في عام 2001 كان العالم يتغنّى بما وُصفت وقتها بـ”العلاقة التاريخية” التي دخلتها روسيا وحلف شمال الأطلسي الناتو. وفي أكتوبر 2021 كانت عناوين الصحافة الدولية تدور في فلك أن الناتو يدرس “خطة دفاع” لمواجهة روسيا. خلال السنوات العشرين هذه شهدت علاقة الطرفين تجاذبات واحتكاكات وخططًا خلفية، تحسبًا للحظة انهيار العلاقات، وهو تحديدًا ما حدث. فما مقدمات ذلك وما التداعيات وتأثير صراع الأقطاب على الكوكب المضطرب بالفعل.
المقدمات والتراشق والتحشيد الحالي يقول إن العالم قادم على مرحلة “المعسكرين”. وهي مرحلة يمكن أن تشكل تهديدًا ليس على أوروبا والغرب وحدهم، بل تنعكس على العالم بأسره، خاصة إذا لم تتشكل قوة عدم انحياز. وفي ظل سباق على التسلّح آخذ في التوسع، مع صناعة أقطاب للمعسكرين بأنحاء العالم.
ليس سرًا أن علاقة الطرفين متوترة بالفعل منذ العام 2014 على وقع ضم روسيا شبه جزيرة القرم من أوكرانيا بشكل غير قانوني، لكن التطورات الأخيرة تشي بأن القادم مقلق، على الأقل من ناحية إلغاء أدنى مستوى للتعاون بين الطرفين، بعدما قرر الناتو طرد ثمانية دبلوماسيين روس بحجة أنهم عملاء للاستخبارات الروسية، وردت موسكو بإغلاق مكاتب الحلف في موسكو، ووقف مهمة الاتصال الخاصة بالحلف في السفارة البلجيكية في موسكو.
الموقف الراهن| العلاقات ليست سيئة، فهي غير موجود بالأساس
في تعليقه على التوتر الراهن، رد وزير الخارجية الروسي على أحد الصحفيين قبل يومين، عندما كان يسأله عن طبيعة العلاقات. تحلى سيرغي لافروف بأقصى درجات الواقعية عندما قال: “لا يمكن وصف العلاقات بين روسيا وحلف الناتو بأنها سيئة، لأنه لا توجد علاقات أصلاً بينهما في الوقت الراهن”.
“صديقي الطيب ينس ستولتنبرغ (أمين عام حلف الناتو) يقول الآن إن الناتو يجب أن يكون مسؤولاً عن أمن العالم بأسره”. هكذا لخص لافروف الموقف الراهن، صراع على الزعامة والنفوذ، دخل مرحلة جديدة، ليس معروفًا هل يمكن اعتبارها “حربًا باردة” أم صدامًا مباشرًا، أم صناعة أقطاب دولية.
لكن وزير الخارجية الروسي وهو يتحدث عن أصل الخلاف الدائم والمتجدد يرمي أمام الصحفيين بجملة عميقة في دلالاتها. يقول: “الخلافات لدينا هي من مجال الإيديولوجية”، في الوقت نفسه يضع كل تهديدات خصومه في سلة المخلفات. عندما قال: “تتجه تخيلات الناتو إلى ردع روسيا، مثلما قالت هذه السيدة في ألمانيا، إنهم يجب أن يكونوا على استعداد لأن يهددوا روسيا بالسلاح النووي… هذا كله خيال”، في إشارة إلى التصريحات الأخيرة لوزيرة الدفاع الألمانية أنيغريت كرامب.
مقدمات ما قبل الانفجار
منذ العام 2014، تعددت الأسباب التي تقود حتمًا إلى مرحلة الجفاء حاليًا، بعضها كان بشكل غير مباشر عبر تحالفات خلفية. والبعض الآخر كان مباشرًا من خلال تلاسن ومواقف دبلوماسية وصراع تسلّح وبناء جبهات عسكرية لاحتمالية انفجار الموقف.
