في خطوة اعتبرها قانونيون مخالفة للقانون وتكرس سياسات التعسف مع الأكاديميين، قرر رئيس جامعة القاهرة محمد عثمان الخشت، وقف الدكتور عبد الفتاح البنا، أستاذ علم الآثار، الذي سبق احتحجازه على ذمة إحدى القضايا السياسية لمدة عام بين 2018-2019، عن العمل لمدة ثلاثة أشهر، مع تخفيض راتبه الشهري، بدعوى الحرص على مصلحة التحقيق الذي تجريه الجامعة معه،
وأُخطر الأستاذ المتفرغ بقسم ترميم الآثار بكلية الآثار بجامعة القاهرة، بالتوجه لاستلام قرار صادر له، تبين أنه قرار من رئيس جامعة القاهرة بوقفه عن العمل احتياطيا لمدة ثلاثة أشهر اعتبارا من تاريخ الإيقاف، بمزاعم الحرص على مصلحة التحقيق وسير العمل وعلى عدم تأثيره على مجريات التحقيق والشهود من أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة، وعرض أمر صرف ربع راتبه على مجلس تأديب السادة أعضاء هيئة التدريس.
ويقول المحامي أحمد عبد اللطيف المحامي بالشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، أن ما يجري مع عبد الفتاح غير قانوني، نظرا لم تحدده العقوبات في نظر جلسات التحقيق، حيث يتم صرف نصف راتبه خلال فترة التحقيق وليس بعرض صرف ربع راتبه من عدمه على مجلس التأديب. أي أنه سيكون عليه الانتظار لفترة أخرى لم يتم تحديد موعدها لمعرفة إن كان سيتم صرف ربع راتبه أم لا.
ووفقا المادة (112) من قانون تنظيم الجامعات، لرئيس الجامعة بعد الاطلاع على التحقيق أن يحفظ التحقيق، أو يحيل الأمر إلى مجلس التأديب، أو أن يكتفي بتوقيع عقوبة عليه.
وأشار عبد اللطيف إلى ان قرار التحقيق يأتي بعد نظر دعوة بشبين الكوم، وحصل خلالها البنا على تصريح من المحكمة لاستخرج بعض من الأوراق من كلية أثار القاهرة، ولكن لم تنفذ إدارة الجامعة للتصريح، وبناء عليه استطاع البنا التوصل لتلك الأوراق بطريقة غير رسمية، وقدمها إلى المحكمة مع بلاغ في تعنت إدارة الجامعة بعدم تسليمه تلك الأوراق.
استمعت المحكمة لإدارة الكلية، ثم فوجئ عقب ذلك بإحالته للتحقيق في مجلس التأديب، في كلية الحقوق مع أستاذ قانون جنائي.
وأشار محامي الشبكة العربية إلى أن القرار يأتي مخالفا للائحة والقانون لأنه صدر بدون إجراء تحقيق، مشيرا إلى أنه في حالة التحقيق يتم خفض الراتب إلى النصف وليس الربع بجانب قرار آخر “من عدمه” لمجلس التأديب.
عدد من الحقوقيين اعتبروا موقف جامعة القاهرة من عبد الفتاح البنا مؤشرا لاستمرار التنكيل مع الأكاديمين، مثل الدكتورة منار الطنطاوي والتي تم التعنت معها من قبل عميد المعهد التكنولوجي العالي بالعاشر من رمضان. وحرمانها من حقها في التعيين في درجة الأستاذية ورجوعها لمنصبها رئيسة للقسم، وهو التعنت الذي أرجعته الطنطاوي إلى كونها زوجة سجينِ الرأي السابق الكاتبِ الصحفي والباحث هشام جعفر.
