من الخارج، يمكن للمرء أن يستنتج أن مصر لا تزال تلعب دور ثان للقوى الأخرى في منطقتها. لكن إذا حكمنا من خلال آراء من هم داخل النظام ومن حوله -ودبلوماسيي الشرق الأوسط الذين يتعاملون مع القاهرة- يبدو أن البلاد تزداد ثقة بالنفس. وبينما تستعيد هذه الثقة، فمن المرجح أن القاهرة ستحاول تحدي النظام الإقليمي الذي ظهر في السنوات الأخيرة. لتعود إلى النسخة القديمة من الحياة التي تتناسب مع إحساسها التاريخي بالذات -كقائد إقليمي، وتتماشى مع الشعار القومي الذي يقول «مصر أم الدنيا».
هكذا حللت ورقة سياسات جديدة -صدرت هذا الشهر عن المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية (ECFR)- الحالة المصرية بعد عقد كامل من الاضطرابات الداخلية. وأوصت أوروبا بضرورة الاستجابة للطموح المصري المشتعل، وهذا الحرص على استعادة الدور القيادي الإقليمي مجددًا، الأمر الذي يضع أمام أوروبا فرصة عظيمة للعب دور مهم في مساعدة القاهرة. مع محاولة التأثير على خياراتها السياسية المحلية والإقليمية والدولية في المستقبل.
وإلى نص الورقة البحثية:
“مصر عادت” هي الرسالة التي يرغب مسؤولو السياسة الخارجية المصريون في إرسالها إلى نظرائهم في جميع أنحاء العالم. لقد دفعت الديناميكيات الإقليمية المتغيرة مصر إلى تبني سياسة خارجية أكثر نشاطًا. بدأت الحكومة تشعر بمزيد من الثقة في الوطن، وتتولى أدوارًا ومسؤوليات جديدة، وتستثمر في أشكال جديدة من التوافق الإقليمي.
في الماضي، كانت مصر لاعباً رئيسياً في السياسة الخارجية في الشرق الأوسط. بفضل حجمها وموقعها واستقرارها وثقتها المتميزة بالنفس بأهميتها الخاصة، تمكنت البلاد من التأثير على العديد من التطورات الإقليمية؛ ونجحت في تأسيس علاقة وثيقة وطويلة الأمد، وإن كانت مشحونة في بعض الأحيان، مع الولايات المتحدة. لا يمكن قول الشيء نفسه عن مصر خلال العقد الماضي. كانت مصر غائبة نسبيًا عن الدبلوماسية الإقليمية في القضايا الرئيسية التي تتراوح من الحروب في اليمن وسوريا إلى الانتشار النووي الإيراني. كان هذا وقت اضطراب سياسي داخلي في أعقاب الانتفاضات العربية، التي حولت انتباه القاهرة بعيدًا عن السياسة الخارجية ونحو صراعات السلطة في الداخل واقتصادها المتعثر.
فرص أوروبا من تحول مصر عن الشركاء الخليجيين
يبدو أن مصر لم تعد تعتمد على المساعدات الخليجية. بل تسعى إلى بناء سياستها الخاصة في مجال الطاقة والاستثمار. وهذا يخلق فرصًا جديدة لأوروبا، وفق ورقة سياسات المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية «ECFR».
وعلى وجه الخصوص، يجب على الاتحاد الأوروبي المشاركة بنشاط مع مجموعة التحالف العربي في مصر والأردن والعراق لدعم السياسات الاقتصادية ذات المنفعة المتبادلة التي تعزز اقتصادات هذه البلدان. بينما في المقابل، يمكن لمصر مساعدة الأوروبيين من خلال العمل على تخفيف التوترات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا. خاصة مع انهيار فرص انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي فعليًا. إذ لا تزال أوروبا بحاجة لإيجاد طرق لتعديل السلوك التركي فيما يتعلق بالمهاجرين واللاجئين. وكذلك القضايا في شرق البحر المتوسط، والمواجهات العسكرية في الشرق الأوسط.
عزز الاستقرار المتزايد في الداخل، وتحسين الآفاق الاقتصادية، والانفراج الأخير في جميع أنحاء الشرق الأوسط، مشاعر الثقة بالنفس في القاهرة.
