تحت اسم الجبهة المتحدة للقوات الفيدرالية الإثيوبية. اتحدت أبرز القوميات الإثيوبية المناهضة لحكومة آبي أحمد للتعاون في إدارة وتبادل القتال ضد القوات الفيدرالية التابعة لحكومة آبي أحمد. في محاولة لإسقاطه وإدارة مرحلة انتقالية. دون توافق على من سيكون له الغلبة أو القيادة فيما بعد إسقاط الحكومة.

وتخوض الجماعات المسلحة الأبرز والأقوى في الجبهة المتحدة حرباً ضارية ضد حكومة آبي أحمد بدأت في إقليم تيجراي من خلال جبهة تحرير شعب التيجراي TPLF. ثم جيش تحرير أورومو OLA وحركة أغاو الديمقراطية. والحزب القومي الديمقراطي العفري في أقليم عفار. حيث كان الصراع في إثيوبيا انتقل خلال العام الماضي من مجرد حرب محدودة في إقليم تيجراى شمال إثيوبيا إلى حرب شاملة انتجت اتحاد من الجبهات المسلحة مع جبهة تحرير شعب تيجراى. ضد قوات آبى أحمد وإسقاط حزب الازدهار، في صراع لا يزال يسيطر عليه الطابق العرقي والاثني.

وفق المعلومات الأولية عن التحالف العسكري الجديد حسب الوثيقة التي تم التوقيع عليها في واشنطن الجمعة الماضية. فإن الهدف الأساسي الذي يتوافق عليه الأطراف التسعة المناوئة لحكومة آبي أحمد. هو تبادل معلومات حول ساحة المعركة والقتال بالتوازي، فضلاَ عن محاولة تعبئة فصائل متمردة أخرى للقتال مع التحالف.

آبي أحمد
آبي أحمد

صراعات الأعراق الإثيوبية مع آبي أحمد 

حسب التوزيع السكاني تتكون إثيوبيا من 9 ولايات فيدرالية ذات حكم ذاتي تم تقسيمها وفقاً للإثنيات. فيما يتحدث السكان أكثر من 100 لغة محلية أبرزها الأمهرية لغة الدولة الرسمية إلى جانب التيجرانية والكوشية والأورومية.

أكبر مجموعة عرقية هي الأورومو. إذ تمثل 34 % من مجموع السكان يتحدثون اللغة الأورومية ويعمل معظمهم في الزراعة والرعي. إذ تتميز أراضي الإقليم بالخصوبة وتوافر مصادر المياه. ويساهمون بقوة في الاقتصاد الإثيوبي من خلال تصدير القهوة. ورغم قوتهم العددية إلا أنهم عانوا من التهميش المتعمد منذ عهد ميلس زيناوي، بسبب سيطرة التيجراي على مفاصل الدولة الإثيوبية. ما كان سبباً للتوتر والاحتجاجات التي استمرت أكثر من 4 سنوات منذ 2015. حتى الإطاحة بحكومة هيلاماريم ديسالين في 2018. وتعيين آبي أحمد الذي كان أول رئيس للوزراء من عرقية الأورومو حتى انقلبوا عليه الآن بسبب سياسات قمعية، خاصة بعد مقتل المطرب هاشالو هونديسا في يوليو من العام الماضي.

مليس زيناوي رئيس وزراء أثيوبيا الراحل
مليس زيناوي رئيس وزراء أثيوبيا الراحل

بدأ انقلاب الأورومو على آبي أحمد، بعد اتهامات له بأنه لم يبذل جهدا كافيا من أجل مجتمعه العرقي والتشكيك في جدارته كزعيم للأورومو. خاصة بعد تدشين حزب الازدهار الذي دفع به أحمد على حساب مصالح الأورومو. حيث كانت أولى المواجهات في أكتوبر من العام الماضي قبيل اندلاع الحرب مع التيجراي بعد اعتقال جوهر محمد، الناشط السياسي الذي يحظى بتأييد مجموعات واسعة من الأورومو. حيث قتل حوالي 90 شخص في احتجاجات هاجم على إثرها جيش تحرير الأورومو القوات الحكومية الفيدرالية.

