بعد عام على اتفاقيات التطبيع العربية مع إسرائيل، لم يعد هناك شك بأن الإمارات قدمت لتل أبيب خلال الفترة الماضية، ما لم تحلم به طيلة سنوات صراعها مع الدول العربية. وهو أمر جعل أبوظبي على قائمة الداعمين لتل أبيب في خطتها نحو «السلام الأكثر دفئًا» مع العرب. بينما عزز ذلك ظروف وتخل خليجي عن القضية الفلسطينية، مهد للتطبيع مسارًا، لم يعد يقلقه سوى ما تبقى من دعم عربي لقضية الفلسطينيين، والحذر المصري الأردني من مآلات التطبيع على قوتهما الإقليمية.

التطبيع مع إسرائيل.. لماذا كان الخليج الأقرب دائمًا؟

يحلل معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS) العام الأول للتطبيع، فيذكر أن دول الخليج كانت دومًا الأقرب لعلاقات ثنائية طبيعية مع إسرائيل. وذلك لعدة عوامل رئيسية، لعل أهمها علاقات هذه الدول بالولايات المتحدة، خاصة في فترة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

ويشير تقرير -أصدره المعهد حديثًا في هذا الشأن- إلى أن رحلة التطبيع مهدها تغير واضح في موقف هذه الدول من الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. إذ خفضت دول الخليج بشكل تدريجي -خلال سنوات- مطالبها من إسرائيل كشرط للتطبيع. وتخلت فعليًا عن الصفقة الضمنية لمبادرة السلام العربية. بينما ألقى عدد من التصريحات الصادرة عن الخليج -في الآونة الأخيرة- باللائمة على الفلسطينيين في عدم إحراز تقدم في حل النزاع على الأراضي المحتلة.

أيضًا، طورت إسرائيل «علاقات سرية» مع العديد من دول الخليج في المجالات الأمنية – الاستخباراتية والاقتصادية – التجارية. ومؤخرًا انخرطت معها علنًا في حوارات إقليمية بين الأديان، بقيادة الإمارات.

ووفق معهد الدراسات الإسرائيلي، كانت المحفزات الأكثر قوة للتطبيع مع إسرائيل مرتبطة بعلاقات الدول الخليجية مع الولايات المتحدة، وما ستكسبه من إدارة ترامب. فضلاً عن القلق المشترك من النفوذ الإيراني والتوسع التركي في المنطقة. وحتى قبل توقيع اتفاقية التطبيع، أصبحت العلاقات مع إسرائيل أكثر انفتاحًا. وإن كان ذلك في الإمارات وحدها.

كيف تطورت العلاقات الإسرائيلية-الإماراتية؟

بحسب التقرير الإسرائيلي، فإن التطبيع مع الإمارات يتطور بشكل أسرع ويؤتي ثماره بسبب عدد من العوامل، أهمها: قوة اقتصاد الدولة (ثاني أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط)، وانخفاض عدد سكانها الأصليين. فضلاً عن الافتقار لمعارضة داخلية نشطة.

وقد وصل حجم التجارة المبلغ عنه بين إسرائيل والإمارات إلى حوالي نصف مليار دولار (بما في ذلك الماس، الذي كان يمثل معظم التجارة بين الدول حتى قبل التطبيع).

وأدت اتفاقيات التطبيع إلى نمو هائل في التجارة الخارجية الإسرائيلية، وفقًا لمكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي. ففي عام 2019، بلغت الصادرات من إسرائيل إلى الإمارات 11 مليون دولار، والواردات صفر. بينما في عام 2020 بلغت الصادرات 18 مليون دولار، والواردات 75 مليون دولار.

أدت اتفاقية التطبيع مع الإمارات إلى نمو هائل في التجارة الخارجية الإسرائيلية
أدت اتفاقية التطبيع مع الإمارات إلى نمو هائل في التجارة الخارجية الإسرائيلية

فيما بلغت الصادرات من إسرائيل إلى الإمارات -في الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي- 68 مليون دولار ، والواردات 241 مليون دولار. وهي أرقام تشير فقط إلى التجارة في السلع المبلغ عنها، بدون الماس. كما أنها لا تعكس قطاع الخدمات، بما في ذلك السياحة وقطاع التكنولوجيا العالية.

ووقعت الدولتان مذكرات تفاهم واتفاقيات تعاون في مجالات الثقافة والعلوم والأمن الغذائي، والماء والدواء. ومع ذلك، فإن بعض اتفاقيات المتابعة، مثل صندوق الاستثمار الذي أُعلن في مارس 2021، قد تم تعليقها لأسباب بيروقراطية فقط.

الإمارات مهتمة بالاستثمار في أمن إسرائيل القومي

أيضًا، أعربت الإمارات عن اهتمامها بالاستثمار في مجالات مهمة مرتبطة مباشرة بالأمن القومي لإسرائيل.

وضمن أكبر اتفاقية تجارية بين الدولتين، باعت شركة Delek Drilling الإسرائيلية حصتها في حقل غاز تمار، وتبلغ 22% من الحقل، إلى شركة مبادلة للبترول، المملوكة لحكومة أبوظبي.

