بحميمية شديدة، رحّب وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بنظيره المصري سامح شكري. أمام عدسات الكاميرات في غرفة بنجامين فرانكلين بمبنى الخارجية. موضحًا العلاقة الطويلة التي تجمعهما، منذ عمل شكري سفيرًا لمصر في الولايات المتحدة. وحتى التقيا أمس الثلاثاء، لإطلاق جولة الحوار الاستراتيجي بين البلدين.

يعود الحوار الذي انقطع قبل سنوات، على عزم استعادته بإيقاع أكثر انتظامًا. بينما تستعد مصر والولايات المتحدة العام المقبل لذكرى مئوية تأسيس العلاقات الدبلوماسية. فوفق بلينكن “أحد أسباب قوة العلاقة هو أننا لا نحافظ عليها فحسب. بل نعمل باستمرار على توسيع المجالات التي نتعاون فيها”.

وتابع: “نحن بحاجة إلى الاستمرار في القيام بذلك معًا. سنستمر في استثمار في كل هذه الفرص. سواء كان ذلك يتعلق بالمناخ، أو التجارة. والشراكة بشأن الأمن والاستقرار الإقليميين. وحتى عملنا معًا في مجال حقوق الإنسان. لأنه في النهاية، نعلم أنه من مصلحتنا بشدة القيام بذلك”.

أجندة عميقة

كان حديث وزير الخارجية الأمريكي مليئًا بالتأكيدات على متانة العلاقة. ليس على المستوى الرسمي فحسب، بل والشعبي كذلك. فاختار أن يضرب أمثلة حياتية توّضح هذا الأمر، من المصريين المؤثرين، أو الأمريكيين من ذوي الأصول المصرية.

ولفت إلى أن البلدين لديهما “أجندة واسعة وعميقة بشكل لا يصدق”.

قال: “الروابط بين دولتينا لا تعد ولا تحصى للمصريين. ومن المصريين الأمريكيين من يشكلون الحياة الأمريكية. من أفلام رامي مالك إلى الأخبار التي تأتي إلينا كل يوم من هدى قطب. إلى الابتكارات المصرية التي نستخدمها كل يوم، من التقويم 365 يومًا إلى عمليات زراعة القلب التي ابتكرها مجدي يعقوب.

أوضح أيضًا أن بلاده قدمت منحًا دراسية وبرامج تبادل لأكثر من 23000 من المصريين والأمريكيين. مثل برنامج الزائر الدولي للقيادة. الذي احتفل للتو بعيده الثمانين. قال: أحد أهم المشاركين في البرنامج، إذا عدت إلى الوراء. كان أنور السادات، الذي جاء إلى الولايات المتحدة لأول مرة عام 1966 مع زوجته جيهان.

وأضاف: “لقد شكلا روابط استمرت لبقية حياتهم. والتي، بالطبع في حالة الرئيس السادات، تم قطعها بشكل مأساوي”.

ولفت إلى أن جيهان السادات قضت عقودًا في التعاون مع المدافعين عن حقوق المرأة الأمريكية. والمنظمات الإنسانية والمؤسسات الأكاديمية. بما في ذلك جامعة ميريلاند حيث قامت بالتدريس هناك “ننضم إلى مصر في الحداد على وفاتها هذا العام”.

وزيرا خارجية مصر والولايات المتحدة في المؤتمر الصحفي

تعزيز الشراكة

قال شكري إن تجربة السنوات العشر الماضية أثبتت أن حماية التماسك الاجتماعي والسلامة الإقليمية للدولة القومية. وكذلك الحفاظ على استقرار وفعالية مؤسساتها. أمر حيوي لتحقيق آمال التغيير والتحديث، وللحماية من صعود السياسات القائمة على الهوية والميليشيات الطائفية.

وشدد: “ينبغي أن يكون هذا مبدأً موجهاً لجهودنا الدبلوماسية المشتركة لاستعادة السلام والاستقرار في منطقتنا المضطربة”.

وتابع: “توفر هذه الجولة من الحوار الاستراتيجي فرصة ممتازة. لنناقش مجموعة متنوعة من القضايا الثنائية ذات الاهتمام المشترك وكذلك الأزمات الإقليمية”.

وأكد أن الحوار “سيسمح بتقييم مصلحتنا المشتركة. والتأكيد على قيمة شراكتنا الاستراتيجية. ودراسة جميع جوانب علاقاتنا. وتوقعاتنا على خلفية التقارب الأوسع لمصالحنا الاستراتيجية. وبالتالي توفير أساس متجدد يمكن من خلاله تعزيز وتوسيع العلاقات الحيوية بين بلدينا”.

