رغم الضجة الهائلة التي أثارها مارك زوكربرج، المؤسس والرئيس التنفيذي لموقع فيسبوك. حول الجيل القادم من تقنيات الاتصالات، أو “عصر ما بعد الانترنت” كما يُطلق عليه البعض. لكن الشركة العملاقة لا زالت تواجه الفضيحة تلو الأخرى.

جاء اختيار توقيت إطلاق الشركة الجديدة “Meta”، التي تجمع كافة التطبيقات التي استحوذت عليها فيسبوك في السنوات السابقة. بالتزامن مع اختراق جديد لوثائق الشركة، يتعلق بعمليات الإتجار بالبشر، حيث استغلال النساء والأطفال في أعمال غير إنسانية، بدعوى العمل المنزلي.

 

عبودية منزلية

على مدار الشهور الماضية، عملت العديد من وسائل الإعلام الأمريكية، على كشف العديد من العورات التي تحاول إدارة فيسبوك تغطيتها. رغم إعلان إدارة الموقع المستمرة عن جهودها المبذولة لكشف محاولات الاحتيال والخداع من قِبل مستخدمين يقومون باستغلال الموقع لتحقيق أرباح غير مشروعة.

لكن، في الوقت نفسه، لم تفعل المنصة العملاقة شيئًا، رغم أنها عرفت عن المتاجرين بالبشر الذين يستخدمون منصاتها بهذه الطريقة منذ عام 2018. فقط كانوا يسعون لـ “الحفاظ على سمعة الشركة”.

ونشرت صحيفة وول ستريت جورنال، الشهر الماضي، أنه في عام 2019 هددت شركة آبل بإعاقة وصول تطبيقات فيسبوك وإنستجرام  إلى متجر تطبيقاتها App Store، والتي يعتمد عليها عملاق التواصل الاجتماعي للوصول إلى مئات الملايين من المستخدمين كل عام. بسبب محتويات تتضمن “العبودية المنزلية”.

بينما سارع موظفو الشركة إلى إزالة المحتوى سبب الأزمة، وإجراء تغييرات في سياسة الطوارئ. لتجنب ما وصفوه بأنه “عواقب محتملة الخطورة”.

 

استغلال وإيذاء

وصفت الوثائق الداخلية في فيسبوك، والتي اطلعت عليها كلير دوفي، محررة CNN. النساء اللواتي يتم الاتجار بهن بهذه الطريقة، بأنهن يتعرضن للإيذاء الجسدي والجنسي، ويتم حرمانهن من الطعام والأجر، وكذلك تتم مصادرة وثائق سفرهن. حتى لا تتمكن إحداهن من الهروب.

وأشار أحد التقارير في وقت سابق من العام الجاري إلى أن “الثغرات لا تزال موجودة في اكتشافنا للكيانات على المنصة المنخرطة في العبودية المنزلية”. وأيضًا تحدث بشكل تفصيلي عن كيفية استخدام منصات الشركة لتجنيد وشراء وبيع ما تسميه الوثائق بـ “الخدم المنزليين”.

وقالت كلير إنها استطاعت -عبر استخدام مصطلحات البحث المدرجة في البحث الداخلي على الموقع تحديد حسابات إنستجرام النشطة، والتي يُزعم أنها تعرض عاملات المنازل للبيع. وهي تُماثل الحسابات التي قام باحثو فيسبوك بالإشارة إليها وإزالتها. وأكد المتحدث باسم الشركة آندي ستون أن تلك الحسابات انتهكت سياساتها.

وأضاف: ” تحظر استغلال البشر بعبارات لا لبس فيها. لقد كنا نحارب الإتجار بالبشر على منصتنا لسنوات عديدة، ويبقى هدفنا منع أي شخص يسعى لاستغلال الآخرين من الحصول على موضع آمن على منصتنا”.

 

كلير دوفي محررة CNN

إعلانات عبودية

وأظهرت الوثائق الداخلية أنه في مارس 2018، قام العاملون في فيسبوك القائمون على سوق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالإبلاغ عن تقارير لملفات شخصية على إنستجرام مخصصة لبيع العمالة المنزلية.

في ذلك الوقت، لم يتم اتخاذ إجراء بشأن هذه التقارير، لأن سياسة الشركة لم تعترف بالانتهاك، وفقًا لتقرير داخلي صدر في سبتمبر 2019 عن محتوى العبودية المنزلية.

وتظهر الوثائق أن الموقع أطلق “سياسة الاستغلال البشري” الموسعة في 29 مايو 2019 والتي تضمنت حظرًا على محتوى العبودية المنزلية المتعلق بالتجنيد والتسهيل والاستغلال.

وفي سبتمبر من العام نفسه، نشر أحد الموظفين على الموقع الداخلي للشركة ملخصًا لتحقيق حول شبكة الاتجار بالبشر التي استخدمت تطبيقات فيسبوك لتسهيل البيع والاستغلال الجنسي لما لا يقل عن 20 ضحية محتملة.

 

أحد إعلانات الإتجار بالبشر التي تم الكشف عنها

تجنيد الضحايا

واستخدمت الشبكة الإجرامية أكثر من 100 حساب مزيف على فيسبوك وإنستجرام لتجنيد ضحايا من الإناث من مختلف البلدان. واستخدمت ماسينجر وواتساب لتنسيق نقل النساء إلى دبي. حيث تم إجبارهن على العمل في منشآت متنكرة باسم “صالات التدليك”.