أيضًا، هناك توافق بالأهداف الأوروبية والمصرية في ليبيا. إذ تسعى القاهرة لإزالة الوجود التركي في البلاد. كما أنها تدعم حاليًا خريطة طريق أوروبية ودولية لمرحلة ما بعد الصراع. على الرغم من أنها تتطلع إلى خريطة تعالج أيضًا مخاوفها الأمنية بشكل مباشر.
وهنا، يمكن أن يؤدي التحول في علاقات مصر مع شركائها الخليجيين إلى دعم سياسة الاتحاد الأوروبي والمساعدة في إنهاء النزاعات في سوريا وليبيا واليمن. فضلاً عن تقليل التهديد الذي يشكله سلوك الإمارات -وبدرجة أقل السعودية- في هذا الشأن.
هذا بالإضافة إلى التفاؤل المكتشف حديثًا -محليًا وإقليميًا- بشأن تطوير سياسة الطاقة في مصر. وأيضًا تحويل التحالفات والأدوار الإقليمية، ما يوجب أن يكون هناك تركيز دولي متجدد على مصر وأفعالها. إذ أن مصر بحاجة حقًا لدعم إقليمي وعالمي في قضايا مهمة. وعلى رأس هذه القضايا نضالها من أجل الأمن المائي. وهي مشكلة يجب أن تكون مصدر قلق أكبر وأكثر إلحاحًا بالنسبة لها وللأوروبيين وكل المهتمين باستقرار المنطقة.
موقع مصر الإقليمي «دفاعي» أعاقته المشاكل الداخلية
مسؤولو وزارة الخارجية المصرية -وفق «ECFR»- وصفوا العقد الأخير من موقع مصر الإقليمي بأنه «دفاعي» بطبيعته، مدفوعًا بالمصالح الحيوية. ومنها قضية الأمن المائي في علاقتها مع إثيوبيا والسودان في جنوبها، وكذلك الحرب في ليبيا من الغرب. ما يعني أن القاهرة لا تستطيع عزل نفسها عن العالم.
لقد أعاقت المشاكل السياسية الداخلية في مصر منذ ثورة 2011 قدرة القاهرة على تطوير سياسة فعالة بقيادتها للاستجابة للتحديات الإقليمية المتزايدة. وتفاقمت هذه السياسة الدفاعية بسبب فترة غير آمنة بشكل خاص في البلاد بين عامي 2016 و2018. وسط سلسلة من هجمات تنظيم الدولة «داعش» على الأراضي المصرية، وتزايد الفوضى في شبه جزيرة سيناء.
على وجه الخصوص، تنأى مصر بنفسها عن التحالف المناهض للإسلاميين الذي انضمت إليه مع الإمارات والسعودية، وهي منخرطة في حوار مع خصوم سابقين قطر وتركيا.
خلال هذا الوقت، شكلت السياسة الداخلية -خاصة أجندة البلاد المناهضة للإسلاميين- ملامح السياسة الخارجية للبلاد. وكان أكبر تجليات ذلك قرار مصر الانضمام إلى تحالف بقيادة السعودية والإمارات. وهو تحالف سعى لاحتواء إيران والدول «الصديقة للإسلاميين» مثل قطر وتركيا. وجلب هذا التحالف الجديد معه دعمًا ماليًا إماراتيًا وسعوديًا كبيرًا لمصر، في وقت كان الاقتصاد المصري على حافة الهاوية، وفق التحليل الذي قدمته ورقة السياسات الأوروبية.
لكن هذه الشراكة كانت مدعومة أيضًا بأيديولوجية مشتركة حددها هدف الإطاحة بالإسلام السياسي في جميع أنحاء المنطقة. وقد بلغت هذه الأيديولوجيا ذروتها في فرض حصار اقتصادي على قطر في يونيو 2017. وشملت كذلك محاولات متضافرة لدعم الليبيين. وبخاصة قائد الجيش هناك خليفة حفتر ، الذي صور نفسه على أنه حصنًا ضد الإسلاميين.
اتخذت مصر، مع الإمارات والسعودية، خطًا قويًا ضد حركة حماس الفلسطينية -المنبثقة عن جماعة الإخوان. واتهمت القاهرة وحلفاؤها الخليجيون الجماعة بإثارة انعدام الأمن الداخلي. وصنفت مصر الإخوان على أنها منظمة إرهابية في عام 2013. في حين أضاف حكم صدر عام 2015 عن محكمة مصرية حماس لقائمة الكيانات الإرهابية المحلية في البلاد.
