عرف جمهور التلفزيون الشيخ مبروك عطية صاحب رداء العباءة المزين جيبها بوردة، بخفة ظله والدعابة لا تنقطع في حديثه للسائلين ببرامجه الدينية. حتى أنه تحول إلى جبهة تلجأ إليها النساء أملاً في المناصرة، فيما يتعرضن له من ترويع مذهل يتم تحت إطار الزواج الشرعي.

هذا كله كان قبل أن تتصاعد موجة الهجوم ضد الشيخ، تحت وسم #اوقفوا_مبروك_عطية. بعد رده على متصلة بأحد البرامج التلفزيونية، تشتكي عنف زوجها وتكرار اعتدائه عليها، ليرد الشيخ بضرورة التحمل والصبر.

آية محمد، زوجة مصرية تذوقت من أصناف العذاب على يد زوجها ما لا يطيقه بشر. وذلك بداية من حد التقييد بالحديد، والتعذيب البدني والبصق والركل والضرب بأخشاب السرير. حتى وصل الأمر حد التهديد بالسكين. كانت لها مداخلة اشتكت فيها مرارات ما تلقى في بيت الزوجية، إلا أن الشيخ مبروك طالبها بالصبر على الأذى والتحمل. وأن تتذكر جميع الأمور الطيبة التي يقوم بها الزوج. في إصرار عجيب على موقفه، رغم محاولة الإعلامي شريف عامر أن يجعله يتدارك الأمر، وأن يتفوه ولو بكلمة لنبذ العنف، لأنه ليس من التعاليم الدينية. إلا أن ذلك لم يزعزع موقف الشيخ قيد أنملة. في استخفاف واضح بالشرع الذي أوصي بالمرأة بشكل واضح، وحث علي تكريمها وإعلاء مكانتها.

العنف ضد النساء.. الضرب في اللغة

على الرغم من أن الدين الإسلامي حض على ترك العنف في التعامل مع كل شيء. ورسخ لمبادئ الحب والتراحم في العلاقات الإنسانية. إلا أن ذلك لم يمنع رجال الدين من تبرير العنف ضد النساء. بل والتحريض عليه أحيانًا. حتي أنهم صبغوا صبغة دينية على الأمر، مستددلين بالآية الكريمة من سورة النساء في الآية الرابعة والثلاثين «وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ». وذلك في تأول على النص القرآني، طبقًا لما صرحت به الأستاذة الدكتورة آمنة نصير، لـ«مصر 360».

إذ أنه وبمعرفة بسيطة باللغة العربية وتطورها الضرب ليس هنا بالمدلول الفعلي للضرب باليد أو العصا. ولأن الضرب كلمة تحمل معان أخرى في صحيح لغة العرب. فهو المفارقة والمباعدة والانفصال والتجاهل. وفي المعاجم وكتب اللغة والنحو لو تتبعنا كلمة ضرب سنرى مثلاً في قول: ضرب الدهر بين قوم، أي باعد وفرق بينهما، ونجد ضرب عليه الحصار، أي عزله عن محيطه.

هناك العديد من الآيات في القرآن تتبع نفس المعنى في الضرب، ففي سورة طه الآية سبعة وسبعين «فاضرب لهم طريقًا في البحر يبسًا لا تخاف دركًا»، أي أمر موسي أن يفرق لهم طريقًا بين الماء.

الضرب والعنف الجسدي.. معنيان مفارقان

وتتساءل الدكتورة آمنة: لماذا يصر رجال الدين على الزج بالضرب كمصطلح للعنف الجسدي ضد الزوجات. وهو لا يصب في أي مصلحة تفيد وتعلي من شأن الأسرة. بل على العكس؛ الانتقاص من شأن المرأة مضر للمجتمع من جميع النواحي. وتستنكر قائلةً: «وكأن الدين الذي أمر بالرفق والرحمة بالحيوان وعدم المساس به سيترك العنان لضرب الزوجات ببساطة».

لم يستفز حديث الشيخ مبروك عطية الدكتورة ماجدة عدلي، مدير مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب. فهي ترى في هذا توجه قديم معروف لم يأت بجديد، ويواكب بعض توجهات السلطات التنفيذية بالفعل، على حد قولها. لكنها أيضًا ترى أن تأويل كلمة ضرب في القرآن لم يكن له سوى مدلول التباعد والمفارقة ليس أكثر.