التشنجات الدبلوماسية
تبدو الأسباب الظاهرية الأخيرة أحد أكثر العوامل الجوهرية لانهيار التعاون الجزئي. على وقع قيام حلف شمال الأطلسي بطرد 8 أعضاء من البعثة الروسية داخل المنظمة، بتهمة العمل لصالح أجهزة الاستخبارات الروسية. وسارعت موسكو بالرد بصورة أوتوماتيكية بتعليق عمل بعثتها الرسمية لدى الناتو في بروكسل.
بدت تلك الخطوة كأنها رسالة من الناتو، بتخفيض بعثة روسيا للنصف، أن المنظمة لا تهتم بفتح قناة حوار مع روسيا. خاصة أنها المرة الثالثة في تاريخ العلاقات بين الطرفين التي يتم فيها تقليص حجم البعثة الروسية؛ مما يعكس خطورة الموقف. وآخرها في 2018، عندما قام الناتو بطرد 7 من أعضاء البعثة الروسية على خلفية واقعة تسميم العميل المزدوج “سيرجي سكريبال” وابنته في بريطانيا.
روسيا في استراتيجية الناتو 2021
جاءت مقررات استراتيجية الناتو تجاه روسيا لسنة 2021 كترجمة لطبيعة التشاحن المتزايد بين روسيا وأعضاء الحلف. باعتبارها أن موسكو رسخت مسارًا عدائيًا من شأنه بث القلق في المنطقة، والعبث بالأمن الإقليمي لدول الجوار. وأكدت الدول الأعضاء في وثيقتها انتهاك روسيا المبادئ المتفق عليها، بما في ذلك تعزيز التواجد العسكري، والاستعداد لتوجيه ضربات استباقية. والأنشطة التدريبية الاستفزازية بالقرب من نطاق الناتو، والأنشطة السيبرانية الاختراقية، بالإضافة إلى تصميمها على تنويع ترسانتها النووية. واستمرار الحشد العسكري في شبه جزيرة القرم، من خلال نشر صواريخ حديثة ذات قدرات مزدوجة في كالينينغراد. والتكامل العسكري مع بيلاروسيا، والانتهاكات المتكررة للمجال الجوي لحلف الناتو. إلى جانب تصنيفها التشيك والولايات المتحدة على أنهما دولتان غير صديقين.
هذه الاستراتيجية كشفت عن بداية مرحلة توتر عميقة وممتدة. خاصة أنها تعتمد على أنشطة روسيا التي تقول إنها تشكل تهديدا على أمن المنطقة الأطلسية، وعدم الاستقرار على طول حدود الناتو وخارجها. وفي ضوء رد الفعل، قررت دول التحالف تعليق أشكال التعاون المدني والعسكري مع موسكو عملا بالعقوبات المقررة. والرد من خلال تعزيز وضع الردع، ودعم السلامة الإقليمية لأوكرانيا وجورجيا وجمهورية مولدوفا. وفي اجتماع الحلف الأخير في 22 أكتوبر، اتفق الأعضاء على خطة رئيسية لمواجهة أي هجوم روسي محتمل- بالأسلحة النووية أو الحرب الإلكترونية أو الأسلحة الفضائية- في منطقتي البلطيق والبحر الأسود.
مقاربات أزمة القرم
يعتبر الدعم العسكري الممنهج من دول الناتو لتطوير نظام التسلح في أوكرانيا، أحد الأسباب الرئيسية وراء توتر علاقات روسيا والحلف. وهو ما بدا من وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه يمثل “تهديدًا خطيرًا”. وذلك بالإضافة إلى التكهنات المثارة بإمكانية انضمام أوكرانيا لتجمع الناتو، والذي وصفته روسيا بمثابة “خط أحمر”. ويمثل إضافة جوهرية لقائمة أسباب التوتر بين الحلف وروسيا. إذ لا تزال التوترات تتصاعد بين روسيا وأوكرانيا في ضوء إعلان موسكو عن بدء العمل في خط أنابيب “السيل الشمالي-2”.
