اشترت دعاء عامر، ربة منزل، 7 أرغفة فينو بـ 10 جنيهات، بحجم أصغر من المعتاد، وهو ما فسرها له صاحب المخبر بسبب ارتفاع سعر الدقيق. عامر لديها 4 أطفال، منهم في مراحل دراسية مختلفة، لذا فهي تحتاج يوميا 12 رغفيا لتحضير وجبة الفطار لأبنائها.
منذ بداية العام الدراسي الحالي، أدركت الأم أن هذا العام لن يشبه سابقيه، بسبب الارتفاع المستمر في أسعار المخبوزات، ليس هذا فقط ما أردكته، بل شعرت بأن مصروف منزلها لن يكفي هذا البند، في ظل زيادة مطردة لا تعلم متى تتوقف، وبالتأكيد لن تعود لسابق عهدها.
يتسق هذا مع توقعات منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “الفاو” التي أعلنت في وقت سابق أن إنتاج الحبوب خلال العام الجاري 2021 سترتفع لتبلغ نحو 2 مليار و800 مليون طن بزيادة قدرها 1.1%، بسبب الطلب المتزايد على الأغذية وخاصة الحبوب بعد تجاوز وباء “كوفيد-19” أقصي مراحل صعوده وعودة العالم من مرحلة “الإغلاق العام” التي استغرقت أغلب أوقات العام الماضي 2020.
بدائل الحكومة المصرية بعد ارتفاع أسعار القمح
تصدرت مصر لسنوات قائمة أكبر الدول المستوردة للقمح، حيث تستورد سنويا نحو 12 مليون طن لتغطية الاستهلاك المحلي البالغ 20 مليون طن سنويًا، لكن ارتفاع الأسعار العالمية يهدد إمدادات القمح للسوق المصري، حيث كانت آخر مناقصة نفذتها وزارة التموين والتجارة الداخلية خلال شهر أغسطس الماضي، وألغت المناقصات التي أعلنت عنها خلال شهري سبتمبر وأكتوبر بسبب ارتفاع أسعار التوريد المقدمة من المصدرين العالميين.
وأعلن وزير التموين والتجارة الداخلية علي المصيلحي أن موازنة الدولة للعام الحالي تضمنت سعرا لتوريد القمح بلغ 250 دولار للطن بينما ارتفعت الأسعار العالمية لتصل إلي 330 دولار خلال المناقصات الأخيرة التي أعلنت عنها الوزارة، ويعد القمح الروسي المصدر الأول للاستيراد في مصر وبلغت نسبته 80% من واردات مصر خلال العام الماضي 2020.
وتبدو الخيارات محدودة لدى الحكومة المصرية وتنحصر في تحريك المواصفات المصرية للقمح المستورد للنزول بالأسعار عبر استيراد القمح الروماني والفرنسي الأقل جودة، كذلك تحريك الأسعار المحلية للدقيق والخبز لتوازن الارتفاع في السعر العالمي للقمح، وهو ما ظهرت تأثيراته الفعلية في الأسواق بارتفاع سعر الدقيق بنسبة بلغت 20% خلال الأسابيع الأخيرة.
لكن ارتفاع الأسعار العالمية للقمح يزيد أيضا من جاذبية وربحية زراعته للفلاح في مصر، وهو ما أكد عليه نقيب الفلاحين “صدام أبو حسين” أن النقابة تسعى لتشجيع المزارعين على زيادة المساحات المزروعة بالقمح خلال الموسم الحالي، بعد أن بلغت 3.5 مليون فدان في الموسم المنتهي بلغت إنتاجيتها 9 ملايين طن من القمح، وأضاف أن احد البدائل الأخرى لأزمة القمح هي استخدام القمح المخلوط بالذرة والشعير لتعويض النقص الناجم عن تراجع الاستيراد بسبب ارتفاع الأسعار.
وتعمل الحكومة على تشجيع الفلاحين العام الجاري من خلال رفع سعر التوريد هذا العام فاعتبر وزير التموين والتجارة الداخلية ،أن الفلاح سيستفيد من ارتفاع أسعار القمح عالميا مضيفاً أن قيمة الزيادة ستحدد خلال الأيام القليلة المقبلة ولن تكون أقل من 20% زيادة عن العام الماضي.
هل يكفي الاحتياطي الاستراتيجي لتجاوز الأزمة الراهنة
أعلن مجلس الوزراء أن احتياطي القمح المصري يكفي لفترة 6 أشهر من احتياجات البلاد، بعد المخاوف التي اجتاحت السوق بسبب إلغاء مناقصة توريد القمح التي أعلنتها وزارة التموين والتجارة الداخلية بسبب ارتفاع أسعار التوريد.