وتضيف أن النساء اللاتي يقع عليهن العنف الجسدي حينما يلجأن أحيانًا إلى أقسام الشرطة لتحرير المحاضر، فإنهن قد يتعثرن بضابط يخضع لأهوائه فيعطل اتخاذ الإجراءات القانونية. أو يصطدمن بواقع أن الزوج هو المعيل المادي للأسرة والشاكية لا تجد مأوى بعيدًا عن منزله، فيكون هذا حائلاً أمام تحقيق العدلة لها.

موقف مؤسسة الأزهر من العنف ضد النساء

لم تتخذ مؤسسة الأزهر موقفًا حاسمًا تجاه فتاوى ضرب النساء. وجل ما تم الإدلاء به كان موقف المفتي السابق الشيخ علي جمعة وما صدر عن دار الإفتاء المصرية، من إباحة ضرب الزوج زوجته بفرشاة الأسنان. وكان الهدف من تلك الفتوى توضيح عدم جواز ضرب المرأة «إلا عند الضرورة القصوى، وبهدف إصلاحها وتقويمها». ذلك وفقًا لما أوضحه مفتي الجمهورية السابق.

أما شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، فقد قال في حديث تلفزيوني سابق إن ضرب الزوج لزوجته له نظام وحدود. وأن من شروطه ألا يكسر لها عظمًا، وألا يؤذي لها عضوًا. فإذا ضرب وتجاوز مسألة الأذى فهذا حرام، ويعاقب عليه. كما لا يجوز له أن يضرب باليد، ولا أن يضرب على الوجه ولا يخدش شيئًا ولا يترك أثرًا نفسيًا على الزوجة. وذلك في إسناد إلى الحديث الذي روي عن جابر بن عبدالله أن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: «..اتَّقوا اللَّهَ في النِّساءِ، فإنَّكم أخذتُموهنَّ بأمانةِ اللَّهِ، واستحلَلتُمْ فروجَهُنَّ بِكَلمةِ اللَّهِ، وإنَّ لَكُم علَيهنَّ أن لا يوطِئنَ فُرشَكُم أحدًا تَكْرهونَهُ، فإن فعلنَ فاضربوهنَّ ضربًا غيرَ مُبرِّحٍ، ولَهُنَّ علَيكُم رزقُهُنَّ وَكِسوتُهُنَّ بالمعروفِ…) [صحيح أبي داود | خلاصة حكم المحدث: صحيح].

على الرغم من أن مؤسسة الأزهر تمتلك من علماء اللغة بالقدر الذي يسمح لها بتجديد الخطاب الديني. إلا أنها تكتفي بالتفسير والتأويل القديم للنصوص الدينية. ما دفع رئيس الجهورية عبد الفتاح السيسي -خلال مداخلة هاتفية على القناة الأولى ببرنامج التاسعة مع الإعلامي يوسف الحسيني- أن يتحدث عن تصوره عن تجديد الخطاب الديني. فقال: «الدين الذي أنزله الله سبحانه وتعالى، لن يضيع»، مستغربًا من مخاوف العلماء من ضياعه.

وتستمر الفتاوى

فتاوى الصبر على أذى الزوج لا تنقطع. فالشيخ محمد عبدالسميع، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، قال في مقطع فيديو منشور له عبر قناة «يوتيوب» الخاصة بدار الإفتاء المصرية، إن الصبر على أي أمر في حياتنا له ثواب، ولكن لكل شئ حد. فربما زوج شديد في أسلوبه ومعاملته لها أن تتحمله زوجته. ولكن إن فاض بها فلا يأمرها الشرع أن تتحمل، بل يأمرها أن ترفع عن نفسها هذه المعاناة والحالة الشديدة. وعليها أن تلجأ لأوليائها ولأهله حتى يتدخلوا ويحلوا ما بينهما من مشاكل. فالمصارحة وحوار العقلاء يحل كثيرًا من المشكلات.

نعم، قال هذا لكنه لم يؤكد على حقوق المرأة في الانفصال أو اللجوء للقانون إذا تفاقم أذى الزوج، ووصل إلى الأذى الجسدي.

