تترك الظواهر المناخية المتطرفة آثارًا خطيرة على صحة الإنسان، والبنى التحتية القائمة، والبيئة الطبيعية. وكذلك على قطاعي النقل والاقتصاد بشكل عام. وقد بدأ العالم يعرف طريقه للتغيير المناخي منذ نحو 150 عامًا. خاصة مع التوجه نحو تطوير الصناعة باستخراج مليارات الأطنان من الوقود الأحفوري لتوليد الطاقة وحرقها. وهي مواد أطلقت غازات تحبس الحرارة، منها ثاني أوكسيد الكربون؛ أحد أهم أسباب تغير المناخ. إذ رفعت هذه الغازات حرارة الكوكب إلى 1.2 درجة مئوية، مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية. ذلك بفعل «مفعول الدفيئة»، الظاهرة التي يحبس فيها الغلاف الجوي بعضًا من طاقة الشمس لتدفئة الكرة الأرضية والحفاظ على اعتدال مناخها. بينما يأتي ثاني أوكسيد الكربون في أعلى قائمة الغازات التي تساهم في مضاعفة هذه الظاهرة. ويفاقم الوضع الاتجاه نحو إزالة الغابات بشكل واسع.
هذه الأزمة لم يبدأ الانتباه إلى خطرها في العلم المتقدم إلا منذ ما يقرب من 25 إلى 30 عامًا، مع ملاحظة آثار هذه التغيرات. بينما لم يدركها العالم النامي إلا مؤخرًا، وهو يحاول اللحاق بركب مواجهتها.
الدول الأكثر تأثرًا بالتغير المناخي
تعَد الصين أكبر دولة تُسهم في غازات الاحتباس الحراري. بينما تأتي أمريكا، وروسيا، ثم كندا، فدول الاتحاد الأوروبي في المراتب التالية. وهي كلها دول متقدمة، يرتفع فيها النشاط الصناعي المكثف. لكن على الرغم من ذلك، فإن هذه الدول هي الأقل تأثرًا بالتغيرات المناخية. إذ أن لهذه الظاهرة العالمية تأثيرات أكثر خطرًا بالأماكن الأضعف في تكوينها وتركيبها الجغرافي والطوبوغرافي.
تكمن الأزمة في التغير المناخي أن عدم تعامل الدول المتقدمة معها بجدية يشكل قضية غير عادلة من الناحية الإنسانية والاجتماعية. فالغني يزداد غنًى والفقير يزداد فقرًا، والمناطق الممطرة تزداد مطرًا، والجافة يزيد جفافها، وهكذا.
المنطقة العربية ضمن أكثر المناطق تضررًا من ارتفاع درجات الحرارة في العالم. ويعود ذلك إلى الإشعاع الشمسي العالي ونوع التربة التي تميل إلى امتصاص وتخزين الحرارة. أضف إلى ذلك تأثير ظاهرة «جزيرة الحرارة الحضرية» وتردي نوعية الهواء في المدن. ما سيؤدّي في نهاية المطاف إلى ارتفاع شديد في درجات الحرارة. الأمر الذي سيشكل مشكلة لدى معظم سكان المدن العربية التي لا تزال تعتمد على التبريد السلبي من أجل خفض درجات الحرارة في المباني.
وفي كلمته أمام قمة الأمم المتحدة للتغيرات المناخية، قال الرئيس السيسي، إننا نشعر بالقلق إزاء الفجوة بين التمويل المتاح وحجم التحديات الفعلية، مؤكدًا على ضرورة وفاء الدول المتقدمة بالتزاماتها بتوفير 100 مليار دولار لمساعدة الدول النامية على مواجهة التحديات الناجمة عن التغيرات المناخية. وأضاف أن قارة إفريقيا تواجه التداعيات الأكثر سلبية لظاهرة التغيرات المناخية رغم عدم مسؤوليتها عنها.
تأثير التغير المناخي علي مصر
رغم كون مناخ مصر أحد أكثر مناخات العالم استقرارًا، إلا أنه نتيجة للتغير المناخي حدث ارتباك في النظام الطقسي بمصر، وتعرضت هذه المنظومة لـ«تشوه». وقد شهدت البلاد مؤخرًا وقوع تقلبات مناخية حادة، فهطلت الكميات الكبيرة من الأمطار في توقيت زمني محدود، أوقع سيولاً في مناطق البحر الأحمر وسيناء وشمال الدلتا وجنوب الصعيد. كما وقعت الموجات الحارة الطويلة في توقيتات غير طبيعية، كما حدث في 22 مايو لعام 2019، عندما وصلت درجة الحرارة في مصر إلى 50 درجة مئوية. وكانت تلك أعلى درجة حرارة على سطح الأرض في ذلك اليوم، طبقًا لما صرح به محمد علي فهيم، أستاذ التغيرات المناخية بمركز البحوث الزراعية.
