بينما أعلنت مفوضية الانتخابات العراقية، مطلع الشهر الحالي. مطابقة نتائج العد اليدوي مع الفرز الإلكتروني بنسبة % 100. في المراكز المطعون بها، حيث قام مجلس المفوضين، بإعادة عمليات الفرز والعد. فإن عملية تشكيل الحكومة العراقية تمثل الخطوة الإجرائية التالية. بعد المصادقة على نتائج الانتخابات المبكرة، ثم الإعلان عنها، رسميا، والمتوقع الانتهاء منها، خلال الأسبوع.
ووفقا للمفوضية فإن نتيجة عملية العد والفرز اليدوي لمحطات هذه المحافظات سترفع إلى مجلس المفوضين. لاتخاذ التوصية المناسبة بشأنها في ضوء الإجراءات المتبعة. كما جدد ممثلو المفوضية دعوتهم “لمراقبي الكيانات وممثلي المرشحين الطاعنين للحضور إلى قاعة العد والفرز اليدوي لمتابعة الإجراءات السارية هناك. التي تستمر وفق الإطار القانوني. لأن حضور المراقبين يعطي المزيد من الثقة بين المفوضية والمرشحين. وهم يتابعون عملية العد والفرز التي تجري من دون أي قيود أو عراقيل”.
ويشير البيان الصادر عن المفوضية إلى أن القرار بفتح عدد من المحطات. وفق الطعون التي تم تقديمها والبالغة أكثر من 2000 محطة. موزعة على مختلف المحافظات. استناداً إلى إجراءات قانونية نشرت عبر الموقع الرسمي للمفوضية. كما طالبت المفوضية “وكلاء المرشحين الذين طعنوا بالنتائج وفرق المراقبة إلى الحضور، لمراقبة عملية العد والفرز في بغداد.
التيار الصدري
واللافت أن زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر. يبعث بعدة رسائل بشأن محاولات تغيير مجريات نتائج الانتخابات العراقية. وتحديدا الضغوطات الإقليمية التي تحاول التأثير على الأوضاع المحلية.
وغرد الصدر، مطلع الأسبوع، على حسابه في “تويتر”: “تصلنا أخبار مؤكدة بتدخلات إقليمية بالشأن العراقي الانتخابي والضغط على الكتل والجهات السياسية من أجل مصالح خارجية فيها ضرر كبير على العراق وشعبه”.
وأضاف: أدعو جميع الدول ذات التدخلات الواضحة إلى سحب يدها فوراً”، مضيفا: “كما أنني رفضت التحاور معهم. فعلى الكتل عدم اللجوء إليهم وإدخالهم في شؤوننا الداخلية”. وأكد الصدر: “نحن عراقيون ونحل مشاكلنا فيما بيننا حصراً. وإلا ففي تدخلهم وإدخالهم، إهانة للعراق وشعبه واستقلاله وهيبته وسيادته.
تمكن مقتدى الصدر من تحقيق مكانة متقدمة في الانتخابات البرلمانية العراقية. ما يرتبط بصورة أساسية بالدور الذي لعبه في الدفاع عن “متظاهري تشرين”. الذين خرجوا للتعبير عن رفضهم للنفوذ الإيراني والفساد الحكومي.
حصد “التيار الصدري” 73 مقعداً بعد أن حصل على 54 مقعداً في انتخابات عام 2018.
وبالتبعية، حققت الكتل المنبثقة من تظاهرات “تشرين”، مثل “امتداد” ومرشحون مستقلون آخرون محسوبون عليها، نحو 15 مقعداً. فيما حققت كتلة جديدة تعرف بـ “إشراقة كانون” (غير معروفة القيادة) نحو 6 مقاعد. وبالتالي، فإن “القوى المناوئة للنفوذ الإيراني في العراق حصدت نحو 21 مقعداً إضافيًا. ما يزيد من وزن القوى الشيعية المعادية صراحة لطهران بنحو 94 مقعداً”.
ومن بين النتائج المباغتة التي تحققت بعد الإعلان عن النتائج الأولية للانتخابات هزيمة الأحزاب المتحالفة مع تركيا. فلم تحصل “قائمة متحدون” التي يتزعمها رئيس البرلمان الأسبق، أسامة النجيفي، والمقرب من تركيا. على أي مقاعد في هذه الانتخابات. وكذلك انتكس الحزب الإسلامي العراقي، الذراع السياسية للإخوان المسلمين. الذي كان يحصد نسبة من المقاعد في أغلب المحافظات العراقية السنية.
تحالف عزم
ويشير مركز المستقبل إلى أن “تحالف عزم” السُني. بقيادة رجل الأعمال خميس خنجر. الذي ضم فصائل مسلحة موالية لإيران. لم يحقق مكانة متقدمة في الانتخابات، إذ حصل على نحو 15 مقعداً فقط.
ويتابع: على الرغم من أن القوى الداعمة للاحتجاجات العراقية في المحافظات الجنوبية الرافضة للنفوذ الإيراني لم تنجح في بلورة نفسها في حزب سياسي متماسك. فإنها نجحت في النهاية في التأثير على نتائج الانتخابات العراقية الحالية على أكثر من مستوى.
ويعيد مركز المستقبل ذلك التراجع الواضح لأغلب الكتل الشيعية المرتبطة بإيران. إلى أن هذه الحركة أعادت التأكيد على الروح الوطنية العراقية. وأهمية سيادة وصيانة استقلال العراق في مواجهة التدخلات الأجنبية. التي لم تقتصر على إيران، ولكنها امتدت كذلك إلى تراجع حظوظ الأحزاب العراقية المرتبطة بتركيا على نحو ما سلف توضيحه”.