تعاون مستمر

“لقد أتيحت لنا الفرصة للقاء في القاهرة منذ عدة أشهر. ثم في نيويورك خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة. وتواصلنا على الهاتف في مناسبات عديدة منذ ذلك الحين”. بهذه الإشارة إلى دوام التواصل، طرح بلينكن النقاط التي سيتناولها الحوار الذي يُختتم اليوم الأربعاء.

ويضم الحوار مسؤولين أمريكيين من وزارة الخارجية، ووزارة الدفاع “البنتاجون”، ومسؤولين من الوكالة الأمريكية للتنمية.

أمّا شكري، فرّد حميمية بلينكن بمثلها، حينما أعرب عن سعادته “أن أشارك مع صديقي العزيز توني في رئاسة هذه الجولة من الحوار الاستراتيجي بين مصر والولايات المتحدة”. لافتًا إلى أن الصداقة بين البلدين “صمدت أمام اختبار الزمن”.

وأضاف: “أشكره على حفاوة الاستقبال والمناقشات البناءة التي أجريناها والتي ما زلنا مهتمين بعقدها. سواء في محادثاتنا الهاتفية أو خلال اجتماعنا على هامش الأمم المتحدة.  وإنني أتطلع إلى استمرار علاقاتنا الشخصية والمهنية”.

 

 

منطقة مضطربة

أوضح وزير الخارجية المصري أن الشرق الأوسط منطقة لا تزال تواجه العديد من التحديات المعقدة. وشدد على الاعتقاد المصري بأن الشراكة مع الولايات المتحدة كانت ولا تزال ضرورية للحفاظ على السلام وتعزيز الرخاء.

وقال: “الواقع أن العلاقة الدائمة بين بلدينا تقف كحجر الزاوية للاستقرار في منطقة مضطربة. كان العقد الماضي فترة من التجارب والمحن في الشرق الأوسط. لحسن الحظ، صمدت مصر في وجه العاصفة. وتؤدي دورها التقليدي كقوة استقرار في المنطقة”.

لكنه أوضح كذلك أنه في بعض الأحيان “كما هو طبيعي بين الشركاء، لم تتقارب وجهات نظرنا بالضرورة. لم تتباعد سياساتنا أو وجهات نظرنا الاستراتيجية في أي وقت”.

العلاقة مع إسرائيل

كالعادة، تضع الإدارة الأمريكية العلاقة مع إسرائيل في المرتبة الأولى عند الحديث إلى مصر. وكانت أول ما أثنى عليه بلينكن خلال حديثه في المؤتمر الصحفي. لافتًا إلى أن اتفاقية كامب ديفيد مثّلت حجر الأساس للسلام في المنطقة “لقد ساعدت في تمهيد الطريق للدول العربية الأخرى لصنع السلام مع إسرائيل”.

أضاف: “لم تكن العلاقة بين مصر وإسرائيل أقوى من أي وقت مضى. كما رأينا في زيارة رئيس الوزراء بينيت الأخيرة في سبتمبر للقاء الرئيس السيسي، وهي أول رحلة على هذا المستوى منذ أكثر من عقد”.

وثمّن وزير الخارجية الأمريكي، في حديثه، جهود الوساطة المصرية لتحقيق وقف إطلاق النار في مايو الماضي بين قطاع غزة وإسرائيل “كما التزمت مصر بتقديم 500 مليون دولار لإعادة إعمار غزة. من بين جهود أخرى لتحسين حياة الشعب الفلسطيني”.

تنسيق أمني وعسكري

أشار شكري إلى أن كلا البلدين تتمتعان بمستوى عالٍ من التنسيق على المستوى السياسي. ضاربًا مثال بالتعامل الأخير بشأن الوضع في غزة. وأوضح أن التعاون العسكري والأمني يكتسب أهمية أكبر. بالنظر إلى التحديات العديدة التي تواجه السلام والاستقرار في المنطقة.

وقال: “جرت مناورات النجم الساطع في سبتمبر الماضي. واستكملت بتبادلات متكررة بين كبار قادتنا العسكريين. بما في ذلك الاجتماع الأخير للجنة التعاون العسكري الثنائية”.

وتابع: “بالمثل، ساهم تعاوننا العسكري الثنائي الوثيق، والدعم اللوجستي المتبادل، في قدرة الولايات المتحدة على الحفاظ على مصالحها الأساسية في المنطقة. وتعزيز مرونة وضعها العسكري، وقدرتها على استعراض قوتها عبر المنطقة”.

الاتفاق النووي

أمّا فيما يتعلق بإيران، يتشارك البلدان مخاوف جدية بشأن نفوذ إيران. الذي وصفه بلينكن بـ “المزعزع للاستقرار في المنطقة”.

