رغم النفي المستمر من روسيا عن صلتها بشركة الخدمات الأمنية “فاغنر”، التي لعبت دورا كبيرا في قلب موازين المعارك العسكرية في سوريا وليبيا، إلا أن ثمة مؤشرات قوية على اعتماد روسيا على الإمارات العربية المتحدة في تمويل هذه الشركة. بما تقدمه من مقاتلين وعتاد على مستوى متطور. لتقديم الدعم العسكري للمشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي، في حربه على الإسلاميين في ليبيا.
ظهرت مجموعة “فاغنر” شبه العسكرية للمرة الأولى لعدم الانفصاليين في شرق أوكرانيا في 2014. قبل أن تسجل حضورها في الشرق الأوسط بدعم قوات الرئيس السوري بشار الأسد لقمع المعارضين والتصدي للجماعات الراديكالية، والداعمين الإقليمين لها. وبات لها أنشطة أخرى في ليبيا، لدعم المشير حفتر، وتمددت رقعة أعمالها لتشمل جمهورية أفريقيا الوسطى، حيث يقوم بعض عناصرها بمهمات “تدريبية” هناك، بالإضافة إلى موزمبيق والسودان، حيث تقول تقارير إعلامية غربية إنها شاركت في قمع المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشارع للمطالبة برحيل الرئيس السابق عمر البشير في 2019.
رغم أن المجموعة لا تملك أي جود شرعي في روسيا، باعتبار أن الشركات شبة العسكرية محظورة، وتنفي روسيا باستمرار امتلاك هذه الشركة، إلا ان ذلك لم يمنع منظمة العفو الدولية من إطلاق عليها اسم “الجيش السري لفلاديمير بوتين”.
في ديسمبر الماضي، أعلن البنتاجون بشكل واضح مساهمة الإمارات في تمويل المرتزقة الروسية في ليبيا، رغم سعيها الدؤوب لتعتيم دورها العسكري في الدولة المطلة على المتوسط.
ومنذ سقوط نظام المعمر القذافي في 2011، إثر التدخل العسكري لحلف الناتو، تحولت ليبيا إلى ساحة حرب مفتوحة على خلفية الصراع الجهوي بين شرقها وغربها، انحازت فيه الإمارات بشكل واضح للمشير خليفة حفتر، الذي سوّق لنفسه في صورة الرجل القوي بالشرق الليبي، وهو ما تقاطع مع مصالح بلدان كثيرة منها روسيا التي قدما دعمت خفيا لحفتر ضد حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج.
لاشك أن كان الكرملين في أن يساعد العملاء الروس في تحويل التيار لصالح قوات حفتر، إلى جانب قواعدها في سوريا، لمنح روسيا موقعًا استراتيجيًا آخر على البحر الأبيض المتوسط، مما قد يمنح روسيا، من الناحية النظرية، ميزة على منافسيها في الناتو، مثل تركيا وفرنسا.
لكن كيف ولماذا قررت الإمارات العربية المتحدة – وهي حليف رئيسي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط – أن تتعاون مع روسيا للمساعدة في إرسال الآلاف من عملاء مجموعة فاغنر للقتال في ليبيا ضد المصالح الأمريكية؟ وما هي الدلائل على تمويل الإمارات لتلك الشركة؟
هذا السؤال حاولت شركات تتبع بيانات الإجابة عن طريق رصد أنشطة مجموعة فاغنر والدعم اللوجيستي الذي قدمته لها الإمارات في الحرب التي استعرت عام 2019 بتحرك حفتر اتجاه طرابلس، عن طريق دعمها لمنظومة البانستير، روسية الصنع، التي استخدمت لتدمير أهداف لحكومة الوفاق، واعترضتها طيارات مسيرة تابعة لتركيا خلال هذه الفترة.
فقامت شركة New America وC4ADS بتحليل البيانات المفتوحة المصدر المتاحة للجمهور ووجدت أن مناورات بانتسير الأرضية لمجموعة Wagner Group توفر أدلة مهمة حول التعاون الروسي الإماراتي لدعم هجوم الجيش الوطني الليبي على طرابلس.
ومنظومة البانستير هي منظومة صواريخ أرض-جو قصيرة ومتوسطة المدى، تتكون من 12 صاروخًا أرضيًا موجهًا، ومدفعين آليين عيار 30 ميليمترًا، للإطلاق على الطائرات الحربية والمسيّرة (درون) والمروحيات والصواريخ الباليستية وصواريخ كروز. تُحمّل المنظومة على عربة إما بعجلات أو مجنزرة أو على السفن البحرية، ويمكن أن تثبت على قاعدة أرضية. وتستطيع تدمير الأهداف الجوية البعيدة عنها من مسافة 1.2 إلى 20 كيلومترًا، وعلى ارتفاع يتراوح ما بين 15 مترًا و15 كيلومترًا. وتتوجه المنظومة إلى الهدف بنفسها، وتحتاج لضغط زر الإطلاق من قبل العسكريين لتنفذ الهجمات الدفاعية.
