كشفت الزيارة الأخيرة، التي قامت بها مساعدة مدير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، سارة تشارلز، إلى إثيوبيا. مدى التردي للوضع الإنساني في مناطق النزاع. وهو ما يسعى رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، لاستغلاله لتحقيق أية مكاسب، بعد أن واجه الكثير من الإخفاقات العسكرية في حربه على إقليم تيجراي.

فبينما أعلن النصر على المتمردين في ديسمبر الماضي. استعادت الجبهة، التي ظن الحائز على جائزة نوبل للسلام عام 2019 أنه قام بسحقها، قطاعًا واسعًا من الإقليم الرافض الخضوع لسلطة أديس أبابا. شمل عاصمته ميكيلي. مُجبرًا الجيش في خلال ستة أشهر على التراجع في عدة جبهات.

وعلى مدار شهور طويلة، تسببت العمليات العسكرية الدائرة في الإقليم. إلى هجرة مئات الآلاف من الشعب الإثيوبي إلى السودان، فضلًا عن قطع إمدادات الطعام والشراب، والمساعدات الإنسانية، إلى الإقليم الذي يُعاني سكانه من أزمة إنسانية.

 

رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد

ادعاء النصر

في فبراير الماضي، اعترف رئيس الوزراء الإثيوبي، أن الوضع الإنساني في شمال إقليم تيجراي لا يزال خطيرًا، جراء الأعمال العسكرية.

وكتب في مقال نشره موقع “بروجيكت سينديكيت”: انتصار الحكومة الإثيوبية على جبهة تحرير تيجراي جاء بتكلفة باهظة. ولا يزال الوضع الإنساني في شمال تيجراي خطيرً”.

وزعم رئيس الوزراء الإثيوبي، في مقاله، أن العمليات التي قامت بها الحكومة الفيدرالية الإثيوبية “أدت إلى تحرير شعب تيجراي من عقود من سوء الحكم من قبل جبهة تحرير شعب تيجراي”.

وأضاف: “تم تصميم عملياتنا في تيجراي لاستعادة السلام والنظام بسرعة. لقد نجحنا في ذلك، لكن المعاناة والوفيات التي حدثت على الرغم من بذلنا قصارى جهدنا، سببت الكثير من الضيق بالنسبة لي شخصيًا. وكذلك لجميع محبي السلام هنا وفي الخارج”.

 

قوات جبهة تحرير تيجراي

مناورة المساعدات

ناشد آبي أحمد، قبل عام، الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة الدولية، للعمل مع حكومته لتقديم الإغاثة الفعالة لجميع الذين يحتاجون إليها في تيجراي. لكن، بدا أنها مجرد مناورة سياسية لكسب الدعم الدولي في مواجهة المتمردين، دون أي أساس على أرض الواقع.

تدهور الأوضاع

الأربعاء الماضي، توجهت مساعدة مدير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية سارة تشارلز إلى إثيوبيا. قضت ثلاثة أيام في مقابلات مع القائمين على إيصال المساعدات الإنسانية في شمال البلاد، ومسؤولين حكوميين وجهات مانحة إنسانية أخرى. وإثيوبيين تأثروا بالنزاع الدائر منذ حوالي عام.

شملت المقابلات موظفي الوكالة في إثيوبيا، وفريق الاستجابة للمساعدة في الكوارث، والذي تولى مهامه منذ مارس الماضي. وكذلك قادة منظمات غير حكومية.

ووفق المتحدثة باسم الوكالة ريبيكا شاليف شهدت تشارلز، برفقة السفيرة الأمريكية بإثيوبيا جيتا باسي، تدهور الأوضاع. فيما وصفته بـ “واحدة من أسوأ حالات الطوارئ الإنسانية في العالم”.

وتقدر الأمم المتحدة أن حوالي 1.7 مليون شخص يواجهون خطر انعدام الأمن الغذائي في أفار وأمهرة. بينما نزح أكثر من مليوني شخص في تيجراي، و300 ألف آخرين في أفار وأمهرة.

وفي سبتمبر الماضي، حذرت المنظمة الأممية من تفاقم أزمة المساعدات الإنسانية. بالتزامن مع انخفاض أو نفاذ مخزونات مساعدات الإغاثة والمال والوقود.

وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا”، إن أقل من 10 % من الشاحنات، التي كان من المفترض أن تصل إلى المتأثرين من النزاع، تمكنت من العبور منذ 12 يوليو الماضي. مشيرا إلى أن طريق الوصول الوحيد إلى تيجراي، بات من غير الممكن عبوره منذ 22 أغسطس.