وحدد التحقيق 152 ألف دولار تم إنفاقها لشراء إعلانات على منصاتها ذات الصلة بهذا المخطط. بما في ذلك الإعلانات التي تستهدف الرجال في دبي. لذلك قامت الشركة بإزالة جميع الصفحات والحسابات المتعلقة بشبكة الاتجار بالبشر. ثم ظهر تقرير آخر بشأن إساءة معاملة العمالة المنزلية يضم عينات من إعلانات العمل التي تم إرسالها إلى إنستجرام. يعرض أحدها امرأة هندية تبلغ من العمر 38 عامًا للبيع بما يعادل 350 دولارًا تقريبًا

وفي تقرير صدر في فبراير الماضي، وجد الباحثون أنه غالبًا ما تتواصل وكالات التوظيف مع الضحايا عبر الرسائل المباشرة. لكنها نادرًا ما تنشر انتهاكات للمحتوى العام. وهو ما يجعل من الصعب اكتشافها.  وأضاف أن فيسبوك “يفتقر إلى طرق اكتشاف استباقية قوية عن العبودية المنزلية في اللغة الإنجليزية” رغم تحديد الفلبين كأكبر مصدر للضحايا.

 

الموظفة السابقة في فيسبوك فرانسيس هوجين

دفاع مستميت

وتشكل الانتهاكات المستمرة داخل فيسبوك التي يتم الكشف عنها تباعًا، خاصة المتعلقة بخصوصية المستخدمين. عواقب اقتصادية ضخمة، قد تتضاعف في البلدان غير الناطقة بالإنجليزية. في الوقت الذي تدافع فيه المنصة العملاقة عن أرباحها بشتى الطرق.

لذلك، تسعى الشركة جاهدة لدحض شهادة الموظفة السابقة فرانسيس هوجين، والتي أدلت بشهادتها في جلسة استماع أمام الكونجرس الأمريكي.  والتي أشارت إلى أن المنصات “تؤذي الأطفال وتشجع الانقسامات وتؤذي ديمقراطيتنا”. بعدها، أدلت بشهادة أخرى الأسبوع الماضي، أمام لجنة برلمانية بريطانية تقوم بفحص مشروع قانون يتعلق بأمن الإنترنت.

وقبل أسبوعين، أبلغ موظف سابق -تم الحفاظ على سرية هويته- لجنة الأمن الأمريكية التي تنظم عمل سوق الأسهم وتقوم بحماية المستثمرين. أن جهود الشركة لإزالة المواد ذات المحتوى المسيء للأطفال “غير كافية ولا تكرس لها اهتمامات وجهود وتمويل كاف”. مشيرًا إلى أن “الموظفين المنوط بهم هذه المهمة غير مدربين بشكل كاف وليسوا مستعدين للقيام بمهامهم”.

وأضاف: “يدّعون أن فريقا صغيرا أنشئ من أجل تطوير برمجيات قادرة على التعرف على مواد الفيديو المسيئة. التي تتضمن أطفالًا. قد تم تفكيكه إلى أكثر من فريق، وأعيد إلى العمل، لأنهم يعتقدون أنه كان بالغ التعقيد”.

 

غسيل سمعة

تحاول شركة فيسبوك تشويه الشهادات المتسربة من موظفيها السابقين. وكذلك التقارير المتلاحقة التي نشرتها صحيفة وول ستريت جورنال. وتوجيه التحقيقات التي تقوم بها شبكات أخرى، منها CNN وBBC.

وفي وقت سابق من هذا العام، قال نائب رئيس الاتصالات في فيسبوك جون بينيت: “لا يمكن بأي حال من الأحوال استخدام اختيار منظم من بين ملايين الوثائق على فيسبوك لاستخلاص استنتاجات عادلة عنا”.

وفي الصيف الماضي، أرسلت الشركة إلى عدد من ممثلي الأمم المتحدة، رسالة حول جهودها لمكافحة الاتجار بالبشر. أوضحت فيها أن محتوى العبودية المنزلية “نادرًا ما يتم إبلاغنا به من قبل المستخدمين”.

وأضافت: “لمواجهة هذه التحديات، طورنا تقنية يمكنها بشكل استباقي إيجاد واتخاذ إجراءات بشأن المحتوى المتعلق بالعبودية المنزلية”. وزعمت الشركة أنه عبر تلك التقنية استطاعت اكتشاف وإزالة أكثر من 4000 قطعة من المحتوى المخالف باللغتين العربية والإنجليزية من يناير 2020 حتى الآن”.

كذلك أبلغت الشركة BBC إنهم يقومون بمسح المجموعات الخاصة بحثًا عن المحتوى الذي ينتهك سياسات الموقع. ويتم استخدام 40 ألف موظف في قطاع الأمن، واستثمار 13 مليار دولار في هذا القطاع منذ عام 2016. كما تم اتخاذ إجراءات بحق 25.7 مليون محتوى، تتعلق بالانتهاك الجنسي للأطفال في الربع الثاني من عام 2021.