وفقًا لمنظمة العمل الدولية، فإن أكثر من 60% من السكان العاملين في العالم يعملون في الاقتصاد غير الرسمي. ينتمي أغلبهم إلى الدول النامية. وفي العديد من التحديات التي تحاصر الاقتصاد العالمي، وآخرها وباء كورونا، يزداد الأمر سوءا ويحتاج لحلول عاجلة.

وبحسب المنظمة فخلال الفترة من 1990 إلى 2018. استحوذ القطاع غير الرسمي على 32- 33% من الناتج المحلي الإجمالي.

وفي مصر ووفقاً لبيانات التعداد الاقتصادي عام 2017/ 2018. استحوذ القطاع غير الرسمي على نسبة 53% من إجمالي المنشآت في قطاعات الأنشطة الاقتصادية. وكانت له النسبة الكبرى في بعض القطاعات، حيث استحوذ على نسبة 73% من إجمالي منشآت قطاع الزراعة وقطع الأشجار وصيد الأسماك. كما استحوذ القطاع غير الرسمي على نسبة 60.5% من إجمالي عدد المنشآت في قطاع الإمداد المائي وشبكات الصرف الصحي وإدارة ومعالجة النفايات.

ما العمل؟

البنك وصندوق النقد الدوليان. اعتبر أن القضاء على الاقتصادات غير الرسمية. بمثابة حل سحري لمعالجة الأزمات الاقتصادية المتتالية، مثل معدل اللامساواة الحادة، والوباء، وكذلك عجز الميزانيات، وهو ما اعتبره تقرير الموقع الصحفي والمنظمة البحثية “ذا كونفرسيشن” منطقا معيبا، ومردود عليه.

فلماذا؟

يقول التقرير إن الحديث عن أن الطابع غير الرسمي يقوض الجهود المبذولة لإبطاء انتشار الوباء، وتعزيز النمو الاقتصادي مجرد ادعاء. وأن إلغاء السمة غير الرسمية سيؤدي إلى زيادة الإيرادات الضريبية، قولا مغلوطا.

فاستنادًا إلى البحث المكثف الذي أجرته المنظمة في الاقتصاد غير الرسمي وعلاقته بالضرائب. يؤكد باحثو “ذا كونفرسيشن”. أن تحليل خبراء البنك والصندوق معيبين بشكل أساسي في فهمه لكل من أسباب وعواقب السمة غير الرسمية للاقتصاد.

فإلقاء اللوم على العمال غير الرسميين، بدلاً من الظروف الهيكلية التي لا تترك لهم خيارًا سوى العمل غير الرسمي. يلقي باللوم على ضحايا عدم المساواة العالمية بينما يتساءلون عن سبب عدم تمسكهم بأنفسهم.

بالإضافة إلى ذلك. فإن ما تم طرحه على أنه تدخلات مناصرة للفقراء في التقارير يخاطر في الواقع بزيادة عدم المساواة بشكل نشط وإلحاق المزيد من الضرر بالسكان الضعفاء.

تظهر التقارير الرئيسية الأخيرة والتعليقات المصاحبة لها من قبل كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. نهجًا متقلبًا باعتبار النشاط غير الرسمي سببا. وليس عرضا لاقتصاد ضعيف أو متعثر.

البنك الدولي
البنك الدولي

وعلى الرغم من أن خبراء البنك الدولي قدموا تقريرا يقوم على فكرة أن البلدان ذات المستويات العالية من عدم المساواة في الدخل. لديها أيضًا معدلات عالية من العمالة غير الرسمية. لاحظوا بشكل صحيح أنهم لا يستطيعون إثبات العلاقة السببية وأنه لا يوجد منهج يمكن قياسه على الجميع “مقاس واحد يناسب الجميع”، إلا انهم لاحقا وبالوصول إلى التحليل، او التوصيات قد تخلوا عن تلك القواعد.

ولإثبات منطق مماثل. تشير إحدى مدونات البنك الدولي، على سبيل المثال. إلى أن الزيادة في البطالة في بيرو ناتجة عن السمة غير الرسمية، وليس جائحة كوفيد18. وعليه فإن النتيجة المنبثقة ربطت بشكل قاطع بين إزالة السمة غير المنظمة. وانخفاض معدل عدم المساواة، بينما يتجاهل إلى حد كبير مجموعة أوسع من التدخلات التي تهدف إلى تحسين سبل العيش والأمن والاستقرار والأرباح للعمال الأكثر ضعفًا.