لذلك تمثل أوكرانيا، وتعاطي دول الناتو مع أزمة القرم، السبب المباشر في انهيار العلاقات بين روسيا والحلف منذ 2014. حيث قامت روسيا بضم شبه الجزيرة، وبالتالي المياه الإقليمية حولها وجزء كبير من المنطقة الاقتصادية الخالصة لأوكرانيا في المنطقة المجاورة. مما تسبب في تقييد الملاحة في أجزاء من البحر الأسود، وكذلك إعاقة الوصول إلى بحر آزوف والموانئ الأوكرانية في انتهاك لمبادئ اتفاقية مينسك، مما ألحق بأوكرانيا خسائر اقتصادية فادحة. واتخذت الدول الغربية موقفا حاسما لصالح أوكرانيا بفرض عقوبات على موسكو لإجبارها على التوقف عن المزيد من الانتهاكات.
سباق التسلّح
من الأسباب الأخرى غير المباشرة التي أشعلت النيران بين الطرفين، السباق المتزايد نحو التسلح بين موسكو والناتو. خاصة مع إعلان روسيا عن تطوير منظومة الصواريخ الفرط صوتية “إسكندر”. ثم تتبعها واشنطن بإعلان اختبارها صاروخاً يطير بسرعة تفوق سرعة الصوت بخمسة أضعاف.
وفي إطار هذا السباق، كان قمة صراع آخر حول الزبائن، وفي خضمه خسر الناتو تركيا كخط دفاع ضد موسكو. بعدما انخرطت أنقرة في صفقات صلاح ومنظومة الصواريخ الروسية. وفي عام 2019 سجل الإنفاق العسكري العالمي أكبر زيادة خلال عقد. وفي العام التالي وصلت النفقات إلى 1830 مليار دولار بزيادة من حيث القيمة الحقيقية بنسبة 3.9% عن العام 2019. وذلك رغم التداعيات الاقتصادية لوباء كورونا.
النشاط العسكري المكثف
أصبحت المنطقة المحيطة بشبه جزيرة القرم في البحر الأسود نقطة ساخنة في العلاقات بين روسيا والناتو. إذ تحاول موسكو بسط هيمنتها على البحر الأسود؛ نظرًا لأهميته الاستراتيجية بالنسبة لأمنها القومي؛ خاصة في مجالات الطاقة والتجارة والأمن. وكذلك القواعد العسكرية الروسية في شبه جزيرة القرم، وتحاول تكثيف الحشد العسكري في المنطقة الحدودية مع أوكرانيا.
وإزاء ذلك، بلغ عدد الجنود الروس في تلك المنطقة 100 ألف جندي في أبريل الماضي، وفقًا لتقديرات الاتحاد الأوروبي. فضلاً عن ذلك، استعرضت روسيا قوتها في المنطقة من خلال محاولات اختراق المجال الجوي لبعض دول حلف الناتو. منها على سبيل المثال حادث السفينة البريطانية HMS Defender في يونيو الماضي.
وعلى الجانب الآخر، تكثف دول الناتو أنشطتها العسكرية في البحر الأسود استعدادًا للرد على روسيا. ومن أجل ذلك وضعت سلسلة من التدريبات، أهمها تدريب Steadfast Defender 2021 في يونيو بمشاركة 30 دولة لاختبار قدرات الناتو على العمل الجماعي، على طول الامتداد من أمريكا الشمالية إلى منطقة البحر الأسود. وذلك بقوة عسكرية تصل إلى 9 آلاف جندي. ووصفه الأمين العام للحلف “ينس ستولتنبرغ” بإعلان عن وجود “الناتو للدفاع عن جميع الحلفاء. وهذا التدريب يبعث برسالة حول قدرتنا على نقل عدد كبير من القوات والمعدات عبر المحيط الأطلسي وعبر أوروبا”. وكذلك مناورات “سي بريز 2021” بمشاركة فيها 5 آلاف عسكري و40 طائرة و32 سفينة، والتي أثارت استياء روسيا.
الذراع الروسي في أفريقيا
كانت روسيا ولا تزال مسرحًا لتناقس واسع، نجحت خلالها روسيا في مد أذرعها داخل القارة الإفريقية. وذلك على حساب التراجع الفرنسي في أفريقيا الوسطى والساحل. واستفادت روسيا من الجزائر التي تبدو داعمة لموقفها ضد جارتها المغرب، وزودتها بالسلاح. في المقابل اتهمت الجزائر بضلوعها في تمويل صفقة تجنيد مرتزقة “فاغنر” في مالي.