كما قام محامو وحدة العدالة الجنائية بتوجيه إنذار رسمي لرئيس جامعة حلوان بسبب التعنت والتعسف الباديين تجاه موكلها اﻷستاذ الدكتور يحيي القزاز اﻷستاذ المتفرغ بكلية العلوم بالجامعة، لحثه وإلزامه بأن يخطر القزاز بقرار مجلس التأديب، عقب التحقيق في الاتهامات التعسفية التي ساقها ضده، والتي تعود إلى شهر يوليو 2019، حينما تم التحقيق معه بادعاء انقطاعه عن العمل رغم تقديم الدليل القانوني علي أنه كان محبوسا احتياطيا بقرار صادر من نيابة أمن الدولة العليا علي ذمة القضية رقم 1305 لسنة 2018 حصر تحقيق.
ومن جانبها، ترى الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، أن القرار الذي جاء ليتوج حلقات الانتقام والتنكيل بالأكاديمي عبد الفتاح البنا التي بدأت ولم تنته منذ عام 2018 عقابا له على مواقفه من قضايا الشأن العام والحريات لا سيما ما خص منها قضايا وإشكالات الآثار المصرية القديمة.
وتشير إلى أن القرار جاء متوجا لحزمة من القرارات الجائرة من جامعة القاهرة بحق اﻷكاديمي عبد الفتاح البنا عقب القبض عليه من جهاز اﻷمن الوطني بتاريخ 23 أغسطس 2018 وصدور قرار من نيابة أمن الدولة العليا بحبسه احتياطيا علي ذمة التحقيق رقم 1305 لسنة 2018 حصر تحقيق وهو الحبس الذي أستمر حتى يوم 20 مايو 2019 علي خلفية الاتهام بالانضمام لجماعة أسست علي خلاف أحكام القانون الغرض منها تعطيل أحكام الدستور والقانون.
وقد عمد مصدر القرار إلى تجاهل وإهدار الأحكام القضائية النهائية الصادرة من المحكمة التأديبية لمستوى الإدارة العليا وكذا المحكمة الإدارية العليا بإلغاء قرارات مشابهة صدرت ضد الأكاديمي عبد الفتاح البنا، ليأتي القرار الجديد متضمنا نفس المضمون بالوقف عن العمل ووقف صرف الراتب الشهري.
وقد تضمن الحكم القضائي رقم 35 لسنة 54 قضائية نصا “أن اللجوء الي الوقف الاحتياطي يتطلب أن يكون هناك تحقيق يجري مع العامل وأن تقتضي مصلحة التحقيق هذا الإيقاف … وأن كافة المستندات المقدمة من الجامعة أنها لم تشر إلى ارتكاب الطاعن ﻷية مخالفات حتي تكون سببا لصدور القرار بوقفه عن العمل واستمرار هذا الوقف حتى إقامة هذا الطعن كما أن الجامعة لم تقدم أية مستندات تفيد إجراء تحقيقات معه وهو ما يغدو معه القرار المطعون فيه بوقفه احتياطيا عن العمل لمصلحة التحقيق قد صدر فاقدا لركن السبب وهو ما يصمه بعدم المشروعية علي نحو يتعين معه القضاء بإلغائه مع ما يترتب علي ذلك من آثار”.
وتستنكر الشبكة العربية تحول الحرم الجامعي والمجتمع اﻷكاديمي إلى مجرد بوابة خلفية لتصفية الحسابات والعقاب على المواقف السياسية ومحاولات الحصار والتجويع للمعارضين السياسيين باعتقاد أن هذا سوف يكون مرحبا به من السلطة السياسية.
وتؤكد الشبكة على اتخاذ كافة الإجراءات القانونية الكفيلة بمواجهة هذا القرار والذي وصفته بـ” المتعسف”، وإلغاءه وصولا إلى عودته وممارسة عمله.
وتطالب الشبكة العربية وزير التعليم العالي ورئيس جامعة القاهرة بوقف التعسف والملاحقات للأكاديمي عبد الفتاح البنا وكافة الأكاديميين والنأي بالجامعة والمجتمع اﻷكاديمي عن إشكاليات التطاحن السياسي، كما تطالب بالانحياز لحرية التعبير وللحريات الأكاديمية.