الإسكندرية الأكثر تضررًا
في دراسة مصرية سابقة تحت عنوان (مشروع أساليب الحد من التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية) ذكر الباحثان أحمد عثمان الخولى الأستاذ بجامعة المنوفية واستشاري التنمية والدراسات البيئية، والمهندس عزت عبد الحميد خبير الطاقة وتغير المناخ، أن الإسكندرية معرضةً لفقدان منشآتها الساحلية وتدهور خطير في شواطئها، وهي الأكثر تأثرًا بالتغير المناخي. وذلك مقارنة بـ 7 محافظات مصرية أخرى، هي: كفر الشيخ والدقهلية ومطروح وبورسعيد والبحر الأحمر والمنيا وسوهاج.
قالت الدراسة -وقد استغرق إعدادها عامين- إن هذه المحافظة الساحلية شهدت خلال ثلاثة عقود بين عامي 1980و2011 عدة نوبات طقس حادة. وقد بلغت جملة الأمطار التي هطلت عليها في عام 1999 نحو 24.37 مم فى 9 أيام. أي نحو 2.71 مم لليوم الممطر. وهو منخفض جدًا بالنسبة للمعدل الطبيعي، الذي يصل إلى 5 إلى مليمترات لليوم الممطر. بينما في ديسمبر لعام 2004، شهدت أكبر كمية هطول أمطار لتصل إلى 161.05 مم في 7 أيام مطيرة. أي بمعدل 23 مم لليوم المطير.
هذا التضارب في كميات المطر ليس هو المظهر الوحيد لتغير المناخ بالإسكندرية. إذ حددت العديد من الدراسات متوسط ارتفاع منسوب البحر بـ 3.1 مليمتر للسنة، في الفترة من 1993 حتى 2003،.مع الأخذ في الاعتبار أنه ليست كل الآثار التى يمكن ملاحظتها في الإسكندرية في الوقت الراهن (المتمثلة في ارتفاع مستوى سطح البحر) ترتبط بتغير المناخ. فهناك عوامل مرتبطة بالنشاطات البشرية التي تزيد من قابلية تأثر الاسكندرية. ومنها التغيرات في استعمالات الأراضي. فضلاً عن إقامة البنى التحتية في أماكن تضر بالتوازن الطبعي للنظم الأيكولوجية.
ويُتوقع حدوث زيادة في خطر النحر الساحلي والغمر البحري في عام 2030 بسبب ارتفاع منسوب سطح البحر، والامتداد العمراني. بينما أكثر المناطق المعرضة لخطر النحر المنطقة الساحلية بين الدخيلة والبر الغربي، ومنطقة أبو قير. وقد يضاعف التأثير المزدوج الناجم عن تغيير المناخ والنمو العمراني مستوى ارتفاع المياه في بحيرة مريوط لفيضان المائة عام. لذا ينبغى أن يظل الوضع الخاص بضخ المياه، وتنظيم مستوى سطح المياه تحت السيطرة.
التصريحات الرسمية حول اختفاء الإسكندرية
مؤكدًا تحذير رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون من اختفاء الإسكندرية، قال المحافظ اللواء محمد الشريف -في مداخلة هاتفية بإحدى الفضائيات المصرية، إن «السيول والأمطار تزداد كل عام على الإسكندرية منذ عام 2015. وهي تسبب مشكلات كبيرة للمحافظة. خاصة النوات التي تتسبب في أمواج عاتية». وأضاف المحافظ أن الدولة تعمل جاهدة لوضع حواجز إسمنتية لحماية الشواطئ في العديد من المناطق، كمنطقة القلعة، والمناطق التي تشهد زيادة في ارتفاع منسوب المياه.
كما عقب علي تصريحات «جونسون»، المتحدث باسم وزارة الري المصرية محمد غانم. فقال: «بالفعل هناك تيارات مناخية يكون لها تأثير واضح على ارتفاع منسوب مياه سطح البحر وإلى الآن هناك دراسات مختلفة تحدد بشكل تقريبي مقدار زيادة منسوب البحر. لكنها تتحدث عن زيادة في حدود متر واحد». وأضاف أن مصر لا تنتظر وقوع المشكلة كي تتحرك، بل أنها بدأت في التحرك منذ سنوات، بمشاريع حماية الشواطئ. مشيرًا إلى أن العالم بأسره يشهد تغيرات مناخية كبيرة وشديدة القسوة، ينتج عنها كوارث طبيعية من فيضانات وغيرها.
ومع ذلك تعتبر تلك التصريحات غير كافية في ظل عدم الإعلان عن خطة واضحة للتعامل مع الوضع المستقبلي. إذ ليس هناك ما يفيد أن هناك ترتيب رسمي حيال سكان الدلتا عند تدهور الوضع.