حالة من التخبط أربكت المستهلكين داخل الأسواق بحثا عن أسعار مناسبة للسلع خاصة بعد موجة ارتفاع الأسعار. التي طالت معظم السلع الأساسية، فهناك من تحاول تخفيض سعر الطماطم وأخرى تبحث عن “كسر الخضار”. وآخر في المقربة ينتظر “إخلاء الدواجن لشراء هياكلها”، فحافظات نقودهم لن تقوى على أي تحريك محتمل في الأسعار.

تجولت مصر 360 في أحد الأسواق المتوسطة في الحي “السادس” بمدينة 6 أكتوبر. لمعرفة تأثير الارتفاعات الأخيرة على أوضاع المستهلكين، ومن بينهم هدى كامل، وهي أم لثلاث أطفال وتعمل بأحد الجامعات الخاصة. وتقول: “كيلو الطماطم بـ 5 جنيه واحنا هنا في السوق مش السوبر ماركت”.

وأضافت في ضيق شديد: “أنا عاملة وراتبي محدود ولدي ثلاث أبناء في المدارس. حضرت للسوق ومعي 200 جنيه على أمل شراء دجاجة وبعض الخضروات. لأجد سعر الدجاجة بـ 65 جنيه وأحاول جاهدة استكمال مشترياتي بباقي المبلغ”.

تؤكد أن سعر كيلو البطاطس سجل نحو 10 جنيهات ما اعتبرته مرتفعا جدا. قائلة “البطاطس أحد السلع الأساسية خاصة أثناء الدراسة ومنذ أكثر من شهر بات سعرها أكبر من قدرتنا، ولا نعلم السبب”.

وطالبت الدولة بالتدخل لإيقاف استغلال التجار الذين توحشوا سعيا للربح، موضحة “إذا استمر هذا الحال سنجوع جميعا ولن نتمكن من توفير قوت ولادنا”.

التغييرات المناخية المتهم الأول

ويرجع نائب رئيس شعبة الخضروات والفاكهة بالاتحاد العام للغرف التجارية، حاتم نجيب. ارتفاع أسعار الطماطم لتلف الكثير من محصولها بفعل التغيرات المناخية. مؤكداً أن العروة الصيفية المنتهية شهدت نقص كبير في معدل الإنتاج، وعلق آماله على العروة الشتوية الوشيكة والتي تقدر انتاجيتها بنحو 145 ألف فدان.

رأى حاتم نجيب، مزارع، أن ارتفاع أسعار البطاطس هذا العام ناتج عن قلة المحصول. موضحا أن الفلاحين عانوا العام الماضي من انخفاض قياسي في سعر البطاطس وهو ما جعلهم يعزفون عن الزراعة في العروة الصيفية. وقال “الشهر المقبل سيشهد انخفاض في السعر نتيجة بدء توريد العروة الشتوية من محافظة المنيا وهي الأكثر انتاجاً مما سيحرك الأسعار تدريجياً نحو الانخفاض، مقدراً حجم المزروع من العروة الشتوية بنحو 200 ألف فدان”.

 

توقع رئيس اتحاد الغرف التجارية، المهندس إبراهيم العربي أن تعود الأسعار إلى طبيعتها خلال الشهر المقبل. بعد عودة معدلات الإنتاج لما كانت عليه واستقرار الأحوال الجوية.

واعتبر العربي أن الجهات المعنية عملت على تخفيف حدة الارتفاعات العالمية في أسعار السلع الغذائية. من خلال مبادرات قام بها التجار بالتعاون مع الحكومة تمكنت من السيطرة على معدلات التضخم نسبياً.

ورصد الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء معدل التضخم إلى جعل مصر في وضع أفضل من غيرها ليسجل نحو 8% للمعدل السنوي، و1.6 % للمعدل الشهري.

هل هناك حلول للأزمة؟

ومن جانبها تعمل مصر على مستويين أحدهما أفقي والآخر رأسي في توفير الخضروات والفاكهة بالسوق المحلي. بحسب ما أكده نائب رئيس شعبة الخضروات والفاكهة بالاتحاد العام للغرف التجارية، حاتم نجيب. الذي أكد أن الزراعات انكمشت في مختلف أنحاء العالم وفي مصر التغيرات المناخية. جعلت هناك اختلاط في العروات لعدم حسم أمر الحرارة صيفاً أو شتاء حتى اليوم.

واعتبر نجيب أن الخضروات والفاكهة تخضع لآليات العرض والطلب. ولكن هناك توسع على المستوى الأفقي متمثل في عدد من المشاريع منها: “شرق العوينات وتوشكى والمليون ونصف فدان، وغرب المنيا، وطريق العلمين، والضبعة والدلتا الجديدة”. وآخر رأسي يحتوي على إنشاء “100 ألف فدان من الصوب الزراعية التي تعادل مليون فدان من الزراعة التقليدية في قاعدة محمد نجيب والعاشر من رمضان وأبو سلطان في الاسماعيلية”.

كما أن العمل يسير على قدم وساق في تبطين الترع للتعامل مع وضع مصر القاطن تحت خط الفقر المائي. والتوجه نحو الري الحديث الذي سيقلل المهدر من المياه ويزيد الانتاجية بنسبة تتراوح من 40 لـ 60% بحسب نجيب.

وعن الأزمات التي تحتاج للعمل على تداركها يؤكد نجيب أن في مقدمتها توفير قاعدة بيانات دقيقة للفلاح والتوجه نحو التصنيع الزراعي. لتعويض النقص وهو الأمر الذي يحتاج لتكاتف في جهود مختلف الجهات المعنية ومنها الغرف التجارية. ووزارات التموين والزراعة والداخلية والتجارة واتحاد الصناعات وجهاز حماية المستهلك.