الانفصال المصري الإماراتي
لم تكن شراكة مصر مع الإمارات والسعودية تحالفًا غير مشروط أبدًا، وفق تحليل ورقة سياسات المجلس الأوروبي للعلاقات. بل على الرغم من أيديولوجيتهما المشتركة، اتبعت مصر والإمارات أهدافًا مختلفة في السياسة الخارجية في مراحل مختلفة في العقد الماضي. وفي بعض الأحيان، كانت لديهما أجندات متضاربة. على سبيل المثال، رفضت القاهرة إرسال قوات لدعم التحالف الخليجي في اليمن عام 2015. وكان القادة العسكريون المصريون لا يتزعزعون في معارضتهم للطلب. حيث كانوا مدركين لإرث الحرب في اليمن في الستينيات. كما واصلت مصر دعم الرئيس السوري بشار الأسد -على الرغم من معارضة بعض دول الخليج لحكمه.
وفي عام 2018، قررت مصر عدم دعمها العلني للإطاحة بالرئيس السوداني عمر البشير، حتى أصبحت نتيجة مفروغ منها. على الرغم من الجهود الخليجية المبكرة لإزاحته من السلطة.
واليوم، تمتد الخلافات بين القاهرة وأبو ظبي لتشمل قضايا ذات أهمية حيوية لمصر. بما في ذلك تلك الموجودة في ليبيا والقرن الأفريقي -وهي منطقة بالغة الأهمية للأمن المائي لمصر.
إلا أنه على الرغم من الخلافات الداخلية بين أعضائها، فإن شراكة مصر مع الإمارات والسعودية لا تتفكك. وتواصل الإمارات العربية المتحدة بشكل خاص تحالفها الوثيق مع مصر. فإن عدد سكان مصر الكبير وموقعها الجغرافي المهم استراتيجيًا جعلها جزءًا لا يتجزأ من أهداف السياسة الخارجية للإمارات، كما تنقل ورقة المجلس الأوروبي للعلاقات عن أحد المسؤولين الإماراتيين.
ومع ذلك، فإنه منذ إصلاح الخلافات مع الدوحة بشكل أو بآخر ، تعتقد القاهرة أن الزخم لم يعد مع أبو ظبي -التي تجاوزت الرياض إحجامها عن الموافقة على المصالحة إلى حد كبير.
وبالنسبة للمسؤولين المصريين، هذه ليست سوى أحدث علامة على تراجع مكانة الإمارات في المنطقة. وهو تراجع نتج عن توسع أبوظبي الإقليمي ونهجها الدبلوماسي (التطبيع مع إسرائيل) الذي أدى إلى نفور العديد من العرب.
كلمة السر «غزة».. كيف عملت مصر على استعادة مكانتها؟
تبحث القاهرة عن مواقع نفوذ جديدة في أجزاء مختلفة من جوارها. إذ أتاح الصراع بين حماس وإسرائيل في غزة لمصر فرصة لتكرار دورها التقليدي كمحاور دولي رئيس بشأن القضايا الأمنية. وهي فرصة انتهزتها القاهرة وحازت بها على استحسان دولي لمساعدتها في تأمين نهاية سريعة نسبيًا للصراع الذي استمر 11 يومًا.
منذ ذلك الحين، انتهزت القاهرة الفرصة لتذكير جيرانها وبقية العالم، بأنها -كجار مباشر لغزة- تظل الشريك الأقوى في الجهود المبذولة لحماية المصالح الأمنية لإسرائيل والتوصل إلى نتيجة أكثر استدامة للفلسطينيين.
مع ذلك، هناك اعتراف بين المراقبين الدوليين -وفق ورقة السياسات الأوروبية حول مصر- بأن الجهود المصرية لتحقيق الاستقرار في غزة لا يمكن أن تتحقق بالكامل دون التوافق مع الدوحة والدعم المالي القطري للقطاع. وحاليًا، تناقش القاهرة وواشنطن والدوحة الترتيبات الخاصة بالمساعدة في التنمية في غزة. ومن بينها تلك الخاصة بتمويل إمدادات الغاز المصري إلى القطاع. فضلاً عن المشاريع الاقتصادية في شمال سيناء.
