انضم أصحاب السناتر التعليمية والمدرسون العاملون بها مما يطلق عليهم “منظومة الدروس الخصوصية”، إلى قائمة تضم أنشطة تجارية لا تعترف بها الدولة مثل الاتجار في المخدرات، لكنها تستهدف إدراجها ضمن منظومة الاقتصاد الرسمي وتحصيل الضرائب منها، وهي خطوة أثارت الجدل في ظل استمرار تأكيد وزارة التربية والتعليم على حظرها هذا النشاط.

وطالب رضا عبد القادر، رئيس مصلحة الضرائب المصرية، من يقوم بنشاط مراكز الدروس الخصوصية بضرورة التوجه إلى مأمورية الضرائب التي يقع في نطاقها المقر الرئيسي للنشاط و إخطار المأمورية بذلك سواء كان لديه ملف ضريبي أو أن يقوم بفتح ملف ضريبي جديد لهذا النشاط، وذلك في موعده أقصاه شهر من الآن.

وبحسب عبد القادر إن كل هذه المراكز مطالبة بإخطار مأموريات الضرائب بنشاطها سواء كانت جمعيات، قاعات، شققا، أو عن طريق التدريس عبر الوسائل الإلكترونية أو غيرها سواء مملوكة أو مؤجرة .

ومن المقرر أن يتضمن الإخطار البيانات الأساسية للممول أو الشركة أو الجمعية وغيرها وهي عنوان المركز الرئيسي للنشاط أو فروعه، والكيان القانوني، وكذلك الساحات وعدد القاعات وسعة مقاعد كل قاعة، وكذلك أسماء المدرسين والمتعاقدين وبياناتهم واسم الشهرة إن وجد.

ولكنه في الوقت نفسه أشار إلى أن إخطار المأمورية بنشاط الدروس الخصوصية، وفتح ملف ضريبي لا يعد سندًا قانونيًا لتقنين أوضاع هذه المراكز .

ثمة تعارض كبير بين خطوة مصلحة الضرائب التي أعلنت نيتها إلزام أصحاب السناتر التعليمية، والممارسين لنشاط الدروس الخصوصية بالحصول على ملف ضريبي، والحملات التي تشنها أجهزة الدولة لإغلاق السناتر الخصوصية التي تزامنت مع وصول فيروس كورونا إلى مصر تعارض يبرز في مضمونه اختلاف الوزارات حول تعريف الحكومة للمراكز الخصوصية.

دعم الاقتصاد غير الرسمي

لا ينفصل هذا الإجراء عن خطوات أخرى هدفها وضع الجميع تحت مظلة “الاقتصاد الرسمي” حتى وإن كانت الدولة لا تعترف به، مثل الاتجار في المخدرات، التي تحظر الدولة استخدامها أو الاتجار فيها، ومع ذلك تحصل الضرائب على كل قضية يحررها رجال مكافحة المخدرات. وهو الحال أيضا في الطريقة التي تعاملت بها مع اليوتيبرز والبلوجورز، رغم أن الدولة عبر نقاباتها تحارب الكثير منهم وترفض أحيانا الفن الذي يقدمه بعضهم، ولا تمنحهم التراخيص للعمل.

مصلحة الضرائب تتوسع في ضم الفئات غير الرسمية

هذا ما يبرره طلعت عبد السلام، مدير المكتب الفني لرئيس مصلحة الضرائب المصرية، في حديث تلفزيوني، قال فيه إن المصلحة لا تعطي شرعية أو تقنين وضع لمراكز الدروس الخصوصية، إنما تستهدف مليون و900 ألف منشأة تعمل عبر الاقتصاد غير الرسمي، مشيرا إلى أن هدف القرار ادراج تلك المنشآت في الاقتصاد الرسمي.

وتشير إحدى الدراسات، التي أعدها اتحاد الصناعات المصرية، إلى أن حجم الاقتصاد السري أو غير الرسمي يصل لنحو 4 تريليونات جنيه. بما يعادل 60% من حجم الاقتصاد القومي، والمقدر بنحو 400 مليار دولار. أي ما يزيد على 7 تريليونات جنيه.