وأوضحت النتائج التي توصلت إليها الشركة: كيف أدت سلسلة من الضربات الجوية الباهظة الثمن Pantsir S1 تديرها مجموعة من “Wagner Group” وعملاء إماراتيين بالتعاون مع الجيش الوطني الليبي إلى انتكاسات كبيرة في ساحة المعركة في ليبيا.
يشير تحليل البيانات المتاحة للجمهور، المقدمة جزئيًا من قبل C4ADS و Airwars إلى أن Pantsir S1 المزودة من الإمارات ربما كانت في الواقع الحلقة الأضعف في محاولة الإمارات وروسيا لدعم الجيش الوطني الليبي، التابع لحفتر خلال هجوم 2019-2020. فالأبحاث تكشف أن عملاء مجموعة فاغنر في ليبيا قد تكبدوا ما لا يقل عن 42 قتيلاً خلال هجوم حفتر بين سبتمبر 2019 ويوليو 2020، عندما كان هجوم الجيش الوطني الليبي على وشك الانتهاء.
تأتي هذه النتائج في أعقاب تقريرين منفصلين صدرا عن البنتاغون والأمم المتحدة خلال العام الماضي يقترحان أن الإمارات شاركت في تمويل عمليات مجموعة فاغنر في ليبيا. ففي مارس 2021 ، أصدرت الأمم المتحدة تقريرًا يورط الإمارات في دعم العمليات المشتركة لمقاتلي مجموعة فاغنر وقوات حفتر. وإذا ثبتت صحة دعم الإمارات للجماعات شبه العسكرية الروسية المدعومة من الدولة، فقد يمثل انتهاكًا محتملاً لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا والعقوبات الأمريكية الدائمة ضد مجموعة فاغنر وممولها الرئيسي، رجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوزين، الذي يُعرف بـ “طباخ بوتن”.
يُعرف بريغوزين بهذا الاسم لدوره السابق كمقدم الطعام الرسمي للكرملين، وكان اسمه مطروحا بشدة لمراجعة ملفه في أجهزة الأمن الأمريكية لسنوات بسبب دوره المركزي في شبكة مترامية الأطراف من الشركات الأمامية، وفرق المرتزقة، ومزارع الإنترنت، والجواسيس وعدائي السلاح ونشطاء سريين مشبوهين برزوا بشكل بارز في النزاعات الممتدة من أوكرانيا إلى سوريا إلى ليبيا وما وراء ذلك.
التعاون الإماراتي الروسي
يتمثل أحد الدلائل على التمويل الإمارتي المباشر التي استعرضها “أمريكا الجديدة” في وجود شبكة نقل مقرها الإمارات العربية المتحدة وخط أنابيب توفره روسيا لشحن المواد العسكرية إلى ليبيا، كما رصد أدلة إضافية يمكن العثور عليها في بيانات المشتريات والشحن بالإضافة إلى المعلومات المتاحة للجمهور حول الاتفاقيات الفنية العسكرية بين الإمارات العربية المتحدة وروسيا لإنتاج ونشر منصات Pantsir وغيرها من المواد العسكرية الروسية الصنع.
وكشفت مراجعة البيانات مفتوحة المصدر أن المواطنين والشركات الروسية المرتبطين بوحدة مجموعة فاغنر التي تم رصدها في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأفريقيا وأوكرانيا يبدو أنهم يشكلون العمود الفقري لسلسلة إمداد عسكرية ولوجستية مترامية الأطراف تمتد من المركز. روسيا إلى القيادة العامة للقوات المسلحة في أبو ظبي بالإمارات العربية المتحدة. كما حدد تحليل بيانات الرحلات أنماط الرحلات المشبوهة لعشرات طائرات الشحن التي غادرت الإمارات ثم اختفت على ما يبدو مع اقترابها من الساحل الشرقي لليبيا والمناطق الحدودية الغربية لمصر. وتبين لفريق التحقيق أن الرحلات انطلقت من الإمارات باستخدام طائرة نقل عسكرية أمريكية الصنع من طراز C17.