ولعت تأثير النظام الانتخابي الجديد. دوراً مهماً في هذه الانتخابات. فقد اتبع العراق في هذه الانتخابات نظام الدوائر الانتخابية المتعددة الجديد. الذي قسم البلاد إلى 83 دائرة انتخابية. توزع على عدد المحافظات وبحسب نسبها السكانية، ووفق نظام الاقتراع الأحادي الذي يصوت فيه الناخب لمرشح واحد فقط.
انفراط عقد الكتلة الشيعية
ويشرح الأكاديمي العراقي الدكتور محمد نعناع. أنه بعد انفراط عقد الكتل الشيعية بعد العام 2010 وهي آخر انتخابات خاضها الشيعة متحدين ضمن التحالف الوطني، لم يعد هناك ثمة مفهوم وواقع حقيقيين للكتلة البرلمانية الأكثر عددا حسب المادة 76 من الدستور.
ويلفت نعناع في حديثه لـ”مصر 360″ أنه قد تم تجاوز المسار الدستوري في انتخابات 2014 من خلال تجمع القوى الشيعية عبر انشقاقاتها وظهور متعددة تمكنت من صياغة اتفاق سياسي اختار حيدر العبادي رئيسا للوزراء وصوتت له الكتل الاخرى على أساس أنه ممثل حصة الشيعة وليس مرشح الكتلة النيابية الاكثر عددا.
ووفقا لنعناع، ففي العام 2018 تم اختيار عادل عبد المهدي رئيسا للوزراء بعد اتفاق بين كتلتي “الفتح” و”سائرون”. إثر لقاء جمع بين مقتدى الصدر وهادي العامري. وفشل تحالف الإصلاح وكذا تحالف البناء العابرين للطائفية والقائمين على أسس مصلحية وجهوية إقصائية من الوصول الى الأرقام النيابية المطلوبة لتحقيق الكتلة الأكبر.
ويتابع: حاليا لا يمكن الرجوع إلى اعتماد الكتلة الاكبر عددا حسب تفسير المحكمة الاتحادية في العام 2010 بسبب وجود نفس الظروف لانتخابات 2014 و 2018 وتقارب حجم الكتل نتيجة تقارب النتائج الانتخابية وعدم قدرة الكتل على الاندماج مع بعضها لاختلاف توجهاتها وأولوياتها.
استمرار المحاصصة
لذلك ستبقى الترتيبات المحاصصاتية هي الآلية المتبعة في عملية تشكيل الحكومة المقبلة. وفقا للأكاديمي العراقي. التي أضيف إليها في آخر جولات تفاوضية عند اختيار الكاظمي بأن تكون شخصية رئيس الوزراء مقبولة ضمن الفضاء الوطني. وهذا يعني أن لا يكون محسوبا على اتجاه معين. بل يوازن بين رغبات المتحاصصين، فالسيناريو الاقرب او المسار الأكثر واقعية لتشكيل الحكومة الجديدة لن يكون على أساس الكتلة الفائزة في الانتخابات ولا على أساس الكتلة النيابية الأكثر عددا في البرلمان. بل سيتم الاتفاق على مسار تفاوضي يأخذ من خلاله كل طرف حصته من المناصب الحكومية حسب حجمه الانتخابي، وسيضرب عرض الحائط البرنامج الحكومي لأنه سيكون توافقيا وليس على أساس برنامج حكومي مهني مدروس وقائم على اساس فني يراعي المصالح والاولويات الوطنية.
تأخير تشكيل الحكومة
وهذا النمط التفاوضي بالضرورة سيؤخر عملية تشكيل الحكومة لكثرة الفاعلين الراغبين بالانضمام للتشكيلة الوزارية الجديدة. ومن المتوقع وفقا للمصدر ذاته فشل أكثر من صفقة تفاوضية قبل الوصول إلى الصيغة النهائية التي ستاتي مشوهة بفعل ضيق الوقت فيما بين المصادقة على نتائج الانتخابات من قبل المحكمة الاتحادية وبين موعد عقد الجلسة الاولى للبرلمان برئاسة أكبر الأعضاء سناً.
يتفق في الرأي ذاته، المحلل السياسي العراقي محمد الجبوري. الذي يرى أن البيت السياسي لكل من المكون السني والكردي. ينتظر كما هي العادة “انتهاء خلافات أو مآلات البيت السياسي الشيعي للشروع نحو التفاوض والتحالف مع الطرف الأقوى شيعيا.
ويشير الجبوري لـ”مصر 360”. إلى أنه، حتى الآن، البوصلة تبدو غير واضحة داخل البيت الشيعي المتشظي بفعل الخسارة القاسية لأطرافهِ بالانتخابات والفوز الساحق لأطراف أخرى.
وتابع: لا شك أن الصراع يجب أن يحسم ما بين كتلتي الصدر والمالكي. وأيا منهما يستطيع كسب الآخر المذهبي والقومي. مع العلم أن التشظي السياسي والحزبي الشيعي أمر معتاد طبعا بعيد كل انتخابات. ويكون مرده إيجابيا على حلفاء السلطة الآخرين من السنة والكرد. من أجل فرض شروطهم بشيء من الأريحية السياسية.
واختتم: على ما يبدو أن هذه المرحلة هي الأكثر تعقيدا للكتل الشيعية. لجهة تعدد أطرافه الساعية لمحاصرة بعضها البعض، بعدما كان قرار البيت الشيعي محصوراً بين تحالفي “سائرون” و”الفتح “في الدورة النيابية السابقة عام 2018، ونستطيع القول إن الوضع مازال قابلاً لتغيير الاصطفاف.