القرار كما يقال فرصة لضم النشاط غير الرسمي إلى حظيرة الضرائب مثلما حد من قبل مع  اليوتيوبرز والبلوجرز، وكذلك خدمات التوصيل، ولكنه يختلف في كون نشاط الدروس الخصوصية يعد نشاطا محظورا، وهو ما يرى فيه الباحث الاقتصادي إلهامي الميرغني عدم تنسيق بين وزارات الدولة، ولكنه في الوقت نفسه يرتكز على حقيقة أن هذه المراكز نشاط مدر للربح يمكن إخضاعها لمنظومة الضرائب.

عواقب التهرب الضريبي

حددت مصلحة الضرائب شهرا لتقنين أوضاع هذه الأماكن، لعواقب عدم توجه من يقوم بنشاط مراكز الدروس الخصوصية إلى مأمورية الضرائب، فوفقا لعبدالقادر تتمثل في تطبيق أحكام قانون الضريبة على الدخل رقم 91 لسنة 2005 وتعديلاته، وقانون الإجراءات الضريبية الموحد رقم 206 لسنة 2020.

وبرر عبد القادر القرار بكون نشاط مراكز الدروس الخصوصية، نشاط تجاري ينتج عنه ربح، وبالتالي تحصل منه ضريبة، محذرا من أن التهرب الضريبي من الجرائم المخلة بالشرف.

وقال إنه للرد على كافة التساؤلات والاستفسارات الخاصة بهذا الموضوع أو أي موضوعات ضريبية أخرى يُمكن الاتصال بالخط الساخن (16395)، أو التواصل من خلال البريد الإلكتروني. وعليه قمنا بالاتصال بالخط الساخن للاستفسار عن القرار وآلية عمله، وقامت خدمة العملاء بتحويلنا إلى الموظف المختص، والذي بدوره أبدى تعاونا في الرد على استفسارنا فيما يخص القرار.

اقرأ أيضا:

في يومهم العالمي.. معلمو مصر يعانون من تدني الأجور والاستبعاد من خطط التطوير

الدروس الخصوصية بالأرقام

وحول آلية عمل القرار، أوضح الموظف المختص أن الضريبة المقررة سوف يتم تحصيلها كضريبة للدخل، سواء على الأفراد، أو الشركات، أي المدرسين حتى بالمنازل، أو المراكز المعروفة.

الشرائح المقرر دخولها تحت مظلة هذا القرارهي 2.5% على ثاني 15 ألف جنيه، و10% على ثالث 15 ألف جنيه، ثم 15% على رابع 15 ألأف جنيه، وعند الوصول إلى مبلغ 140% فالنسبة تكون 20%، و22.5% على 200 ألف جنيه، وأخير 25% على دخل يوازي 600 ألف جنيه.

كما لفت الموظف إلى أن محاولات التهرب من الدفع، هي أمر يخص إدارة المكافحة؟

وتقدر أرباح تجارة الدروس الخصوصية في مصر بـ 25 و40 مليار جنيه سنويا، رغم حالة الانكماش الاقتصادي، والتضخم الذي تعانيه الأسر المصرية، والتي تبلغ نسبة من يلتحق فيها بالتعليم 58.4%، والتي تنفق من دخلها على التعليم نسبة 12.5%”.، أما الإنفاق في الدروس الخصوصية فقد بلغ 28.3%.

لم يمر إدراج السناتر الخصوصية، مرور الكرام على الكثير، ومن بينهم أعضاء مجلس النواب، فعلى سبيل المثال قال عضو لجنة الاتصالات بمجلس النواب أحمد حته، إنه في الوقت الذي تقوم فيه وزارة التعليم بمحاربة وإغلاق مراكز الدروس الخصوصية “السناتر” ومنح القانون لمفتشي وزارة التعليم الضبطية القضائية، فوجئنا بوزارة المالية تخطر هذه السناتر وأصحابها بتقديم إقرارات ضريبية لتحصيل الضرائب منهم.

حته تقدم بطلب إحاطة موجه إلى رئيس الوزاء ووزيري المالية التعليم بسبب ما أعلنته وزارة المالية عن مطالبة أصحاب “السناتر” بتقديم إقرارات ضريبية ومنحهم مهلة لذلك، بحجة دمج الاقتصاد غير الرسمي وهو ما ينعكس بشكل سلبي على انتشار السناتر ويؤدي إلى تقنينها في الوقت الذي كانت تقوم وزارتا التعليم والإدارة المحلية بإغلاق السناتر وإعلان الوزارة على لسان الوزير وكبار مسؤلي الوزارة تجريم الدروس الخصوصية ومحاربة تلك السناتر.