الأمهرة

وتأتي الأمهرة كثاني أكبر مجموعة عرقية بعد الأورومو بحوال 27% من السكان. إذ يتحدثون اللغة الأمهرية، اللغة الرسمية للجمهورية الاثيوبية، وتشير كافة المؤشرات إلى كون تحالف آبي أحمد مع الأمهرة هو أساس المشاكل. إذ حاولت قومية الأمهرة من خلال تحالفها معه استعادة مكانتها السياسية التي كانت قومية التيجراي. قضت عليها منذ تسعينيات القرن الماضي مع سيطرة ميلس زيناوي على السلطة.

بسبب مواقفها ودعمها لحكومة آبي أحمد كان إقليم الأمهرة هدفاً لجبهة تحرير التيجراي خلال حربها ضد الحكومة. حيث تم الاستيلاء على مدينتي ديسي وكاتلوشيا الاستراتيجين في إقليم الأمهرة. ما كان سبباً في إعلان الطواري ودفع سكان الإقليم إلى القتال أو تسليم الأسلحة التي بحوزتهم للحكومة.

لعل أبرز أسباب الصراع في إثيوبيا الآن هو سياسات الأمهرة التي حاولت تمريرها من خلال تحالفها مع أحمد. التي تستهدف في معظمها القضاء على فكرة فيدرالية الدولة وإحياء صيغة الحكم المركزي الذي حكم به الإمبراطور هيلاسلاسي إمبراطور الأمهرة. الذي يعتبرون أنفسهم من الأصول السامية. وهو محور رئيسي للخلاف مع التيجراي الذين حكموا إثيوبيا مع مجيء ميلس زيناوي وتدشينه لنظام الفيدرالية الذي حقق نوعاً من الاستقرار السياسي النسبي منذ التسعينيات حتى 2015 وقيام الثورة ضد سيطرة التيجراي على مفاصل الدولة الحيوية رغم أقليتهم وتهميش القوميات الأخرى.

أزمة الفشقة

ولم يكن تحالف آبي أحمد مع الأمهرة سببا في تصاعد الغضب الداخلي ضده. بل كان سببًا في تأجيج الصراع والنزاع بين حكومته والسودان أيضاً. حيث تستولى مجموعات منهم على أراضي الفشقة السودانية وتؤمنهم ميليشيات مسلحة اذ يعتبرون في هذه الأراضي الخصبة مورد اقتصادي حيوي لإقليم الأمهرة. وهو ما رفضته السودان حيث بدء الجيش السوداني عمليات لتحرير أراضي الفشقة. فيما رضخ أحمد لضغوط الأمهرة الذين باتوا الظهير السياسي الوحيد له بعد انقلاب التيجراي والأورومو عليه. وأفشلت حكومته كافة محاولات الحل السلمي أو التفاوض لترسيم الحدود والانسحاب من الأراضي السودانية، ما كان سبباً في حالة من العداء مع السودان زادت حدتها مع تعقد ملف سد النهضة.

ولعل الصراع مع التيجراي هو المفجر الرئيسي للتوتر والاحتمالات التي باتت قوية للانقلاب على آبي أحمد والإطاحة به. إذا يشكل التيجراي 6%  فقط من الشعب الاثيوبي، يتمركزون في إقليم التيجراي شمال البلاد. حيث يحكم الإقليم الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي. التي كانت أقوى أطراف الائتلاف الحاكم في إثيوبيا لسنوات عديدة وظل أعضاءها يسيطرون على المفاصل الهامة للدولة الإثيوبية منذ حكم ميلس زيناوي والإطاحة بالإمبراطور الأمهري هيلاسيلاسي.

مُنذ تولي آبي أحمد الحكم وتحالفه مع الأمهرة كان الهدف الرئيس غير المعلن هو القضاء على سيطرة التيجراي على الدولة الإثيوبية. إذ ارتكنت سياسته إلى أيدولوجية القضاء على الأقاليم الفيدرالية. ما رأت فيه جبهة التيجراي أنها محاولات للتطهير العرقي. حيث رفضوا الانضمام إلى حزب الرخاء الذي حاول آبي أحمد أن يكون الحزب الوطني الأوحد في البلاد. حتى بدأت حملات من الاعتقالات لقادة التيجراي وفق تهم فساد وغيرها حتى احتدم الخلاف في سبتمبر قبل الماضي. عندما تحدت الجبهة الحظر المفروض على الانتخابات وتأجيلها بسبب جائحة كورونا وأجرت تصويت داخل الإقليم وهو التحدي الذي اعتبرته الحكومة بأنه غير قانوني وقامت على إثره الحرب ضد الإقليم.