الطابع غير الرسمي والضرائب

يتعلق العيب الأساسي الثاني في تحليل التقارير بافتراض أن القضاء على السمة غير الرسمية سيؤدي تلقائيًا إلى زيادة الإيرادات الضريبية.

ويعتمد هذا المنطق على فكرة أن التهرب الضريبي “هو جوهر السمة غير الرسمية”. ومع ذلك، فإن هذا ببساطة لا يتطابق مع واقع السمة غير الرسمية أو الضرائب في معظم أنحاء جنوب الكرة الأرضية.

فالتهرب الضريبي موجود بالفعل. بما في ذلك مجموعة فرعية من الاقتصاد غير الرسمي. لكن التحليل لا يزال يخطئ في وصف غالبية القطاع. والأهم من ذلك أنه يخلط التهرب المتعمد مع عدم دفع العمال للضرائب الذين عادة ما يكونون أقل بكثير من أي حدود ضريبية.

على أرض الواقع. فإن الكثير من فرص العمل في القطاع غير الرسمي قد تكون أقل من اللازم “للتهرب” من الضرائب بأي شكل من الأشكال. وفي البلدان الناشئة والنامية. تُظهر نسب العمالة غير الرسمية أن 78.1٪ هم عمال لحسابهم الخاص في القطاع غير الرسمي.

وهي النسبة الأعلى في البلدان الأفريقية بنسبة 87.3%. على النقيض من ذلك. فإن 4.4٪ فقط هم أرباب عمل في القطاع غير الرسمي.

وكمؤشر إضافي على المسؤولية الضريبية المحدودة. تتراوح حصة العمال الفقراء في العمالة غير الرسمية من 50.4٪ إلى حوالي 98٪ في البلدان النامية والصاعدة. بمعدل يعادل القوة الشرائية للفرد الواحد في اليوم 3.10 دولار أمريكي.

وعلى الرغم من هذه المستويات المنخفضة من الدخل فإن التقرير يلفت إلى أن هؤلاء العمال يدفعون الضرائب.

على سبيل المثال وجدت دراسة أجراها البنك الدولي عام 2013 حول المشروعات الصغيرة غير الرسمية في أوغندا. أن 70٪ كانت أقل من ضريبة الأعمال الوطنية لكنها لا تزال تدفع جزءًا كبيرًا من أرباحها للسلطات المحلية. فالأكثر فقرا دفع النصيب الأكبر من الأرباح.

العصا و الجزرة

بناءً على المقدمات المعيبة في نظر التقرير. تفترض هذه التحليلات أيضًا أنه يمكن القضاء على الاقتصاد غير الرسمي عن طريق خفض الضرائب على المؤسسات الرسمية (الجزرة) مع زيادة الضرائب على الأعمال التجارية غير المسجلة أو غير الرسمية (العصا).

ويقترح البنك الدولي تبسيط اللوائح الضريبية لخفض تكلفة التشغيل بشكل رسمي. وزيادة تكلفته بشكل غير رسمي، وهو ما يجده التقرير تحليلا لا أساس له كما أنه يؤدي إلى سياسات لا تحقق قدرًا كبيرًا من الإيرادات الضريبية.

خاصة أن العديد من العمال غير الرسميين غير مؤهلين لفرض ضرائب وطنية بسبب الدخل المنخفض للغاية. ولذلك فإن الخطر هو أنه لا يتم جلب الكثير من الإيرادات بالفعل – كل ذلك مع إضافة المزيد من الأعباء المالية على أفقر الفئات في المجتمع.

وبشكل حاسم، قد تكون تلك الاقتراحات بمثابة خسائر جديدة في الإيرادات الضريبية نتيجة تخفيضها على الجهات الاقتصادية الفاعلة. التي يمكن أن تدر إيرادات كبيرة بدعوى التحفيز، والتي تشمل الشركات أو المهنيين المستقلين غير المسجلين مثل المحامين والأطباء.

كما قد يؤدي التركيز على الضرائب إلى استبعاد الدعم الهادف الذي يحتاجه الأشخاص في العمل غير الرسمي. فهناك تحديات حقيقية ومعقدة يواجهها الناس في هذا النوع من الاقتصادات. تتراوح بين مضايقات السلطات وأماكن العمل غير الآمنة إلى الدخل المنخفض والافتقار إلى الوصول إلى التمويل أو شبكات الأمان الاجتماعي.