التحالفات الجديدة للقاهرة في مواجهة التطبيع مع إسرائيل
وهكذا وبعد أن أعادت مصر تأكيد دورها كشريك أمني رئيسي لإسرائيل في المنطقة، سعت أيضًا إلى بناء تحالفات جديدة قائمة على العلاقات التاريخية. ذلك من خلال الشراكة مع الأردن والعراق. وتعمل مصر الآن على إنشاء «تحالف عربي» يهدف إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الدول الثلاث.
وبالنسبة لمصر، فقد اكتسبت احتمالية الترابط الاقتصادي الإقليمي الجديد أهمية إضافية منذ أن طبعت إسرائيل العلاقات مع الإمارات، وظهرت تكهنات بأن السعودية ستحذو حذوها في نهاية المطاف. إذ تتخوف القاهرة من أن يؤدي المزيد من التطبيع مع إسرائيل إلى التحايل على موقفها كمضيف تقليدي للبنية التحتية الرئيسية التي تربط البحر الأبيض المتوسط بالخليج وما وراءه، مع إمكانية أن تصبح إسرائيل بديلاً محتملاً وموقعًا أكثر ملاءمة لهذه البنية التحتية.
دفعت التهديدات الرئيسية على طول حدود مصر ، بما في ذلك المخاوف المتعلقة بالأمن المائي في جنوبها والحرب في ليبيا ، القاهرة إلى إعادة التواصل مع شركائها الأوروبيين – والتي تتوقع المساعدة في هذه القضايا.
وفي ليبيا، سعت مصر في الأشهر الماضية للمساعدة في صياغة ترتيب دبلوماسي ساعد في إطلاق عملية السلام الأممية في ليبيا. كما وفر فرصة للتقارب مع تركيا وقطر، اللتين دعمتا القوات الليبية الغربية المعارضة لحفتر. وبينما تواصل مصر دعمها لشركائها في شرق ليبيا، لم يعد هذا مرتبطًا بشكل مباشر بحفتر نفسه. بل مرتبطًا بتجميع القوات التي تخدم في الجيش الوطني الذي يقوده. وقد أدى ذلك إلى احتكاك مع الإمارات، التي لا تزال تنتهج سياسة أكثر تصادمية بالاستمرار في دعم حفتر.
ووفق المجلس الأوروبي للعلاقات، فإن مصر تعتبر دعم الإمارات لمحاولات حفتر الاستيلاء على طرابلس بالقوة «غير واقعي وضار بالسياسة المصرية وأهدافها الأمنية». ونتيجة لذلك، يعتقد المسؤولون المصريون أن أبو ظبي لا تفهم أو تحترم بالكامل الأولويات الأمنية لبلدهم. وبينما تمضي القاهرة قدمًا في دعم خارطة الطريق الدبلوماسية الليبية، فإنها تواصل إثارة قضية النشاطات المسلحة الأخرى في البلاد. وهي هنا تستغل فرص التقارب مع أنقرة والدوحة للمطالبة بسحب المرتزقة وقوات الأمن الرسمية.
التهديد المائي وتأثيره على السياسات المصرية الخارجية
يصف أحد الدبلوماسيين المصريين السابقين المسار الحالي للأحداث في القرن الأفريقي، إلى جانب الأزمتين في ليبيا وغزة، بأنه تهديد لحدود مصر على نطاق لم تشهده منذ الحروب العربية الإسرائيلية. إذ يثير قلق القاهرة بشكل خاص بناء سد النهضة الإثيوبي على نهر النيل، وما يترتب على ذلك من الإضرار بمستويات المياه في اتجاه مجرى النهر في مصر.
وهنا، يكمن التهديد الأكبر للعلاقات المصرية الإماراتية. إذ يرى المسؤولون المصريون أن دعم الإمارات لإثيوبيا عامل أساسي في الصعوبات التي واجهتها أثناء المفاوضات الفاشلة السابقة. وقد دفع هذا الاختلاف في السياسات والأولويات بين مصر والإمارات في القرن الإفريقي المسؤولين المصريين للاعتراف بأن الإمارات أصبحت مفسدًا نشطًا لجهود بلادهم لحماية مصلحة حيوية: الأمن المائي.