فتاة تنتظر الفحص الطبي في أحد مخيمات اللاجئين في تيجراي

حاجات مُلحّة

ويقدر العاملون في المجال الإنساني الحاجة إلى دخول 100 شاحنة محملة بالمواد الغذائية وغير الغذائية والوقود، يوميًا، إلى تيجراي. بغرض الحفاظ على مستوى استجابة مناسب لحجم الأزمة الإنسانية.

بالإضافة إلى الغذاء، سلط مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة الضوء على الحاجة الملحة إلى توفير 200 ألف لتر على الأقل من الوقود، أسبوعيا. بغرض استدامة العمليات الإنسانية، مشيرًا إلى وصول 282 ألف لتر فقط منذ 12 يوليو الماضي، فيما تعذر وصول أي كمية من الوقود منذ 16 أغسطس الماضي.

كذلك هناك حاجة إلى ما يقرب من 7 ملايين دولار، أسبوعيا. بغرض استمرار العمليات الإنسانية في إقليم تيجراي. وهو ما يعادل 300 مليون “بر” من العملة المحلية. تتضمن رواتب الموظفين، والمشتريات المحلية والمساعدات النقدية.

لكن الوكالة الأممية لم تستطع الحصول إلا على 47 مليون “بر” فقط منذ 12 يوليو.

المساعدات التي تمررها الحكومة الإثيوبية ليست كافية للقضاء على الكارثة الإنسانية

 

جانب من المساعدات الأمريكية إلى إثيوبيا

طلبات دولية

طالبت المسؤولة الأمريكية كذلك أثناء تواجدها في أديس أبابا وأمهرة، بضرورة أن تسمح كافة الأطراف للعاملين في المجال الإنساني بالقيام بعملهم.

ويشمل الطلب الأمريكي والدول القائمة على المساعدات، قيام حكومة إثيوبيا بإعادة تشغيل الاتصالات، والخدمات المصرفية، والخدمات الحيوية الأخرى داخل تيجراي. كذلك السماح الكامل لكافة الشحنات الإنسانية بالتنقل دون عوائق، عبر ممرات النقل البري الحيوية.

وتُعّد الولايات المتحدة هي أكبر مانح للمساعدات الإنسانية في إثيوبيا، إذ قدمت ما يقرب من 663 مليون دولار منذ بدء الأزمة.

 

تجدد القتال في أمهرة وعفر وتيجراي يمنع المساعدات الإنسانية

تحديات كبيرة

يشهد القائمون على المساعدات الإنسانية من عوائق عدة تمنعهم من أداء مهامهم. منها صعوبة الوصول إلى تيجراي، وتجدد القتال في أمهرة وعفر وتيجراي. بحيث نزح مئات الآلاف من السكان في الأسابيع القليلة الماضية وحدها.

ويُعاني الداخل الإثيوبي من تدهور لوضع الأمن الغذائي، وصعوبة تنفيذ برامج الحماية التي تساعد في حماية الأشخاص الأكثر ضعفًا. ومخاطر العنف الجنسي، والعنف القائم على النوع الاجتماعي وجهود الوقاية منهما.

وتتمثل التحديات أمام عمال الإغاثة، في النقص الكبير في الإمدادات، وسط العوائق القائمة منذ أشهر والتي تفرضها الحكومة الإثيوبية. كذلك هناك مخاطر متزايدة على العاملين في المجال الإنساني، حيث تتم مضايقة عمال الإغاثة وترهيبهم من قبل مختلف أطراف النزاع.

تضطر المنظمات الإنسانية في مناطق الصراع الإثيوبي إلى تقليص برامجها أو وقفها بسبب الإجراءات الحكومية

قيود حكومية

وكانت الحكومة الإثيوبية، منذ شهور، قد قامت بحظر وتقييد عدد كبير من الوقود والأموال والأدوية والإمدادات الطبية التي تتزايد الحاجة إليها يوميًا في مناطق الصراع.

وتضطر المنظمات الإنسانية العاملة في مناطق الصراع الإثيوبي إلى تقليص برامجها أو وقفها بسبب الإجراءات الحكومية. حيث عانى النازحون من توقف الإمدادات الطبية من المستشفيات والمراكز الصحية. إضافة إلى فشل عمليات النقل البرية في تلبية الاحتياجات الإنسانية الملحة. وقلة العمليات الجوية لتوصيل إمدادات الإغاثة إلى المنطقة بشكل مباشر.