“من الأفضل نسيب بعض.. طلقني” تأتي كلمات مثل هذه على نحو متتال، إذ تعيش تمارس بعض النساء فعل التهديد بالبعد كنوع من الردع للشريك وبعضهن لا يُدركن أن ذلك أسوأ ما يفعلن.
لا أحد يبدأ علاقة أيًا كان نوعها ويُفكر في نهايتها، ندخل العلاقات مشفوعين بطموح الأبدية، آملين حياة أفضل ومشاعر تكفل مساحة أمان، فلماذا إذن نصل إلى حافة القسوة؟
لأن الأمومة فطرية، وغالبية نسائنا يتم تربيتهن كونهن أمهات، وليس لأنهن إناث، وهناك فرق كبير جدًا بين الأمرين، تشب الفتاة وهناك فعل متكرر في حياتها حد الاعتياد وهو التلويح بالعقاب، فعل نمارسه حتى يتوقف الآخر عما يفعله ويغضبنا أو يؤذينا أو حتى يؤذيه، فتقول الأم لابنها أو بنتها هاضربك/ هاقول لأبوك/ هامشي وأسيب لكم البيت إلى آخر التهديدات التي نعرفها ونصنع منها مادة للسخرية فيما بعد، الثابت والواضح أن هذه التهديدات تفقد أثرها من التكرار وهو ما لا نلتفت له، ويُصبح على صانع التهديد أن يبتكر وسيلة عقابية جديدة حتى يحافظ على حالة الردع التي يُمارسها.
تكبر الكثير من الفتيات وهن حاملات لألوية التهديد والعقاب، وغير مُدركات أنهن يحفرنا مجرى لنهر البعد، سيصبح إهدار الفرص فيه أمر يسير، والفقد يحدث في لحظة لنصحو وننتبه أن الآخر لم يعد موجود.
صفات الأمومة الفطرية تنتقل معنا في العلاقات، الصداقة والحب والعمل، كثيرات من النساء يخضن علاقاتهن بأمومة خفية، حنان وعطف وتفاني، وصولًا للتلويح بالعقاب ما لا تنتبه له الكثيرات أنهن في الصداقة والحب والعمل لسن أمهات هن شريكات، هذا الخلط قد يقود العلاقات نحو نهايتها.
أخطر ما يتم ممارساته في أي علاقة هي حالات البعد غير المنطقية، كأن يختفي طرف دون توضيح سبب الاختفاء، تصنع حالة الاختفاء كثير من الظنون والهواجس لدى الشريك، التساؤلات عن أسباب البعد ودوره في الدفع نحو البعد، حالات البعد اللاسببية غالبًا ما تكون بسبب نفسي، أو ملل أو انشغال أو دخول طرف ثالث في حياة الطرف الذي ابتعد، وعادة ما تنتهي هذه الحالة لكن العلاقة لن تعود كما كانت، فهذا البعد أو الاختفاء الغير مبرر بوضوح سيصنع شرخًا يتزايد مع الوقت.
تهديدات تؤدي إلى التحقق
في علاقات الحب والزواج كثيرًا ما تلوح المرأة بتهديدات تخص البعد، هذا فعل أليق بأم وليس بشريكة في علاقة، التهديدات العاطفية هي حالة من الابتزاز العاطفي ومحاولة استنزاف الآخر تحت وقع الحب، قد تنجح في بداية استخدامها، لكنها أبدًا لن تؤدي إلى النتائج المرجوة.
تكرار حالات البعد غير المشفوعة بفعل واضح من الطرف الآخر تُصبح بمثابة دورة تدريبية للشريك على البعد، في كل مرة يبتعد الطرفان، أحدهما يتألم، واعتياد الألم يُضعف تأثيره، وبالتالي تضيع قيمة البعد وتأثيراته كلما تعددت مراته.
في كل مرة يبتعد الطرفان دون أسباب حقيقية تأتي عودة العلاقة ضعيفة مهما بدت قوية، لذا فإن أهم دروس العلاقات التي نحتاج ان نتعلمها هو تعزيز البعد، إعطاء قيمة للأفعال المحورية في العلاقة، التهديدات التي يتم القاءها بشكل مجاني تصنع ندبات في العلاقة، والبعد غير واضح الأسباب يمد صدع في جدرانها.
إننا نصل إلى نهايات العلاقات محملين بتساؤلات عما حدث وكيف صارت الأمور لهذه المرحلة غير مدركين أننا في عمر العلاقة أضعنا فرصًا مجانية للاستمرار، وضحينا بقرب كان مدعوم بفعل المحبة والثقة.
في بعض علاقاتنا نقترب بشدة من الشريك، ولأن كل شيء متغير وثبات الحال من المحال، فإن هذا الاقتراب قد يخلق نوعًا من الملل أو الشعور بالاختناق، فيقوم أحد الطرفين بالبعد مفاجأة وهو ما يصنع فجوة، ومع تكرار الأمر تبهت الثقة وتضعف حبال الوصل.
بعض العلاقات تنتهي لأسباب غير منطقية في ظاهرها، لكن هناك عشرات الأفعال والمواقف التي جرت دون أن ننتبه أو نقف لنناقش ونفهم، فالشجاعة فعل فردي ومعدلاته تختلف من شخص لآخر ومن موقف لآخر عند الشخص نفسه.
عندما تشعر بالملل أو الاختناق من الشريك لا تختفي فجأة هذا إن كنت حريصًا على الاستمرار، وإن كنت عزيزتي حريصة على أي علاقة فكوني في دورك كشريكة ولستِ كأم تمارس تهديدها بالبعد، فكل ما نفعله في هذه المواقف والتهديدات ليس إلا تدريبات للآخر أن يقوى بدونك وتصبح الحياة محتملة في غيابك، فلا تصنع النهاية بينما تظن أنك تُزيد المحبة.
وكل عيد حب وكل منا مع أحبته.