تستكشف القاهرة الآن علانية دورًا دبلوماسيًا وأمنيًا لا يعتمد على الدعم الإماراتي ولا يتوقعه. وهي تعتمد هنا على مكانتها كمولد رائد للطاقة ومركز غاز ناشئ. بالإضافة إلى اتفاقيات التعاون الدفاعي والأمني المشتركة المشار إليها سابقًا. وكذلك الشراكة المتنامية والتحالف الأمني مع السودان، خاصة فيما يتعلق بشأن سد النهضة.
كما أن مصر ترى أيضًا أن قطر قوة موازنة للإمارات في قضية «سد النهضة». في حين لا تتمتع قطر بعلاقة استراتيجية قوية مع إثيوبيا. إلا أن الديناميكيات الإقليمية تتطلب نهجًا شاملاً. وتعترف مصر بالقوة السياسية المتنامية لدول الخليج العربية في القرن الأفريقي.
العلاقات المصرية الأمريكية.. ثقة متزايدة في مواجهة ضغوط الكونجرس
لسنوات، وجدت الولايات المتحدة وأوروبا أن علاقاتهما مع مصر «محبطة». وقد عبرتا بانتظام عن فزعهما من التطورات في البلاد. ومع ذلك، لم يبذلوا محاولة تذكر لتهيئة الظروف لممارسة النفوذ على مصر بشأن مشاكلها الداخلية، أو للعمل بشكل أوثق مع البلاد لحل بعض القضايا الإقليمية الرئيسية اليوم. وحيث حاولت القوى الغربية ممارسة نفوذها على النظام. إلا أن ذلك كان قصير الأجل ويفتقر إلى التأثير. ففي بعض الأحيان، هناك اعتبارات أخرى تطغى على هذه الجهود. على سبيل المثال، خلال نزاع غزة عام 2021، أشادت القوى الغربية بمصر لدورها في وقف الأعمال العدائية.
ليس هناك شك في أن النظام المصري يعتمد على الشرعية الدبلوماسية الممنوحة له من خلال الحفاظ على علاقات جيدة مع شركاء مثل الولايات المتحدة وأوروبا. لكن ومع ذلك، تعزز مصر علاقاتها الاقتصادية مع الصين وروسيا. كما أنها تزيد من تعاونها الأمني مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. وأيضًا تعيد ضبط العلاقات مع الخليج وتركيا.
المخاوف الأمريكية والأوروبية من أن مصر “أكبر من أن تفشل” تعزز ثقة القاهرة.
حاليًا -ووفق التحليل الذي تقدمه ورقة السياسات الأوروبية حول مصر- تتزايد ثقة القاهرة في أن الولايات المتحدة «تحتاج إلينا أكثر مما نحتاجها». والفضل في ذلك للصراع في غزة. حيث اعتمدت الولايات المتحدة بشكل كبير -كما في الماضي- على قيادة مصر للجهود الدبلوماسية والأمنية لتأمين وقف إطلاق النار بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
ومع ذلك، قد تتضرر المساعدات العسكرية الأمريكية إلى القاهرة، متأثرة بملف حقوق الإنسان. خاصة في ظل مواصلة الكونجرس الضغط بشكل متزايد لتقليص التمويل العسكري السنوي التقليدي البالغ 1.3 مليار دولار الذي تقدمه الولايات المتحدة لمصر.
مبيعات الأسلحة تؤمن للقاهرة طريقًا في أوروبا
بالنسبة لأوروبا، تظل التجارة أهم عنصر في علاقاتها مع مصر. ويتجلى هذا بشكل أكبر في الاتفاقيات الأمنية ومبيعات الأسلحة التي أبرمتها مصر مع إيطاليا وفرنسا وألمانيا.
وبينما توقع الدول الأوروبية على صفقات مربحة من هذا النوع، فإن محاولات الاتحاد الأوروبي لإثارة قضايا الحقوق والحوكمة في مصر يتم إنزالها عمومًا إلى برلمان أوروبي غير فعال. وقد أصبح هذا الوضع أكثر تعقيدًا مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والذي أضاف الزخم إلى علاقة القاهرة بلندن. خاصة وأن المملكة المتحدة مستثمر رئيسي في القطاع الخاص بمصر. ويبدو أن هذه العلاقة ستظل قوية، ما يعني أن قدرًا كبيرًا من الاستثمار سيتجاوز الأجندة السياسية للاتحاد الأوروبي.