دول الناتو، لاسيما فرنسا العضو في الناتو، (أبرز المتواجد في الملعب الأفريقي)، تلقت صفعات في منطقة الساحل وإفريقيا الوسطى. وتراجع نفوذ باريس في المنطقة مقابل توسع النفوذ الروسي عبر مرتزقة “فاغنر”، من خلال عقود أمنية مع حكومات أفريقية.
.. وماذا بعد؟
هذه التطورات، ليست الأخيرة، فيمكن أن يمتد تأثيرها بشكل مباشر إلى ملفين إثنين بارزين قد يشهدان مواجهة خلال الفترة المقبلة بين الطرفين، هما:
ملف أوكرانيا
قد تتأثر الأزمة الأوكرانية بشكل مباشر، بهذه التطورات، إما بالإيجاب في حال جرى احتواء الموقف الحالي. أو السلب في حال تفاقم التوترات، وذلك بعد مرور 7 سنوات على أزمة ضم شبه جزيرة القرم. فلاتزال روسيا توسِّع نفوذها في المنطقة، وما زادتها عقوبات الناتو إلا مزيدا من التصميم على موقفها. وتعتبر انتهاكات روسيا المستمرة عقبة في طريق الوصول إلى حل سلمي لإنهاء الأزمة مع أوكرانيا.
السيناريوهات المتوقعة متفاوتة بين تسكين هذا الملف، أو حدوث اختراق جذري ينتهي بتفاهمات بين الطرفين، أو الصدام. وزير الدفاع الأمريكي “لويد أوستن” قال خلال زيارته لكييف الأسبوع الماضي: “ندعو روسيا مرة أخرى لإنهاء احتلالها لشبه جزيرة القرم. ووقف إدامة الحرب في شرق أوكرانيا، وإنهاء أنشطتها المزعزعة للاستقرار في البحر الأسود وعلى طول حدود أوكرانيا”.
زيادة الضغط الروسي
من المرجح أن تزيد روسيا أدوات الضغط التي تمارسها لتحقيق مزيد من التهديدات والتوسعات وإثارة الخلافات داخل منظمة الحلف. على سبيل المثال، تصدير المهاجرين إلى أوروبا، حيث أشار وزير الدفاع البولندي “ماريوش بلاشك” إلى دور روسيا في أزمة الهجرة على الحدود بين بولندا وبيلاروس. ووصفها بـ”اللعبة القذرة” بأياد الرئيس البيلاروسي “لوكاشينكو” والكرملين.
كذلك تستخدم روسيا ملف الغاز كسلاح جيوستراتيجي؛ من أجل تمرير مشروع خط أنابيب “نورد ستريم 2”. وتتمثل طبيعة الأزمة في أن روسيا تمد أوروبا بحوالي ثلث احتياجها من الغاز. وفي ظل انخفاض الإمدادات وزيادة الطلب، وقعت أوروبا في أزمة طاقة هائلة أدت إلى رفع الأسعار إلى مستويات قياسية. وقالت دول أوروبا إنها أزمة مفتعلة من روسيا بهدف تقليص الإمدادات للضغط على دول القارة.
التداعيات.. سيناريوهات متضاربة
إزاء ما سبق، فإن مستقبل الأزمة يبدو غامضًا في ظل تشعب الملفات، وتعدد المؤثرين والمتأثرين بهذا التوتر، امتدادًا من أوروبا إلى آسيا وأفريقيا. وهو ما يعني أن العالم يقف على شفا مرحلة جديدة ما شكلها وما طبيعتها؟ تبقى كلها سيناريوهات متضاربة.
قوة دفاع أوروبية.. تفكك الناتو
من المرجح أن تدفع هذه الأزمة أوروبا إلى المضي قدما في إنشاء قوة دفاع أوروبية غير مرتبطة بواشنطن ضد موسكو. تلك الخطوة التي تردد كثيرًا في اتخاذها وتجددت مع أزمة الغواصات الأخيرة بين واشنطن وفرنسا. كما يدعم ذلك الانفكاك الذي ضرب حلف الناتو نفسه عندما انضمت تركيا إلى روسيا في صفقة الصواريخ بالمخالفة لقواعد الحلف.
