قبل تسع سنوات وفي مثل هذا اليوم، كانت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية قد استعدت لتسمية البطريرك الـ118 على كرسي مارمرقس العريق ليجلس فوق سدة مدينة الإسكندرية ذائعة الصيت في العالم المسيحي بابا لكنيستها التي قامت على أكتاف القديس مارمرقس رسول المسيح.

وقف الأنبا باخوميوس القائم مقام الذى أدار المرحلة الانتقالية الحرجة التي بدأت برحيل البابا شنودة الثالث وحتى وصول خليفته. ليختار طفلًا يتغير بيديه مستقبل الكنيسة، فقد تم اختيار طفل في المرحلة العمرية ما بين ستة وثمانية سنوات ليسير معصوب العينين فيختار من بين ثلاثة كرات مختومة بالشمع الأحمر في قلب كل منها اسم من المرشحين الثلاثة للباباوية الأنبا رافائيل أسقف وسط القاهرة، والأنبا تواضروس الأسقف المساعد بالبحيرة، والراهب القمص رافائيل أفا مينا وقد حصل الثلاثة على أصوات الناخبين على الترتيب حيث حل الأنبا رافائيل أولا يليه البابا تواضروس ثم القمص آفا مينا.

وضع الطفل يده في سلة عملاقة في حضور آلاف الأقباط بساحة الكاتدرائية ليخرج منها كرة تحمل اسم الأنبا تواضروس الذى يصير بعد ذلك البابا تواضروس الثاني. إلا أن تقليد القرعة الهيكلية الذى استندت له الكنيسة في تنصيب البابا 118 لم يعد يلقى الاتفاق نفسه بين جموع الأقباط خاصة وأنه من التقاليد المستحدثة.

حيث أضيف إلى لائحة انتخاب البطريرك الصادرة عام 1971 وقد كان البابا كيرلس السادس أول بابا في تاريخ الكنيسة يتم انتخابه عن طريق القرعة الهيكلية وفقا للمادة 18 من لائحة انتخاب البطريرك والتي تنص على: يعلن القائم مقام البطريرك عن موعد إجراء القرعة الهيكلية ومكانه وتتم القرعة وفقاً للقواعد والتقاليد الكنسية. ويعلن القائم مقام البطريرك اسم من اختارته القرعة ويعمل عن ذلك محضر يحرر من نسختين ويوقعه رئيس لجنة الانتخاب والحاضرون من أعضاء المجمع المقدس ولجنة الترشيح وترسل نسخة منه لوزارة الداخلية فى اليوم التالى ،ويصدر قرار جمهورى بتعيين البطريرك ويقوم القائم مقام البطريرك برسامته وفقاً لتقاليد الكنيسة.

من جانبه يشير الكاتب كمال زاخر المتخصص في الشأن القبطي إلى أن تلك الآلية محل خلاف بين الأقباط, إذ تعتبر من التقاليد المستحدثة في تاريخ الكنيسة مضيفا: يستند مؤيدو هذه الآلية إلى واقعة ذكرت فى الكنيسة الأولى فى اختيار أحد تلاميذ السيد المسيح ليحل محل يهوذا التلميذ الذى شنق نفسه، ورصدها سفر أعمال الرسل تفصيلاً فى فصله الأول حيث يذكر أَنَّ الرِّجَالَ الَّذِينَ اجْتَمَعُوا مَعَنَا كُلَّ الزَّمَانِ الَّذِي فِيهِ دَخَلَ إِلَيْنَا الرَّبُّ يَسُوعُ وَخَرَجَ، مُنْذُ مَعْمُودِيَّةِ يُوحَنَّا إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي ارْتَفَعَ فِيهِ عَنَّا، يَصِيرُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ شَاهِدًا مَعَنَا بِقِيَامَتِهِ». فَأَقَامُوا اثْنَيْنِ: يُوسُفَ الَّذِي يُدْعَى بَارْسَابَا الْمُلَقَّبَ يُوسْتُسَ، وَمَتِّيَاسَ. وَصَلَّوْا قَائِلِينَ:«أَيُّهَا الرَّبُّ الْعَارِفُ قُلُوبَ الْجَمِيعِ، عَيِّنْ أَنْتَ مِنْ هذَيْنِ الاثْنَيْنِ أَيًّا اخْتَرْتَهُ، لِيَأْخُذَ قُرْعَةَ هذِهِ الْخِدْمَةِ وَالرِّسَالَةِ الَّتِي تَعَدَّاهَا يَهُوذَا لِيَذْهَبَ إِلَى مَكَانِهِ». ثُمَّ أَلْقَوْا قُرْعَتَهُمْ، فَوَقَعَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى مَتِّيَاسَ، فَحُسِبَ مَعَ الأَحَدَ عَشَرَ رَسُولاً.