أسباب ارتفاع أسعار السلع الغذائية

اتفق رئيس اتحاد الغرف التجارية، المهندس إبراهيم العربي، مع المستهلكين الذين التقيناهم. في وجود ارتفاع ملحوظ وقياسي لبعض السلع خلال الشهر الماضي وحتى نهاية الأسبوع الأول من نوفمبر الجاري. مؤكداً أن هناك ضغط على الأسواق بشكل مباشر نتج عنه ارتفاع حجم الطلب الكلي مقابل ثبات المعروض.

ورصد في بيان رسمي صادر عنه مجموعة الأسباب التي أدت لارتفاع الأسعار ومنها زيادة معدل السياحة الوافدة. التي بلغت نحو 4.4 مليون حتى نهاية الأسبوع الأول من نوفمبر. وهو ما نتج عنه ارتفاع في معدلات طلب الفنادق على اللحوم والدواجن والخضروات والفاكهة. بالإضافة إلى الدخول في العام الدراسي الجديد التي تقوم فيه الأسر بتخزين احتياجاتها من السلع لشهرين في المتوسط.

واعتبر العربي أن ارتفاع حجم الصادرات الزراعية منذ يناير الماضي واحد من العوامل التي أثرت على السوق المحلية. مقارنة بنفس الفترة من العام السابق عليه، فضلاً عن التأثير السلبي للتغيرات المناخية على الإنتاج الزراعي والحيواني.

استغلال التجار

“كل حاجة في السوق ارتفعت وخيرنا بقى لغيرنا”، عبارة بدأت بها سيدة عبد السلام، العجوز الخمسينية. التي جلست في أحد أركان السوق تبيع بعض منتجات الألبان. وقالت إنها تتابع المحطات التلفزيونية التي تتحدث حول “الخير الوفير” والانتاج المرتفع بل و “سد حاجة الأجانب”. في إشارة منها للتصدير، وبعض الأحاديث التي لم تعرها اهتماماً لعدم فهمها كـ “التغيرات المناخية”.

وأضافت سيدة أن “التجار الكبار في سوق الجملة قالوا إننا بنصدر للخارج وبنجيب عملة. طب نموت من الجوع احنا ولا يغلوا علينا الأسعار ولا مش هنلاقي نأكل أولادنا”.

الأرملة الخمسينية أرجعت الأزمة لتوحش كبار التجار في البحث عن المكاسب وزيادة عدد الحلقات الوسيطة. قائلة “من أيد لأيد وكله بيضيف ربح جديد”، مشيرة إلى أنها أرملة أعول أسرة مكونة من 4 أفراد وأختي المطلقة، وعندي ولدين كبار لكنهم يعملون لسد احتياجاتهم وأحيانا لا يستطيعون استكمال شهرهم بدون الاستدانة”.

وقالت إن الوضع أصبح مزري فقد أصبح هناك مشترون “يفاصلون” في الجنيه ونصف الجنيه. وهو مؤشر على تدنى الأوضاع أو كما قالت “كلنا بقينا فقراء ومحتاجين”.

رئيس اتحاد الغرف التجارية المهندس إبراهيم العربي، رأى أن هناك انخفاض في حجم الإنتاج الحيواني. فالتغيرات المناخية أدت لزيادة معدل الهالك “التالف” خاصة في قطاع الدواجن. وهو الأمر الذي تسبب في خروج الكثير من صغار المربين من الأسواق تاركين ورائهم فجوة في حجم المعروض منها.

ارتفاع عالمي

كشفت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “الفاو”، أن أسعار الغذاء ارتفعت بنسبة 33% في أغسطس الماضي. على أساس سنوي، وكذلك مجموعة السلع التي منها اللحوم، والحبوب، والزيوت النباتية مسجلة أعلى مستوى لها خلال 10 سنوات.

وبجانب الأسباب المحلية التي أدت لارتفاع أسعار السلع بالأسواق فهناك عدد من الأحداث العالمية. رفعت معدل التضخم منها الآثار السلبية لفيروس كورونا، وتعدد فترات الإغلاق من وقت لآخر. سواء كان كلياً أو جزئيا، مما تسبب في نقص المخزون الاستراتيجي لأغلب السلع.

وربط المهندس إبراهيم العربي بين تأثر الإنتاج الزراعي العالمي والتغيرات المناخية. وما نتج عنه من ارتفاع معه حجم الطلب العالمي على عدد من المنتجات المصرية ومنها البطاطس تأثراً بانخفاض الحرارة في أوروبا.

وكشف الاتحاد العام للغرف التجارية في بيانات تغير الأسعار التي رصدها بمختلف المحافظات أن أسعار الدواجن ارتفعت الشهر الماضي بنحو 12%. وأن بيض المائدة ارتفع بنحو 20%، وهناك 7% ارتفاع في أسعار اللحوم البلدي. كما تم رصد ارتفاع في بعض أنواع الخضر والفاكهة تراوح من 20 لـ 25%.

بينما طمأن رئيس جهاز تنمية التجارة الداخلية، إبراهيم عشماوي المستهلكين بشأن وفرة السلع الأساسية. مؤكداً أن الاحتياطي الاستراتيجي من الزيت والقمح يكفي لـ 5 أشهر، بينما السكر يكفي لـ 6 أشهر والأرز لنحو 3.5 أشهر.