هذا السيناريو حال حدوثه سيكون كابوسا على واشنطن التي تتخوف كثيرًا من تدشين قوة أوروبية منافسة، ومنفتحة على الصين وروسيا. لذلك تحاول الولايات المتحدة جاهدة تسميم العلاقات بين أوروبا وروسيا، وفي الوقت نفسه ترسل رسائل طمأنة للقارة العجوز. غير أن الأخير باتت تنظر لواشنطن على أنها لم تعد “كبير العيلة” الذي يحميها من الأعداء.
تعدد الأقطاب
واحدة من المآلات الأقرب للواقعية أن يتحول العالم إلى أقطاب، سواء كانت أقطابا متحالفة أو متصارعة. وذلك بدفع التفاعلات العديدة بأنحاء العالم، سواء التحركات في منطقة المحيط الهادئ، خاصة ما يتعلق بتحالف “أوكوس” الأمني، أو أزمة الصين وتايوان والتي تزداد تعقيدًا يومًا بعد الآخر. ثم المناورات الأمريكية اليابانية، والسباق النووي متعدد الأقطاب، والتوسع الروسي في أفريقيا، بتحالفات محلية.
هذا السيناريو يلغي فكرة تحول العالم لمعسكرين رئيسيين، باعتبار أن لكل منطقة ظروفًا مختلفة، وما كان يصح قديما ما عاد مقبولاً حاليًا، لا من ناحية التغيرات الجوسياسية، ولا القدرات العسكرية.
نشر قوات في آسيا
قد تتحول آسيا إلى مسرح للمواجهة، من خلال إعادة تمركز قوات الناتو في في القارة، بعد الانسحاب من أفغانستان. وهي الخطوة التي تبدو مبررة لدى الحلف من أجل احتواء تهديدات موسكو وبكين. هذه الفرضية جاءت على لسان واشنطن في العديد من المناسبات عندما كانت مضطرة لتبرير انسحابها من أفغانستان. كما عبّر عنها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، متهماً الحلف بأنه “يحاول تسخين الوضع” بسعيه إلى نشر قواته في آسيا بعد انسحابه من أفغانستان.
ورقة سياسية.. وحوار عميق
بعض التوقعات تقرأ الموقف الروسي على نحو يشي بأنها محاولة سياسية وورقة ضغط، للحصول على عروض للانخراط في حوار أعمق. هذه القراءة تستند إلى اعتزام حلف الناتو الكشف عن مفهومه الاستراتيجي الجديد خلال قمته العام المقبل. وهي المناسبة التي يمكن أن تدشن عهدًا جديدًا مع روسيا، أو العكس تماما.
هذا لا يعني أن روسيا غير قلقة من مساعي الحلف التوسعية والنشاط المكثف في مناطق نفوذها. لكنه في الوقت نفسه يترجم الواقع إلى أدوات سياسية يمكن استعمالها على طاولة المفاوضات، للضغط في اتجاه التنازل عن مناطق نفوذ لصالحها، أو على أقل تقدير منع تهديد أمنها القومي.
مقاربة متفائلة
ثمَّ مقاربة متفائلة للغاية، ومقللة من تأثير هذا التوتر، ألقى بها جامي شيا، بمركز أبحاث “أصدقاء أوروبا” في بروكسل. حين رأى أن الخطوات التي أعلنتها روسيا “رمزية وليست حقيقية”، ودلل على ذلك بأن الكرملين علّق عمل بعثة الناتو ولم ينهي عملها بشكل كامل. وهي رسالة أن موسكو تناور وتوجّه رسائل سياسية أكثر منها عسكرية.
وصل حد التقليل من حجم الموقف، بالمطالبة بالتعامل مع هذه التوترات على أنها “توترات موسمية”. وضرورة عدم المبالغة في تقدير التداعيات، هنا قال شيا: “لا يجب تصوير الأمر وكأن المسؤولين الروس لن يجتمعوا أبدا مع مسؤولي الناتو، هذا غير صحيح”، بل يزيد في تقديره بأن القرار الروسي مجرد “توبيخ سياسي” على طرد الناتو دبلوماسيي موسكو.