مع دقات الثالثة فجرًا، يشعل بعض المزارعين في محافظة الغربية النار في قش الأرز. يعتقدون أنها فترة لا يمكن خلالها رصدهم من قبل الأجهزة التنفيذية التي تحرر محاضر مخالفات لمن يقدم من المزراعين على حرق مخلفات محصوله.

على عكس اعتقادهم، تستخدم وزارة البيئة أحدث التقنيات من أقمار صناعية ونظم إنذار مبكر لتتبع أماكن الحرق في المحافظات. وكذلك تتابع اتجاه الرياح طبقًا للبيانات الصادرة عن الهيئة القومية للأرصاد الجوية. وهو ما لا يعرفه المزارعون الذين يعتقدون أنهم بعيدين عن أعين الأجهزة التنفيذية.

لا يبالي هؤلاء المزارعون بنشرات التوعية لوزارة البيئة حول استخدام المخلفات، وتقليل التلوث الناتج عن الحرق المكشوف للمخلفات الزراعية. والذي يتسبب في انبعاث غازات ضارة مثل أول وثاني أكسيد الكربون وأكسيد النيتروجين، وثاني أكسيد الكبريت.

يتعامل البعض بطريقة أكثر ذكاءً، فبدلاً من نشر القش على المساحة الإجمالية للأرض كالمعتاد، يضعونه في أكوام ثم يشغلون النار به. ثم يغطون أكوام الرماد الناتج عن الحرق، بكميات من القش غير محترقة لإخفاء الأمر. وليبدو كما لو كانوا يجمعون كميات من التراب في أكوام لاستغلالها في تربية الماشية.

قش الأرز كسلعة.. الحكومة تستهدف تجميع 500 ألف طن

تستهدف الحكومة تجميع 500 ألف طن قش أرز عن طريق الشركات والمتعهدين في 6 محافظات مختلفة، تشتهر بزراعة المحصول. وذلك بخلاف الكميات التي يستخدمها المزارعون أنفسهم كبديل رخيص لقش القمح مرتفع السعر.

خططت وزارة البيئية لتشجيع قطاع من المزراعين على توريد القش كسلعة بمقابل مالي. لكن المشكلة في عدم وصول المكابس لبعض المناطق، ووقوع بعض قطع الأراضي في مناطق معزولة، بعد الاعتداء على الطرق الزراعية وتضييقها.

دخلت دار الإفتاء على الخط، وأكدت أن حرق قش الأرز حرام شرعًا وفاعله آثم. وقد لفتت إلى أن «قاعدة لا ضرر ولا ضرار مقررة في المقاصد الشرعية». فضلاً عن أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح. وبالتالي لا يجوز للفلاح أو المزارع أن يتخلص من بقايا محاصيله بشكل يسبب ضررًا للناس وصحتهم والبيئة.

معالجة المخلفات يوفر مبالغ ضخمة

تؤكد إحصائيات وزارة البيئة أن العمل على ملف المخلفات الزراعية خاصة تحويل قش الأرز لسماد وعلف يوفر مليار جنيه. كما يساهم في خلق 26 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة للعاملين خلال موسم الأرز، الذي يمتد لمدة شهرين ونصف الشهر.

وخلال الموسم الماضي، تمكنت وزارة البيئة -بالتعاون مع وزارتي الزراعة والتنمية المحلية- من تجميع ما يقرب من 622 ألف طن قش أرز. أي ما يعادل نسبة 120% من المستهدف تجميعه هذا العام. من خلال 700 موقع لتجميع القش.

"تزرع

لم تعلن المحافظات الأكثر إنتاجًا «الشرقية، الغربية، كفر الشيخ، البحيرة، الدقهلية، القليوبية»، عن المحاضر التي تم تحريرها لحرق قش الأرز، باستثناء محافظة الشرقية التي أعلنت الانتهاء من حصاد 98% من المحصول. بإجمالي 210 أفدنة، وتسجيل 10 محاضر فقط. بينما أكدت وزارة البيئة تحرير 12 محضرًا فقط.

وتزرع مصر سنويًا نحو 1.2 مليون فدان أرز، في 6 محافظات بشمال الدلتا، تنتج نحو 4 ملايين طن قش أرز، كان يتم حرقها. أما الآن فيتم تجميع قش الأرز وكبسه في مكابس وفرتها وزارة البيئة، تمهيدًا لتحويلها إلى سماد عضوي وأعلاف خضراء، وفق الدكتور سيد خليفة، نقيب الزراعيين.

يرى خليفة، لـ«مصر 360»، ضرورة التوسع في تجربة قش الأرز التي نجحت فيها الحكومة وتعميمها على باقي أنواع المخلفات الزراعية التي يتم إنتاجها بمصر سنويًا. وتُقدر بنحو 47 مليار طن. مشيرًا إلى ما يتم تدويره منها ولا يتجاوز 3 ملايين طن، تشمل قش الأرز. وهو رقم متواضع جدًا، على حد قوله،

ويطالب نقيب الزراعيين وزيرة البيئة بنقل المعدات المستخدمة في قش الأرز إلى صعيد مصر للتخلص بشكل كامل من المخلفات الزراعية للقصب والذرة وغيرها من المحاصيل التي يتم التخلص من بقاياها عبر حرقها في الحقول مباشرة.

