أمام محل بقالة صغير تقف سيدة عجوز تحلق في لافتات الأسعار التي تتوسط أجولة الفول على جانبي المحل. وقفت تفكر كثيرا قبل طلب نصف كيلو من أدنى سعر للكيلو البالغ 14 جنيها، دون الانتباه لنوعه. لتعود به إلى منزلها وهي تحسب ما تبقى لها من نقود بعد أن ذهب نصفها بالكامل إلى الفول.

تتساءل “فتحية” السيدة العجوز التي تحصل على معاش تكافل وكرامة “ما العمل؟”. قائلة “كل حاجه بقت غالية حتى الفول اللي عايشين عليه.. الطير اللي عندي بياكل فول نابت، كدة إحنا الاتنين مش هنعرف نعيش”.

طالت الارتفاعات المستمرة لأسعار السلع الغذائية الأساسية الفول وهو “طبق الفقراء” الرئيسي. الذي تعتمد عليه معظم الأسر المصرية في وجبتي الإفطار والعشاء وأحيانا الغذاء. حيث ارتفع سعره 5 جنيهات دفعة واحدة من 9 إلى 14 جنيها.

وتتراوح أسعار الفول حاليا ما بين 14 و18 جنيها لسعر الفول المحلي مقابل 12 و14 جنيها لكيلو المستورد.

وأرجع البعض ارتفاع أسعار المواد الغذائية للتغييرات المناخية والتي تقود إلى تغيير معادلة الأمن الغذائي العالمي من خلال انخفاض إنتاج المحاصيل والثروة الحيوانية. بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الشحن العالمية بنسب مرتفعة.

ارتفاع أسعار الفول 

“ارتفعت أسعار الفول المستورد تدريجيا بين 15 و20% خلال 3 أسابيع الماضية بالأسواق” وفق تصريحات نائب رئيس شعبة الحاصلات الزراعية بغرفة القاهرة التجارية عبور العطار. ويقول “ارتفع سعر الطن ليتراوح بين 9 آلاف و10500 جنيه مقابل 7500 جنيه و9 آلاف جنيه، بزيادة قدرها 1500 جنيه زيادة في الطن بسوق الجملة”.

وتشير تلك الأسعار إلى التأثير المباشر على الأسرة المصرية التي تعتمد على الفول بشكل أساسي في حياتها اليومية. حيث يذهب 180 جنيها من ميزانيتها للفول فقط، في حالة الاعتماد عليه بشكل يومي.

وتقول منى عبد الله، إنها تقوم بشراء كيلو فول كل 3 أيام نظرا للاعتماد عليه في وجبتين أساسيتين الفطار والعشاء. وأحيانا من الممكن استخدامه كوجبة للغذاء بعد إضافة الطماطم له.

فوجئت منى قبل أيام بزيادة الأسعار، فبعدما كانت تقوم بشراء كيلو الفول بـ 9 جنيهات أصبحت تدفع 14 جنيها، موضحة أن سعر الكيلو في مناطق أخرى يصل إلى 18 جنيها. وتتساءل منى: “الفقير هياكل أيه بعد زيادة أسعار الفول والزيت؟”.

الحكومة أرجعت زيادة أسعار الفول المستورد إلى عدة أسباب، من بينها ارتفاع أسعار الشحن بشكل كبير خلال الشهور الماضية. والتي أدت إلى انخفاض عملية الاستيراد بنسبة 30%، من جانب المستوردين. مما أدى إلى انخفاض المخزون الذي تأثر خلال فترة كورونا، وبالتالي أدى إلى زيادة التكلفة الإنتاجية.

نائب رئيس شعبة الحاصلات الزراعية بغرفة القاهرة التجارية، ويقول إن شحنات الفول المستورد الجديدة وصلت متأثرة بزيادة ارتفاع أسعار الشحن. ويشير العطار إلى أن أسعاره الفول البلدي تتراوح ما بين 11 ألف إلى 13 ألف و500 جنيه في الجملة. ويصل للمستهلك بين 16 و24 جنيه للكيلو.

بطبيعة الحال لحق تأثير ارتفاع أسعار الفول بالمطاعم، ليزيد سعر ساندويتش الفول والطعمية 50 قرشا، ويبلغ سعره 350 قرشا.

يستهلك فتحي، صاحب مطعم، يوميا ما يصل إلى 50 كيلو يوميا بتكلفة 1150 جنيها، وزيادة قدرها 500 جنيها. بعد ارتفاع الأسعار وخاصة الزيوت، يقول فتحي إنه يعتمد على زيادة الأسعار لتعويض فارق السعر.

