفة عنها حتى لو على حساب الجودة.

صحيفة التليجراف البريطانية، نشرت إجابة “زوكربيرج” على سؤال لماذا يرتدى نفس التي شيرت دائما. وقال إنه يملك عدة نسخ لنفس التي شيرت، والملابس بالنسبة له مثل وجبة الإفطار لا وقت أصلا للمناقشة فيما يأكل أو فيما يرتدى.

فما الذي يجعل الماركات شديدة الجاذبية؟

يقول دوجلاس فإن برايت مؤلف كتاب “العلامة التجارية اللاواعية” أن هناك سبب يجعل المسوقين ينفقون مليارات الدولارات على الإعلانات كل عام. حيث تلعب تلك الاعلانات على أن جميع المستهلكين، مهووسون بمتعة النظر أكثر من ملذات التجربة الفعلية.

كما أوضح عالم الأعصاب ريد مونتاج أن مجرد رؤية ملصق كوكاكولا كان كافياً لتنشيط مراكز المتعة في الدماغ دون حتى أخذ رشفة،.من خلال رفع مستويات الدوبامين، وهي مادة كيميائية تحدث بشكل طبيعي ينتجها الدماغ والتي تشير إلى مشاعر المكافأة.

الدوبامين هو أيضًا “دواء” الترقب الذي يجعلك تشعر بالسعادة، كما يرى برايت فقد لا نحتاج إلى تجربة المنتج للحصول على اندفاع الدوبامين. نحتاج فقط إلى تخيلها وتوقعها في أذهاننا من خلال تنشيط قشرة الفص الجبهي لدينا. وهي الجزء من الدماغ الذي يتيح لنا تصور الاحتمالات المستقبلية، وهو ما تعمل عليه تلك العلامات طوال سنوات.

كوكالا
كوكالا

الدوبامين هو أيضًا المادة الكيميائية المسؤولة عن إصدار أحكام قيمية توجه قرارات المستهلكين. فتفضيل الكولا والتمتع بها مشتق ليس فقط من المذاق الحلو ولكن أيضًا من المشاعر “الحلوة” والذكريات مع تلك الماركة.

وعندما نتعرض لشعار أو إعلان مرارًا وتكرارًا، نصبح جاهزين للاستمتاع بالعلامة التجارية المستقلة عن المنتج نفسه. نحن نحب العلامة التجارية، وليس فقط السائل السكري والصودا.

يعتمد المعلنون على هذه الحقيقة البشرية من خلال تركيز جهودهم على ما يُعرف في الصناعة باسم “وعد العلامة التجارية”. أكثر من تركيز جهودهم على المنتج الفعلي.

نتيجة لذلك، غالبًا ما ينفقون على تسويق العلامة التجارية أكثر بكثير من تطوير المنتج. فيصبح “وعد العلامة التجارية” للمستهلكين هو محور استراتيجية التسويق والحملة، بحسب برايت.

إدمان العلامة التجارية

وصف مدمني العلامات التجارية على أنهم أفراد قد يشعرون بالإشباع والسعادة والمتعة من سلوكياتهم الاستهلاكية التي تسبب الإدمان. من هذا المنظور، يُنظر إلى إدمان العلامة التجارية على أنه توليفة لبعض التأثيرات الشهية، مثل الرضا والإشباع والسكينة.

فيما يعتبر عالمي النفس فورنييه وألفاريز بان لذلك السلوك جانب أكثر ظلامية، على اعتبار أنها علاقة وثيقة للغاية. حيث يمكن للمستهلكين أن يفقدوا هوياتهم الخاصة بينما يعمقون علاقاتهم مع العلامة التجارية المحددة التي يشعرون بالإدمان تجاهها.

وبهذه الطريقة، تصبح العلاقة الإدمانية علاقة هوس ومدمرة للغاية، مما يؤدي بالمستهلكين إلى تبني سلوكيات ضارة. تنعكس في النتائج النفسية والسلوكية لهم، مثل سلوكيات الشراء القهرية تجاه العلامة التجارية.

وفي عالم اليوم الذي يحركه الاعلان، هناك هجمة من المنتجات المنافسة التي لها ميزات متطابقة ولكن أسماء تجارية مختلفة. لذا لا يشتري الناس مجرد منتجات بل يسعون إلى تملك علامات تجارية، أصبحوا يدينون لها بالولاء، فهذا يجعلهم يشعرون أفضل.