وكشفت الأدلة التي حصل عليها “أمريكا الجديدة” أن شركة اللوجستيات الروسية التي أدارت تلك الشحنات متورطة أيضًا في النقل غير المشروع لمواد عسكرية روسية إلى الانفصاليين المدعومين من روسيا في إقليم دونباس الأوكراني المتنازع عليه.
تشير السجلات المتاحة للجمهور إلى أن محطة نقل لوجستية تديرها شركة تابعة لشركة United Cargo Solutions، أو UCS، وهي شركة شحن وخدمات لوجستية روسية مقرها موسكو ، رتبت شحن المعدات المتعلقة بانتسير عبر موقع تخزين مؤقت في تولا.53 يشير تقرير Myrotvorets، وهي منظمة غير حكومية أوكرانية، إلى أن UCS متورط أيضًا في نقل المواد إلى دونباس.
يتمثل أحد الدلائل على التمويل الإمارتي المباشر التي استعرضها “أمريكا الجديدة” في وجود شبكة نقل مقرها الإمارات العربية المتحدة وخط أنابيب توفره روسيا لشحن المواد العسكرية إلى ليبيا، كما رصد أدلة إضافية يمكن العثور عليها في بيانات المشتريات والشحن بالإضافة إلى المعلومات المتاحة للجمهور حول الاتفاقيات الفنية العسكرية بين الإمارات العربية المتحدة وروسيا لإنتاج ونشر منصات Pantsir وغيرها من المواد العسكرية الروسية الصنع.
وكشفت مراجعة البيانات مفتوحة المصدر أن المواطنين والشركات الروسية المرتبطين بوحدة مجموعة فاغنر التي تم رصدها في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأفريقيا وأوكرانيا يبدو أنهم يشكلون العمود الفقري لسلسلة إمداد عسكرية ولوجستية مترامية الأطراف تمتد من المركز. روسيا إلى القيادة العامة للقوات المسلحة في أبو ظبي بالإمارات العربية المتحدة. كما حدد تحليل بيانات الرحلات أنماط الرحلات المشبوهة لعشرات طائرات الشحن التي غادرت الإمارات ثم اختفت على ما يبدو مع اقترابها من الساحل الشرقي لليبيا والمناطق الحدودية الغربية لمصر. وتبين لفريق التحقيق أن الرحلات انطلقت من الإمارات باستخدام طائرة نقل عسكرية أمريكية الصنع من طراز C17.
وأظهر تقييم البيانات الجمركية لـ 122 شحنة من روسيا إلى الإمارات، اطلع علهي فريق “أمريكا الجديدة” خلال الفترة من 2019 إلى 2020 إلى أن شركة الخدمات اللوجستية الروسية، التي ربطها باحثون أوكرانيون أيضًا بشحنات بضائع عسكرية إلى مقاتلين انفصاليين مدعومين من روسيا في المنطقة المتنازع عليها، كانت جزءًا لا يتجزأ من شحن المواد المتعلقة ببانتسير إلى الإمارات والتي تقدر قيمتها بنحو 7.99 مليون دولار.
غضب أمريكي من الإمارات
التقارب الروسي الإماراتي في ليبيا كلف الدولة الخليجية تهديد صفقات الأسلحة المتفق عليها مع البنتاجون، وكاد أن يفجر صفقة أسلحة أمريكية بقيمة 23 مليار دولار، بيعت للإمارات بالفعل في ديسمبر 2020. تتضمن هذه الصفقة حزمة أسلحة متطورة مثل طائرات F-35 وطائرات بدون طيار مسلحة.45 لكن وزارة الخارجية الأمريكية علقت الصفقة مؤقتًا في يناير بعد أن أثار الكونجرس اعتراضات على سلوك الإمارات العربية المتحدة واستخدامها لأسلحة أمريكية الصنع في الصراع في اليمن.
وأدت المزاعم الجديدة حول الدعم الإماراتي للجيش الوطني الليبي ومجموعة فاغنر في ليبيا إلى تأجيج التوترات بين الكونغرس وإدارة بايدن بشأن الصفقة – ناهيك عن المخاوف التي أثارتها بين الفصائل الليبية التي كانت متحالفة مع حكومة الوفاق الوطني في طرابلس.
هذا التعاون بات أكثر وضوحًا بعد أن كشفت صحيفة تايمز أوف لندن في يناير 2021 أن الإمارات العربية المتحدة اشترت نظام بانتسير من روسيا وتم إرساله لاحقًا إلى ليبيا لدعم الجيش الوطني الليبي، منذ ذلك الحين، انتشرت مزاعم حول التعاون الوثيق بين الإمارات وروسيا في تمويل ونشر الآلاف من عملاء مجموعة فاغنر الروسية في ليبيا.