وأضاف بيان المجلس أن مصر تسعى لتعزيز مخزونها الاستراتيجي من القمح عبر تنويع مصادر وارداتها منه، باعتبارها أكبر مستورد للقمح في العالم، وأن المخزون يضمن استقرار الأسعار في السوق المحلي وعدم تأثرها بالارتفاع في الأسعار العالمية.
وتحدث وزير التموين والتجارة الداخلية الدكتور على المصيلحي عن الأزمة التي لحقت بأسعار القمح العالمي مؤكداً أن الارتفاع ملموس ولكن الاحتياطي الاستراتيجي منه يقدر بنحو 5.3 شهر تبدأ من نوفمبر وفقاً لآخر الأرقام الصادرة عنه في 30 أكتوبر الماضي.
وأرجع وزير التموين والتجارة الداخلية الدكتور علي المصيلحي ارتفاع سعر المخبوزات وبخاصة العيش الفينو إلى زيادة سعر القمح العالمي التي تصل لنحو 80 دولار، معتبراً أن الدولة تتعامل مع الموقف وتعمل على توفير “السعر العادل” في الأسواق.
وترى دعاء عامر أنه لا وجود لما يتم ترديده من وقت لآخر حول السعر العادل فجميع السلع ارتفعت وبعضها غير مبرر قائلة: “الأزمة مش في القمح والدقيق والمخبوزات الموضوع أكبر من كدة مختلف أنواع السلع أصبحت فوق طاقة محدودي الدخل، زمان كنا نؤكد أنه لا احد ينام من غير عشاءه والآن بالفعل أعرف من لا يجدون قوت يومهم وأصبح الكثير ينامون جياع”، معتبرة أن أزمة الارتفاع طالت البيض ومختلف أنواع الألبان والجبن وجميع الخبوزات والزيوت والحبوب بجميع أنواعها سواء قمح أو أرز وحتى المكرونة والتجار لا ضابط لأدائهم في السوق والاستغلال أصبح سيد الموقف”.
بعد زيادة سعتها التخزينية.. دور الصوامع في تخطي أزمة زيادة سعر القمح
زادت مصر من السعة التخزينية للقمح من 1.6 مليون طن قبل عام 2011 لتصبح 3.4 مليون طن هذا العام عبر المشروع القومي للصوامع، وتمتلك مصر منها 44 صومعة بالإضافة إلي ستة أخرى من المتوقع أن تصبح في الخدمة قبل نهاية العام الجاري 2021، وتسهم الصوامع ليس فقط في التخزين بل أيضا في تقليل الهدر في القمح والذي كان يصل في السابق إلى 10% من المخزون.
ويمكن للصوامع أن تسهم في حل الأزمة أيضا من خلال توفيرها لمخزون طويل يكفي السوق المحلي لأشهر، وكلما زادت السعة التخزينية أمكن للحكومة تحمل فترات ارتفاع الأسعار والأزمات لحين عودة السوق العالمي لاستقراره وانخفاض الأسعار مجددا في فترات تراجع الطلب على القمح.
ويتضمن المشروع القومي للصوامع 50 صومعة أخرى قيد الإنشاء في 17 محافظة ستضيف سعة تخزينية تصل إلي 1.5 مليون طن، وهو ما يعادل استهلاك البلاد لمدة شهرين إضافيين، حيث كان وزير التموين قد أكد في السابق أن الاستهلاك الشهري للقمح في مصر يبلغ 800 ألف طن.
أدوات الحكومة لمنع تكرار تأثرها بأزمة القمح العالمي
تعمل مصر على خطة قصيرة المدى لرفع معدل الاكتفاء الذاتي من القمح من 51% العام الماضي لتصل إلي 65% بحلول عام 2025، ضمن الخطة القومية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.
حيث سيتم رفع المساحة المزروعة بالقمح سنويا بمقدار 300 ألف فدان، بدأت خلال العام الجاري والذي سيشهد زراعة 3.7 مليون فدان قمح بدلا من 3.4 مليون فدان في الموسم السابق.
كما تعمل الحكومة على تعميم زراعة الأنواع المستنبطة من القمح في مراكز البحوث الزراعية المصرية والتي ارتفعت بإنتاجية الفدان بنسبة 10% من 2.7 طن ‘لي 3 طن للفدان، تشمل الخطة أيضا ترشيد الاستهلاك السنوي للفرد من القمح من 180 كجم إلي 150 كجم فقط.
تشمل الخطة أيضا تعميم نظام الزراعة على المصاطب والذي يساهم في ترشيد كميات المياه اللازمة للري ويقلل من كمية التقاوي المستخدمة بنسبة 25%، يذكر أن الزراعة تساهم بنسبة 15% من الناتج المحلي الإجمالي لمصر، وتستوعب 25% من القوى العاملة، وتسهم بنسبة 18% من إجمالي الصادرات المصرية للخارج.