كما وقعت إسرائيل مذكرة تفاهم ملزمة لنقل النفط الإماراتي من البحر الأبيض المتوسط ​​إلى البحر الأحمر باستخدام المرافق القائمة بين إيلات وعسقلان. وكذلك وقعت شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية اتفاقية مع شركة طيران الاتحاد من أبوظبي لإنشاء منشأة في أبوظبي لتحويل طائرات الركاب إلى تشكيلة شحن. وأعلنت شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية عن تعاونها مع مجموعة التقنيات المتقدمة الإماراتية (EDGE)، لتطوير نظام متقدم ضد الطائرات بدون طيار والطائرات بدون طيار.

المستفيدون عربيًا من التطبيع مع إسرائيل

يذكر تقرير معهد الدراسات الإسرائيلي، أن دولة الإمارات كانت لها مصلحة واضحة في تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة وتسجيل نقاط مع إدارة ترامب. فضلاً عن تحسين صورتها ومكانتها كلاعب إقليمي مؤثر. فعلى المستوى العملي، أرادت الإمارات الوصول إلى أنظمة أسلحة أمريكية متطورة. بينما في الداخل، تم تقديم الاتفاق مع إسرائيل على أنه انتصار دبلوماسي، يهدف إلى إفادة الفلسطينيين، والثمن الضروري لوقف نية إسرائيل في فرض سيادتها على الضفة الغربية.

بيما كانت البحرين تبحث قبل كل شيء عن تقوية علاقاتها مع الولايات المتحدة. بالإضافة إلى تعزيز أمنها ضد التهديد الإيراني. فضلاً عن تعزيز اقتصادها من خلال العلاقات مع إسرائيل. وهنا، يذكر التقرير أنه من المشكوك فيه أن الاتفاق بين إسرائيل والبحرين كان سيحدث لولا موافقة السعودية، التي لها تأثير حاسم على العلاقات الخارجية للبحرين والإمارات.

وبالنسبة للسودان، كان التطبيع مع إسرائيل هو الثمن المدفوع لقرار واشنطن بإزالة الدولة من قائمة الدول الراعية للإرهاب بعد 27 عامًا. إلى جانب حزمة مساعدات مصاحبة بقيمة مليار دولار من البنك الدولي. وهكذا، فإن مصلحة السودان الغالبة في الموافقة على تطبيع العلاقات مع إسرائيل كانت اقتصادية. حيث افترض المسؤولون في الخرطوم أن الإعانات المالية التي ستنجم عن هذه القرارات ستساعد على استقرار البلاد. فيما جاء تطبيع المغرب مع إسرائيل مقابل قرار واشنطن الدراماتيكي بالاعتراف رسميًا بالسيادة المغربية في الصحراء الغربية.

اختبار التطبيع.. عملية حارس الجدران

يقول التقرير الإسرائيلي إن جولة القتال التي اندلعت بين إسرائيل وحماس في مايو 2021، وخاصة أحداث القدس التي سبقتها، شكلت أول اختبار مهم لقوة اتفاقيات التطبيع. ويحلل رد فعل الدول العربية على هذه الحرب، فيذكر أن الإمارات والبحرين والسودان والمغرب انتقدوا إسرائيل حينها، لما وصفوه بأنه اعتداء على حقوق الفلسطينيين وحرمة الأقصى. ما يعكس اهتمامًا بالتضامن مع الفلسطينيين. خاصة بعد اتهام الدول الأربع بـ«الخيانة» عند توقيعهم اتفاقيات التطبيع.

ومع ذلك، فإن الهدوء النسبي في القدس بعد أيام قليلة من التوتر. إلى جانب التحول في مركز الثقل إلى الاشتباكات المباشرة بين إسرائيل وحماس، سمح لحلفاء إسرائيل الجدد، بالابتعاد عن الأضواء السياسية، على حد وصف التقرير. فأصبحت تعليقاتهم تدريجيًا أقل حدة، وحملت مسؤولية التصعيد على عاتق كل من إسرائيل وحماس.

أعطى رد الفعل العربي الخفيف نسبيًا هذا لإسرائيل وقتًا لمواصلة غاراتها الجوية على غزة
أعطى رد الفعل العربي الخفيف نسبيًا هذا لإسرائيل وقتًا لمواصلة غاراتها الجوية على غزة

وإلى جانب إعلان هذه الدول تعاطفها الأساسي مع الفلسطينيين والتغطية الواسعة من غزة أثناء القتال، فقد أبلغوا أيضًا عن هجمات على مواطنين إسرائيليين. كما ألقى كتاب الأعمدة في وسائل الإعلام العربية الرسمية وشبه الرسمية بهذه البلدان، باللوم على حماس في القتال والأضرار التي لحقت بسكان غزة. بل وعبروا عن بعض التعاطف مع المواطنين الإسرائيليين الذين أجبروا على العيش في الملاجئ بسبب وابل الصواريخ والقذائف. كما تجنبوا التصريحات حول العنف بين اليهود والعرب داخل إسرائيل .