يوضح زاخر أن تلك الواقعة المذكورة في الإنجيل  واقعة منفردة لم تتكرر بامتداد تاريخ الكنيسة، ولا تتوفر العوامل المنشئة لها، من حيث تساوى القامات والمقارنات بحيث يصعب المفاضلة بين المرشحين مؤكدا إن نظام القرعة يهدر فلسفة الانتخاب نفسها بحيث تصبح عديمة القيمة لأن الاختيار يقع على من اختارته القرعة وليس الأول في التصويت بالإضافة إلى عدم قانونيتها فالمفترض أن تُجرى بين متساويين وهو ما لا يتوافر فى حالة المرشحين للكرسى لتباين الأصوات الحاصلين عليها.

كمال زاخر

بينما حذر زاخر من أن تلك الآلية قد دفعت بنمط التواكل إلى الذهنية القبطية العامة بزعم أن الإنسان ليس عليه الاختيار بل هى مهمة يختص بها الله مما دفع بالإنسان القبطى إلى السلبية والتواكل والعزلة إنتظاراً لحلول سمائية معجزية دون المشاركة الإيجابية فى فعل التغيير والتصحيح والتطوير .

وفى مجلة (الرســــــالة) التى تصدرها جمعية الدراسات القبطية، نيوجرسى بالولايات المتحدة الأمريكية وفي السنة الثانية عشر مايو 1993 كتب الدكتور رائف مرقص أحد أبرز المهاجرين الأقباط تحت عنوان (حول اختيار بطريرك الاسكندرية) قائلا: ويليق بى وإن كنت لا أدعى أنى على دراية بالطقس الكنسى أن أطالب بإلغاء القرعة الهيكلية أو ما يمكن أن نسميه مبدأ “الصدفة فى الاختيار “لأن هذا يسلب ديمقراطية الاختيار حقها، كما أنى أعتقد أنه مبدأ غير طقسى بتاتاً ولا يتفق مع تقليد كنيستنا.

واستكمل: وقد أثبت التاريخ أن البطريرك الذى يأتى من خلال النظام الكنسى السليم المستقر يكون أقدر على كسب إحترام الجماهير والتأثير فيها، بينما البطريرك الذى يعين بطرق غير شعبية يكون عادة معزولاً عن شعبه لا يعلم عنهم شيئاً ولا يعلمون عنه شيئاً، أى يظل سجيناً فى القصر البطريركى وإن كان يحمل إسم الجالس على عرش مار مرقس “.

لائحة انتخاب البطريرك الجديدة الصادرة عام 2014

وفي عصر البابا تواضروس الثاني تم تعديل لائحة انتخاب البطريرك بموافقة المجمع المقدس للكنيسة غير أن هذا التعديل لا يتضمن إلغاء القرعة الهيكلية ولكنه يضم  تعديل شروط المرشح للكرسى البابوى، فبعد أن كانت سن المرشح لا تقل عن 40، ولا تتعدى 60 أصبحت لا تقل عن 45 عاما ولا تتعدى 60 عاما، وتم وضع 12 شرطا جديدا أهمها أن يكون مصرياً قبطياً أرثوذكسياً من أبوين مصريين قبطيين أرثوذكسيين وأن يكون كامل الأهلية المدنية، وأن يكون من طغمة الرهبنة المتبتلين الذين لم يسبق لهم زواج سواء كان راهبا أو أسقفا عاما أو أسقف دير، وأن تتوافر فيه جميع الشروط المقررة فى القوانين والقواعد والتقاليد الكنسية وفى جميع الأحوال لا يجوز ترشيح مطارنة أو أساقفة الكراسى والإيبارشيات، إلا فى حالات الضرورة القصوى التى تحددها القوانين الكنسية ووفقا للأحكام العامة الواردة بهذه اللائحة”.

البابا تواضروس

ومن الشروط أيضا أن يكون قد بلغ من العمر خمسة وأربعين سنة ميلادية على الأقل، وألا تكون سنه قد تجاوزت خمسا وستين سنة وقت خلو الكرسى البطريركى، وأن يكون قد قضى فى الرهبنة عند التاريخ المذكور مدة لا تقل عن خمسة عشر عاماً ميلادية، أن تكون له ولعائلته شهادة حسنة داخل وخارج الكنيسة، ألا يكون مسانداً لتيارات غريبة عن ماهية الكنيسة القبطية الأرثوذكسية سواء تيارات عقيدية منحرفة أو متطرفة أو تيارات لا تتمتع بالإجماع الكنسى عليها، ألا يكون قد سبق له الترشح للكرسى البابوى.

