وافق مجلس النواب يوم الأحد الموافق 31 / 10 / 2021 من خلال جلسته العامة على مشروع القانون المقدم من الحكومة كالعادة بتعديل أحكام القانون رقم 136 لسنة 2014 بشأن تأمين وحماية المنشآت العامة والحيوية. والذي جاء فيه أن تتولى القوات المسلحة حماية المنشآت العامة والحيوية، وذلك بالتنسيق مع قوات الشرطة المدنية. وأن تخضع الجرائم التي تقع على المنشآت العامة لاختصاص القضاء العسكري.

وقد جاء في المذكرة التوضيحية لهذا القانون أنه قد تم تأسيسه على أحد المادتين رقمي 200 و 204 من أحكام الدستور المصري، وتهدف هاتان المادتان إلى كون القوات المسلحة مهمتها الرئيسية حماية البلاد، وأن القضاء العسكري جهة قضائية مستقلة. وللعلم فإنه قد صدر هذا القانون في أول ظهور له بتاريخ 17/ 10 / 2014 على أن يعمل به لمدة عامين من تاريخ صدوره، ثم صدر القانون رقم  65  لسنة 2016 بمد العمل بأحكام ذلك القانون لمدة خمس سنوات.

لكن هذا التعديل الأخير قد سحب عن القانون صبغة التأقيت، وبالتالي صار هو النموذج التشريعي المستمر لمعالجة هذه الجريمة، ذلك على الرغم من أنه قد سبق للمحكمة الدستورية العليا أن تعرضت لذلك القانون في القضية رقم 33 لسنة 38 قضائية تنازع قوانين، والقضية رقم 34 لسنة 38 تنازع قوانين والقضية رقم 35 لسنة 38 تنازع قوانين، والمنشور بالجريدة الرسمية في العدد رقم 42 مكرر ب بتاريخ 23 أكتوبر سنة 2017.

وقد بينت المحكمة الدستورية العليا الضوبط اللازمة نحو إعمال محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري بشأن حماية المنشآت العامة في ثلاث نقاط هي : أن تمثل الجريمة المرتكبة اعتداءً مباشراً على المنشآت أو المرافق العامة، وأن يقع الاعتداء حال قيام القوات المسلحة بتأمين وحماية المنشآت والمرافق العامة. وأن يكون الفعل مجرما وفقا لهذا الوصف طبقا لأحكام قانون العقوبات أو القوانين المنظمة لهذه المنشآت على اعتبار أنها القواعد العامة الحاكمة لنموذج التجريم والعقاب في هذا الشأن، وقد أكدت المحكمة الدستورية على أنه لابد من توافر تلك الاشتراطات جميعها وإلا صار الاختصاص للقضاء العادي صاحب الولاية العامة بالفصل في الجرائم.

وإذ إن صدور هذا القانون بعد أيام من إلغاء الحكومة مد حالة الطوارئ ورفعها عن البلاد بشكل كامل يمثل ردة على طريق المحاكمات العادلة، ومخالفة لنصوص الدستور حتى تلك النصوص التي استندت إليها الحكومة في مذكرتها التوضيحية، إذ إن نص المادة 200 يهدف إلى أن القوات المسلحة مهمتها حماية البلاد والحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها وصون الدستور والديمقراطية والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها، ومكتسبات الشعب وحقوق الأفراد وحرياتهم. وأن الحق في المحاكمة أمام القضاء الطبيعي هي من أهم وأقدس حقوق المواطنين التي يجب الحفاظ عليها، علاوة على كونها من الحقوق الدستورية التي أوردها الدستور المصري منذ القدم حتى النسخة الأخيرة، وهو ما يجعل من العدوان عليها جريمة لا تسقط بالتقادم، كما جاء نص المادة 204 على أن تجعل من القضاء العسكري سلطة مستقلة مختصة بحسب الأصل بقضايا العسكريين أو تلك التي تمثل اعتداء على المنشآت العسكرية، وهذا ما لا يمس بالاختصاص الأصيل للقضاء العادي بمثل تلك النوعية من القضايا.

ومما هو جدير بالذكر أن الحزب المصري الاجتماعي كان صاحب الموقف المعارض من هذا القانون مؤكدا على كونه يتجاوز نطاق الحق في المحاكمات العادلة وأنه يستهدف المواطن العادي، بما يعني أنه يتجاوز نطاق المحاكم العسكرية.