ردود الفعل التي منحت لإسرائيل الوقت

وقد أعطى رد الفعل الخفيف نسبيًا هذا لإسرائيل وقتًا لمواصلة غاراتها الجوية على غزة. وفي ذروة الحرب على غزة، أعرب وزير خارجية الإمارات عن دعمه لاستمرار عملية التطبيع مع إسرائيل.

ووفق التقرير الإسرائيلي، فإن الحرب على غزة أبطأت زخم عدد من المبادرات الثنائية الإسرائيلية الإماراتية والإسرائيلية المغربية. لا سيما على مستوى المجتمع المدني. ومع ذلك، فإن الانتقاد الموجه لإسرائيل، والذي تمحور حول الأحداث في القدس، لم يترجم إلى خطوات عملية مثل استدعاء السفراء أو إلغاء الاتفاقات.

يذكر التقرير أيضًا، أنه مع استمرار القصف الإسرائيلي، كان من الصعب على هذه الدول العربية الالتزام بهذا الخط السياسي. ونظرًا للدمار الهائل الذي لحق بقطاع غزة، أبدت تدريجيًا دعمًا أقوى للفلسطينيين. رغم أنها ميزت بين الدعم الديني والإنساني للفلسطينيين، وضرورة الاستمرار في الالتزام بالاتفاقيات مع إسرائيل.

حرب غزة.. «رقصة المغرب» الدبلوماسية وتنهيدة السعودية

وقد نجحت إسرائيل -وفق تقرير معهد الدراسات الإسرائيلي- في الخروج من حرب غزة دون تآكل في اتفاقياتها مع العرب. وذلك باستثناء وحيد لمعاملة عربية معادية باتجاه الاحتلال، سجلها التقرير على المغرب. حيث كتب رئيس الوزراء المغربي سعد الدين العثماني، بعد وقف إطلاق النار، رسالة إلى رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، يشيد فيها بـ «انتصار» الحركة على إسرائيل. وفي يونيو، سافر هنية بنفسه إلى المملكة المغربية للقاء شخصيات رفيعة المستوى داخل وخارج الحكومة.

وبينما يبدي التقرير الإسرائيلي قلقًا من هذه التطورات، إلا أنه يراها لا تعكس رغبة من جانب النظام الملكي في التراجع عن استعادة العلاقات مع إسرائيل، بقدر ما تعكس ديناميكيات داخل المشهد السياسي المغربي الداخلي. حيث الحزب الإسلامي كان حريصًا على تلميع أوراق اعتماده قبل الانتخابات التشريعية في الخريف.

ففي الواقع، في اليوم الذي وصل فيه هنية إلى المغرب، هنأ الملك محمد السادس رئيس الوزراء بينيت على تشكيل حكومته. وبحلول أغسطس، سافر وزير الخارجية الإسرائيلي إلى المملكة لفتح مكتب الاتصال الإسرائيلي رسميًا.

ويصف التقرير موقف المغرب تجاه الحرب في غزة بـ«رقصة دبلوماسية» مع حماس. وأنه بمثابة تذكير بأنه طالما لم يتم حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، فإن استمرار حاجة القادة العرب لتعزيز نواياهم الحسنة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية سيثير احتمال حدوث مواقف دبلوماسية غير مريحة لإسرائيل.

يشير التقرير أيضًا، إلى أن أحداثًا مثل التصعيد بين إسرائيل وحماس يمكن أن تمنح الدول التي اختارت الجلوس على السياج ولم تنضم حتى الآن إلى اتفاقيات إبراهام سببًا إضافيًا لتجنب التطبيع مع إسرائيل. ويقول إن دولاً مثل السعودية تنهدت بارتياح لرفضها الانضمام للاتفاقات رغم الضغوط الشديدة من إدارة ترامب. وهي ترى في ذلك إنقاذ من الإحراج والنقد غير الضروريين في مثل مواقف المواجهة بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

الدور المصري الأردني وتجنب التصعيد مع حماس

يختتم معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي تقريره بتوصيات سياسية للحكومة الإسرائيلية. من بين أهم تلك التوصيات ضرورة أن يظل أي تصعيد عسكري قادم مع حماس، قصير الأجل. لتجنب تعريض «العلاقات الإسرائيلية المزدهرة مع العالم العربي» للخطر. ويشدد على ضرورة أن تعلن إسرائيل استعدادها للمشاركة في إعادة إعمار قطاع غزة. وذلك في إطار تحسين صورتها على الساحة الدولية.

كما يؤكد على ضرورة دمج مشاركة مصر والأردن في شراكاتها الناشئة مع دول الخليج والمغرب وحتى السودان. لأن ذلك يؤدي إلى تحقيق مكاسب دبلوماسية. إذ يلفت إلى ضرورة تهدئة مخاوف القاهرة وعمان من تقلص قوتهما الإقليمية. كما أنه يعزز الاقتصادين الأردني والمصري ويمنع تأثيرات عدم الاستقرار بهما على حدود إسرائيل.