قوة جبهة التيجراي

وكشفت الحرب على التيجراي مدى قوة جبهة تحرير شعب التيجراي سياسياً وعسكريًا. فبعيدا عن قدرة جيش الجبهة في تكبيد الجيش الوطني الفيدرالي خسائر متتالية والسيطرة على مدن رئيسية. وآسر ما يقرب من 7 ألاف جندي من الجيش النظامي عند تحرير مدينة ميلكلي عاصمة إقليم التيجراي بعد 8 أشهر من بداية القتال. إلا أن قدرة الجبهة على التحالف مع قوات الأورومو كان تطور هام. أضاف لقوة جبهة التيجراي النوعية كأكبر جبهة مقاتلة في العتاد والتسليح خلال الصراع ضد نظام آبي أحمد.

حرب التيجراي
حرب التيجراي

لعل القدرة النوعية لجبهة تحرير التيجراي على توحيد المعارضين في صفها وقيادة حركة تغير للإطاحة بالحكومة في أديس أبابا. تتشابه في صراعها مع آبي أحمد مع ما قام به ميلس زيناوي. في قيادة الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية ABRDF الذي كانت جبهة تحرير تيجراي جزء منها في 1991. حيث استمرت حربها ضد نظام الماركسي منجيستو هيلاماريم. لأكثر من 27 عاماًـ الذي كان يدير الدولة بالصبغة العسكرية من خلال قوات الدرع التي شكلت بالتتنسيق بين القوات المسلحة والشرطة والجيش في الأقاليم، وعرفت باسم الإرهاب الأحمر. وقتل على يدها عشرات الآلاف من الشباب.

ودخلت إثيوبيا وقتها في حرب أهلية طويلة ضد المتمردين. زاد من وطأتها المجاعة والجفاف حتى مجيء زيناوي. وسيطرة الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية على السلطة. وبالرغم من سياساته الإصلاحية وانتهاء المجاعة والحرب الأهلية. إلا أن سياسات قمعية وتدني مستوى الديمقراطية كان سببًا في تعزيز الحقد الاجتماعي من القوميات الأخرى ضد التيجراي الذي فتح لهم زيناوي الباب على مصراعيه للسيطرة على الدولة.

قائد التيجراي.. والقائد المنتظر

لسيطرة الصبغة العرقية على الصراع حالياً في إثيوبيا. تختفي الزعامة الفردية لقائد الصراع بعد انضمام قوميات أخرى للحرب على آبي أحمد إلى جانب التيجراي. إلا أن دبرصيون جبراميكائيل يعد الشخصية المنافسة الأقوى والمرشحة بقوى الآن لتصدر المشهد السياسي. إذا ما انتهى الصراع للإطاحة بأبي أحمد.

يمتلك دبرصيون الذي عاد إلى إقليم التيجراي بعد خلافات وتهميش حليفه أبي أحمد منذ توليه السلطة وسياساته بفك الائتلاف الوطني الحاكم. مهارات قتالية واستخباراتية واسعة حيث لعب دورا حيويا في تطوير القدرات الاستخباراتية لجبهة تحرير التيجراي. التي مكنتها من التنصت على محادثات الجيش الإثيوبي والتشويش على اتصالاته اللاسلكية وتحقيق انتصارات متتالية خلال العام الماضي.

وتظهر تحركات جبهة تحرير التيجراي منذ اندلاع الحرب مدى قدرة دبرصيون في التحرك والتواصل مع المجتمع الدولي. حيث استطاع كسب تعاطف ومساندة الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة في دعوة لمواجهة سياسات آبي أحمد التي تجر إثيوبيا لدوامة تؤدي إلى حرب أهلية تنعكس أثارها على القرن الأفريقي بأكمله.