كما أن التركيز في المقام الأول على القضاء على السمة غير الرسمية يخاطر بخلق انطباع بأن إضفاء الطابع الرسمي يمكن أن يحدث ببساطة عن طريق تسجيل الناس في السجلات الضريبية أو خفض “تكاليف الإجراءات الشكلية”، ما قد يشتت الانتباه عن إحداث إصلاحات واسعة لازمة لدعم الأفراد في العمل غير الرسمي والعمل الضعيف على نطاق أوسع.

في الواقع. فإن الإيحاء بأن سياسات إعادة التوزيع ضارة بالفقراء في الاقتصاد غير الرسمي، ولكن فرض ضرائب باهظة لصالحهم هو استنتاج محير، في أحسن الأحوال، وساخر للغاية، في أسوأ الأحوال.

ويقترح التقرير استبدال التركيز على القضاء على الاقتصاد غير الرسمي. بأن يتم التأثير من قبل الجهات الفاعلة الدولية المؤثرة مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وصانعي السياسات المحليين على عدم المساواة. من خلال التركيز على الضرائب التصاعدية وتوسيع الحماية الاجتماعية للفقراء، بغض النظر عن حالة العمل.

التجربة المصرية

مصر تعتبر من الدول التي تعاني من الدخل الضرائبي المحدود. بالمقارنة ذات الاقتصاد المقارب لها. فالنسبة لا تتخطى 14% من مجموع الأعمال. كما أن العمالة غير الرسمية تشكل ما يزيد على النصف، إلا ان المسألة مركبة إلى حد ما.

فعلى جانب تكشف الحصيلة الضرائبية عن فجوة كبيرة متحققة. فبينما لا تتجاوز ضرائب الدخول والأرباح الرأسمالية 351.6 مليار جنيه. فإن الضرائب غير المباشرة ومنها الضرائب على السلع والخدمات تقدر بنحو 469.6 مليار جنيه. منها 221.3 ضريبة قيمة مضافة يتحملها الجميع بدون تفرقة. وأخرى على الخدمات تبلغ 67 مليار جنيه.

الاقتصاد غير الرسمي في مصر
الاقتصاد غير الرسمي في مصر

كما أن المواطن محدود الدخل هو الممول الرئيسي لموازنة الدولة. بينما كبار المستثمرين وأصحاب المشروعات والمهن الحرة. لا يسددون إلا النذر اليسير. فأعلى شريحة في ضرائب الدخل لا تتعدى 22.5% بينما تصل في الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية بين 45% و65%.

يسدد العمال والموظفين 80.2 مليار جنيه في موازنة 2020/2021. منهم 2.7 مليار دمغة رواتب. لا تتجاوز الضرائب على دخول الأفراد بما فيهم المهنيين 47.6 مليار جنيه.

وفي القطاع غير الرسمي. فإن الشريحة التي قد تستهدفها الضرائب نسبة للعمالة غير المنتظمة التي تعد خارج التصنيف الضرائبي، لا تتجاوز النسبة العالمية كثيرا والمحددة بـ 4%، ومن المنتظر أن تنضم الكثير منها للقطاع المنظم بعد مجموعة من الإجراءات التحفيزية التي قامت بها الدولة.

قامت الدولة بفرض الإعفاء الضريبي لمدة 5 سنوات لأصحاب المشروعات الاقتصادية غير الرسمية. وفي ديسمبر 2018 أعلن رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن تشكيل لجنة لوضع تعريف موحد للاقتصاد غير الرسمي.

كما صدر قانون تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة رقم 152 لسنة 2020. وقدم صياغة جديدة لمفهوم الأعمال الصغيرة والمتوسطة تعتمد على حجم الأعمال. إضافة إلى المفهوم الذي قدمه القانون القديم 141 لسنة 2004 معتمداً على معيار رأس المال وعدد العاملين. فضلا على مجموعة ضخمة من الحوافز الضريبية وغير الضريبية تُساعد في ضم شريحة أخرى من القطاع غير الرسمي.

ومع ذلك فبحسب الخبراء. فإن هذه الإجراءات لن تكون وحدها سببا في الإصلاح الاقتصادي الشامل، أو حتى ضم القطاع غير الرسمي بأكمله إلى كنف الدولة، في حال غياب الإصلاح الضرائبي المأمول خاصة على الشرائح الأعلى، والمهن الحرة.