وتساءل النائب: ألا بوجد تنسيق بين وزارتي التربية والتعليم والمالية؟ وكيف تقوم جهة حكومية بتشجيع الدروس الخصوصية وإتمام الصفقة بين أولياء الأمور المغلوب على أمرهم وبين المراكز بدلا من مساعدة وزارة التعليم للقضاء على الدروس الخصوصية؟

رد فعل وزارة التربية والتعليم

في المقابل، قالت وزارة التربية والتعليم إن الضرائب ليس لها علاقة بقرار وزارة التربية والتعليم بمنع الدروس الخصوصية، مشيرة إلى أن الضرائب تحصل أموالًا من تجار المخدرات رغم أنهم تجارتهم ممنوعة. كما أن الكثير من المعلمين في مصر لهم ملف ضريبي، ويتم حسابهم، وهذا ليس بجديد على الضرائب.

ولفتت إلى أنه في حال تنفيذ ضبطية قضائية من وزارة التعليم على المراكز الخاصة بالدروس الخصوصية يتم تطبيق إجراءات الشئون القانونية عليه وغلق السنتر حتى لو امتلك صاحب المركز بطاقة ضريبية.

التناقض بين مؤسسات الدولة شائع

الباحث إلهامي الميرغني اعتبر أن التناقض بين قرارات مختلف الوزارات أمر شائع في الدولة، فمن قبل حدد جهاز التنظيم والادارة سن المعاش بـ 55 عاما في حين حددته المالية والتأمينات بـ 65 عام.

في الوقت نفسه يقلل الميرغني من قيمة القرار فمن ناحية هناك صعوبة في تحصيل تلك الضرائب خاصة بالنسبة للمدرسين الذين يمارسون نشاطهم في المنازل، وكذلك الإقرارات المضللة التي تخفض من تلك الأرباح عبر بعض المحاسبين الفاسدين، خاصة مع غياب التدقيق، فالقانون يعمل على فحص ملفات المهن الحرة كل خمس سنوات بشكل عشوائي.

لفت الميرغني إلى أن أغلب حصيلة الضرائب تأتي من العمال، والموظفين حيث يتم الاقتطاع من المنبع، في حين لا يدفع أصحاب المهن الحرة حتى من أصحاب الحرة إلا الفتات نتيجة المنظومة التي تتساهل معهم.

خطوة نحو شرعنة الدروس الخصوصية

بالتوازي مع الخطوات الاقتصادية، يرى خبراء بملف التعليم أن هذه الخطوة تمثل اعترافا ضمنيا بعمل المراكز الخصوصية، وتعكس الرغبة الواضحة في خلق سوقا للتعليم الموازي، الخاسر الوحيد فيها هو الأسرة المصرية التي ستتحمل المزيد من الأعباء الفترة المقبلة.

وبرأي الدكتور كمال مغيث، الباحث في المركز القومي للبحوث التربوية، فإن ضم الدورس الخصوصية لمنظومة الضرائب يعد شرعنة واضحة وتقنينا لعملها هو الأول من نوعه، بعد فترة من الحظر الحكومي، لكنها في الوقت نفسه لم تجرمه قانونيا، أو تم وضع عقاب واضح عليها.

مغيث لفت إلى أن بزوغ ظاهرة الدروس الخصوصية يرتبط أساسا بظروف موضوعية، مثل الحالة المادية للمدرسين ودخولهم الضعيفة جدا، كذلك التدهور في منظومة التعليم بأكملها، والتي لن يحلها سوى قرارات جذرية.

دلل مغيث على ذلك بحقبة السبعينيات التي لم تكن يعرف خلالها مثل هذه الظواهر، وكانت مرفوضة من المدرسين، وأولياء الامور، ولكنها نشأت مع عودة المعارين من دول الخليج، والمرتفعة دخولهم، فضلا عن كثافة الفصول، والمناهج القائمة على التلقين والتذكر، وصعوبة إداراك الطالب لدروسه في مثل هذه الظروف غير المناسبة، زاد الأمر تعقيد مع ارتفاع معدلات الالتحاق بالجامعات.