رفض حقوقي للتوسع في محاكمة المدنيين أمام اقضاء العسكري

وهذا القول يتوافق في حقيقته مع الأصل الوارد في المادة 97 من الدستور، والتي تؤكد على أن يحاكم الشخص أمام قاضيه الطبيعي، وأن المحاكم الاستثنائية محظورة. وبحسب التفسير القانوني الذي أوله ترتيب المواد فإن تلك المادة قد سبقت باقي المواد وخصوصا المادتان اللتان يرتكن إليهما أصحاب هذا القانون، ومن ثم فإن حكمها يجب أن يسود ما بعدها، كما أنه من الطبيعي أن الأصل هو الحرية والاستثناء هو التقييد أو المنع، وأن مجال التجريم ذاته يجب أن يكون حذرا حين وروده على مناطق ذات علاقة بحريات الأفراد وحقوقهم الطبيعية، لتتوجه سياسة التجريم إلى حماية المصالح الاجتماعية، والتي تقتضي حماية المجتمع والأفراد من الاعتداء عليه، وتتضمن سياسة التجريم أيضا بيان القيم والمصالح الجديرة بالحماية باستخدام العقاب ومنع إلحاق الضرر بالجماعة أو بقيمها، وفي هذا الإطار تباشر الدولة وظيفتها الجزائية لحماية المصالح الاجتماعية، ولا تكفي مجرد رغبة السلطة في تجريم فعل بعينه والخروج به من دائرة الإباحة إلى دائرة المنع أو الحظر، بل يجب أن تكون هناك حاجة مجتمعية لوضع الفعل في دائرة المنع، ولما كانت المصالح المجتمعية متباينة ومتضاربة فيما بينها، وجب على المشرع أن يوازن بين تلك المصالح وأن تكون التضحية بواحدة منها في سبيل حماية باقية المصالح المجتمعية مُبررا، ويجب كذلك التضحية بالمصلحة الأقل أهمية.

وكان هذا القانون قد تم استحداثه بمناسبة أحداث شغب أدت إلى صدوره بشكل مؤقت وليس بصفة دائمة، ولكن السلطة قد ارتكنت لذات السبب وقامت بتجديده لمدة خمس سنوات سنة 2017 ، ثم تأتي دونما سبب لتقنن هذا القانون بشكل مستمر، وكأنه بات مطلقا، فإن ذلك وفي هذا التوقيت يتناقض مع موقف السلطة التنفيذية والتي قامت بإلغاء حالة الطوارئ وعدم تجديده، والتي لم ترفع عن البلاد في الفترة الأخيرة منذ عام 2017 ولو لمدة يوم، وهي ذات الفترة التي تم تجديد العمل بهذا القانون فيها مرة جديدة، وبحسب قول رئيس الدولة أن الحالة التي كانت مستوجبة لفرض حالة الطوارئ قد انتهت، فإن ذات السبب يدعو للحفاظ على حريات المواطنين وعدم استحداث تشريعات تتنافى مع حقوقهم الدستورية، أو تتناقض بشكل سياسي مع موقف الدولة ذاته.

ومما هو جدير بالملاحظة أن الدولة هي ذاتها صاحبة مشروع القانون وكان موقف مجلس النواب متوقفا فقط عند حد الموافقة، وهو الأمر الذي يدعونا إلى محاولة فهم حقيقة دور السلطتين التنفيذية والتشريعية، إذ إن غالبية التشريعات التي صدرت منذ أن انعقد البرلمان المصري في نسخته الحالية أو نسخته السابقة لم تصدر سوى عن طريق السلطة التنفيذية، وأعلم جيدا أن ذلك أحد طرق التقدم بالقوانين لمجلس النواب، ولكنه ليس الطريق الأوحد، إذ الأصل يكمن في أن يتقدم أعضاء مجلس النواب بمشروعات القوانين حسب لجانهم المختلفة، لا أن يكون لدور الرئيسي متوقف على ما تقدمه السلطة التنفيذية من قوانين.

وحيث إنه قد وافق مجلس النواب على هذا القانون، فليس أمامنا فرصة حالية سوى الصلاحية المخولة لرئيس الجمهورية بعدم الموافقة على هذا القانون، وإعادته مرة ثانية لمجلس النواب، من باب الحفاظ على حريات المواطنين.