فرص مهدرة للاستغلال

وفقًا للدكتور علاء خليل، مدير معهد المحاصيل الحقلية بوزارة الزراعة، فإن متوسط إنتاجية الفدان من قش الأرز يتراوح مابين 2.5 و3 أطنان حسب الصنف المزروع. ورغم ضخامة كمية قش الأرز، فإنه لا يتم استغلالها اقتصاديًا من قبل المزارعين. باستثناء كمية صغيرة يتم خلطها من الحصاد الأول من البرسيم أو تحت الحيوانات بالمزرعة.

حال حساب عدد الأطنان التي يتم إنتاجها من الفدان مع إجمالي المساحة المنزرعة يتضح أن كميات قش الأرز في مصر كمخلفات تصل إلى 3 ملايين طن، تستهدف وزارة البيئة جمع 500 ألف طن منها. بينما الباقي يظل مهدرًا في عهدة المزارعين الذين يجب أن يتخلصوا منها.

وتركز أعمال التدوير في مصر على إمكانية استثماره في الأسمدة فقط، فيما يبقى استعماله في صناعة الورق محدود للغاية. وذلك بسبب احتياجه لمعالجات كثيرة من أجل تغيير لون المنتج إلى الأبيض.

يمكن إدخال قش الأرز في تكوين وصناعة أعلاف متكاملة. فالقش المُقطع يستخدم فى تكوين هذه الأعلاف التي تتكون من 25% قش مقطع ومطحون. إلى جانب 25% رجيع كون و15% كسر أرز و15% ذرة صفراء و12% كسب عباد شمس. فضلاً عن 2% حجر جيري و1% ملح طعام. ويتم خلط وطحن مكونات العلف السابقة مع بعضها بعد تجهيزها لتكوين العلف.

"المكون

معهد الدراسات العليا والبحوث في الإسكندرية -في دراسة سابقة- كشف أن المكون الأساسي لقش الأرز من السيليلوز بنسبة 60%. وهو يستخدم في العديد من الصناعات، أهمها صناعة الكبسولات الدوائية. إذ أنه سريع الذوبان ولا يوجد له أثر سلبي على صحة الإنسان.

يمكن أيضًا تحويل «السيليلوز» إلى «سيليلوز اسيتيد». وهو المسؤول عن حجز الملح عن المياه. ويستخدم كغشاء يستخدم في معالجة المياه المالحة. وبعدها تصبح مياهًا صالحة للشرب. بل تكون تعدت نسبة المياه العذبة وفقًا لشروط الصحة العالمية.

تجارب دولية

في الصين، تم تطوير تقنيات مبتكرة لتحلية مياه البحر باستخدام قش الأرز. إذ أن الطاقة المشتقة منه تحقق عائدًا يوميًا من الماء النظيف يتراوح بين 6.4 و7.9 كجم لكل متر مربع في الأيام المشمسة. بينما تحقق 4.6 إلى 5.6 كجم في الأيام الغائمة. وقد وصلت المياه الناتجة إلى معايير مياه الشرب المأمونة. مع إزالة أكثر من 99.9٪ من الأيونات المالحة، بحسب مجلة «ايه سي اس» للواجهات والمواد التطبيقية

حولت الصين قش الأرز إلى عيدان ملونة لأغراض للأكل والشرب. وهي مواد قابلة للتحلل الحيوي. ويبدو قش الأرز مثل العيدان البلاستيكية لكنه لا يؤثر على الطعم، ويمكن نقعه في المشروبات الساخنة والباردة دون تأثر لمدة تتراوح بين 3 و10 ساعات.

وفي العاصمة التايلاندية بانكوك، تم افتتاح حديقة ترفيهية، تحتوى على منحوتات ضخمة للحيوانات. وقد صنعت بالكامل من قش الأرز، لتزيد من نسبة السياحة في دولة تنتج من 3 إلى 5 بالمائة من الأرز حول العالم، وتستهلك نصف هذا الكمية في السوق الداخلية، بينما تقوم بتصدير الباقي.

أما في معهد بحوث الأرز الفلبيني، فتم إقناع المزارعين باستخدام قش الأرز كوسيلة لتحسين الزراعة لحماية جذور النباتات من الحرارة، والرطوبة، وزيادة معدل التبخر. ويستخدم أيضًا في منع الأعشاب الضارة من النمو في حقل الأرز.

هذا فضلاً عن استخدام بعض الدول مادة «السيليلوز» الموجوة في قش الأرز بنسبة 60% في صناعة الكبسولات الدوائية. وهو مجال يجب أن تفكر فيه مصر بقوة يعد دخولها مجال صناعة الأدوية أخيرًا عبر مدينة الدواء.