وتابع “بما في ذلك دعمها للإرهاب. وبرنامج الصواريخ الباليستية. والممارسة المؤسفة المتمثلة في الاحتجاز التعسفي للمواطنين الأجانب، بما في ذلك المواطنين الأمريكيين، لممارسة الضغط السياسي.

وأعرب وزير الخارجية الأمريكي عن مخاوف بلاده قائلًا: “ستكون إيران التي تمتلك سلاحًا نوويًا قوة مزعزعة للاستقرار في المنطقة وخارجها. لهذا السبب التقى الرئيس بايدن مؤخرًا في روما بنظرائه الألمان والفرنسيين والبريطانيين. لمناقشة كيف يمكننا العمل معًا لإعادة إيران إلى الامتثال لخطة الاتفاق النووي.

انتخابات ليبيا

أكد بلينكن أيضًا أن مصر لعبت دورًا رئيسيًا في الدفع من أجل عملية سياسية شاملة. ولإجراء الانتخابات في ليبيا في موعدها في ديسمبر المُقبل.

وأوضح: “عملنا معًا لمساعدة الليبيين على حل القضايا الاقتصادية الملحة. بما في ذلك توحيد البنك المركزي الليبي”.

ونفيًا لمزاعم تورط مصر في دعم شركات مرتزقة أجنبية في ليبيا، أو استمرار الخلاف في الرؤى بين البلدين. قال بلينكن: “نتفق كثيرًا على أهمية الانسحاب الكامل لجميع القوات الأجنبية والمقاتلين والمرتزقة من البلاد”.

أزمات أفريقيا

أكد بلينكن في حديثه للصحفيين أن هناك مصلحة مشتركة للولايات المتحدة ومصر في إعادة الانتقال الديمقراطي في السودان إلى مساره الصحيح. مُشددًا أن الانقلاب العسكري الذي قام به الجنرال عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر الماضي “أدى إلى زعزعة الاستقرار بشكل خطير”.

وقال: “إن استعادة الحكومة الانتقالية بقيادة مدنية هي السبيل الوحيد لتسهيل تطلعات الشعب السوداني. الذي أظهر شجاعة ملحوظة في مطالبته المتكررة بالديمقراطية”.

وأضاف: “كما ناقشت مع قادة السودان. فإن إطلاق سراح جميع المعتقلين منذ 25 أكتوبر، ورفع حالة الطوارئ، وإنهاء العنف ضد المدنيين. هي خطوات أولى حاسمة لاستعادة الحكومة الانتقالية التي يقودها المدنيون”.

أمّا إثيوبيا، فقد وصف وزير الخارجية الأمريكي الحرب الأهلية الدائرة بها حاليًا بأنها “أزمة تعرض استقرار منطقة القرن الأفريقي للخطر”. وأن بلاده تواصل العمل مع جميع أطراف الصراع والدول الفاعلة في المنطقة لتشجيع مفاوضات السلام دون شروط مسبقة سعيا لوقف إطلاق النار.

وأكد على ثبات الولايات المتحدة في دعم اتفاق تفاوضي بشأن الخلاف حول سد النهضة “من شأنه تلبية مصالح جميع الأطراف. بما في ذلك احتياجات مصر المائية. وهو الأمر الذي ناقشه الرئيسان بايدن والسيسي مباشرة”.

مناقشات حقوقية

وفي نقطة يبدو أنها لا تحظى بنفس الاتفاق الذي شهدته القضايا السابقة. أشار وزير الخارجية الأمريكي إلى استمرار المناقشات بين الوفدين فيما يخص حقوق الإنسان.

مع ذلك أوضح أن بلاده ترحب “ترحيبًا حارًا” بإطلاق مصر لاستراتيجية وطنية لحقوق الإنسان.

وقال: “نحن ملتزمون بالعمل معًا لتحقيق الأهداف الرئيسية. مثل إصلاح أنظمة الاحتجاز السابقة للمحاكمة. وحماية الحق في حرية الصحافة وحرية التعبير”.

لكنه تابع: “هناك أيضًا قضايا أخرى مثيرة للقلق. والمزيد من المجالات التي يمكن فيها اتخاذ خطوات إيجابية. ليس لأن الولايات المتحدة أو أي شخص آخر يسأل. ولكن لأن هذا في مصلحة الشعب المصري. وكما ناقشنا هذا الصباح، فإن إجراء تحسينات ملموسة ودائمة على حقوق الإنسان أمر ضروري أيضًا لتعزيز علاقتنا الثنائية”.

وأكد أن الولايات المتحدة “ستواصل دعم هذه الجهود بأي طريقة ممكنة”.