أزمة أسعار الشحن

ورغم اعتماد المجتمع المصري على البقوليات بشكل أساسي، إلا أن السوق المصري يعتمد على الاستيراد بنسبة 85% لسد احتياجاته، في حين ينتج نحو 15%، لذا تتأثر أسعاره بالأسعار العالمية وفقا للعطار.

سجلت أسعار الشحن ارتفاعا كبيرا منذ نوفمبر الماضي، بعد المرور بأزمة توقف حركة التجارة تأثرا بفيروس كورونا. والتي ساهمت أيضا في أزمة عالمية في مجال الشحن، وبحسب شعبة المستوردين، فإن أسعار الشحن من الصين وصلت إلى نحو 800%. حيث ارتفع سعر الحاوية من 2800 دولار إلى  17.7 ألف دولار، كما ارتفع سعر الشحن من الدول الأوروبية بنسبة 200%. فيما ارتفع سعر الحاوية من 1500 دولار إلى 3.2 ألف دولار.

التغييرات المناخية سببا آخر

وفي نفس السياق، أرجع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، ارتفاع أسعار الفول عالميا للتغييرات المناخية التي ساهمت في تقلص المساحات المزروعة. مشيرا إلى أن سعر البقوليات يتحدد وفقا للأسعار العالمية، خاصة أن مصر دولة مستوردة.

وأثرت التغيرات المناخية على المحاصيل الزراعية في مصر خلال السنوات الماضية، حين وجد الفلاحون أضرارًا بالمحاصيل الزراعية، ولعل أبرز هذه التداعيات أصابت محاصيل الحبوب وأنواع من الخضراوات والفاكهة، كما حدث لموسم المانجو الأخير.

زراعة تعاقدية

ويقترح أبو صدام حلا لأزمة ارتفاع الأسعار -التي كانت وصلت قبل العام الماضي إلى 35 جنيها للكيلو-. من خلال زيادة الرقعة الزراعية إلى 350 ألف فدان لزراعة الفول، بدلا من زراعة 120 ألف فدان للفول و2000 فدان للعدس. مشيرا إلى أن تلك الزراعات تقلصت بسبب عدم استقرار الأسعار والمصاريف المستهلكة للزراعة. بالإضافة للأمراض التي تصيب زراعة الفول دون هامش ربح للفلاح ما أدى إلى عزوف الفلاح عن زراعته.

وأشار أبو صدام إلى أهمية وجود تعاقدات زراعية بين وزارتي الزراعة والتموين لتسهيل بيع المنتج بعد زراعته وبالأسعار المتفق عليها. لشراء الفول البلدي وحتى لا يجد الفلاح نفسه ضحية.

“الفول” في البرلمان

الموجة الأخيرة لارتفاع الأسعار طالت الطبقات البسيطة وغير القادرة، بعد ارتفاع أسعار الزيت للمرة الثانية خلال عام واحد. ليصل سعر الزجاجة في التموين إلى 25 جنيها، ويلحق به أسعار الفول. وهو الأمر الذي دفع عددا من أعضاء مجلس النواب للتقدم بطلبات إحاطة للمستشار حنفي الجبالي.

من جانبه أرجع النائب عبد السلام خضراوي، عضو مجلس النواب. السبب الرئيسي وراء ارتفاع أسعار السلع بـ “ضعف الرقابة وعدم التزام البعض بتدوين الأسعار على السلع”.

وأوضح النائب في طلب الإحاطة أن “الفترة الأخيرة شهدت ارتفاعا كبيرا في أسعار بعض السلع الأساسية والاستراتيجية. ولعل آخرها ما سبق وأن أعلنه وزير التموين بشأن ارتفاع أسعار الزيت. وأن هذا الأمر انعكس بصورة كبيرة على أسعار الوجبة الأساسية للفئات البسيطة. كذلك ارتفاع أسعار الفول، الأمر الذي يمس شريحة عريضة من الشعب المصري”.

وطالب النائب أيمن محسب، عضو مجلس النواب، خلال طلب الإحاطة. الموجه لرئيس مجلس الوزراء، ووزير التموين والتجارة الداخلية بتدخل وزارة التموين لحماية الفئات البسيطة وغير القادرة من موجة الغلاء. سواء من خلال زيادة منافذ بيع السلع والثابتة والمتحركة، والتدخل بشكل عاجل لمنع التلاعب في الأسعار بشكل غير منضبط. مشددا على ضرورة أن يكون هناك مزيد من الرقابة على الأسواق وحملات التفتيش بصورة دورية لاستعادة التوازن وضبط الأسعار مرة أخرى.