أيضًا، حصلت مصر على دعم الدول الأعضاء البارزين في الاتحاد الأوروبي مثل فرنسا وألمانيا لسياستها بشأن ليبيا. وبالإضافة إلى ذلك، يدعم الاتحاد الأوروبي إلى حد كبير محاولات مصر البحث عن حل لأزمة سد النهضة. وذلك على الرغم من أن جهود الكتلة في هذا المجال لم ترق إلى مستوى توقعات القاهرة.
ومع ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي غالبًا ما يهزم نفسه في تفاعلاته مع مصر. وإدراكا منهم لانشغال التكتل بالهجرة والإرهاب، يسعد المسؤولون المصريون بإثارة شبح هذه المخاوف ردًا على المحاولات الأوروبية للضغط على مصر في قضايا حساسة مثل قضايا حقوق الإنسان.
مصر وأوروبا أكثر انفتاحًا لمناقشة ملف حقوق الإنسان
يرى المجلس الأوروبي للعلاقات -في تحليله للعلاقات المصرية الأوروبية- أن مخاوف الاتحاد الأوروبي من الهجرة والإرهاب تصب في مصلحة مصر. ففي حين أن مصر لم تكن أبدًا مصدرًا رئيسيًا للهجرة إلى أوروبا، إلا أنها لا تزال بلد عبور للمهاجرين من دول عبر شمال وشرق إفريقيا. وغالبًا ما تستخدم القاهرة الحجج حول «إيقاف قوارب الهجرة» للحصول على دعم سياسي ومالي من أوروبا. وعلى سبيل المثال، استجابة لتهديدات نقص المياه التي يشكلها سد النهضة، يبدو أن القاهرة قد ألمحت إلى أنها ستسهل زيادة تدفقات الهجرة إلى أوروبا -على أمل دفع الأزمة إلى أعلى جدول الأعمال الدبلوماسي الأوروبي.
أصبح النظام المصري إلى حد ما أكثر انفتاحًا على مناقشة مسائل مثل حقوق الإنسان مما تفترضه العواصم الغربية أحيانًا.
لكن رغم ذلك، أصبح المسؤولون الحكوميون والأمنيون المصريون الآن أكثر انفتاحًا للمناقشات الخاصة حول أجندة حقوق الإنسان. لم يتضح بعد سبب حدوث هذه التحولات المتزايدة داخل النظام. لكن استقرار النظام وثقته، إلى جانب تضاؤل التحديات المادية للوضع الراهن وخطر الاضطرابات المدنية، يمكن أن يلعب دورًا في هذا. وقد تدعم هذه العوامل دبلوماسية أقوى ومناصرة بشأن قضايا الحريات الشخصية، واستمرار اعتقال نشطاء حقوق الإنسان، والتضييق على المعارضة السياسية.
على أوروبا ألا تتردد في مواجهة سجل حقوق الإنسان بمصر
تشير ورقة سياسات «ECFR» إلى أنه على الرغم من وجود سبب حقيقي للقلق بشأن سجل حقوق الإنسان المحلي في مصر، إلا أن الفرص الأخيرة للتعامل مع القاهرة قد توفر بعض الأمل في إمكانية أن يخفف النظام من تضييقه المستمر منذ سنوات.
يجب على الأوروبيين اغتنام هذه الفرصة كجزء من مشاركة واسعة النطاق تتناول المصالح الإقليمية الأوروبية وكذلك القلق المستمر بشأن الوضع المحلي في مصر.
وبينما تذكر ورقة السياسات الأوربية حول مصر أنه لا ينبغي للعواصم الأوروبية أن تتوهم بتغيير مادي حقيقي في أجندة حقوق الإنسان بمصر. تؤكد أن مصر الأكثر استقرارًا وأمنًا محليًا كما كانت منذ عقد من الزمان، وأن المحاورين الأوروبيين عليهم التزام أخلاقي وواجب لتكثيف حوارهم معها. وأنهم يمكنهم تطوير علاقات إقليمية واقتصادية برغبة وتصميم على تخفيف حملة التضييق في مصر بشكل كبير. إذ يجب على الاتحاد الأوروبي ألا يتردد في مواجهة هذه القضية، في تعامله الثنائي مع القاهرة. وعليه أن يفعل ذلك مع الاستمرار في العمل مع مصر لتهدئة النزاعات، وتعزيز التنمية الاقتصادية، وأيضًا حماية الأمن المائي في المنطقة.