رغم التفاؤل الحذر بإلغاء حالة الطوارئ في مصر، وما سبق من إعلان للاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، عاد هذا الملف إلى دائرة الإجراءات الاستثنائية مجددًا. بعد أن وافق مجلس النواب على عدد من مواد مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون مكافحة الإرهاب.
تعديلات قانون مكافحة الإرهاب
التعديلات شملت المادة (53) من القانون الصادر بالقانون رقم 94 لسنة 2015. وذلك بإضافة نص: «على السلطة المختصة بإصدار القرارات المنفذة للتدابير إلى القرار الجمهوري الذي يصدر بفرض تدابير لمواجهة الإرهاب في بعض المناطق التي يحددها القرار المشار إليه بالمادة».
وتنص المادة 53 فقرة أولى على: لرئيس الجمهورية، متى قام خطر من أخطار الجرائم الإرهابية أو ترتب عليها كوارث بيئي، أن يصدر قرارًا باتخاذ التدابير المناسبة للمحافظة على الأمن والنظام العام. بما في ذلك إخلاء بعض المناطق أو عزلها أو حظر التجول فيها. على أن يتضمن القرار تحديد المنطقة المطبق عليها لمدة لا تجاوز ستة أشهر. وكذا تحديد السلطة المختصة بإصدار القرارات المنفذة لتلك التدابير.
أيضًا تقررت الموافقة على تغليظ العقوبة. وذلك بإدخال النص الآتي: مادة 36- يحظر تصوير أو تسجيل أو بث أو عرض أي وقائع من جلسات المحاكمة في الجرائم الإرهابية، إلا بإذن من رئيس المحكمة المختصة. ويعاقب بغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز ثلاثمائة ألف جنيه كل من خالف هذا الحظر.
تغليط العقوبة
مادة 32 مكرر: مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد منصوص عليها في أي قانون آخر يعاقب كل من خالف أي من التدابير الصادرة. وذلك وفقًا لأحكام المادة 53 من هذا القانون، والقرارات الصادرة تنفيذًا لتلك التدابير بالعقوبات المنصوص عليها في قرار رئيس الجمهورية المشار إليه. بشرط ألا تزيد العقوبة المقيدة للحرية على السجن المشدد، وألا تزيد الغرامة على مائة ألف جنيه. وإذا لم ينص قرار رئيس الجمهورية المشار إليه على عقوبات حال مخالفة أي من التدابير الواردة به، والقرارات الصادرة تنفيذًا لتلك التدابير، فيعاقب على مخالفة أي منها بالسجن وبغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه، ولا تزيد على خمسين ألف جنيه. أو بإحدى هاتين العقوبتين.
بينما برر تقرير لجنة الشؤون التشريعية والدستورية بالمجلس هذه التعديلات بأنها تستهدف مواجهة أخطار الجرائم الإرهابية. وبما يكفل استيعاب النماذج المستحدثة في هذا المجال. اتساقًا مع ما أفرزته التجارب الدولية والإقليمية والمحلية من صور النشاط الإرهابي.
الدولة لا تحتاج الطوارئ.. «الإرهاب» يعاقب 74 تصرفًا مباحًا
وقد أفرغ تعديل قانون مكافحة الإرهاب قرار إلغاء حالة الطوارئ -في 25 أكتوبر الماضي- من مضمونه. وبدا كأنه يسير عكس طريق المطالبات المتكررة بالحد من القوانين الاستثنائية. وخطوة شكلية، استبدلت قبل سنوات بسلسلة قوانين أخرى حلت محلها، في التظاهر والصحافة ومواجهة الإرهاب.
يوضح المحامي ناصر أمين ذلك، فيقول إن كل النصوص الاستثنائية التي تبيح القبض والتفتيش والحبس دون التقيد بقانون الإجراءات الواردة في قانون الطوارئ، تم نقلها إلى قوانين أخرى ما تزال سارية، ولا يتطلب تطبيقها إعلان حالة الطوارئ. «ما يزال لدى السلطة التنفيذية السند التشريعي لعدم الالتزام بقانون الإجراءات الجنائية الطبيعي، لا شيء مهم في إلغاء الطوارئ».
ويشير آمين إلى أن المشكلة الكبرى تكمن في التعديلات القانونية أو التشريعات التي صدرت منذ 2015 وحتى الآن، وتتعلق بجرائم النشر. خاصة قانون مكافحة الإرهاب الذي صنف 74 تصرفًا على أنها جرائم. وهي تصرفات تدور في نطاق الأفعال المباحة. لكنها وصفت في هذا القانون بأنها جريمة، وعلى رأسها جرائم «نشر أخبار كاذبة».
طورأة قانون مكافحة الإرهاب
يقول المحامي طارق نجيدة إن مشروع التعديلات التي أقرها النواب اقتبس النصوص الموجودة في قانون الطوارئ. فأعاد إلى الرئيس والسلطة التنفيذية حق اتخاذ تدابير احترازية، حال الضرورة. ومن ثم توقيع عقوبات غير محددة بتوقيت. وفي ذلك «طورأة» لقانون مكافحة الإرهاب. بما لا يتناسب مع الانفراجة التي أسعدت قطاعات كبيرة من المواطنين بإلغاء الطوارئ، وما سبقها من نوايا فيما يخص إنهاء ملفات المحبوسين احتياطًا من أصحاب الرأي، على حد قوله.
لكنه يستدرك فيضيف أن المشروع الجديد يشير إلى نية لقصر التدابير الاستثنائية على مكافحة حالة الإرهاب فقط. وفي ذلك جانب إيجابي علينا أن نستخلصه -على حد قوله- مشيرًا إلى ضرورة ألا يتوسع التعديل ليشمل أنشطة أخرى. فالدولة باتت مطالبة الآن بأن تكتفي بما هو منصوص عليه في قانون العقوبات المصري ويمنح المواطن حق الوقوف أمام القاضي الطبيعي، دون إنشاء محاكم خاصة، نادت المطالب الوطنية لـ 40 عامًا بإنهائها وإلغاء حالة الطوارئ التي فرضتها.