وعي المستهلك

فلطالما كان هدف المستهلك هو تعزيز شخصيته من خلال العلامات التجارية. تقول الخبيرة في الأعمال والتمويل الشخصي فانيسا بيج، لا يتصرف المستهلكون بعقلانية طوال الوقت. فقد كشفت العديد من دراسات علم النفس السلوكي الحديثة أن البشر لا يتصرفون لمصلحتهم.

والعديد من المستهلكين الذين يشترون السلع الكمالية ليسوا في وضع مالي يسمح لهم بشراء السلع الكمالية. والدليل على ذلك قد يكون في المعدلات المرتفعة لديون المستهلكين خصوصا من الطبقة المتوسطة التي يعاني منها الكثيرين.

فبينما يمكن شراء حقيبة يد متينة وعالية الجودة بمبالغ بسيطة. يختار بعض الأشخاص بدلاً من ذلك إنفاق آلاف الجنيهات على حقيبة يد ذات علامة تجارية فاخرة تؤدي نفس الوظيفة وبنفس الجودة النسبية.

كيف محت العلامات التجارية هويتنا؟
كيف محت العلامات التجارية هويتنا؟

أحد التفسيرات المحتملة لذلك هو الميل البشري إلى المبالغة في التأكيد على العناصر الإيجابية للمنتج وتجاهل عيوبه كما تعتقد بيج. على سبيل المثال ينتظر المستهلكون طوال الليل للحصول على إصدارات جديدة من أجهزة iPhone وiPad. هذا على الرغم من حقيقة أن منتجات “أبل” ليست فريدة من نوعها أو متفوقة من الناحية التكنولوجية.

فشركات مثل سامسونج وشاومي وغيرهم يصنعون ذات الهواتف بسعر أرخص. ولكن ما يميز أبل هو درجة الولاء للعلامة التجارية بشكل يجعل أسهمها تساوي المليارات.

نظرًا لأن بعض الناس يرون أن السلع غير الكمالية أقل شأناً بسبب كونها غير فاخرة. وليس على أساس خصائصها أو صفاتها، فإنهم توصلوا أيضًا إلى استنتاج غير منطقي مفاده أن السلع الأعلى سعرًا هي ذات جودة أفضل.

المستهلكين.. والعلامات الفاخرة

في بعض الحالات، يمكن أن يكون تدني احترام الذات عاملاً يؤثر على ما إذا كان المستهلك يشتري السلع الكمالية أم لا. خاصةً إذا كان لا يستطيع بسهولة تحمل تكلفة السلع الكمالية. بالنسبة لبعض المستهلكين، يمكن للعلامات الفاخرة أن تقطع شوطًا طويلاً في زيادة احترام الذات أو توفير الشعور بالانتماء.

ووفقا لبيج فإن الشعور بالإنجاز هو سبب آخر يدفع البعض لشراء السلع الكمالية. إنهم يريدون مكافأة أنفسهم على عملهم الشاق من خلال معاملة أنفسهم بشيء لا يمكنهم تحمله عادةً.

وهناك مسالة الشعور الذاتي بالأصالة وهو السبب الذي يجعل الناس يقررون التخلي عن ساعة رولكس مزيفة. من أجل دفع الثمن الكامل لواحدة أصلية حتى لو بدت متطابقة.

وهنا قرر الباحثون في جامعة ييل أن هذا البحث عن الأصالة يتطور مبكرًا في مرحلة الطفولة. إذ وجدت دراسة حاولت إقناع الأطفال بأن آلة استنساخ قد أنتجت لعبتهم المفضلة أن معظم الأطفال رفضوا قبول النسخة المكررة على أنها متطابقة.

وهو ما يتم بنفس الشكل مع فكرة السلع المزيفة، فالسعي للشعور بالأصالة ومن ثم تقدير الذات جزء من سعي المستهلك لاقتناء الماركات.

بمعنى آخر، بالنسبة لبعض الناس، فإن مكافأة نفسك بزوج من أحذية ماركة كريستيان لوبوتان المزيفة. سيكون نفس شعور أنك لم تكافئ نفسك على الإطلاق، فالعلامة بالنسبة له فرصة لإرضاء الذات، فضلا عن القبول الاجتماعي.