وفى المؤهلات المطلوبة فى المرشح للكرسى البطريركى تضمنت 7 مؤهلات وهى: أن يكون حاصلاً على مؤهل جامعى أو ما يعادله، أن يكون متعمقاً بعلوم الكنيسة الأرثوذكسية وقوانينها، أن يكون معلماً أرثوذكسياً بإخلاص، أن يكون على دراية بوسائل التكنولوجيا والتواصل الحديثة، ويجيد اللغة العربية ويجيد الصلاة باللغة القبطية وعلى دراية بإحدى اللغات الأجنبية، ويفضل أن يكون له خبرة رعوية مشهود لها بالنجاح يفضل ألا تقل عن عشر سنوات قبل أو بعد الرهبنة.

وفى المادة 15 الخاصة بجدول الناخبين تضم 15 فئة وجاءت كالتالى: “يتعين على لجنة جدول الناخبين أن تقيد فى الجدول المذكور أسماء الفئات التالية من تاريخ خلو الكرسى المرقسى وهم:

1- مطارنة وأساقفة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بمصر وخارجها وجميع أعضاء المجمع المقدس

2- مطارنة وأساقفة ومندوبى الكنائس الأرثوذكسية التى تربطها بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية اتفاقيات تقضى باشتراكها فى انتخابات البابا البطريرك.

3-  رؤساء الأديرة ووكلائها وأمنائها و10% من رهبان وراهبات كل دير من الأديرة القبطية الأرثوذكسية المعترف بها من المجمع المقدس بمصر وخارجها، ويتم اختيارهم وفقاً لأقدمية السيامة الرهبانية وفى حالة الرقم الكسر يزاد إلى أقرب رقم صحيح

4-  كل الآباء كهنة الكرازة المرقسية التى تم سيامتهم قبل نياحة البابا البطريرك بمصر والخارج

5 – عضو من خدام كل أسقفية عامة متخصصة مثل أسقفية الخدمات والشباب وما يماثلهما

6 – أساتذة الإكليريكيات والمعاهد اللاهوتية الأرثوذكسية المعتمدة

7-  يمثل من كل إيبارشية عدد مساو لعدد الآباء الكهنة على ألا يقل عن 12 عضوا يراعى اختيار عضو من كل لجنة كنسية، بالإضافة إلى عضو من مجلس الكنيسة كما يراعى فى اختيارهم أن يتضمن التمثيل أمناء الخدمة والمجلات المسيحية والقنوات الفضائية المسيحية والشباب والمرأة

8-  مجلس رابطة المرتلين التابع لإيبارشية البابا البطريرك

9-  جميع المكرسين والمكرسات الرسميين فى جميع الأبرشيات من المكرسين قبل نياحة البابا

10- اللجنة العليا للمكرسات ومكرسات القاهرة والإسكندرية وأمينة المكرسات عن كل إيبارشية

11-  أعضاء ونواب المجلس الملى العام الحاليين السابقين وأعضاء المجالس الملية الفرعية الحاليين والسابقين فى كل إيبارشية داخل مصر وخارجها وبالنسبة للأبرشيات التى ليس بها مجلس ملى فرعى يختار الأسقف خمسة أراخنة ويكونوا من مجلس الإيبارشية إن وجد وأعضاء مجلس إدارة هيئة أوقاف الأقباط الأرثوذكس الحاليين والسابقين

12- الوزراء وأعضاء المجالس النيابية الحاليون والسابقون

13- العاملون المدنيون بالدولة والقطاع العام (لا يقل عن وظيفة وكيل وزارة) وأعضاء الهيئات القضائية (لا يقل عن وظيفة مستشار) والقوات المسلحة وهيئة الشرطة (لا يقل عن رتبة لواء) والسلك الدبلوماسى (بدرجة سفير) وأساتذة الجامعة، وذلك للحاليين والسابقين من كل الفئات الواردة بهذا البند.

14- رؤساء تحرير الصحف المطبوعة المصرح بها من الجهة الرسمية المختصة.

15- أعضاء مجالس إدارة النقابات المهنية الحاليين والسابقين والغرف التجارية والسياحية واتحادات الصناعات.

وأوضحت المادة أنه يقصد بالكنائس فى هذه المادة التى لها مجالس كنائس مشكلة رسميا بقرار من الرئاسة الكنسية وقت خلو الكرسى المرقسي، والوظائف المدنية يقصد بها الحاليين والسابقين من الذكور والإناث داخل مصر وخارجها، وللرئاسة الكنسية (مطران – أسقف) حق اختيار ممثلى ايبارشياتهم.