تحديات نموذجية

ردًا على تعليق نظيره الأمريكي، أشار شكري إلى أن القيادة المصرية تدرك أنها تواجه العديد من التحديات التي وصفها بـ “نموذجية لمجتمعات ما بعد الثورة”.

وأضاف: “في الواقع، يواجه صانعو السياسات في جميع أنحاء العالم معضلة كيفية جني فوائد التغيير مع تقليل المخاطر والمخاطر المرتبطة بالاضطراب. إن اقتناعنا في مصر هو أن التغيير المنظم يوفر لنا أفضل فرصة للنجاح حتى يتقدم المجتمع إلى الأمام”.

ولفت إلى وجهة نظر الدولة المصرية باعتبار أن حقوق الإنسان وحدة مترابطة. مما يستلزم تكريس اهتمام متساوٍ للحقوق السياسية والحريات المدنية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

وأكد: “هذه عملية تطورية فريدة لكل بلد. تعكس وتأخذ في الاعتبار خصوصياتها الاجتماعية. وحقائقها التنموية. وخلفيتها الدينية وخصائصها الثقافية.

دروس متبادلة

أوضح وزير الخارجية المصري أنه إذا كان هناك درس يمكن تعلمه من الأحداث في السنوات الأخيرة. فهو أن هناك حاجة مستمرة للتأمل المتبادل فيما يتعلق بالتحديات التي تواجهها مجتمعاتنا.

وأكد أنه يجب الاعتراف بأن الأمر متروك في النهاية للشعب المصري، ليقرر بنفسه ما يريده فيما يتعلق بالنظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي من شأنه أن يضمن ويعزز رفاهية المواطنين المصريين.

ولفت شكري إلى أن الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، والتي تم إطلاقها مؤخرًا بتأييد رئاسي. تم تطويرها من خلال عملية استشارية واسعة النطاق. بمشاركة نشطة من أصحاب المصلحة المجتمعيين.

وأوضح أن قرار الرئيس السيسي الشهر الماضي بإنهاء حالة الطوارئ في جميع أنحاء مصر “دليل قاطع على عزمنا وعزمنا على مواصلة شق طريقنا نحو دولة ديمقراطية حديثة. ولصالح مواطنينا أولاً وقبل كل شيء”.

بعيدًا عن النزاعات

بخلاف الحديث عن السياسة، أوضح بلينكن أن الحوار الاستراتيجي بين مصر وبلاده يمنح فرصة لتعميق الجهود لمواجهة التحديات العالمية مثل COVID-19 وأزمة المناخ. مشيرًا إلى تقديم أكثر من 8.2 مليون جرعة من اللقاحات. بالإضافة إلى حوالي 55 مليون دولار للمساعدة في تعزيز قدرة البلاد على مكافحة الفيروس.

وعن الأزمة المناخية، تطرق الحديث إلى قمة المناخ COP26، والتي شارك فيها الرئيسان بايدن والسيسي. أثنى بلينكن على الالتزام المصري بالاعتماد على الطاقة المتجددة من 20 إلى 42% بحلول عام 2035. وخفض الاعتماد على الوقود الأحفوري.

وأضاف: “نرحب بملف مصر لاستضافة COP27. ونحن بصدد إطلاق فريق مشترك معني بالمناخ. للسماح بتنسيق أوثق في الفترة التي تسبق هذا الحدث”.

شدد بلينكن كذلك على التعاون الاقتصادي كأولوية للنقاش. حيث تمول الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية مشروعات حاليًا بقيمة 600 مليون دولار. يشمل ذلك برنامجًا جديدًا مدته خمس سنوات بقيمة 36 مليون دولار لزيادة قدرة الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم على تصدير سلعها وتحسين بيئة التجارة والاستثمار في مصر.

وتعد مصر أكبر سوق تصدير للسلع الأمريكية في أفريقيا. حيث تدعم الاستثمارات الأمريكية المباشرة بقيمة 24 مليار دولار أكثر من 40 ألف وظيفة للمصريين. وما يقرب من 30 ألف وظيفة للأمريكيين في مصر.

وأكد بلينكن: “من خلال هذه الجهود، يكون هدفنا ثابتًا. دعم مصر لتصير أكثر ازدهارًا وشمولية. هذه الأنواع من الاستثمارات ليست جيدة فقط للشعب المصري، ولكن للأمريكيين أيضًا. لذلك نحن نبحث عن طرق لتعميق هذا التعاون “.

ولفت الوزير الأمريكي إلى إطلاق لجنة اقتصادية مشتركة جديدة نتيجة لاجتماعات هذا الأسبوع “وهي مهمة أكثر من أي وقت مضى. نظرًا للتأثير المدمر لـ COVID-19”.