كما قالت الدكتورة نادية عمارة، الداعية الإسلامية، سابقًا عبر قناة «الحياة»، إن كل زوجة تصبر على أذى زوجها وسوء خلقه لها من الأجر والثواب مثلما كان لآسيا امرأة فرعون. وإن الزوجة عليها أن تكثر من الدعاء لهداية زوجها واستمرار الحياة الزوجية، لعل الله يغير حاله إلى حُسن المعاملة. خاصة إذا كان بينهما أطفال. لأن هذا أدعى إلى الصبر والتقرب إلى الله بالدعاء، على حد قولها. وأيضًا دون أن تشير إلى حقوق المرأة في حياة سوية سليمة تتماشى مع ما وصف القرآن به هذه العلاقة من «مودة ورحمة».

المعنفات زوجيًا في مصر

مع ما تشير إليه الإحصائيات من تفشي العنف الزوجي ضد النساء في مصر، ذكرت النائبة أمل سلامة عضو لجنة الإعلام بمجلس النواب المصري لعام 2020 أن 8 ملايين سيدة تعرضن للعنف خلال العام المنصرم، و86% من الزوجات تعرضن للضرب، و50% من حالات الطلاق بسبب ضرب الزوج لزوجته. وكانت النائبة تقدمت بمشروع قانون لتغليظ عقوبة تعدي الزوج على الزوجة، بالحبس مدة لا تقل عن 3 سنوات ولا تزيد على 5 سنوات.

وطبقًا لنتائج مسح التكلفة الاقتصادية للعنف القائم على النوع الاجتماعي الذي أصدره المجلس القومي للمرأة بالتعاون مع الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء لعام 2020، فإن 5 ملايين و600 ألف امرأة يعانين من عنف الزوج أو الخطيب سنويًا. وهناك 2 مليون و400 ألف امرأة أصبن بنوع واحد أو أكثر من الإصابات نتيجة لعنف على يد الزوج أو الخطيب. كما أن مليون امرأة يتركن منزل الزوجية نتيجة العنف على يد الزوج. وتصل تكلفة السكن البديل أو المأوي عندما تترك النساء منازلهن بسبب العنف على يد الزوج إلى 585 مليون جنيه سنويًا.

وتتعرض نحو 200 ألف امرأة سنويًا لمضاعفات في الحمل نتيجة العنف على يد الزوج. بينما لم يتعد عدد النساء اللائي يبلغن الشرطة بحوادث العنف 75 ألف امرأة. وهو أمر يظهر الإغفال بشكل متعمد من رجال الدين. وكأن دفن الرأس في الرمال حل أمثل لمشكلة العنف الزوجي في مصر.

اقتراحات لوقف دائرة العنف

البحث عن وسيلة لمنع العنف ضد الزوجات في مصر أشبه بالبحث عن إبرة في كومة من القش. ذلك لغياب دور المؤسسات الرقابية أو انعدام وجودها، كما الحال في هذه القضية التي عُرضت على الشيخ مبروك عطية.

فالمركز القومي المرأة خصص رقمًا لشكاوي المرأة بشكل عام وهو 15115 إلا أنه لا يتحرك للحالات إلا بضغط شعبي وحملات على وسائل التواصل الاجتماعي.

ويجب على الحكومة تنظيم وسائل لحماية المرأة مع الجهات الرقابية. كتخصيص مكتب لكل منطقة يتولى تسجيل شكاوي النساء ضد العنف الزوجي، دون إفشاء أسرار الضحية. وتقديم الدعم القانوني والنفسي وتوجيهها للقيام بالإجراءات القانونية المطلوبة، ودعمها حتي لا تتعرض للتهديد أو الابتزاز نتيجة لإقدامها على تلك الخطوة.

كما ينبغي توفير طبيب بشري لفحص الإصابات وتوفير الدعم النفسي للمرأة المعنفة وأطفالها التي تقوم غالبًا برعايتهم. على أن يتم الترويج لتلك المكاتب عبر قنوات التليفزيون والراديو الرسمية التابعة للحكومة المصرية، وتبث أيضًا عبر الفضائيات، حتي تصبح معلومة لدى الجميع، فتطمئن النساء اللاتي يرغبن في الشكوى، ويُعلم ذلك الأزواج الذين يمارسون العنف بحق زوجاتهم.